رأي

د. دينا محسن تكتب.. الانتهاكات الإسرائيلية «انهيار مفهوم التعايش وتبدد صيغ السلام»

حقوق الإنسان والانتهاكات الإسرائيلية..

منذ بداية القرن الحادى والعشرين وانطلاق مارثون ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان، حيث انتشرت تلك المنظمات كالنار فى الهشيم فى كل دول العالم، حتى أنها وصلت إلى حدود تهديد الأنظمة السياسية المحلية والدولية، والتأثير فى الرأى العام المحلى والعالمى، والنفاذ إلى صناع القرار السياسى الدولى، والبروز فى الإطار الإعلامى محلياً وإقليمياً ودولياً.

إلا أن الدولة الفلسطينية الملكومة والمحتلة قسراً، والشعب الفلسطينى الذى يأنّ يومياً ليل نهار، لم يكن له وافر الحظ من ذلك الماراثون، كما أن لم يستفد شيئاً من تلك المنظمات، بل العكس.

وفى ظل التشدّق بنغمة حقوق الإنسان دولياً، لم نرى لها أى مثال حى أو تطبيق عملى داخل فلسطين، التى تتناقص فيها تلك الحقوق يوماً بعد يوم، إلا أن كادت تتلاشى، حتى نسى العديد من أبناء الشعب الفلسطينى تلك الحقوق، وكأنها أحلام وأمانى وليست واقعاً يجب تحقيقه.

منذ عقود تطالب الخارجية الفلسطينية مجلس الأمن الدولى، بضرورة احترام قراراته التاريخية السابقة، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى، وأبسطها حقه فى أرضه، بأن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، مع اتخاذ ما يلزم من الإجراءات التى يفرضها القانون الدولى، وتحميل حكومة الاحتلال تداعيات استمرار إحتلالها لأرض فلسطين … فهل تم تحقيق ذلك؟!

بالتأكيد وبديهياً الإجابة لا لم يتم تحقيق ذلك الأمر، وكأنه تجسيد للمستحيل، فالانتهاكات السافرة بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، كل ساعة من قتل بدم بارد فى وضح النهار وفى الشوارع والحارات، وفقاً لاحصائية وزارة الصحة الفلسطينية لعام ٢٠٢١م، فإن هناك حوالى ٣٦٠ شهيد من بينهم ٨٠ طفل، قتلوا بالسلاح وهم عُزّل بلا سلاح.

هذا بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية، حيث أشارت إحصائية رسمية صدرت عن مركز الإعلام والمعلومات الوطني الفلسطيني التابع لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إلى أن عدد الأسرى الفلسطينيين بالسجون والمعتقلات الإسرائيلية بلغ ٨٠٠٠ أسير يقبعون في زنازين الاعتقال.

ففي عيد الفطر المبارك، يواصل الاحتلال حرمان ما يزيد عن (٤٥٠٠) أسير من ذويهم من بينهم (٣٢) أسيرة بينهن أمهات، و(١٦٠) طفلا بينهم طفلة.

ووفقاً لصحيفة هآرتس العبرية هناك قفزة في معدل الاعتقالات الإدارية في السجون الإسرائيلية، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين أعلى مستوى له منذ خمس سنوات ونصف في نهاية، وبحسب معطيات حصلت عليها الصحيفة، يوجد حاليًا حوالى ٦٩٠ معتقل إداري، أغلبهم مضربين عن الطعام حتى يتم الإفراج عنهم.

ليس فقط الاعتقال للنساء والرجال والشباب والشيوخ بل وصل الأمر لاعتقال الأطفال، ليرتفع عددهم إلى ١٠٠٠ طفل منذ ٢٠٢١م، حيث قام الكيان الإسرائيلى بطرح قرار عسكرى يسمح بإصدار أحكام بالمؤبد على هؤلاء الأطفال.

أضف إلى ما سبق الانتهاكات السافرة التى تتم بحق الصحفيين الفلسطينيين، مما أدى إلى لجوء نقابة الصحفيين الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية لضمان حمايتهم، فهل حرّكت الجنائية الدولية ساكناً؟!

وبعد ذلك هل يمكن ذكر مصطلح حقوق الإنسان داخل دولة إسرائيل؟!

نظرية الأمن القومى الإسرائيلى والخوف من عدم الاستقرار الداخلى..

تعرض الداخل الإسرائيلى لعمليات نوعية، لم تكن لتحدث منذ عقود، أسماها الفلسطينيون عمليات مقاومة، وأسمتها الحكومة الإسرائيلية عمليات إرهابية، وأسمتها المعارضة الإسرائيلية عمليات الثغرات الأمنية.

وبعيداً عن المسميات فإن جوهر العملية يؤشر إلى اهتزاز نوعى فى نظرية الأمن القومى الإسرائيلى، نتيجة احتراب سياسى وعدم استقرار اجتماعى، هذا بالإضافة إلى العديد من التظاهرات التى حدثت العام الماضى فى المناطق العربية داخل إسرائيل، والمنشاوات العسكرية بين قطاع غزة وإسرائيل، كل ذلك بالإضافة إلى التصعيد الميدانى والسياسى فى القدس، ما أدى لاتساع دائرة الصراع فى القدس، وقيام الحكومة الإسرائيلية بنزع الأراضى من الفلسطينيين، وترحيلهم من مساكنهم وقراهم فى القدس.

ناهيك عن معارضة “نفتالى بينيت” رئيس الحكومة الإسرائيلية لقيام دولة فلسطينية، وكأنه بيان عام ورسالة مباشرة لقتل أى عملية سلام محتملة فى المستقبل القريب، فهو يركز خطابه على مفهوم التهدئة والتعايش، لكن هل يوجد تعايش بلا حقوق؟!

إذن بعد كل ما سبق سرده يمكن القول، بأن نظرية الأمن القومى الإسرائيلى فى الداخل على صفيح ساخن، فالمعارضة الإسرائيلية بقيادة “نتنياهو” تزداد شراسة وتحاول جذب كل عناصر اليمين المتطرف، وإسقاط الحكومة عبر تكسير عظام الائتلاف الحاكم، وبالتأكيد ذلك مؤشر لسيناريو تصعيد شامل فى المستقبل القريب.

كما أنه يوضح حالة عدم استقرار سياسى أو ميدانى، فالحكومة الإسرائيلية تواجه شبح الانهيار، والكتلة العربية (القائمة العربية) فى الداخل الإسرائيلى منقسمة على ذاتها، سواء المشتركة أو الموحدة، وربنا تساهم فى إسقاط الحكومة الحالية، وربما يكون هناك انتخابات خامسة فى مدة زمنية قليلة، وهذا كله يوضح اهتزاز السياق الأمنى الإسرائيلى.

أضف إلى ذلك صراع مسيرات الأعلام فى القدس مع المرابطين العرب من المسلمين والمسيحيين، وتصاعد وتيرة الصراع الدينى القومى، وتعالى نبرة الهُويّة اليهودية على فكرة الدولة الإسرائيلية ذاتها.

الدور المصرى عبر التاريخ فى دعم القضية الفلسطينية واحتواء الأزمة..

منذ احتلال دولة فلسطين عام ١٩٤٨م من الجماعات الصهيونية واليهودية المتطرفة، صرح الرئيس المصرى الراحل الزعيم “جمال عبد الناصر” لا اعتراف لا صلح لا تفاوض، وجاء بعده الرئيس “محمد أنور السادات” الذى نادى من قلب إسرائيل إلى حدود ما قبل ١٩٦٧ م، ثم الرئيس “محمد حسنى مبارك” الذى كان يرعى الحوار الفلسطينى الفلسطينى، حيث تمت استضافة تلك المشاورات فى مصر منذ عام ٢٠٠٢ م، كما أن الرئيس السيسى أيضاً تبنى أجندة التفاوض والحفاظ على التهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة فتح ملف المصالحة وإعادة الإعمار، إلى جانب تقديم المساعدات للأشقاء الفلسطينيين.

فى المقابل هناك استهجان ورفض محلى وإقليمى ودولى عربى وإسلامى وغربى، لمثل تلك الانتهاكات العنصرية اللا آدمية واللا أخلاقية، فى زمن التحرر والتقدمية وحقوق الإنسان، يفتقد الشعب الفلسطينى لأقل وأبسط الحقوق الإنسانية فى القرن الحادى والعشرين، يفتقد حتى لحرية العبادة والعيش الآمن، لكن لا يوجد حتى الآن دولة عربية أو إسلامية قادرة على قيادة لوبى ضاغط دولياً، فلم يعد هناك أى قرار مؤثر ضد الجانب الإسرائيلى وكأن إسرائيل دولة فوق القانون الدولى، ولا تعترف به أو حتى تحترمه، كما أن التطبيع لابد وأن تعود ثماره الإيجابية على كل الأطراف ليس فقط المطبعون ولكن أيضاً الشعب الفلسطينى، الذى لم ينل أو يلمس أى شئ إيجابى نتيجة هذا التطبيع السريع.

كما أنه دوماً هناك تحذيرات مصرية من محاولات إسرائيل الدائمة لتهويد القدس الشرقية، حيث تستمر سلطات دولة الاحتلال في دفع الأمور فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وخاصة القدس، تدفعها دفعا باتجاه تفجير للأوضاع، وإشعال حرب قد لا يمكن السيطرة عليها،
(تجلى ذلك بوضوح فى عملية الاقتحام الممنهجة من قوات الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك ومقاومة المواطنين العزل لهذه التعديات على مقدساتهم)

ولم تتوقف الجهود المصرية على إعلان موقفها الرافض للتصرفات الإسرائيلية، بل سعت مع كافة الشركاء الإقليمين والدوليين من أجل تهيئة المناخ الملائم لاستئناف المفاوضات وفقا للمرجعيات الدولية وحل الدولتين على أساس حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، والتأكيد على ضرورة عدم مساس إسرائيل بالثوابت الاساسية، خاصة فيما يتعلق بالوضع التاريخي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتحديداً في المسجد الاقصى المبارك.

مستقبل المسجد الاقصى فى ظل محاولات تهويده.. جماعه الهيكل وقرابينها..

لم تراعي قوات الاحتلال حرمة المسجد أو حرمة شهر رمضان المقدس لدى المسلمين ولم تراعى خصوصية الأعياد الإسلامية والمسيحية، ولم يعد خافياً على العرب والعالم سعى إسرائيل لتهويد القدس وإلغاء المقدسات المسيحية والإسلامية منها، وتشريد الشعب الفلسطينى فاستكمال تهويد القدس أصبح مسألة وقت، وكأنها تقول وماذا أنتم فاعلون! هذه الثقة التى يتصرف بها الجانب الإسرائيلي، نابعة من تراجع الدور العربى والإسلامى والدولى تجاه المقدسات الدينية.

كما أن عملية تهويد مدينة القدس تتم بخطوات متدرجة ثابتة وواثقة من جانب إسرائيل، والجهود الفلسطينية تجاه حل تلك الأزمة لم تعد فعّالة، نتيجة عدم اتفاق الفرقاء الفلسطينيين حول رؤى سياسية موحدة.

حيث تتزايد العمليات الإسرائيلية التى تهدف لإحداث تغيير ديموجرافى فى الأراضى الفلسطينية، بالإضافة إلى تغيير هوية المدينة ولا يمكن للجهد الفلسطينى مهما كان حجم إصراره وإيمانه بالقضية، أن يقف بمفرده فى مواجهة هذا الطوفان.

فلسطين الانتهاكات الاسرائيلية
فلسطين في أسبوع

فى هذا الصدد، ترى منظمة التعاون الإسلامي ضرورة حشد الجهود السياسية والاقتصادية، من أجل حماية مدينة القدس ومقدساتها، ودعم صمود أهلها فى مواجهة مخططات التهويد، وعلى المجتمع الدولى التحرك العاجل لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية بحق الأماكن المقدسة، لكن هذا غير ممكن في ظل الصراعات الدولية القائمة حالياً على الساحة العالمية، والتي أدت لتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وربما إهمالها تماماً.

كما أن دور الأمم المتحدة في وقف التصعيد بالأراضي المحتلة، تراجَع تراجُع كبير، ولم يتم تنفيذ العديد من قراراتها السابقة، فأصبحت مصداقية الأمم المتحدة على المحك مع اكتشاف ازدواجية المعايير إذ تفشل دائماً الهيئات الأممية ومجلس الامن في معاقبه إسرائيل أو حتى ردعها، لذا أصبح على مجلس الأمن الدولى إحترام قراراته، والاعتراف بأن القدس جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، مع اتخاذ ما يلزم من الإجراءات التى يفرضها القانون الدولى، وتحميل حكومة الاحتلال تداعيات استمرار إحتلالها لأرض فلسطين.

والخارجية الفلسطينية مازالت تدين محاولات إسرائيل فرض التقسيم الزماني على الواقع القائم في “الأقصى”، لكن لم تعد التصريحات والإدانات لها نفع لتنقذ المسجد الأقصى من مستقبل تدميره، لتدمير رمزية العروبة والطابع الإسلامى وانتهاء تلك القضية العالقة منذ عقود وقرون، أحقية الأرض المقدسة فى فلسطين.

أما عن إطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المصلين، ما أدى لإصابة العشرات منهم، وإعاقة وصول طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني للجرحى، وتضييقها على المصلين من الوصول للصلاة في المسجد الأقصى.

ذلك كله يجري وسط ادعاءات المسؤولين الإسرائيليين حرصهم على الوضع القائم أو التعامل بـ”حذر” مع الأوضاع، لكن عن “أي حذر” يتحدثون؟! فكل تلك الاقتحامات التي يتم القيام بها يومياً والاعتداءات بالضرب وإطلاق الأعيرة “المطاطية” وقنابل الغاز على المصلين تعتبره إسرائيل تعاملاً بحذر”.

كما أن بينيت يحاول التنصل مما يحدث ويُرجعه لليمين المتطرف وللمعارضة بقيادة “نتنياهو”، لكن الحقيقة هى عدم القدرة على احتواء الموقف وحل الأزمة، فقط التعامل مع الموقف من منظور سياسى وليس أمنى، ويبقى الأقصى رهينة تكتلات متحاربة سياسياً، ويبقى القدس الشريف مكسواً بالدماء.

وعلى الجانب الآخر، يعتبر الحديث عن الوضع القائم الذي فرضته إسرائيل، لتثبيت الوضع الذي يجب أن يفرغ فيه الحرم القدسي الشريف من المصلين ما بين الصلوات، لتثبيت أحقية اليهود في الدخول إليه والصلاة فيه، هذا هو التأكيد على ذلك، يريدونه أن يصبح أمرا واقعاً، هذه هي الخطوة الأولى وهذا توجه لفرض واقع جديد سيصبح قائماً، ويصبح التواجد اليهودي داخله جزءً من هذا الواقع الجديد.

أما عن جماعات قرابين الهيكل، والسنهدرين الجدد، والكاهانا، التى أصبحت أمراّ واقعاً يُهدد الوجود الإنسانى فى فلسطين، وتثبيت سلطة الحاخامات، نتيجة الفهم الخاطئ والإصرار على تنفيذ المخطط الشيطانى وفقاً لراويتهم، على أنها جزء من العقيدة والدين اليهودى، وعام بعد عام تتسع لهم المساحة لارتكاب مزيد من العنف المُقنن داخل القدس، والسعى لخراب القدس وليس لنجدته كما يدّعون، فممارسة هذا الدجل وتلك الشعوذة لن تُعيد الموتى ولن تعيد الماضى، ولن توقف التاريخ.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى