رأي

هادي جلو مرعي يكتب.. إعلان عن بيع حمار

قيل إنه كان يبحث عن حمار فر من مزرعة أبيه البعيدة، وساقه القدر الى المدينة العتيقة، حينها رآه النبي صموئيل، وإختاره ملكا على القوم المختلفين فيما بينهم، ووعدهم بالنصر إن هم أطاعوه، لكنهم حين وصلوا ضفة النهر شربوا منه، وعصوا أوامره إلا قلة منهم، وقد إنتصر في النهاية بقوة الإيمان والعزيمة والثقة بالله العظيم.

اقرأ أيضا: هادي جلو مرعي يكتب.. السوداني وتأمين الغذاء مالم يلتفت إليه المنتقدون

‏الحاجة الى الأشياء ترفع من قيمتها المادية، ولطالما كان الحمار موصوفا بالتحقير، والتقليل من الشأن، مع إن دراسات علمية أكدت ذكائه، وأتذكر إنني زرت قريبة لي في الريف، وشاهدت حمارها لوحده متجها الى المنزل عند غروب الشمس، بينما هي غائبة عن نظري، وإستغرقت وقتا حتى وصلت، وحينها تأكدت إن الحمار ليس غبيا، وهو يهتدي الى طريقه بالفعل، ولعل الحمير كانت في أزمنة تقوم مقام الإنسان، وتؤدي عنه الأعمال الشاقة، ونقل الأثقال، وقد ورد ذكر الحمار في القرآن وفي الشرائع السماوية الأخرى كما في قوله تعالى (أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍۢ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍۢ ثُمَّ بَعَثَهُۥ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍۢ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍۢ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ).

‏ويؤيد ذلك قول الرب في كتابه الكريم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وفي قوله (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) وفي قوله ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا). وبمرور الوقت بدأت أهمية الحمار تتقلص، وصار يضرب به المثل في البلادة، وعدم الفهم، مع إنه مفيد لنقل الأحمال لجهات بعيدة، ويستخدم في الحروب، وفي التجارة والسفر، وتنقل الأشخاص، وقد يؤكل لحمه، ويشرب حليب إتانه حين تنجب جحشا، ويهتم به صاحبه، غير إن التطور، وظهور الآلة جعل من الحمير والبغال والخيول في مرتبة متأخرة، وصارت تتخذ كزينة، وفي السباقات، وبرغم ذلك مايزال الحمار يمثل بعض الأهمية في نقل المزروعات، وفي بعض معامل الطابوق، حتى إن أحدهم نشر إعلانا على الفيس بوك يعرض فيه بيع حمار أبيض اللون، وإشترط عدم نقض الشراء، أو قيام المشتري بإعادته بعد الإتفاق وقبض الثمن، ووضع رقم هاتفه أسفل الإعلان.

‏ولافخر للحمار في سيرته الذاتية، فقد ذكرت حيوانات عدة في الكتب السماوية، كما ذكرت نباتات، فالكلب والجمل والبغل والحصان والأفعى والبعوض والنمل والنحل والهدهد والطير والسمك والذئب والنعجة والبقرة والقرد، وسواها من حيوانات، وفي ذكرها عبرة ومنفعة وحكايات وقصص، وألفت فيها الكتب الشهيرة ككتاب الحيوان للجاحظ، وكليلة ودمنة لإبن المقفع، وهي في جملتها حكايات عن حيوانات رافقت الإنسان في رحلة الحياة، وكانت عونا له في طعامه وشرابه وتنقله وزينته، وقد صورها كبار الروائيين في قصص خيالية، وفي معالجات سياسية كرواية جورج أوريول الموسومة بحقل الحيوان.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى