رأي

د. محمد حسين أبو العلا يكتب.. أسطورة أكتوبر.. دروس للمستقبل!!

لا شك أن إطلالة واحدة بعد نصف قرن على تجليات نصر أكتوبر- التي أحدثت شرخا عميق الأغوار في عقل إسرائيل وزلزالا إستراتيجيا في السياسات العالمية العسكرية على اختلاف منازعها – لابد أن تظل تأسر الأجيال العربية المتعاقبة، وذلك أن هذه الأجيال قد استشعرت فيها ذاتية الأمة العربية وكينونتها وتوحدها النبيل وانطلاقها الحميم وإرادتها التاريخية حين أصبحت الإرادة في مواجهة المستحيل!!

أقول إن الوقوف أمام تجليات أكتوبر وقد عبر بها الزمان أشواطا بعيدة بحسابات التاريخ لكنها لا تزال في بؤرة الوعي العربي والوعي المصري بشكل أخص صامدة تؤكد اختراقها لمنظومة الدعايات السياسية والعسكرية الكاذبة التي ظلت إسرائيل تنسج خيوطها بفن واحتراف وتحيطها بهالات من القوى الأسطورية تساعدها في ذلك الآلة الإعلامية الغربية الجبارة بكل أدواتها وتقنياتها غير المسبوقة تكنولوجيا ومعلوماتيا، وبالتالي تأكد لهذا الوعي مصداقية مفرداته ونفاذ عبقريته تجاه عدوه التاريخي.

والسؤال هو: ماذا بعد أن سحقت إسرائيل عسكريا ومعنويا في أكتوبر؟ ماذا بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بسمعتها الدولية التي دفعت من أجلها الكثير والكثير؟ إن إسرائيل لم تلجأ لشيء بعدها إلا نحو الخوض في تضخيم ذاتها وإمكانياتها مرة أخرى، ولم تستوعب دروس أكتوبر وتستوحي شيئا منها، وإنما تمسكت بمنطقها الاستعلائي الأجوف نحو تدبير المكائد والمخططات والحيل السياسية والمناداة بالسلام الزائف الذي هو محاولة جادة لاغتيال أحلام السلام على امتداد تاريخها منذ ما بعد هذه الحرب وحتى الآن.

وإذا كان المشروع التوسعي الإسرائيلي قد وصل إلى مرحلة وقد بلغ منه الزهو كل مبلغ عن طريق لغة المراوغة والمداهنة التي لن تدوم طويلا طبقا لحركة التاريخ ومألوفاتها، فإن أمجاد ومآثر أكتوبر وبعد مضي نصف قرن عليها قد أصبحت قضية لا تقبل النقاش أو الجدل مهما حاول الغلاة والمنتفعون أن يقللوا من وجودها ودورها وأن يطمسوا بريقها لرد آثارها الإيجابية إلى مرحلة تاريخية سابقة ورد آثارها الأخرى إلى مرحلتها ذاتها، فلقد أكد أحدهم أن القيادة السياسية قد خذلت القوات المسلحة بينما في ذات الوقت أشادت صحف العالم بل الصحف الإسرائيلية ذاتها بتلك اللطمة الكبرى على وجه إسرائيل، وشارك في ذلك أكبر عتاولة الفكر السياسي والإستراتيجي في العالم.. فماذا بعد؟ ماذا يريدون بعد أن سجلت التقارير العسكرية والموسوعات الأكاديمية وبانوراما الصحافة العالمية آنذاك ذلك النصر العربي المؤزر الذي خالف بمقاييسه ومعاييره كل التوقعات والاحتمالات والتخمينات البعيدة عن أي منطق أو واقع؟

والآن ماذا يحدث؟ يحدث بكل دقة كم غير مسبوق من المغالطات والتشويهات عن طريق البرامج الدعائية المغرضة التي تحاول النيل كل لحظة من نصر أكتوبر الذي لا يزال يثير لديهم فزعا داخليا عميقا، لكن الغريب أن تلك المحاولات لم تحظ بشيء على الإطلاق، ولعلها تؤكد بتفاصيلها الدقيقة اعترافا ضمنيا لما يسعون نحو نفيه وإلغائه، ويؤكد صدق ذلك بعض العبارات التي يلوح بها أحدهم منذ زمن والتي تكشف أيضا عمق نواياهم ومغزاهم: لابد أن يكون العنف هو المبدأ والدهاء والخداع هما القانون تجاه جميع الحكومات التي لا ترضى سياساتنا، إن الشر هو السبيل الوحيد للخير، لذلك يجب ألا نتردد في استخدام الفساد والخيانة حينما يمكنهما معاونتنا على تحقيق أهدافنا.. ولا تعليق!!

إن حرب أكتوبر ولا شك قد أوقعت إسرائيل في مأزق سياسي ونفسى وأيديولوجي بعيد المدى حتى أنها لم تستطع تجاوزه، لذا نراها وقد لجأت لحرب الدعاية الرخيصة والتي تعتمد وقبل أي شيء على تلك المهاترات والتوهمات التي تذهب إلى غير كلمة فاصلة سواء ونقولها الآن للقيادة السياسية الإسرائيلية إن مصر كانت وستظل هي محراب الشرق وفجر الضمير كما قال “هنري برستيد”، وإنها لن تتخلى يوما عن رسالتها وشخصيتها الثقافية والسياسية والاجتماعية مهما ساد من مناخ معتم ملوث حاول فيه عشاق الظلام طمس الحقائق وطرح الأكاذيب وتأكيد الاختلافات والافتراءات حتى يظلوا وحدهم في أبراج الضباب لا يحدثون سوى أنفسهم!!

أما أكتوبر فكان وسيظل هو باقة الحب الأبدي التي ترسلها مصر دائما وأبدا إلى كل بقاع الأرض يوما بعد يوم وعاما بعد عام لتصل ماضيها بحاضرها تواصلا مع حركة مستقبلها الذي تندمج فيه مع حركة المسيرة العالمية المعاصرة وتواكبا مع إيقاع هذا الزمن الفريد الذي تختلف تنويعاته وظروفه وأحداثه ومتغيراته الآنية والتي أصبحت تمثل طابعا عاما كانت مصر هي بؤرته الحقيقية بينما كانت دول كثيرة بعيدة حتى عن هامشه!!

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى