رأي

عمرو حسين يكتب.. إرهاصات ثورة ٢٣ يوليو

ثورة يوليو ١٩٥٢ لم تكن حدثا عابرا، بل كانت حدثا له الكثير من المداولات والتبعات التي أثرت على المشهد السياسي العالمي، ونحن الآن في محاولة لقراءة التاريخ هدفها الأساسي أن تساهم في عملية ضرورية لتنبيه الوعى المصري والعربي من شوائب وظلال تتقصد أن تغطي على المستقبل وتعثر خطاه فيتملكه شك في اليقين، ولذلك فإن تلك الدراسة موجهة لأجيال لم تكن هناك في تلك اللحظة الفارقة في تاريخ مصر، ومن ثم يأخذني الحديث عن المسرح الخلفي لـ ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وهو يوم ٤ فبراير ١٩٤٢، فالقارئ للتاريخ المصري يلحظ أن هذا اليوم كان بمثابة ولادة قيصرية فتحت الباب ليوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وهو ثورة يوليو، فالأولى كانت بمشرط إنجليزي والثانية كانت بمشرط مصري.

وجه في ذلك اليوم السفير الإنجليزي مايلز لامبسون إنذارا إلى الملك فاروق يطلب منه تكليف النحاس باشا بتشكيل الحكومة، وإلا يتنازل عن العرش لولى عهده محمد علي، وذلك قبل الساعة ٦ مساء، بعد حصار الدبابات للقصر الملكي، واضطر الملك لقبول ذلك بعد ضغط الإنجليز، وتم تكليف النحاس باشا زعيم حزب الوفد، ولكن الملك عمل على الانتقام من الذي حدث في يوم ٤ فبراير ١٩٤٢، وكانت نهاية حكومة النحاس باشا ١٩٤٤، فذلك الحادث يعبر بالضرورة عن طبيعة الوضع في مصر، السلطة مقسمة بين القصر والإنجليز والوفد، فالنحاس باشا زعيم الوفد وقع اتفاقية ١٩٣٦، وهي اتفاقية استقلال منقوص، فكان الوفد له الأغلبية الشعبية، والسفارة البريطانية لها القرار والكلمة الفصل في الشأن المصري، كما عاشت مصر في تلك الفترة موجة من العنف تسبب فيها الجماعة الإرهابية الإخوان المسلمين وما قاموا به من اغتيالات لزكى سليم حكمدار القاهرة، والخازندار باشا، والنقراشي باشا رئيس وزراء مصر عام ١٩٤٨، وكذلك ما حدث من قبل اغتيال اللورد موين وأحمد ماهر وأمين عثمان، كان عام ١٩٤٨ وهو عام المأساة والانهيار بالنسبة للملك، سواء داخليا وأسريا من طلاق شقيقته فوزية من الشاه محمد رضا بهلوي، وطلاقه للملكة فريدة، وكان دائما في خلاف مع الأمير محمد علي ولي العهد، وكذلك ما فعلته والدته الملكة نازلي، فقد ذهبت إلى لوس أنجلوس بالولايات المتحدة بالقرب من هوليود، وعاشت هناك، وكان ما فعلته الملكة نازلي له أثر شديد على نفس الملك، أما داخليا فكان الملك يشعر بالغضب من الشعب، وكذلك داخل الجيش، بعد أن تلقى الجيش هزيمته في فلسطين أصبح جريحا، أما حزب الوفد فاستقر القرار في يد النحاس باشا، ولكن النحاس باشا تزوج في سن ٥٦ من السيدة زينب الوكيل، التي كان يكبرها بـ ٣٣ سنة، فأصبح حكم الوفد مستقرا في يدها، ويتنافس عليه فؤاد سراج الدين الذي كعادة الوفد انتقل من حيازة الأراضي الزراعية إلى السياسة، فكان حزب الوفد يضم الأعيان والباكوات، وتلك ثقافة تقليدية للوفد في ذلك العصر، عصر الملكيات الزراعية، وكذلك كان ما يؤرق الملك قيام الجماعة الإرهابية الإخوان بعمليات إرهابية، خاصة ضد الأجانب، واكتشاف الملك لوجود تنظيم خاص لدى تلك الجماعة يعمل على تلك العمليات، فشهدت البلاد فوضى سياسية وحالة غليان داخل الجيش، فالجيش موجَع بعد هزيمة فلسطين والشعب موجَع من مرارة الأوضاع الاقتصادية، ولذلك فإن تقارير السفير البريطاني رونالد كامبل من ملفات الخارجية البريطانية على شكل خطاب موجه إلى وزير الخارجية وليام سترلنج أشارت إلى أهمية أن يفوز الوفد مرة أخرى حتى يحدث نوع من الاستقرار النسبي، وكان ذلك خلال مقابلته لسري باشا الذي كانت تربطه علاقات وطيدة بالملك الذي كان يرفض أن تكون للوفد أغلبية مطلقة في تلك الانتخابات التي جرت عام ١٩٥١، ولمح سري باشا الدموع في عين الملك حزنا على فوز الوفد، وبعد تلك الأحداث كلف الملك النحاس باشا لرئاسة الوزارة، وعند قدوم النحاس باشا للقاء الملك طلب من الملك تقبيل يده وفوجئ الملك بذلك، وكان يقول في قرارة نفسه يا ليت أبي الملك فؤاد موجود ليرى بنفسه كيف جاء النحاس خاضعا للملك، وكان يراود الملك حلم بأن يكون له ولد وريث للعرش فتزوج الملك من السيدة ناريمان، وأعلن النحاس باشا بنفسه خبر زواج الملك من الملكة ناريمان، وأقام النحاس باشا حفلا باذخا في قصر الزعفران للاحتفال بزواج الملك، وقال السفير الإنجليزي في تقاريره لوزير الخارجية البريطاني إنه في غاية الدهشة من مسلك النحاس باشا وأنه وصف سلوكه بالمهانة، وكذلك تعجب السفير الأمريكي أن يتحول النحاس باشا إلى منظم حفلات للزواج الملكي ومقدم للحفلات، كان فاروق قد قرر الاحتفال بشهر العسل في أوروبا ودعا إلى ذلك عددا من أصدقاء موائد القمار، وسافر له النحاس باشا مع قرينته لمدة شهر، وكذلك سافر له فؤاد سراج الدين، وكان الملك في ذلك الوقت حديث الصحافة الأوروبية بعد أن التقطت له صور له ولزوجته بملابس البحر، ونشرت تلك الصور، ولذلك فإن وزير الخارجية طلب من اللورد بفيروك أحد بارونات الصحافة صاحب الاكسبريس لكي تخفف جرائده حملتها ضد الملك من رسوم كاريكاتيرية، وكان ضمنها غداء الملك في مطعم جراس فيلرز في كابري، وتسبب ذلك في حرج للصحف المصرية، حيث كان ذلك في شهر رمضان، وكذلك سهره للصباح في موائد القمار، في الواقع كان القصر الملكي يتهاوى ويفقد هيبته، وكان هناك احتمال كبير أن يلتقي الشعب المصري الموجَع مع جيشه فكانت الثورة تدق الأبواب، ولذلك كانت لحظة الثورة ثورة ٢٣ يوليو التي قامت من أجل القضاء على الاستعمار، ورجعت مصر للمصريين من حكم أسرة محمد علي والمحتلين العثمانيين، واستعادت الروح الوطنية والقومية العربية وتحرير الدول العربية، وكذلك امتد لتحرير الدول الأفريقية من الاحتلال، فتحية لروح الزعيم عبدالناصر العظيم.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى