اجتماعيةدراسات

الدكتور سمير الوصبي يكتب.. الحكامة القيادية: المهارات العقلية (تقدير الذات)

وضع كارل روجرز نظرية أن أصل معظم مشاكل الناس هو أنهم يحتقرون أنفسهم ويعتبرون أنفسهم غير جديرين وغير مستحقين للحب.. بالفعل أصبح مفهوم تقدير الذات في علم النفس الإنساني حقا غير قابل للمصادرة لكل شخص والذي يتلخص في عبارة: “كل إنسان بدون استثناء ولمجرد حقيقة كونه كذلك هو شخص جدير بالاحترام غير المشروط من الجميع، كما يستحق أن يقدر ذاته وأن يقدره الآخرون”.

اقرأ أيضا: الدكتور سمير الوصبي  فلسفة التربية (4)

يمثل تقدير الذات عاملا أساسيا للنجاح في حياة الفرد، فتقدير الذات مطلب حيوي، وهو المعين على حسن التصرف أمام المشكلات، ويجعلنا نشعر بالرضا والسلام النفسي. ولأهميته كان من بين أهم المواضيع في الدراسات البحثية النفسية والتربوية والسياسية، حيث أصدرت ولاية “كاليفورنيا” مرسوما عام 1990 ينص على ضرورة جعله من بين الأولويات التربوية والاجتماعية، مؤكدة أن الصعوبات التي يعاني منها الفرد تعود أساسا إلى انخفاض في تقديره لذاته مما سيؤثر حتما على الولاية ومن ثم على الوطن.

مفهوم تقدير الذات: هو تقييم الفرد لنفسه وشعوره بالاحترام والقيمة والكفاءة. يشمل تقدير الذات قناعات الشخص حول نفسه (على سبيل المثال «أنا كفؤ» أو «أنا ذو قيمة») بالإضافة إلى الحالات الشعورية مثل الانتصار واليأس والفخر والخجل. عرّف سميث وماكي تقدير الذات بأنه «المفهوم الذاتي هو ما نعتقده عن أنفسنا. تقدير الذات هو التقييم الإيجابي أو السلبي للذات وكيف نشعر حيالها».

تقدير الذات جذاب كبناء نفسي اجتماعي لأن الباحثين تصوروه كمحدد مؤثر لبعض المخرجات مثل الإنجازات الأكاديمية والسعادة والرضا في الزواج والعلاقات والتصرف الإجرامي، يمكن أن ينطبق تقدير الذات خاصة في بعض الأبعاد (على سبيل المثال «أنا أعتقد أنني كاتب جيد وأشعر بالسعادة حيال ذلك»).

العديد من الباحثين والمختصين في تقدير الذات وعلم نفس تقدير الذات أثبتوا بالدراسات الميدانية والتجارب التربوية أن تقدير الذات ينمو ويرتفع عند ممارسة بعض التطبيقات السلوكية والمفاهيم والأفكار الإيجابية.

أسس تقدير الذات:

يرتكز تقدير الذات على ثلاثة أسس، وهي حب الذات والنظرة إلى الذات والثقة في الذات، فتواجد هذه الأسس الثلاثة ضروري لتحقيق تقدير الذات.

أ. حب الذات: يعتبر من أهم أسس تقدير الذات، فهو يساعد الفرد على مواجهة الصعوبات التي تعترضه في حياته ويحميه من الوقوع في اليأس، وتجدر الإشارة إلى أن حرمان الذات من هذا الحب يرجع أساسا إلى الطفولة الأولى مما يصعب تداركه فيما بعد.

في هذا السياق يقول العديد من المختصين في علم النفس ومن بينهم أستاذ علم النفس بجامعة تكساس الدكتور (أرت ماركمان) بحقيقة أن الشخصية الأنانية هي التي تضع أهدافها الخاصة بشكل دائم فوق أهداف الأشخاص الآخرين، بينما الشخصية المحبة لذاتها هي التي تعمل على تطوير من حولها عبرها، بمعنى أنها ترى نفسها من ضمن المجموعة وليست منفردة، وهي أيضاً تراعي مشاعر الآخرين واحتياجاتهم وتعمل على تنفيذها على عكس الشخصية الأنانية التي لا يهمها سوى مصلحتها.

ﺏ ـ النظرة للذات: في يوم من الأيام كان محاضر يلقي محاضرة عن التحكم بضغوط وأعباء الحياة لطلابه، فرفع كأساً من الماء وسأل المستمعين ما هو في اعتقادكم وزن هذا الكأس من الماء؟ وتراوحت الإجابات بين 50 جم إلى 500 جم، فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي أظل ممسكاً فيها هذا الكأس، فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء، ولو حملته لمدة ساعة فسأشعر بألم في يدي، ولكن لو حملته لمدة يوم فستستدعون سيارة إسعاف. الكأس له نفس الوزن تماماً، ولكن كلما طالت مدة حملي له زاد وزنه. فلو حملنا مشاكلنا وأعباء حياتنا في جميع الأوقات، فسيأتي الوقت الذي لن نستطيع فيه المواصلة، فالأعباء سيتزايد ثقلها. فما يجب علينا فعله هو أن نضع الكأس ونرتاح قليلا قبل أن نرفعه مرة أخرى. فيجب علينا أن نضع أعباءنا بين الحين والآخر لنتمكن من إعادة النشاط، ومواصلة حملها مرة أخرى. فعندما تعود من العمل يجب أن تضع أعباء ومشاكل العمل ولا تأخذها معك إلى البيت، لأنها ستكون بانتظارك غداً وتستطيع حملها. وتعتبر النظرة للذات تقييم الفرد لصفاته المختلفة وإمكانياته، وقد يكون هذا التقييم إيجابيا أو سلبيا مبنيا على أسس حقيقية أو غير حقيقية.

 

ﺝ ـ الثقة في الذات: تشكل الثقة في الذات الأساس الثالث لتقدير الذات، وهي خاصة بأفعالنا وسلوكنا؛ فثقة الفرد بذاته تجعله يفكر بأنه يستطيع التصرف بطريقة مناسبة إزاء المواقف الهامة.

يحكى أنه كان هناك إمبراطور يقوم قبل كل حرب يخوضها، بإلقاء قطعة نقدية، ففي كل قطعة نقدية كما نعلم كتابة من جهة وصورة من الجهة الأخرى، فإن كانت صورة يقول للجنود: سننتصر، وإن كانت كتابة يقول لهم: سوف نُهزم. هذا الإمبراطور لم يكن حظه يوماً كتابة، بل كانت دوماً القطعة النقدية تأتي على الصورة، حيث يبهر كل جنوده مما يجعل لديهم عزيمة للقتال بحماس حتى النصر. مرت السنوات وهو يحقق الانتصار تلو الآخر، كان الجنود يقاتلون بكل قوة لديهم. استمرت الانتصارات حتى تقدم به العمر، فقرر تتويج ابنه قبل وفاته، وفي يوم التتويج دخل عليه ابنه الذي سيكون إمبراطوراً من بعده وقال له: يا أبي، أريد منك تلك القطعة النقدية، حتى أسير على خطاك وأواصل تحقيق الانتصارات مثلك وأجعلك فخورا بي.

فأخرج الإمبراطور القطعة فأعطاه إياها فنظر الابن للوجه الأول فكان صورة، وعندما قلب القطعة النقدية على الوجه الآخر تعرض لصدمة كبيرة، فقد كان الوجه الآخر صورة أيضا.

تعجب الابن! وقال لوالده الإمبراطور: أنت خدعت جنودك وشعبك طوال هذه السنوات!

فماذا أقول لهم الآن، أبي البطل مخادع؟!

فرد الإمبراطور قائلا: لم أخدع أحدا.. هذه هي الحياة، عندما تخوض معركة يكون لك خياران: الخيار الأول: الانتصار، والخيار الثاني: الانتصـار. فالهزيمة تتحقق فقط إذا فكرت بها، والنصر يتحقق إذا وثقت به!

وهذا معناه أننا لا نتغلب على هموم الحياة بالحظ، ولكن بالثقـة بالله وإرادة النفـس والإصرار على النصر.

 

والجدير بالذكر أن هذه الأسس الثلاثة لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، إنما هناك علاقة تفاعلية بينها، فحب الذات بتحقيق المصلحة العامة يحدث السعادة والتي تسهم في خلق نظرة إيجابية للذات (الاعتقاد بقدراتنا)، والتي بدورها تؤثر بالإيجاب على الثقة بالذات.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى