رأي

عبد الغني دياب يكتب.. الولايات المتحدة “الأمة الخطرة”

الكاتب مدير وحدة الدراسات بمركز العرب للأبحاث

كثيرون قد يرفضون العبارة السابقة، يرون في الولايات المتحدة المثال المتكامل للحضارة الإنسانية، البلد الذي يحترم الإنسان، ويرعى حقوقه، حته أنه يمنحه الحق كثيرا في أن يختار دينه، وميوله الجنسية، وحتى قتل الجنين لو جاء على غير رغبة أمه وأبوه، كلها حقوق تقرها غالبية الولايات الأمريكية، وكثيرون هنا في بلادنا يتطلعون لتلقى تمويلات ضخمة سنويا من الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية، لدعم نفس الحقوق لمواطنينا، لكن الكثير يتجاهلون أو يغضون الطرف عن الوجه الآخر لأمريكا، عن القاتل الأمريكي المتوحش، الذي ورث بلا أي مبالغة ميراث التتار في الأرض، وأن ما تباركه أمريكا اليوم في غزة سبق وأن نفذته في كثير من بلدان العالم، بل إنها أكثر البلدان قتلا للإنسان في التاريخ البشري الحديث، وأن حضارتها محض سراب وحقوقها مجرد شعار يتغير اليوم وغدا وكل ساعة وفقا للمصلحة الأمريكية البحتة.

الكلام السابق ليس محض افتراءات تردد في كل مرة تعتدى علينا نحن شعوب العالم الثالث الولايات المتحدة الأمريكية، أو تردد من أجل مداعبة عواطفتنا عبر استدعاء المظلومية التاريخية، لهذه الأمم من ضحايا الاستعمار الغربي، أو حتى رغبة في استدعاء نظرية المؤامرة لتبرير ما يحدث حولنا، بل إن الأرقام هي التي تقدم هذه المعطيات، وتعطينا هذه النتائج الجبارة، إذ أنه خلال السنوات الـ 245 الماضية بعد إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مستقلة، في 4 يوليو 1776 ، شاركت أمريكا دائما في أحد الحروب القائمة بالعالم باستثناء أقل من 20 عاما فقط لم تشن فيها الولايات المتحدة حروبا على غيرها من الدول.

ليس هذا فحسب بل إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 2001، وقع 248 صراعا عسكريا في 153 منطقة حول العالم ، شنت الولايات المتحدة منها 201، وهو ما يمثل 80% من جميع الحروب في جميع أنحاء العالم. كما تم إساءة استخدام الأسلحة الكيميائية المدمرة إلى أقصى حد من قبل هذه الدولة الإجرامية.

حقوق الانسان العراقية تلوّح بأدلة حول ارتكاب أمريكا جرائم حرب :: نورنیوز

توظيف القيم لنهب الثروات

وخلال تاريخها الذي يمتد لمئات السنين فقط نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في توظيف القيم الإنسانية التي تدعى أنها قيمة على تنفيذها لخدمة مصالحها الشخصية، حتى عندما لم تكن بهذه القوة، لم تتوقف أبدا عن الغزوات والاستعمار والنهب، فمنذ عام 1945 إلى عام 2001، شنت الولايات المتحدة 3.6 حروب أو صراعات مسلحة في المتوسط سنويا، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 5.8 مليون مدني. وأسفر استعمالها للأسلحة الكيميائية عن معاناة الناس من السرطان وفقر الدم وتسببت في كوارث إيكولوجية هائلة.

جلبت الحروب الأمريكية الدمار حتى لسكان أمريكيا أنفسهم، إذ حصدت هذه الحروب ما يقرب من 300000 جندي أمريكي في أراض أجنبية خلال الحروب، كما أنه تم تشخيص ثلث الجنود المتقاعدين من حرب العراق والحرب الأفغانية بأمراض عقلية أو نفسية.

بل إنه وفقا لتقدير مشروع Iraq Body Count، الذي يحصي القتلى بين المدنيين العراقيين، عدد الوفيات في ذلك البلد وحده بـ185,454 إلى 208,493، فيما يشير مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون إلى أنه حتى الرقم الأكبر من المؤكَّد أنه أقل من الرقم الصحيح بشكلٍ كبير: “ربما يكون عدد المدنيين العراقيين أكبر بكثير، لأن هناك أعداداً كبيرة من العراقيين لقوا حتفهم كنتيجة غير مباشرة للحرب، بسبب الأضرار التي لحقت بالنظم التي توفِّر الغذاء والرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة”، وقد أدَّت حروب أمريكا بعد 11 سبتمبر إلى نزوح ما يُقدَّر بنحو 37 مليون شخص من أوطانهم، ما تسبَّب في أكبر نزوحٍ بشري منذ الحرب العالمية الثانية.

الوقائع السابقة جعلت المؤرخ الأمريكي روبرت كاغان يصف الولايات المتحدة بأنها “الأمة الخطرة” حينما اكتشف بعد دراسة السياسة الخارجية الأمريكية منذ أيامها الأولى وحتى فجر القرن 20، أنها توسعت من 13 ولاية إلى 50 ولاية حاليا، إلى جانب حروبها المستعرة مع  المكسيك وإسبانيا وغيرها من الدول بالإضافة إلى ذبح الأمريكيين الأصليين.

استدعاء الوقائع السابقة ليس الغرض منه التذكير بجرائم أمريكا في العالم، بل إنه لأغراض تتعلق بما يدور في منطقتنا، إذ تضع واشنطن يدها كلاعب رئيس في الصراعات التي تدور في المنقطة بدءا من غزة، مرورا بالسودان وليبيا، واليمن وسورية، بل الأكثر غرابة أن كثير من النخب العربية لا تزال تعلق آمالا عريضة على الدور الذي يمكن أن تلعبه أمريكا لحقن دماء العرب والمسلمين في أي من هذه الأماكن، أو ربما ترعى اتفاقا لإقرار السلام، أو يجلب الأمن، لكن هذا لن يحدث إلا في حالة واحدة إذ كان قرار وقف إطلاق النار في غزة، أو إجراء الانتخابات في ليبيا، أو إقرار السلام في السودان يتوافق مع مصالح اللوبيات الأمريكية، لكن غير ذلك فالطائرة التي تلقى المساعدات الغذائية على شواطئ غزة هي نفسها التي كانت تدور في نفس السماء لإنزال معدات عسكرية وذخائر لمقاتلى الكيان الصهيوني.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى