رأي

محمد جبريل العرفي يكتب.. استعادة ليبيا تتطلب رؤية قيادة وأداة ردع وتأجيل الديموقراطية

عندما تنهار الأنظمة وتتأزم الدولة تصبح استعادة الوطن، ليست باستنساخ أو استيراد نموذج نظري غير واقعي. مثل التصورات الطوباوية لدولة (الينبغيات)، من قبيل “دولة الخلافة” عند بعض الإسلاميين و”الدولة الديمقراطية” عند الليبراليين، فبدل التفكير في الدولة المثالية، ينبغي النضال من أجل الدولة الواقعية.

المفكر محمد عابد الجابري، دعا الى تأجيل الديمقراطية بالدول حديثة النشأة، حيث قال “كانت هناك أنظمة حكم وطني، عمدت إلى تأجيل الديمقراطية، لأن الليبرالية تفتح الباب لخيانة المصالح الوطنية والقضايا القومية”.

الدول الغربية بدأت في الترويج لإيديولوجية واحدة مهدت لانتهاك بنود ميثاق الأمم المتحدة، واختراق الحدود الوطنية، وشرعنت لنفسها التدخل في تقرير مصير الشعوب الأخرى. الجهل والعمالة في منطقتنا قادا إلى تدمير الأوطان، فرفعت شعار الحرية والمساواة والعدالة اعتقادا بأنها ثورة لإسقاط نظام الحكم، لكن ما حصلت عليه هو المزيد من التفكك والتشظي والتقاتل حول من يمتلك الشرعية، وما يرافقه من توجيه للصراع واستغلاله في تصفية الحسابات السياسية بين الدول.

تفكيك الدول والمجتمعات، ونشوب الحروب والنزاعات، يتيح فرصة لبيع الأسلحة ونهب الثروات، متلما وقع في العراق وليبيا.

لكن كلما انتشرت الفوضى وفقد المجتمع بوصلة توجهه الأخلاقي والسياسي، عظمت الحاجة إلى سلطة الدولة؛ إن حفظ الأمن هو الهواء الذي يستنشقه العيش المشترك داخل الجماعة الوطنية.

الدولة يجب أن تحتكر حيازة أدوات الإكراه المادي المشروع لتحقيق الأمن والسلم، فممارسة العنف تكون بغرض إعادة الهيبة إلى القانون. يجب أن يتنازل الأفراد عن جزء من حريتهم من أجل الحصول على المزيد من الأمن والسلم، فالمصلحة العامة هي أيضا مصلحة الفرد.

أي لابد من وجود مؤسسات تعمل على ترويض الإنسان المتوحش، متمثلة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأخرى تضطلع بدور تهذيب سلوكه بالتربية التي تُعلم الفرد احترام القوانين.

قد يقول قائل إن هذا دعوة لانتهاك حقوق الإنسان، لهؤلاء نقول، الدول الغربية اعتدت بشكل سافر على حقوق الإنسان في بلادنا. وحتى في بلدانها تنتهج سياسة القمع وتنتهك الحقوق المشروعة لمواطنيها، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا يمنع تأسيس حزب شيوعي؛ وفي بلدان أخرى، يمنع التشكيك في الهولوكوست، بدعوة معاداة السامية، ويساق المفكرون الأحرار إلى السجون. وقد هدمت أمريكا معبد أريزونا على رؤوس من فيه، ورئيس الوزراء البريطاني قال لا تحدثوني عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا.

فحقوق الإنسان التي يدعو إليها الغرب تختلف عن “حقوق المواطن” فهي حقوق الإنسان الأناني، حقوق الإنسان المنفصل عن الجماعة.

في الوطن العربي تم استهداف ثماني دول بإثارة الفوضى ابتداء من لبنان والصومال والجزائر والعراق وتونس ومصر وليبيا واليمن. أربع منها بما فيها ليبيا ما زالت تعيش في دوامة الصراعات، لأنها انتهجت الديموقراطية المستوردة في زمن الفوضى، اليمن تعيش صراعات دموية طائفية. بينما ثلاث دول هي الجزائر ومصر وتونس خرجت من الأزمة وحققت الاستقرار، بسبب وجود قيادة لديها رؤية، ووجود أداة ردع هي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فعندما تم التلاحم بين القيادة والجيش استقرت البلاد وبدأت توفر حاجات المواطن في أمنه وقوته، وتؤسس للديموقراطية.

إن الخوف من ظهور قيادة تحمل رؤية، تحميها قوات مسلحة قوية وأجهزة أمنية محترفة، أهم أسباب الموقف العدائي من القوات المسلحة. والعمل على تفكيك حاضنتها، وزرع الفتنة بينها وبين شركاء مصيرها، ومحاولة إنهاكها باتساع رقعة معاركها، وتجفيف منابع تمويلها، ومحاولات شيطنة قيادتها بتضخيم عبث فئران سفينتها. المحزن أن نسمع مغررا به يردد، “فلان ليس ضد القوات المسلحة بل ضد قيادتها”، يعني يريدون فصل الرأس عن الجسد، أي فصل العقل – مركز القيادة والتحكم – عن أذرع الفعل.

الأمل معقود على لجنة 5+5 أن تضطلع بمسؤولياتها وتستفيد من تجاربها وتجارب جيرانها. فلا بد من قوات مسلحة موحدة وقوية وأجهزة أمنية محترفة، ورؤية قيادة وطنية. بعد أن يتم بسط الأمن ويتحقق الاستقرار وتعود هيبة الدولة.

يعقد الليبيون مؤتمرا تأسيسيا يحضره مندوبون مختارون من كل التيارات والأطراف المدنية والمسلحة، يؤسسون لليبيا الجديدة من حيث نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وشعارها ورمزها ونشيدها، ثم يعرض على الشعب لإقراره، ويسلم إلى لجنة فنية لصياغته في شكل دستور دائم يتوافق عليه كل الليبيين ويحترمونه ويطيعونه ويدافعون عنه، نعبر إلى المرحلة الدائمة.

بدون ذلك ستستمر الأزمة والمعاناة وتزداد الأخطار المحدقة بالوطن، والكيّس من اتعظ بغيره.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى