رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. التنظيمات الإسلاموية بين العمالة والسُلطة والعقيدة والتُقية

عندما يمارس العقائديون السلطة تنتهي العقيدة وتفسد السلطة.
الصراع على السلطة في تاريخنا بدأ منذ اجتماع السقيفة، فاستمر إلى الآن الاقتتال، فلا اختلاف في حقيقة الأسباب بين حرب صفين وحرب داعش، وما زلنا نتجرع آثار الانقسامات داخل الدين الواحد حتى كاد يتحول الإسلام إلى ديانات مختلفة، تكفر بعضها بعضاً وتقاتل بعضها بعضا.

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي.. ليبيا والحرب الأوروبية وتقاسم النفوذ الدولي

الدعوة السنوسية كانت ثورة جهادية دعوية تربوية، لكن عندما مارست السلطة، ابتداء من 1917 بتنصيب الإيطاليين لإدريس أميرا على بعض الواحات، انتهت الدعوة السنوسية وانحرفت إلى ممارسات العمالة والتخلي عن العقيدة، وخانت رسالتها الثورية الجهادية الدعوية.

لم ننجح نحن في فصل السلطة عن الثورة، حيث وقعنا في الفخ منذ الملتقى الثالث برفع شعار «السلطة شعبية والإدارة ثورية».

نفس القاعدة تنطبق على التنظيمات الإسلاموية العربية، فكان وصول جماعة الإخوان إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا بمثابة الألغام التي انفجرت داخل التنظيم، فأصابته بالتشظي مما يهدده بالفناء.

نظرا لانعدام وجود سلطة مركزية في ليبيا تنافست التنظيمات الإسلاموية على السلطة للاستحواذ على الثروة فأدى ذلك إلى تشظي التنظيمات الإسلاموية وانقسامها على نفسها، وأصبح الأقوى والأبقى والأكثر بروزاً في المشهد، هو من يملك المال، أي من يسيطر على إيرادات النفط من خلال المصرف المركزي.

في هذا الطريق رأى بعض الإسلاميين أن ضمان وصولهم إلى السلطة أو بقائهم فيها هو التحالف مع الخارج، وهنا التقت مصالحهم مع العدو الخارجي لوطننا، وعلى الأخص الأمريكيون وأدواتهم الإنجليز والأتراك، فتحولت المعركة في ليبيا إلى مسرحية مأسوية، منتجها أمريكي، ومخرجها إنجليزي، وممثلوها أتراك، والكومبارس الإسلامويون، والملقن صهيوني، بينما المتفرجون هم أغلب الشعب المغرر بهم.

ولتهيئة المسرح، اصطدموا بعائق رأوا ضرورة إزاحته، هذا ما يجري الآن بأسلوب الخديعة الناعم والحوار التخديري الخادع، والاستعدادات للحرب بالحشود والتجهيزات العسكرية.

لقد تخلى الإسلامويون عن قواعد البراء والولاء، فلم يعد يصنفون الإنجليز كفارا يحرم موالاتهم، أو يجب قتالهم، لبس بالحاج جلد حمل وتنكر لتاريخه الإرهابي مستخدما التقية الإخوانية، ومنتهجاً أسلوب الإنكار الإخواني، هذه الخديعة قد تنطلي على القلة ولكن أغلبية الليبيين موقفهم ثابت من قيادات الإرهاب لأنهم اكتووا بنيرانهم طيلة نصف قرن، وما ساعد على اكتشاف الخديعة هو لغة جسد بالحاج التي فضحته وبرهنت على أنه كاذب ومنافق ومخادع.

انبرى بعض رفاقه في تورا بورا لانتقاده وخونوه، لكن ذلك كان مجرد خديعة وتبادل للأدوار وإمعان في إقناع عدوهم للاسترخاء والتصديق بأن (our boy) جاد في فتح صفحة جديدة متخلياً عن عقيدته الإرهابية وعمالته للإنجليز، هذه الحقيقة يمكن اكتشافها بسهولة من خلال صمت المفتن عن موقف بالحاج، لأنه لو اعترض سيصدقه الاتباع الإذعانيون، ولو وافق يفسد الطبخة، ولهذا التزم الصمت. من ناحية أخرى هذا طلاء إنجليزي لاستخدام بالحاج كجزء من خطة العقد القادم.

هذا الوضع ترك لليبيين أربعة خيارات لا خامس لها، فإما أن يقفوا في وجه قطار الموت بحماية قواتهم المسلحة من داخلها ومن حاضنتها ومن عدوها الخارجي، أو أن يرضوا بالعيش في ظل إمارة طالبانية ظلامية تكفيرية يديرها العثمانيون، ويستعمرها الإنجلوساكسون، ومن لا يرضوا بالوضع فإما أن يهاجروا من بلادهم ويتركوها للإنجليز والأمريكان والعثمانيين والزنادقة والعملاء، أو يحفروا قبورهم، ويجهزوا أنفسهم لسواطير أتباع بن لادن وخوازيق العثمانيين ومشانق دنشواي.

الدعوة ملحة لقراءة التاريخ القريب ففي بداية الألفية تخلى الغرب عن عملائهم، وانقلب الزنادقة على حلفائهم فعادت دائرة الصراع من جديد، وهذا مصير من سيتخلى عن جيشه ويتوقف عن مقاومة العدو، ويرضى بالعيش بعودة الاستعمار لبلاده وحكم طالبان ليبيا، والعثمانيين الجدد، نحن نرى سيناريو العراق يطبق حرفيا في ليبيا، بمراحله السبع.. غزو.. تدمير.. تفتيت.. توحش.. تنصيب.. نهب.. إفقار (فإن كان في العمر بقية فستكون هذه المراحل موضوع مقالنا القادم بإذن الله).

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى