رأي

عبد الرحمان الأشعاري يكتب.. وسائل الاتصال والإعلام والمجتمع

تضطلع وسائل الاتصال والإعلام بأدوار جد مؤثرة على مستوى الترتيب القيمي والسلوكي للمجتمع عن طريق خلق المعايير الجديدة، وفرض أوضاع اجتماعية معينة وإنشاء قواعد وأطر مرجعية لتأطير السلوك ومتابعة الظواهر المرفوضة والمنحرفة وكشفها، ويرى الكثير من الباحثين في هذا المجال أن وسائل الاتصال والإعلام ذات أهمية كبيرة في غرس مبادئ وقيم فاضلة من شأنها أن تؤدي إلى الرقي بمجتمعاتنا ثقافيا وتعليميا وتربويا وفكريا أيضا.

ولبلوغ هذه المرامي، يجب على مؤسساتنا التعليمية والتربوية أن تعمل جنبا إلى جنب مع باقي المؤسسات التي تشتغل في الحقل التربوي، ذلك أن المنهج السليم في بناء الأمة الحضاري، والمحافظة على هويتها وخصوصيتها الثقافية التي تضمن بها لنفسها الاستمرارية في الوجود، كما قال ذ. علي الصبحي، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء في موضوع له تحت عنوان “ثنائية الإعلام والمدرسة.. أية علاقة؟”، “هو أن تتوحد جميع مؤسسات المجتمع التربوية من الأسرة والمدرسة والإعلام… حول منطلقات ثابتة وأهداف واحدة، بحيث تكون متناغمة في أدائها، منسجمة في وظيفتها، أما أن تعمل كل مؤسسة بكيفية نشاز، وتغني خارج السرب كما يقال، ووفق منطلقات فكرية مقطوعة الصلة بالأصول الثقافية المحلية، ووفق أهداف لا تنسجم مع تلك الأصول، ولا تخدم بناء الإنسان، وبناء المجتمع المتماسك، المعتز بانتمائه إلى دينه ووطنه، فإن العقد، لا محالة، سينفرط، وتسود الفوضى، وتعم النزعة الفردية والأنانية المقيتة، والتفكك الأسري والاجتماعي، وتختفي معالم الشخصية، وتذوب في طاحونة العولمة، وتفقد وجودها وتصبح في خبر كان”.

ويمكن لقطاع التعليم إلى جانب ذلك، أن يستثمر التقنيات الحديثة للاتصال والبث الفضائي والأنترنت والمعلوماتية في تطوير الإنتاج المعرفي في مختلف أسلاكه وشعبه وفي إعادة إنتاج وتوظيف هذه المعارف بما يسهم في الارتقاء بالوعي وخلق عائد اقتصادي، كما أن تطوير تقنيات الأداء الإعلامي في الشكل والمضمون سوف يسهم هو الآخر في تفعيل دورهما في تشكيل النظام الاجتماعي وتوجيهه ومحاولة الرفع من المستوى الفكري والجمالي والذوقي للأفراد والجماعات، فضلا عن المساهمة في صياغة الهوية الحضارية للمجتمع، وحفز الوعي والإبداع والإنجاز وتحقيق أهداف التنمية الإنسانية.

فالقواعد التى تم وضعها لضمان الالتزام بأخلاقيات مجتمعاتنا الإسلامية، إنما تتفق وطبيعة هذا المجتمع خاصة من منظور القيم الثقافية بما فيها من بعد أخلاقي واضح، ومن المفترض أن تنعكس هذه القواعد على المواد الدرامية التى يقدمها التليفزيون مثلا، بحيث يدرك المشاهدون أن هذه المواد لا تحبذ ما يناقض الأخلاق، خاصة وأن ذلك ينسحب ليس فقط على رؤيتهم بشأن الدراما التليفزيونية وإنما أيضا على أهمية دور التليفزيون فى المجتمع، فإذا كان العنف من السلوكيات التى تكون مرفوضة أخلاقيا، فإن التليفزيون كثيرا ما ينتقد على أنه من المصادر التى تساعد على انتشار السلوكيات العنيفة، وهناك دراسات حديثة خلصت إلى أنه فى ظروف معينة يكون التليفزيون عاملا مساعدا على استدماج ثقافة العنف فى سلوك الأطفال وشخصياتهم، كما تتزايد الدراسات المعنية بالدراما التليفزيونية تحديدا من منظور أن كثرة مشاهدتها تخلق وتنمي إدراكا متزيدا للسلوك العدوانى.

الأمر الآخر فى أخلاقيات الدراما عموما بما فى ذلك الدراما التليفزيونية، كما تقول إعلامية مصرية، يتعلق بالصورة التى تعكسها لشخصيات من فئات اجتماعية معينة، لقد استحوذت هذه القضية على اهتمام كبير من جانب الباحثين والجهات المعنية بالثقافة والاتصال، فكثيرا ما تنتقد الدراما التليفزيونية على أنها تتضمن مشاهد تعكس صورة ذهنية سلبية عن المرأة، أو عن مهن معينة أو عن ذوي الحاجات الخاصة وكبار السن وخاصة الأبوين وغيرهم، وقد ظهر اتجاه قوي ينتقد الدراما التى تظهر شخصيات كبار السن بصورة غير مقبولة، ويطالب بإقرار أسس أخلاقية تلتزم بها الأعمال الدرامية بحيث لا تصور كبار السن بما يجرح كرامتهم أو يؤذى مشاعرهم.

ومن هذا المنطلق كان لابد للرسالة الإعلامية سواء كانت صحيفة أو تليفزيون أو غيرهما من أن يكون لها مضمون تربوي يلبي وظيفة الحق في المعرفة وهو الحق الذي كفلتة جميع المواثيق، كما أن أهداف وسائل الاتصال هي أهداف اتصالية تتضمن بعدا توعويا وتربويا وتعليميا، وهي الأبعاد نفسها التي تشتغل عليها المؤسسات التربوية والتعليمية.

إن دور الإعلام ووسائل الاتصال الأخرى في النهوض بمجتمعاتنا لا يمكن أن نقف على حقيقته كاملة ونحللها من كافة الجوانب، خاصة وأن العالم كما يقول الراحل الدكتور المهدي المنجرة يتجه باضطراد نحو “مجتمع الإعلام” وهي مرحلة جديدة في تطور الجنس البشري، غير أنه يمكن القول أن هذا الدور ولكي يكون إيجابيا يستلزم وضع سياسات تربوية وإعلامية مضبوطة تحترم قيم الأمة وضميرها، وإنتاج إعلام منتج يغذي أرواح وعقول المتلقين سواء أكانوا أطفالا أو شبابا أو من كبار السن.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى