رأي

 د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. حرية الصحافة والتعبير: اليونسكو تدق ناقوس الخطر

الكاتب باحث وإعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية

أثارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة المعروفة اختصارا بـ”اليونسكو”، معضلة قتل الصحفيين عبر ربوع العالم وخاصة في مناطق التوتر، وقالت في تقرير قدمته الإثنين 16 يناير/كانون الثاني 2023 في العاصمة الفرنسية باريس، إنه خلال سنة 2022 وحدها “قتل ستة وثمانون صحفيا وصحفية ومهنيا عاملا في مجال الإعلام في العالم، أي ما يعادل مقتل شخص واحد كل أربعة أيام”، وهو ما يشير إلى تراجع حاد ومرعب في حرية التعبير والصحافة ليس في مناطق التوتر وحسب، ولكن حتى في المناطق التي لا تشهد أي توترات.

شجب واستنكار

أدانت المنظمة الأممية، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، كل جريمة قتل ترتكب بحق الصحفيين وترصد المتابعة القضائية لها، واستنكرت بعدما رصدت “تحولا في الاتجاه الإيجابي” في الأعوام الأخيرة، عندما انخفضت هذه الجرائم إلى 58 في المتوسط بين عامي 2019 و2021، مقابل 99 في العام 2018.

وقالت مدير عام اليونسكو أودري أوزولاي “ينبغي على السلطات مضاعفة جهودها لوضع حد لهذه الجرائم وضمان إدانة الجناة، لأن عدم المبالاة يعد عاملا رئيسيا في هذا المناخ المتسم بالعنف”.

وعبرت أمام هذا الارتفاع الكبير في عدد الصحفيين الذين قتلوا في عام 2022، عن قلقها، وأشارت إلى أن هذا الارتفاع جاء بعد تراجع في أعداد الصحفيين القتلى لسنوات متتالية، داعية الجهات المعنية إلى زيادة جهودها الرامية إلى منع ارتكاب هذه الجرائم وضمان معاقبة مرتكبيها.

وذكر التقرير أن هذا الارتفاع المفاجئ في عدد الصحفيين القتلى في عام 2022 يذل على انعكاس مأساوي للمنحى الإيجابي الذي شهدته السنوات الأخيرة، حيث يشير مرصد اليونسكو لجرائم قتل الصحفيين إلى تراجع أعداد الصحفيين القتلى من 99 صحفيا في عام 2018 إلى 58 صحفيا تقريباً في الفترة التي امتدت من عام 2019 إلى عام 2021. وتلفت هذه الأرقام النظر إلى الثغرات المتزايدة في النظم القانونية في العالم، وتسلط الضوء على فشل الدول في الوفاء بالتزامها بحماية الصحفيين ومنع ارتكاب جرائم ضدهم ومحاكمة مرتكبيها.

وفي هذا الإطار قالت المسؤولة الأممية “إن عدد العاملين في مجال الإعلام الذين قتلوا كان قد انخفض بالفعل من عام 2018 إلى عام 2021 وارتفع بصورة جوهرية مجددا الآن”، وأوضحت أن الصحفيين لم يتم قتلهم أثناء أدائهم لعملهم فحسب وإنما حتى في أوقات فراغهم أيضا، فعلى سبيل المثال أثناء سفرهم أو في منازلهم.

المكسيك ومنطقة بحر الكاريبي

وما يشد الانتباه في هذا التقرير هو وجود العدد الأكبر من الصحفيين الذين تعرضوا للقتل في مناطق ليس بها بؤر توتر والإشارة هنا إلى أمريكا اللاتينية وتحديدا المكسيك ومنطقة بحر الكاريبي، إذ قتل فيها 44 صحفيا خلال العام 2022، أي ما يفوق نصف عدد عمليات القتل في العالم. وسجلت منطقة آسيا والمحيط الهادي 16 جريمة قتل، في حين سجلت أوروبا الشرقية 11 جريمة قتل، وقد وقع أكبر عدد من هذه الجرائم في المكسيك (19 جريمة قتل) وأوكرانيا (10 جرائم قتل) وهايتي (9 جرائم قتل)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أمريكا اللاتينية وخصوصا المكسيك ومنطقة البحر الكاريبي هي أكثر المناطق خطورة على الصحفيين على الرغم من عدم تصنيفهم كمناطق توتر، وفقا لتقرير اليونسكو.

بالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الصحفيين نصفهم تقريبا قتل خارج أوقات العمل، سواء عندما كانوا يتنقلون أو في منازلهم أو في موقف السيارات أو غير ذلك من الأماكن العامة التي كانوا فيها لأسباب لا تخص عملهم، وهو ما يثير الدهشة والاستغراب ويطرح على كل الجهات المسؤولة أكثر من علامة استفهام أقلها: ألا يمكن إيجاد أماكن آمنة بالنسبة إلى الصحفيين حتى في أوقات فراغهم؟

ثم إن الزيادة العالمية في عدد جرائم قتل الصحفيين يؤكد التقرير، حدثت في المناطق التي لا تشهد نزاعات، حيث تضاعف عددها تقريبا من 35 حالة في عام 2021 إلى 61 حالة في عام 2022، أي ما يعادل ثلاثة أرباع جرائم القتل التي حدثت في السنة الماضية، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى أسباب ودوافع متعدد منها الانتقام بسبب إعداد تقارير عن الجريمة المنظمة أو النزاع المسلح أو تصاعد التطرف واستغلال السلطة والاحتجاجات، وتغطية مواضيع حساسة كالفساد والجرائم المالية.

الإفلات من العقاب

ووضع تقرير اليونسكو أيضا اليد على مشكلة ارتفاع معدلات الإفلات من العقاب على جرائم القتل المرتكبة ضد الصحفيين إلى درجة صادمة، إذ تعادل 86% من الجرائم، مما يثير الرعب لدى الصحفيين ويعرض حرية التعبير للخطر في جميع أنحاء العالم، مبينا أن ذلك يثبت أن مكافحة الإفلات من العقاب لا تزال مطلبا ملحا لا بد من زيادة حشد جهود التعاون الدولي بشأنه.

وبخصوص الاتجاهات العالمية في حرية التعبير لعامي 2021/2022، يسلط تقرير اليونسكو الضوء على هذه التحديات، ويشير في هذا الصدد إلى استخدام قوانين مكافحة التشهير وقوانين الفضاء الإلكتروني والتشريعات الخاصة بمكافحة “الأخبار المزيفة” التي تتخذ في بعض الأحيان كذريعة للحد من حرية التعبير، مما يحول بيئة عمل الصحفيين إلى بيئة سامة، هذا، يضيف التقرير إلى جانب تعرض الصحفيين لأشكال أخرى من العنف غير القتل، تتراوح بين الاختفاء القسري، والخطف والاحتجاز التعسفي، والمضايقة القانونية، والعنف الرقمي، ولا سيما بحق الصحفيات.

يذكر أن اليونسكو تجري دورات تدريبية للصحفيين والعاملين في مجال القضاء، وتعمل مع الحكومات على إعداد سياسات وقوانين داعمة، وتقوم بإذكاء الوعي على صعيد العالم من خلال تنظيم فعاليات سنوية كاليوم العالمي لحرية الصحافة (3 أيار/مايو) واليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين (2 تشرين الثاني/نونبر).

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى