رأي

 قاسم صنبير يكتب .. وطن ضاع بين طرشان

وطن ضاع بين طرشان الطرش إعاقة لكنها لا تثني من أصيب بها عن الاجتهاد والنجاح، وكثر الذين نجحوا وتميزوا واجتازوا الأصحاء، وينسحب ذلك على باقي الإعاقات.

لكن المقصود هنا طرش آخر، هو طرش الدماغ، وتوقيف كل الحواس بنوع من العناد الذي ليس من الممكن اختراقه كالجدار بالليبي “تصكير دماغ” دون أي مبرر للأسف، هذا حالنا، أي حال ساستنا العظام، حيث التصريحات والتصريحات المعاكسة، رحلات مكوكية بين العواصم واجتماعات هنا وهناك، والكل يعود بما أتى، ويبدو أن الخلطة واحدة ونفس العجين.

كل دقيقة العالم يتطور وبسرعة مذهلة وتجاوزنا بسنوات ضوئية، ويتشكل وفقاً لمصالحه، والثورة الرقمية التي أحدثت هوة كبيرة جداً بين الدول والشعوب، لا تجد في العالم الرقمي التعصب الديني أو القبلي أو الحزبي، العالم قارب من أن يكون دولة واحدة، وربما تختفي الكثير من المؤسسات المركزية المعروفة كالمصارف وغيرها، جائحة كورونا ربما ساهمت في التعامل البيني عن بعد في أغلب المجالات، البيع، الشراء، التعليم، التدريب، وحتى بعض التشخيصات الطبية تتم عن بُعد، عالم خوارزميات البتكوين العملات الرقمية التي لا نعرف حتى من وراءها، وأصبحت تحظى بثقة بعض الدول، وبعض المؤسسات المالية الكبرى مكنت blockchain من تعامل الأفراد والمؤسسات بالثقة المطلقة والتعامل الآمن في الأموال والتعاقد والتوثيق من خلال خوارزميات “البلوك شين” حيث الضمانة والثقة.

يحدث التطور ونحن خارج دائرة الفعل، بل مفعولاً وملزمين أن نقبل هذه التقنية ونتعامل معهم برغبتنا أو بدونها، وتقتحم حياتنا شئنا أم أبينا كما الفضائيات والإنترنت، هل تعلم أن أطفالنا خطفتهم منا هذه التقنية والتطبيقات التي يحتويها ويتعاملون مع العالم الافتراضي أكثر مما يتعاملون مع هذا الواقع، وهذه التقنية والتطور به السيئ والحسن؟ هناك تطبيقات وألعاب سيئة أدت ببعض من أدمنها للانتحار، وهناك عدد من الشباب أو الأطفال أدمن النت، ويمكنهم الجلوس نصف اليوم على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، لقد انحصرت لقاءاتنا الاجتماعية مع أننا نسكن نفس البيت لأن كل واحد ذهب إلى عوالمه الافتراضية.

العديد من التطبيقات توفر خدمات كالبيع والشراء والجواب عن استفسارات، يتم ذلك كله من خلال سوق التطبيقات حسب النظام الذكي، الآن ازدادت التقنيات تطوراً مما فرضت على الكون اتباعها ولا يمكن تجاهلها، والولوج في العوالم الافتراضية أصبح جبراً وليس اختياراً، لأنها أصبحت تشكل أيضا واقعاً، تقنيات “الميتافيرس والبلوك شين” قلبت الموازين، حيث جعلت من العالم الرقمي الافتراضي واقعا يتعامل مع الأفراد والدول، وتتسابق كبريات الشركات لإقناعهم بأنه حقيقة لابد منها.

هنا يتقلص دور الدول ولا نعلم من الذي وراء هذه التقليعات، وإلى أي حد سيذهب بالكون، خاصة وأن الآن يتم إطلاق آلاف العملات الرقمية، ويتم تعدينها والإعلان على آلاف البرامج المتطورة أحياناً لا يتم الكشف عن مؤسسها، هكذا عالم اليوم وربما غداً، كيف لنا أن نتجاهل من حولنا ولا نحاول استيعاب ما يجري وإلا سنكون دائماً الضحية، العالم صار فيه الفرد دولة بل دول “ساتوشي ناكاموتو” وهو الاسم المستعار لمن أنشا وطور البتكوين، ربما يكون فرداً أو مجموعة أشخاص، والعالم إلى اليوم لا يعرف يقيناً مؤسس عملة البتكوين التي فرضت نفسها على المؤسسات المالية والدول، وأخذت تحل محل النقود خاصة في العوالم الافتراضية، الأسواق المالية اليوم تعج بالعملات الرقمية، والبتكوين هي فقط عملة من آلاف العملات الرقمية، حيث يعمل الأفراد والمؤسسات المالية على الحصول على أهمها وقبلت بالتعامل بها عدد من الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، فأين نحن من هذا الكون؟ أين مكاننا في هذه الجغرافيا؟ عالم يأتي فيه الرؤساء ويذهبون، ولا نشعر بهم، عالم أصبحت فيه وظيفة رئيس دولة ليست ذات التأثير الكبير، “مارك زوكربيرغ” مؤسس “الفيسبوك” قراراته وتصريحاته أهم من تصريح رئيس دولة، و”بيل غيتس” مؤسس شركة مايكروسوفت للبرمجيات، ومن خلال البرمجيات التي يملكها تأثيره أقوى من تأثير الحكومات، هذا القليل من الكثير الذي لا نعلمه من حولنا ويؤسس في المعامل ومراكز البحث.

في ليبيا نتصارع على من يملك القوة، ويسيطر ويستقوي بالأجنبي، ولا نخجل في ذلك بل يجاهر البعض بعمالته ويفتخر، أصبحنا عبارة عن عينات في مختبرات الدول تجرى عليها التجارب بدل الفئران، في ليبيا أغبياء من بقايا أهل الكهف يرفعون رايات لمكونات اجتماعية يريدون لها وضعاً خاصاً وينسون أنهم ودولتهم العظيمة وجيرانهم لا يساوون قرية في الهند أو الصين، ففي الهند آلاف اللغات وآلاف القوميات، لكنها دولة واحدة صناعية وتمتلك السلاح النووي، والصين كذلك، لماذا لأن ليس فيهم من يفكر مثل ساستنا العباقرة، حيث إن رئيس المجلس الانتقالي أعلن الحرية ويمكن للرجل الزواج بأربع، وتلميذه النجيب شرع في تزويج الشباب أولاً بأول، وما زال الحبل على الجرارة، ما لم تستيقظ الجموع.

نقلا عن صحيفة الموقف الليبي الورقية موضوع وطن ضاع بين طرشان

بعد ان تناولنا موضوع وطن ضاع بين طرشان يمكنك قراءة ايضا

الدكتور مصطفى الزائدي يكتب.. ما بعد الانتخابات.. ما العمل؟

 محمد جبريل العرفي يكتب.. التوافق إجهاض للديموقراطية

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى