الرئيسيةنوافذ الفكر

زوايا بحثية من كتاب (الطلاق) للشرفاء الحمادي يكتبها (محمد فتحي الشريف).. (حماية الأسرة تعلو على تفاسير الفقهاء) (1-4)

الكاتب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات.. خاص منصة العرب الرقمية

الملخص

في حلقة اليوم من حلقات زوايا بحثية من كتاب (الطلاق يهدد أمن المجتمع) للمفكر العربي الأستاذ علي الشرفاء الحمادي، نركز على بعض الزوايا التي وضحها الكاتب في طرحه ومعالجته لقضية (الطلاق)، ومنها الأضرار النفسية التي يتسبب فيها العنف بين الزوجين، وكذلك التأثير النفسي بين الزوجين حال غياب العلاقة الزوجية، مؤكدا أن الهدف السامي لحماية الأسرة يعلو فوق تفاسير الفقهاء، ثم وضح المفهوم الحقيقي للقوامة، وأخيرا وضع القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها الكتاب وهي السعي نحو تحقيق صلاح الفرد الذي يؤدي إلى نتيجة حتمية، وهي صلاح المجتمع، وهذا هو الهدف الأساسي.

كتاب الطلاق الحمادي  الشريف

الآراء الفقهية

في الحلقات الأولى والثانية والثالثة من زوايا بحثية من كتاب (الطلاق يهدد أمن المجتمع) للمفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، حاولنا إلقاء الضوء على أبرز وأهم الزوايا البحثية في مفهوم وفكر الكاتب الذي قدم طرحا ومعالجة لقضية الطلاق من خلال مفهوم جديد يهدف لتوضيح العديد من النقاط التي غيبتها الآراء الفقهية رغم وضوحها في كتاب الله وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة، حتى أصبحت تهدد أمن وسلامة المجتمع.

تأثير نفسي

وفي حلقة اليوم سوف نتحدث عن مفهوم الضرب الذي جاء ذكره في بعض الآيات، وهو له معان ومقاصد مختلفة، كذلك الأضرار النفسية التي يتسبب فيها العنف بين الزوجين والتأثير النفسي بين الزوجين حال غياب العلاقة الزوجية، ثم نوضح الهدف السامي لحماية الأسرة الذي يعلو فوق تفاسير الفقهاء، الذين حرفوا العديد من النصوص لصالح أهوائهم، فكرسوا لمفاهيم مغلوطة أسست للفرقة والهدم حتى أصبح أمن المجتمع على المحك بسبب تلك المعالجات المغلوطة والتفاسير المبهمة الموجهة لصالح بعض الأفراد.

مفهوم القوامة

كما يتناول الكاتب المفهوم الحقيقي للقوامة، ووضع القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها فكره وهي السعي نحو تحقيق صلاح الفرد الذي يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي صلاح المجتمع، وهذا هو الهدف الأساسي.

لقد استطاع الكاتب أن يسلط الضوء على زوايا كانت خارج المشهد، وأعادها إلى الطرح والمعالجة بالمفهوم الصحيح حتى يدرك الجميع أن ما نعيشه نحن من فرقة وشتات للأسرة والتي تتسبب بشكل مباشر في انهيار المجتمع من جوانب متعددة يرجع إلى إغفال الناس بعض جوانب معالجة قضية الطلاق كما وضعها ووضحها القرآن الكريم.

واضربوهن تعني (واضربوا عنهن)

وقال الكاتب في هذا الطرح نصا: إن ما تعنيــه كلمة (واضربوهن) هو (اضربوا عنهن)، حيــث إن الامتناع عن مبــاشرة العلاقة الزوجية يترك أثرًا نفســيًا على الزوجة، لتعيد النظر في موقفهــا من الزوج، لتتحقق المصالحــة ويعود الوئام بينهما حفاظًا على اســتمرار الأسرة لرعاية الأطفال لما يحقق لهم الاستقرار والهدف السامي لحماية الأسرة، والذي يعلو فوق كل تفاســير الفقهاء، التي تتخذ طريق القسوة وتتفاعل مع اعتداء الرجل في فهم خاطئ في تفســير معنى كلمة “الرِّجَالُ قوامون على النســاءِ” التي ظنّ المفسرون بأن الله ميَّز الرجل بها عن المرأة.

القوامة مسؤولية

ويضيف المفكر الكبير قائلا: ما أدرك هؤلاء مقاصد الآية الكريمة في قول الله سبحانه: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (الآية 34 سورة النساء)، حيــث إن مقاصد الآية الكريمة هي أن يتحمّل الرجل مسؤولية القِوامة للأسرة برعاية الزوجــة والعناية بالأولاد، ومســؤولية الرجل عن حماية أهله وأبنائه بتحقيق الحياة الكريمة للأسرة بالإنفاق من ماله لتأمين السكن المناســب، ومتطلبات الحياة من المأكل والرعاية للأبناء من تعليم وعلاج، والمحافظة على أمنهم وحمايتهم.

تكليف لا تشريف

ويكمل الكاتب قائلا: فما ذكرته الآية الكريمة ليس معناه رئاســة أو سيادة أو الحاكم الأوحد في أسرته، إنما هي مســؤولية تجاه أسرتــه كلَّفه الله بها لحمايتهــا ورعايتها وتأمــين حاجتها؛ فالآية أكــدت أن كلمة (قوَّامون) تكليف وليست تشريفًا ليتعالى على زوجته ويتعامل معها كالعبدة يســتخدمها كما يشاء دون أن يكون لها حقوق أو كرامة، والتــي كرَّمها الله في القرآن بعشرات الآيات التي يؤكد التشريع الإلهي بها كيفية المحافظة على حقوق المرأة.

تحيز وفهم مغلوط

ويوضح المفكر العربي جوانب مهمة في فهم النصوص ويقول: إن تحيُّز الفقهاء بتفسير خاطئ لمصلحة الذكور يخدم أنانيتهم واســتبدادهم ويكشــف عن نفوس مريضة بهوس السلطة والتسلط، واتباع الهوى والأنانية والتأثــر بشرائع الديانات قبل الإسلام، فليس من المســتغرب عليهم أن يخدعوا الناس بتلــك التفســيرات المُغرضة.

إهمال حق المرأة

ويشير إلى أن الذكور ملكــوا زمام التفســير والفتوى والتشريع، حتى أصبح مقصورا عليهم في الإســلام منذ مئات الســنين، وأهملوا حق المرأة من المشاركة معهم في تفسير مقاصد آيات القرآن الكريم اســتناداً للتشريع الإلهي في آيات الذكــر الحكيــم ليكون التشريــع الإلهي فيما يتعلــق بالعلاقة الزوجيــة المرجع الوحيد الذي ينظم العلاقة بينهما على أســاس العدل والإنصاف والمودة لتستقيم الحياة الزوجية على التفاهم والرحمة والتعاون بينهما للمحافظة على استقرار الأسرة في ظل الطمأنينة والسعادة ليتحقق التوازن بينهما والمساواة في الحقوق ومــن أجل اســتمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين لاســتكمال مســيرة الحياة الزوجية وتأثيرها على المجتمع من نتائج إيجابية لبناء الفرد الصالح الذي يسهم في تطور الوطن والمحافظة على أمنه وسلامته.

تداعيات الطلاق على سلوك الأبناء

ويؤكد الكاتب على أن مقاصــد الشريعة الإلهية حماية الأبنــاء إذا حدث (الطلاق المغاير لشريعة الله ومنهاجه بالنطق بكلمــة الطلاق) حتى لا يتحول سلوك الأبناء إلى سلوك شــاذ، إذا تفرق الوالدان وقد ينحرفون إلى طريق الضلال في حالة الانقسامات الأسرية وما يعيشونه مع والديهم من نكد وخلافات يومية وما يتلفظ به كل منهما من كلمات ســوقية تسبب المشاحنات وتسبب اهتزاز الثقة بينهما مما قد يسبب خراب البيوت وتشرد الأطفال وضياع الأسرة على أتفه الأسباب.

سلطة وسطوة للرجال

ويكمل الكاتب قائلا: ليمارس الرجال سلطتهم ورجولتهم على ضعف الزوجة وانكســارها وفقًا للمفاهيم البالية فيما قبل الإســلام وما يترتب على ذلك التصرُّف الجائر من الزوج من تأثيرات على سلوكيات الأطفال، وما قد يصيبهم من الأمراض النفســية التي تؤثر على ســلوكياتهم في المجتمع ويتجهون إلى طريق الانحراف، واســتقطابهم من قوى الشر لاستغلالهم في الإضرار بالمجتمع وتهديدهم للأمن الاجتماعي وسلامته.

التدبر لمقاصد التشريع

ويشرح الكاتب العربي الكبير المفاهيم الحقيقية للضرب ويقول: لذلــك عــلى كل من يســعى لمعرفــة المعنى الحقيقــي لكلمة (واضربوهــنّ) يتطلــب التدبُّــر في أهــداف التشريع الإلهي ومقاصد آياته واســتدعاء الآيات في الكتاب المبين التي تدعو النــاس إلى تحقيق المصالحة والتســامح والعفــو والدفع بالتي هي أحســن، ليصل الباحث إلى حقيقة أهداف رسالة الإسلام في تحقيق الســعادة للناس، ووأد الفتنة بالمــودة والرحمة وليس بالعداوة والقسوة.

وقد وضع الله سبحانه قاعدة تشريعية تحقق السعادة للزوجين والتكامل بينهما بميزان لا يطغى أي منهما على الآخر في قوله سبحانه مخاطبا الزوجين كليهما فيما يلي: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم: 21.

 فهم يناقض العدل

ويوضح الشرفاء الحمادي المقصد الإلهي من هذا التوجيه الإلهي للزوجين بأنّ كلاً منهما عليه أن يعلــم بأنّ الله موجّهٌ أمره له وليس ما تم تفســيره خطأ على مدى أربعة عشر قرناً (بأن الله خلق الزوجة لتكون ســكناً للزوج)، إنما تعنى الآية كلاً منهما ســكنٌ للآخر، وللأسف يمارس الزوج سلطته من ذلك المفهوم الخاطئ، وكأنما الأنثى خلقها الله لإمتاع الذكور، وعليها أن تطيع الزوج في كل الأمور ولو على حســاب حقوقها التي أقرتهــا الشريعة الإلهية، وذلــك الفهم يتناقض مــع العدل الإلهي المطلــق الذي تعنيه مقاصد الآية الكريمة المذكورة، ليكون كل منهما ســكنا للآخر، وتأكيداً لذلك قال الله سبحانه: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (النحل 97).

عــادات الأقدمين

ويكمل الكاتب قائلا: إن الله يبين للناس شريعته في المســاواة بين الذكر والأنثى، وكلاهما خلقهما الله مــن نفس واحدة، فــلا يتفق مع المنطق عــادات الأقدمين قبل الإسلام باســتصغار الذكور للأنثى، واستباحة حقوقها واعتبارها أن الله ســبحانه خلقها لخدمة الذكر، مســتمدة من الشرائع والعــادات القديمة والشريعة اليهودية والمســيحية، وذلك الموقف يتعارض كلية مع الشريعة الإلهية التي تؤســس علاقة الذكر والأنثى على المساواة وتنظيم العلاقة بينهما.

صلاح الفرد يصلح المجتمع

وتحديد مسؤولية كل من الزوج والزوجة لتحقيق الاستقرار لحياة طيبة بينهما على أسس الشريعة الإلهية التي تضاف إليها المودة والرحمة والمعاملة الحسنة بينهما حيث حدّد الله سبحانه مسؤولية الزوج برعايــة الأسرة المكونة مــن الزوجة والأبناء وتأمين ســكنهم ورعايتهم في التعليم والصحة والسكن والمعيشة، وكلّف الزوج والزوجة بمســؤوليتهما في رعاية المنزل وتربية الأبناء والســهر على راحتهم والعناية بهم، وكلا الزوجين يؤديان واجبهما بالأمانة والمودة والرحمة، ويبقى المعــروف بينهما يحمي العلاقة الزوجية ليتحقق الاستقرار للأسرة لتبني المواطن الصالح ليعمَّ السلام في المجتمع كله، فإذا صلح الفرد صلح المجتمع.

جوانب لم تكن مطروحة سابقا

وفي النهاية أقول إن الأستاذ علي محمد الشرفاء استطاع أن يضع جوانب مهمة في فهم المقاصد الإلهية لحياة الفرد والأسرة حتى نستطيع أن نطلع على كافة الزوايا التي شملها هذا الكتاب البديع، الذي يعد بحثا فريدا في جوانب لم تكن مطروحة سابقا، ولذلك سوف نستكمل في الحلقة الخامسة إن شاء الله تعالى مقاصد جديدة ومفاهيم جديدة من خلال زوايا بحثية في كتاب الطلاق.. دمتم بخير.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى