محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-12)
الكاتب رئيس مركز العرب للأبحاث.. خاص منصة العرب الرقمية
ملخص الحلقة الثانية عشر
لا يزال الحديث مستمرا عما حدث بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قتال وخلاف وسفك دماء بين المسلمين، بعد أن فرقهم الخطاب الديني ونال منهم، فأصبحوا فرقا ومذاهب، مختلفين في النهج والمرجعية، وظهرت فرق متعددة مختلفة متناحرة، منها الشيعة والخوارج والمرجئة والباطنية والقرامطة والحشاشين والجهمية، وغيرها من الفرق التي أنهكت المسلمين والإسلام، ولذلك يجب علينا أن نعود إلى المسار الصحيح للإسلام، وهو الخطاب الإلهي، هكذا وضح الشرفاء الحمادي تلك الأحداث في كتابه “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” الذي يعد أحد أهم مرتكزات تجديد الخطاب الديني.
- اقرأ أيضا: محمد فتحي الشريف يكتب.. الحب وهوى العاشقين
التفاصيل
لقد انقلب المسلمون على أعقابهم وانصرفوا عن كتاب الله عز وجل، وذهبوا إلى نصوص دينية تخالف الخطاب الإلهي الذي جاء به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت النتائج كارثية، إذ ظهرت الفتن، وبدأت سلسلة من المعارك الدامية التي سالت فيها الدماء، بداية من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم.
فتن وسفك دماء
هكذا وضح الكاتب العربي علي الشرفاء الحمادي في كتابة “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” ما حل بالمسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ألقى الضوء على عدد كبير من معارك الفتنة التي سفكت فيها دماء المسلمين بأيدي المسلمين، ووصل في سرده إلى السلسلة الدموية التي خلفت ضحايا كثيرين من المسلمين تحت ستار الخطاب الديني المنحرف المتطرف الدموي، بعد أن طوى هؤلاء الضالون كتاب الله لصالح نصوص روايات وإسرائيليات اخترعها شيوخ الفتن على مر العصور، وللأسف صار عليها الناس وأوصلوها إلى مرحلة التقديس والعقيدة، حتى أصبح المتطرفون يستهدفون كل من يخالفهم أو يحاول أن يوضح لهم أكاذيبهم وانحرافهم.
حميّةُ الجاهلية
لقد وضع الكاتب إطارا لكل الأحداث البارزة التي أيقظت في نفوس هؤلاء الذين اتبعوا الخطاب الديني حميّة الجاهلية، وأخذتهم العزة بالإثم، وظهر إثرَ ذلك في القرونِ الأولى للعصور الإسلاميةِ العديد منَ الطوائفِ والمذاهبِ والفِرَقِ، كلُّهم يدّعونَ انتماءَهم للإسلام، لكنّهم يرفضونَ الالتزامَ بكتابِ اللهِ وشريعتهِ السمحاء.
حماة الإسلام
وهنا لفت الكاتب النظر إلى حقيقة يؤمن بها أصحاب الفرق والمذاهب، وهي أنهم هم فقط الناجون، وأنّهم حُماةُ الإسلام ودعاتُه.
أخذتهم العزة بالإثم
ويصف الكاتب في كتابه، أن هؤلاء الضالين قد أخذتهم العزة بالإثم بما أصابهم من غرور واستعلاء، وكثيرٌ مِمَّن آمن بتلك الأفكار الهدامة حلّل القتل واستباح الحرمات وسعى للتخريب والتدمير، وتحوّلوا إلى أدوات شريرة استغلّها المستعمرونَ الغزاة أمثال بني إسرائيلَ وغيرِهم ممَّن يضمرونَ العداوة والبغضاءَ للعرب، فوظّفوُهم في خدمةِ مآربهِم لإِشغالِ المسلمينَ بقتال بعضهم بعضًا، لهدْم الأوطانِ وتهديدِ أمنِ وسلامةِ الشعوبِ العربيّة، تحقيقًا لأمْن إسرائيلَ وللحفاظ على مصالحِهم البتروليةِ في الوطن العربيِ.
معركة أبي مسلمٍ الخراساني والعباسيين
وواصل الأستاذ علي الشرفاء سرده للأحداث الدموية السابقة بمعارك أخرى منها معركة كان طرفاها أنصارَ أبي مسلمٍ الخراساني وجيشَ العباسيّين، قُتلَ فيها الكثيرُ من المسلمين بأيدي مُسلمين، فكان مقتل أبو مسلم الخراساني بعد موْت أبي العبّاس السَّفاح على يدِ أتباعِ الخليفةِ العباسي أبو جعفر المنصور.
مقتل الأمين
كذلك مقتلُ الأمينِ على يدِ أخيهِ المأمونِ ابنـي هارون الرشيد، ثم توالت الأحداثُ الداميةُ في زمنِ الخلافةِ العثمانيّةِ، حيثُ استمرَّ مسلسلُ قتلِ المسلمينَ بأيدي مسلمينَ ومنها: السلطانُ مرادُ الأوَلّ بن أورخان غاز يتولّى الحكم 1359م، قَتل ابنه ساوجي.
السلطانُ بايزيد الأوّل بنُ مراد الأول تولّى الحكم 1389م قتْلَ أخاه يعقوب خنقًا ليمنعه من القيام بانقلابٍ عليه. كما أصدر فتوى شرعية، أحلَّ فيها قتل السلطانِ لشقيقهِ من أجل وحدةِ الدولةِ ومصالِحها العليا.
قتال الأشقاء طمعا في الحكم
السلطانُ محمّد الأول بن بايزيد الأول تولّى الحكم 1402م قَتَل إخوتَه سليمان وموسى وعيسى، والسلطانُ مرادُ الثاني بنُ محمّد الأول تولّى الحكم 1421م قتل أخاه مصطفى، السلطانُ مرادُ الثالثُ بنُ سليمٍ الثاني تَولّى الحكم 1451م، وقامَ بقتلِ أشقائه الخمسةِ فورَ تنصيبهِ سلطانًا خلفًا لأبيه.
قتل أشقاءَهُ التسعةَ عشَر
السلطانُ محمّد الثالثُ بنُ مرادٍ الثالث تولّى الحَكم 1595م، ولم يكنْ أقلَ إجرامًا فقتلَ أشقاءَهُ التسعةَ عشَر، فور تسلّمهِ السّلطة، وقبلَ دفنِ أبيهِ ليصبحَ صاحبَ الرّقمِ القياسي في هذا المجَال، بغيةَ تثبيتِ حُكمهِ. ولم يكتفِ بذلك فقامَ بقتْل ولدِه الصغيرِ محمود الَّذِي كانَ يبلغُ من العمرِ 16 عامًا، كي تبقىَ السّلطةُ لولده البالغ من العمر 14 عامًا وهو السلطانُ أحمد.
خطاب إعلامي مزيف
ويواصل الكاتب في كتابه سرده للأحداث الدامية، ثم توجه إلى الحديث عن الإعلام في ذلك العصر قائلا: أما عن الجانب الإعلاميّ فإنَّ كتبَ التاريخ وأصحابَ الرواياتِ يقولون إنَّ هذا السلطانَ كانَ صاحبَ إيمانٍ إسلامي كبير! فكيفَ بصاحبِ الإيمان الكبير ارتكابُ هكذا جَرائمَ، ما يندى لها الجبينُ وتتعارض مع شرعِ اللهِ بتحريم قَتْل النفسِ دون ذنبٍ.
مصر ولاية عثمانية
ويكمل الكاتب باقي الأحداث المأسوية التي عاشها المسلمون في ظل خطاب ديني متطرف ويقول: أرسل السلطانُ سليم طلبًا إلى طومان باي بالتبعية للدولة العثمانّيةِ مقابلَ إبقائهِ حاكمًا لمِصْر، لكنّهُ رفضَ العرضَ ولم يستسلم للتهديدِ فنظّم الصفوفَ وحفر الخنادقَ وشاركَه الأهالي في المقاومةِ الّتي انكسرتْ، فهرب لاجئًا إلى صديقِه الشيخ حُسين بن مرعي الّذي بدورهِ وشى بهِ، فَقُتل، وهكذا أصبحتْ مصرُ ولاية عثمانيةً، ثمّ قَتل السلطان سليم بعدَها شقيقيه لِرفْضِهمِا أسلوبَ العنفِ الَّذِي انتَهَجه في حكمِهِ.
القاتل والمقتول يردّدونَ (اللهُ أكبرُ)
إلى ذلك يعلق الأستاذ علي الشرفاء على تلك الإحداث الدموية قائلا: القَاتلونَ والمقتولونَ كانوا يريدونَ خلافةً إسلاميةً ويتقاتلون على السلطة، القَاتلونَ والمقتولونَ يردّدونَ (اللهُ أكبرُ).
انقلاب المسلمين على أعقابهم بعد وفاة الرسول
ويضيف إن هذا هو تاريخُ الـمسلمينَ الَّذِي أنبأنا الَلهُ عَنه في كتابهِ الكرَيمِ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِن مَّاتَ أو قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران 144) ومن أصدقُ حديثًا من قولِ اللهِ في كتابهِ الكريم بأنَّ المسلمينَ سوفَ ينقلبونَ على أعقابِهم بعد وفاةِ الرسّولِ صلّى الله عليه وسلّم.
دماء سالت ونساء تَرملتْ
يوضح الكاتب في نهاية هذا السرد الدموي المؤلم السابق، أن تلك الأحداث هي نتيجة طبيعية لهجر كتاب الله الذي لا يعرف الباطل ولا يعتريه الكذب والذهاب إلى الخطاب الديني المنحرف المتطرف، فكان أن دماء سالت، ونساءٌ تَرملتْ، وأطفالٌ تَيتَّمتْ، وأعدادٌ غفيرةٌ من أصحابِ رسول اللهِ قُتلوا، ونَخرَ التفّرقُ والتشرذمُ عظامَ الأمّةِ جهارًا، فأصبحَ الانشقاقُ عن الجماعةِ مفخرةً واستكبارًا، فتولدت لديهم حميّةُ الجاهلية، وأخذتهم العزة بالإثم، فظهر إثرَ ذلك في القرونِ الأولى للعصور الإسلاميةِ العديد منَ الطوائفِ والمذاهبِ والفِرَقِ، وكلُّها نُسبتْ لأسماءِ أشخاصٍ أو لفقهاءَ برزوا فيها أو لتجمعاتٍ أو لتنظيماتٍ انضمّوا إليها فعُرفِوا بها ومنْها، وأفرزت مذاهب شتى لتوظيفها في السياسة وخدمة للمصالح الدنيوية.
فرق متفرقة
إلى ذلك يؤكد الكاتب على أن هذا الانحراف، نتج عنه نشأة فرق ومذاهب دينية كثيرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كلٌ له منهجه ومرجعيته وهي كما يلي: (القدرية، المرجئة، المعتزلة، الباطنية، الإباضية، الخوارج، الجهمية، الشيعة، الجعفرية، الكيسانية، الزيدية، القرامطة، الحشاشون، الجارودية، الصالحية، الإسحاقية، السليمانية، الدروز).
وانقسم أهل السُّنَّـة إلى مذاهب أربعة رئيسية:
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وفي عصرنا الحاضر نَشَأتْ فِرقٌ مستحدَثةٌ مثل:
الوهابية، حزب الدعوة، التكفير والهجرة، حزب الإخوان المسلمين، داعش، النصرة، السلفية الجهادية، جماعة التبليغ.
ثم يوضح الكاتب لأتباع الفرق والأحزاب والتنظيمات أن القرآن الكريم لم يرد به نص يحس هؤلاء على اتباع تلك الفرق الضالة أو الاحتكام إلى فتواهم، إنما ما ورد في القرآن الكريم هو قوله تعالى وأمره للمسلمين «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف 3).
فرق متنازعة ومتصارعة
يكمل الكاتب قائلا: المسلمون ليسوا ملزمين باتباع أيٍّ منهم أو الانتماء إلى أحدهم، حتى لا يتحوّل المسلمونَ إلى فرق مختلفة متنازعة ومتصارعة، بينما الله أمرنا باتباع قرآنهِ، وما جاء به من تشريعات وما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترجمة التشريعات والفضائل والأخلاق على أرض الواقع قولاً وعملا وهو إمام المسلمين الأوحد، وأن نتبع سُنَّته الفعلية ونقتدي بأفعاله ونتبعه في الشعائر العبادية، وعلى دعاة الإسلام ومفكريهم اتخاذ القرآن الكريم المصدر الوحيد للرسالة الإسلامية فقط، وإعداد تشريع موحد مؤسس على الشريعة الإلهية التي جاء بها القرآن الكريم والفضائل والأخلاق الكريمة للارتقاء بأسلوب التعامل الإنساني في ما بينهم وبين غيرهم بالرحمة والحكمة والعدل والإحسان. في حين أن الفِـرق الإرهابية والمدارس الفقهية أغلبهم يكفرّونَ مَن لا يلتحقُ بهم ولا يتبع عقائدهم، يستبيحونَ دِماءَ الأبرياءِ، وكثيـرون آمنوا بأفكارِ تِلكَ الفِرقِ الضالةِ وتحوّلوا إلى أداةٍ شريرةٍ استغلّها المستعمرونُ والحاقدونَ على الدّين الإسلاميِ، والطامِعون في ثرواتِ بلادِ الـمسلمينَ وما وهَبَهم الله من نِعَم ليشغلوهم في صراع وقتال على أمور لا تتعلق بحكم الخلق، بينما أمور العقيدة والعبادات في حكم الخالق سبحانه.
قياداتٌ سياسيةٌ بأفكار منحرفة
ويشرح الكاتب على عدة أمور وتوضيحات مهمة تؤكد الانحراف قائلا: لكل الفِرقِ مما سَبَقَ ذكرهُ، قياداتٌ سياسيةٌ، ابتدعتْ أفكارًا ومذاهبَ باسم الإسلام، وأوهموا تابعيهم بالأملِ في جنّاتٍ وحور عِين، وغرسُوا في عقولهِم أنَّهم هُمُ القدوةُ للإسلام، وأنّهم هُمْ وحَدَهم المصلحونَ. ولذا فَهُم المكّلفونَ مِنَ المولىَ عزَّ وجلَّ بتطبيقِ شرعِ الله، كما فَهموُه وضلّلوا تابعيهم، بأنّهم يسيرونَ على الطريقِ المستقيم، وكلٌ منهم يدّعي أنّه يمتلكُ الحقيقةَ المطلقةَ، وكلٌ منهمْ نَصَّبَ نفسَه حاميًا للدينِ الإسلامي، فتفرّقتْ بِهم السُّبلُ، وأصبَح كلُّ حزبٍ بما لديْهِم فَرِحون، بأفكار تستهدف النيل مِن الدين الإسلاميّ، وتَخِلقُ حالة دائمة مِنَ الاقتتال بينَ المسلمين عندَما تحّولوا إلى أدواتِ شريرةٍ استغّلها المستعمرونُ وأعداءُ الإسلام ليسخّروُهم في خدمةِ مصالحِهِم الدنيئةِ ويؤلّبوهم على بعضهم، يغرونهم بالمال والسلاح وينقلون لهم الأخبار المفبركة لتزداد النفوس احتقانًا، في غياب العقل والحكمة لتتسارع وتيرة الالتحام ويتقاتل الإخوةُ ويحقّق العدوُ مآربه لاستعمارهم وسرقة ثرواتهم، يُساقون كما تُساق الأنعام.
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
ويكمل الكاتب قائلا: إن الله سبحانه وتعالى ينبّه رسولَهُ بقوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شيء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” (الأنعام 195).
الطوائف الدينّية المتناحرة
ولذلكَ فالله فرَّق بين رسولهِ وبينَ الفِرَق المختلفةِ، والطوائفِ الدينّيةِ المتناحرةِ، فالرسولُ ليسَ مِنْهم في شيءٍ، بمقتضى مُرادِ اللهِ في هذه الآية، وإنّ ما يرفعونهَ من شعاراتٍ وأعلام كتِبَ عليها (لا إله إلا اللهّ محمدُ رسولُ الله) لن تغنيَ عنهم شيئًا يومَ القيامةِ، فَقَدْ حَكَم اللهُ عليهم بأنّهم لم يتّبعوا رسالةَ الإسلام، وابتعدوا عن منهجّيةِ القرآن الكريمِ، ويصفُهم اللهُّ تعَالىَ بقولهِ “استحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْر اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ألَا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة 19).
أحداث كارثية واقتتال
ويلخص الكاتب مضامين الأحداث السابقة قائلا: مما سبق يتبين للمسلمين أن الأحداث الكارثة والاقتتال في ما بينهم في الماضي والتي استمرَّت أكثر من أربعة عشر قرنًا حتى يومنا هذا نتيجة منطقية عندما انقلبوا على كتاب الله واتخذوا الروايات بدلا من الآيات، وهو ما أدى إلى تَشرذم المسلمينَ وتفرقهم في الماضي، وأدى إلى نشوء تشرذمٍ جديدٍ في عصرنِا الحاضر، أنتج فِرقًا مستحدثةً عُرِفَ منها الجماعاتُ التكفيرّية كـ«القاعدة» و«داعشَ» و«النصرةِ»، و«الإخوان المسلمين» و«السلفية الجهادّية» وغيرُها ممّا راجتْ بأسمائِهم القنواتُ الإخباريةُ، وشبكاتُ التواصل الاجتماعي، وكلّهم يكفّرونَ ويحاربونَ مَن لا يلتحق بِهم، وهم يستبيحون دماء الأبرياَءِ، والجامعُ بيـنَ الفِرق والمِلَل كلّهِا أنّهم يدّعونَ انتماءَهم للإسلام، لكنّهم يرفضونَ الالتزامَ بكتابِ اللهِ وشريعتهِ السمحاءَ، ويعتبرونَ أنفسَهم الفرقةَ الناجيةَ، وأنّهم حُماةُ الإسلام وِدعاتُه، أخذتهم العزة بالإثم بما أصابهم من غرور واستعلاء، وكثيرٌ مِمَّن آمن بتلك الأفكارٍ الهدامة يحلّلون القتل ويستبيحون الحرمات ويسعون للتخريب والتدمير، وتحوّلوا إلى أدوات شريرة استغلّها المستعمرونَ الغزاة أمثال بني إسرائيلَ وغيرِهم ممَّن يضمرونَ العداوة والبغضاءَ للعرب، فوظّفوُهم في خدمةِ مآربهِم لإِشغالِ المسلمينَ بقتال بعضهم بعضًا، لهدْم الأوطانِ وتهديدِ أمنِ وسلامةِ الشعوبِ العربيّة، تحقيقًا لأمْن إسرائيلَ وللحفاظ على مصالحِهم البتروليةِ في الوطن العربيِ، وتحقيق التأسيس لدولة إسرائيل الممتدة من الفرات إلى النيل، اجتمعت حولها كل قوى الشر من الدول الاستعمارية السابقة.
أحزاب وشيع
ويكمل: لقدْ حذَّر اللهُ المسلمينَ الَّذِين تفرّقوا أحزابًا وشيعًا وفرقًا مختلفةً يحملونَ مسميّاتٍ متعددةً واتّبعوا أولياء مِنْ دون الله، بأنَّ رسولَ اللهِ بريء منْهم، فَقد خَالفوا أمرَ الله في عدم الاعتصام بِحبل اللهِ بعدم التفرق، وعصوا أمره كما جاء في القرآن الَكريم، فلم يتّبعوا كتابَ اَلله وما أَمرهم بهِ بقوله تعالى ﴿اتَّبِعوا ما أنزِلَ إلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولِياء قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ (سورة الأعراف آية 3)، خالفوا أمر الله واتبعوا أولياء الشيطان، وما ينفثونه من سموم الروايات والإسرائيليات، بالرغم من تحذير الله للمسلمين بأن يتبعوا كتاب الله والمنهج الإلهي ولا يتبعوا أولياء من دون الله وما سيتسبب لهم إغراقهم في الفتن والصراع الذى يؤدي للخلاف والقتال، وذلك ما حدث على مر القرون.
الإرهابيون وشعاراتُهم وأعلامُهم السّوداءُ
ويضيف قائلا: لنْ تُغنيَ عن الإرهابيين شعاراتُهم وأعلامُهم السّوداءُ وشعار الشهادتين، علمًا بأنَّ كل إنسان اتخذ الإسلام دينًا وارتضى بالانتماء إليه وقال لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فقد التزم بعهد وعقد بينه وبين الله بأن يتبع قرآنه ويؤدي الأمانة في القيام بكل الشعائر الدينية والالتزام بكل ما حرم الله والتقيد بقيم القرآن النبيلة والأخلاق الكريمة في التعامل بينه وبين الناس، فقد أخلوا بعهد الله كما جاء في قوله “الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (البقرة 27)، والتي نصَّ عليها كتاب الله الكريم وبلّغهم رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلمهم شروط العبادات وحكمتها، وبين لهم أن رسالة الإسلام تعتمد على الرحمة والعدل وحرية العقيدة لكل الناس والإحسان فيما بينهم ليتحقق الأمن والسلام للمجتمعات الإنسانية، وعندما اتبعوا روايات المجوس وبني إسرائيل خانوا الله ورسوله، وخانوا عهد الله وانحرفوا عن الطريق المستقيم ولم ينصاعوا لأمر الله في قوله سبحانه “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” (طه 124).
المفسدون في الأرض
ثم يضيف الكاتب توضيحا جديدا قائلا: لقد غضب الله عليهم وأعدَّ لهم عذابًا عظيمًا، بقوله تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تفْسِدُوا فِي الْأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ألَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُون وَلَـكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة 11-12)، ثم يدوسونَ بأرجلهم التشريعات الإلهية، ويقتلونَ النفسَ التي حرّم الله، ويرتكبونَ الجرائم والآثام، ويحاربونَ اللهَ ورسولَهُ، ولم يتقيدوا بأوامره التي تأمر بالرحمةِ والتعاونِ والتّقوى والمحبةِ والسّلام، حينما ابتعدوا عن مَنْهَج القرآن الكريم واتّبعوا الشيطانَ فخسروا الدنيا والآخرة، وحَكَمَ اللَهُ عليهم بقوله سبحانه “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ” (محمد 22، 23).
فرقة وشتات
وفي النهاية نستطيع أن نقول إن الأستاذ علي الشرفاء الحمادي لخص الأسباب الحقيقية للفرقة والشتات الذي يعيشه المسلمون قائلا: إن الفرقة والشتات الذي أصاب المسلمين في كل بقاع الأرض منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا له سبب مباشر وهو الخطاب الديني المتطرف وهجر الخطاب الإلهي السمح الواضح، ولذلك ستكون مهمة تجديد الخطاب الديني صعبة لأن الأمر يتطلب إسدال ستارة سوداء على هذا التراث العفن الذي تسبب في كل هذا الخراب والدمار للدين الإسلامي وأتباعه.