الرئيسيةدراساتسياسية

“قمة بريكس بجنوب إفريقيا”.. الطريق في إتجاه عالم متعدد الأقطاب السياسية والإقتصادية

تجمع «بريكس» يسعى لإثبات بصمته الجيوسياسية في العالم

رامي زهدي خبير الشؤون الإفريقية الإقتصادية والسياسية-مركز العرب للأبحاث والدراسات

بريكس بالنسبة لمصر يمثل توافقاََ مع النهج المصري التاريخي الداعم لتوجه مصر لعدم الإنحياز عالميا الا لصالح امن وسلم واستقرار العالم، حيث تؤمن مصر دائما بأن الأمن والسلم في العالم هو الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف التنموية التي تطمح لها الشعوب.

في اطار من التنافس العالمي المتنامي، الجميع يتحرك للأمام، ولا أحد ينظر او ينتظر مزيدا من الظروف المواتية بل يسعي القوي لصنع وتهيئة الظروف الإيجابية الداعمة لتنفيذ الخطط والأهداف الإستراتيچية المعدة إرتقاءََ بموقف سياسي واقتصادي ساعي فيه الجميع لتطويع الإمكانيات المتاحة لصالح الأهداف.

اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. قراءة في مستجدات الشأن السوداني بعد توقيع الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري والمدني

يترقب العالم أجمع انعقاد ونتائج ومخرجات اجتماع قمة تجمع «بريكس»، الذى تستضيفه جنوب إفريقيا، في 22 و23 أغسطس 2023، وما سيتقرر عنه من قرارات اقتصادية، وتطورات جوهرية فى بنية التجمع، الذى بات رقمًا مهمًا فى عالم متعدد الأقطاب، خاصة أن دوله الخمس الحالية، وهى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تشكل معًا نحو 31.5٪ من حجم الاقتصاد العالمى، و18٪ من حجم التجارة العالمية، و26٪ من مساحة العالم و43٪ من سكانه، بالإضافة إلى أنها تنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمى من الحبوب.
خمسة دول مؤثرة في العالم وبقوة سواء تاريخيا او الأن مع ترجيح لتأثير اعمق لهذه الدول في السنوات القادمة، حيث يظهر بوضوح تداخل الدول الخمسة ولاسيما الصين والإتحاد الروسي في يجري من احداث سواء سياسية او اقتصادية في العالم، بينما يظهر بوضوح تأثير قوي لكلا من الهند، البرازيل وجنوب افريقيا كلا منهم في محيطه القاري والدولي وخاصة علي المستوي الإقتصادي حيث تمثل الدول الثلاثة والخمسة بصفة اكثر شمولية طاقات انتاجية واقتصادية هائلة محركة لمتغيرات چيوسياسية عالمية تمتد آثارها لسنوات عديدة متتالية.

قمة بريكس جنوب إفريقيا

ومن المتوقع أن تصوت دول «بريكس»، أثناء هذه القمة، التى دعت إليها 67 دولة و20 ممثلًا لمنظمات دولية، على انضمام أعضاء جدد إلى التجمع، بعد أن أبدت 23 دولة رغبتها فى الانضمام إلى «بريكس»، من بينها مصر والجزائر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وفلسطين، وأيضا الأرجنتين وإندونيسيا.
إن تجمع «بريكس» يسعى لإثبات بصمته الجيوسياسية بما يتناسب مع النطاق الاقتصادى الجماعى لدولة، ويمتلك التجمع أدوات تفاوضية وأخري أدوات ضغط تمكنه من إدارة ملفات متعددة بإدارة وإدارة قوية محكمة تتماشي مع النهج المرجو من تعددية القرار السياسي والإقتصادي في العالم،

منذ تم تأسيس التجمع رسميًا عام ٢٠٠٩، ضم الصين وروسيا والهند والبرازيل، ثم انضمت إليه جنوب إفريقيا فى عام 2010، تحرك التجمع تدريجا بهدوء لكن بقوة وثبات مدعوما بظروف اقتصادية وسياسية صعبة تجتاح العالم ظهرت نتاج تنافس وصراع دولي متعدد الوجهات والتوجهات وظروف اخري كانت داعمة لنمو التجمع صنعتها دول التجمع ذاتها التي استطاعت منفردة ومتكتلة في شكل التجمع من إحداث حركة توازن نسبي في آليات إدارة العالم. حيث يسعى التجمع للتأثير فى العالم فى شكل قطب جيوساسى قوى منفردا او بالتحالف مع أقطاب أخرى وايضا من خلال دعم وضم اعضاء جدد من دول تنطبق عليها القواعد الحاكمة للتجمع وترتبط بإطار قوى من العلاقات السياسية والإقتصادية مع كل او معظم دول التجمع الخمسة
ويبدو جلياََ ان التجمع لن يسمح للتواجد فيه الا الدول ذات التصنيف صديقة او صديقة جدا بينما القواعد الحاكمة قد تتغير او تتعدل من أجل السماح لضم دول معينة ذات ميزات چيوسياسية قد تكون ضرورية او داعمة للتجمع فيما هو قادم.

تجمع بريكس يستهدف الدفاع عن مصالح دول العالم النامى والنهوض باقتصاد الجنوب العالمى، وتشييد هيكل دولى أكثر شمولًا وتمثيلًا وعدلًا،
وكلها أهداف إيجابية مابين النيات الصالحة وبين المصالح الذاتية لدول التجمع الحالية التي ان استطاعات ايجاد مساحات كبيرة مشتركة للتعاون الإستراتيچي بينها وبين دول راغبة او ابدت اهتماماََ بالإنضمام للتجمع، سوف تكون كتلة التجمع بعد انضمام الجدد كتلة ضخمة صلبة عصية علي الكسر او التفتيت، قوة التجمع في السنوات الأخيرة والظروف العالمية الصعبة جذبت العديد من الدول لإبداء الرغبة او بالفعل المضي قدماََ في خطوات معلنة او غير معلنة للانضمام للتجمع، مع رغبة بعض الدول فى إعادة التوازن العالمى الذى يميل بشدة للمصالح الغربية, ويمثل التجمع نقطة أمل تتعلق بها دول عديدة فى عالم ذات اقتصاديات ناشئة قوية تحتاج مزيدا من الدعم السياسي والإقتصادى لإستكمال مسيرتها التنموية والإقتصادية

اجتماعات قمة «بريكس» فى جوهانسبرج بدولة جنوب إفريقيا، تأتى فى وقت وظروف معقدة متشابكة عالميا، إذ ما زال الصراع الروسى الغربى على أرض أوكرانيا قائم ودون أفاق واضحة للحل، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين تزداد حول تايوان، بينما مازالت افريقيا في نفس الاطار السابق والدائم من بؤر الصراعات وظروف امنية صعبة بالتوازي مع حجم تهديد غير مسبوق للأمن الغذائي والطاقي بالقارة الإفريقية لكن ما زاد ايضا علي ظروف افريقيا الصعبة هو تصاعد وتيرة الصراع الدولي والتنافس علي القارة الإفريقية بالاضافة لمحاولة مسرح عمليات الصراع الدولي الي ساحة القارة الإفريقية بالتوازي مع ازمات معقدة في السودان، وفي الساحل والصحراء وغرب ووسط القارة، وكذلك تمدد للجماعات الارهابية والجريمة المباشرة والعابرة للدول.

وجهت جنوب إفريقيا الدعوة ل 67 دولة ورئيس من قادة العالم لحضور فعاليات القمة، ما يدل على اهتمام بريكس بتعزيز نفوذه، فى ظل التوجه لمناقشة عدد من القضايا المهمة، منها توسيع عضوية التجمع والتعاون النقدى والأمن الغذائى وتقليص هيمنة الدولار على المدفوعات الدولية، وهى الموضوعات التى طُرحت للمناقشة فى القمم السابقة، مع بحث التبادل التجارى بالعملات الوطنية بين الدول الأعضاء، والذى ارتفع إلى 422 مليار دولار فى آخر 5 سنوات

حاليًا تسعى 23 دولة للانضمام إلى التجمع، بما فيها مصر وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية، وسط تحفظ كل من الهند والبرازيل على توسع التجمع دون معايير وقواعد يتم الاتفاق عليها، فى حين تدفع كل من الصين وروسيا وجنوب إفريقيا للتوسع، وقد توافق القمة على انضمام عدد من الدول لـ(بريكس)، منها مصر، وتحديدا مصر تمثل نقطة هامة مؤثرة يمكن بها دعم التجمع وتحظي مصر بها بفرص كبيرة لدعم حركة النمو الإقتصادي والتنموي الذي قام بها الرئيس الوطني عبد الفتاح السيسي في ال10 أعوام الأخيرة ومازال يمتلك خطط طموحة جدا لمصر ولإفريقيا، وتحتاج مصر الي اوجه دعم متعددة مرجحة وممكن لها الحصول عليها حال وجودها في التجمع.

التجمع يحاول ويعمل من اجل تقليص هيمنة الدولار على نظام المدفوعات الدولية، وهى الفكرة التى طُرحت للمناقشة فى القمم السابقة، بينما لايسعي التجمع علي الاقل في المدي القريب لإحلال محل الدولار بأي عملات أخري لان ذلك عملياََ شديد الصعوبة ويمثل آثار اقتصادية تطال دول التجمع ذاتها قبل بقية دول العالم، لكن تشمل المقترحات زيادة استخدام العملات الوطنية فى التبادل التجارى، وإنشاء نظام سداد مشترك للدول الأعضاء، فيما يُرجح أن توصى القمة بتشكيل لجنة فنية لدراسة مقترح إطلاق عملة مشتركة.

هدف إنشاء عملة مشتركة للتجمع بغطاء ذهبى يمثل هدف متوسط وطويل الأجل، خاصة بعدما بدأ العديد من أعضاء التجمع فى تسوية مبادلات تجارية ثنائية بالعملات المحلية في ظل ظروف نقدية صعبة اصبحت مرتبطة بالإقتصاد الأمريكي وآليات رفع او خفض فوائد الإقراض في الولايات المتحدة الأمريكية.

بنك التنمية الجديد لدول التجمع يمثل محور ارتكاز قوي لدعم تقدم الأعمال المشتركة بين دول التجمع في السنوات القادمة، حيث ان ثلث عمليات الإقراض التى سيقوم بها البنك ستكون بالعملات المحلية بحلول عام 2026، وبنك التنمية الجديد تم إنشاؤه فى عام 2015 ليكون منافسًا لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وليكون بمثابة ثقل موازن لتأثير الدول المتقدمة فى الهيكل الاقتصادى عالميًا،

وانضمت مصر فى وقت سابق للبنك وهناك العديد من الدول فى الشرق الأوسط وآسيا، بلغ عددها 12 دولة، مهتمة بالمساهمة فى رأسمال بنك التنمية الجديد الذي سيكون محور للإقتصاد العالمي في السنوات القادمة.

من الموضوعات الدائرة دائما في فلك تجمع بريكس هي الصراع الروسي الأوروبي والمستمر منذ بدايته في 24 فبراير من العام 2022،إذ سبق أن صوتت البرازيل فقط لصالح قرار للأمم المتحدة الذى يدعو إلى إنهاء الصراع ويطالب روسيا بالانسحاب، بينما امتنعت الصين والهند وجنوب إفريقيا عن التصويت.، وتتوقع روسيا وتحتاج ان تحصل علي مزيدا من الدعم السياسي او التصويت لصالحها في المؤسسات الدولية من الدول الأعضاء حاليا في التجمع ومن الدول المتوقع انضمامها لاحقا وايضا من الدول التي لاينطبق عليها الشروط الحاكمة للإنضمام الأن الا انها تستطيع الحصول علي دعم الدول الأعضاء لتأهيلها للإنصمام في المستقبل، وفي هذا الإطار ظهرت مبادرة افريقية لمحاولة الحل حتي وان انتهجت المبادرة نهج حيادي داعي للأمن والسلم والإستقرار.

، وكان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى هو أول من دعا للسلام فى مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فى نهاية العام 2022 ومثلت دعوة الرئيس المصري وقتها نواة المبادرة الإفريقية والتي ظهرت بوادرها لاحقا في الربع الأول من العام 2023

الأمن الغذائي في العالم بصفة عامة وفي افريقيا بصفة خاصة يمثل ركن محوري في اعمال قمة البريكس السابقة والحالية وما يأتي من قمم في السنوات القريبة القادمة، خاصة وان اربع دول علي الاقل من الخمسة الاعضاء يتحكمون في غذاء العالم حيث وضعت الهند علي سبيل المثال والتى تمثل 40٪ من تجارة الأرز فى العالم قيودًا على صادرات الأرز لحماية سوقها المحلية، فى حين انسحبت روسيا من مبادرة البحر الأسود التى تضمن المرور الآمن لصادرات الحبوب الأوكرانية بسبب عدم تنفيذ الغرب كامل بنود الاتفاقية، التى تتضمن تسهيل صادرات الحبوب والأسمدة الروسية وتمتلك الصين اكبر رقم ونسبة من ديون 49 دولة افريقية تستخدم علي الاغلب هذه القروض لعلاج عجز ميزانتها وموازنتها عن توفير غطاء مالي آمن لتأمين إحتياجتها من الحبوب والغذاء.

تعميق استفادة الأفارقة من ثرواتهم وقدراتهم ودعم سيادة وحرية القرار الإفريقي ضد الإبتزاز والسيطرة والتوجيه الغربي لإرادة وتوجهات الدول الإفريقية، وكذلك بدء تنمية حقيقية فى القارة، والعمل على احترام ثقافة وحرية وطموح وارادة الشعوب الإفريقية، والعمل على وقف الصراعات والحروب بالوكالة فى دول القارة لمنحها فرصة لإحداث تنمية اقتصادية مستدامة حقيقة تبدء بتوفير الحد الأدني من مبادئي الحياة الكريمة لاكبر عدد ممكن من شعوب القارة ان لم يكن لكل شعوب القارة.

بريكس بالنسبة لمصر يمثل توافقاََ مع النهج المصري التاريخي الداعم لتوجه مصر لعدم الإنحياز عالميا الا لصالح امن وسلم واستقرار العالم، حيث تؤمن مصر دائما بأن الأمن والسلم في العالم هو الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف التنموية التي تطمح لها الشعوب.، بريكس يساهم في دعم فرص مصر في الحصول علي فرص تمويلة اكثر عدلاََ دون شروط مسبقة مجحفة لتوفير مزيدا من التغطية المالية لعمليات البناء التنموية، وكذلك دعم اطر التجارة البينية بين مصر والعالم خاصة دول التجمع وتخطي تحديات النقد الأجنبي وغيرها من امور قد يكون جزء كبير من حلها مرتبط بإنضمام مصر لتجمع دول بريكس.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى