د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. المغرب والمونديال والجوهرة السوداء
الكاتب باحث وكاتب مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية
من يعتقد أن تألق وفوز المنتخب المغربي لكرة القدم على أكبر وأقوى المنتخبات الأوروبية في مونديال قطر 2022، كان من باب الصدفة فهو مخطئ، فقد سبق هذا التألق وهذا الفوز المستحق، تألق أخر كان خلال العام 1986 بمونديال المكسيك عندما حقق أسود الأطلس ولأول مرة على المستويين العربي والإفريقي التأهل للدور الثاني، وسبق كل ذلك مجموعة من التجارب والمحاولات والترتيبات، وتخريج العديد من اللاعبين المميزين والمهاريين أبرزهم أسطورة كرة القدم المغربية والعالمية نجم فريقي نادي أولمبيك مرسيليا وأتلتيكو مدريد، الراحل الحاج العربي بن مبارك، الذي يعد أول رجل عربي وإفريقي يحترف كرة القدم في الديار الأوروبية، وأحد أكبر من داعب المستديرة في تاريخ كرة القدم العالمية.
الجوهرة السوداء
قبل سطوع نجم “إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو” الملقب بـ”بيليه”، والقيصر فرانتس بكنباور، والداهية دييغو أرماندو مارادونا وغيرهم من النجوم الكروية، بأعوام عدة، كان العربي بن مبارك يصول ويجول في خيرة الملاعب الأوروبية، خاصة في كل من فرنسا وإسبانيا، ويتفنن ويبدع في رقعة الميدان ويسجل الأهداف ويحرز الألقاب تلو الألقاب على مستوى البطولة والكأس محليا وقاريا.
فما يحققه المنتخب المغربي اليوم من إنجازات، ليس وليد الصدفة بالتأكيد، وإنما جاء نتيجة لمجهودات إما فردية أو جماعية، بذلت في فترة من فترات الزمن الجميل، وتعد فترة الأسطورة العربي بن مبارك، الأساس الذي بنيت عليه كل تلكم الإنجازات التي ستأتي من بعد ومنها إنجاز مونديال قطر، الذي نعيش ونتتبع كل تفاصيله في الميادين وعبر مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية.
فقد كان العملاق العربي بن مبارك الذي حمل لقب “الجوهرة السوداء” بعد استفتاء شعبي أجرته صحيفة “أوتو” الرياضية الفرنسية الذائعة الصيت يوم 8 فبراير/شباط 1939، بحق شخصية رياضية ملهمة ألهمت العديد من النجوم وطنيا ودوليا، على الرغم من غياب وسائل الإعلام حينها خاصة منها البصرية، ولولا تناقل بعض الصور وبعض اللقطات المصورة القليلة والقليلة جدا لما تعرف الجمهور على لاعب كرة قدم استثنائي ومميز اسمه الحاج العربي بن مبارك.
وفي هذا الصدد، يصرح كل من شاهدوا وتتبعوا المسار الرياضي للحاج العربي بن مبارك، على أنه كان ليصبح أسطورة كرة القدم على الإطلاق، لو صادف ما شهدته حقبة “بيليه” من إعلام وانتشار للصورة وتناقل للأنباء، يقول اللاعب الفرنسي المولود في مدينة مراكش المغربية “جوست فونتين”، والذي كان هداف كأس العالم خلال العام 1958، أن “بيليه” يظل أفضل ملهم بالنسبة إليه، لكن ذلك يعود إلى وجود التلفزيون الذي لم يكن متاحا في حقبة بن مبارك”، ويضيف “ورغم ذلك، فإن العربي بن مبارك اخترع حركات رأيت كثيرا من اللاعبين يقلدونها لاحقا، لقد كان رياضيا مثاليا ذا عضلات مثيرة للإعجاب”.
الراحل الحاج العربي بن مبارك، هو أول لاعب عربي وإفريقي يدخل عالم الاحتراف في القارة العجوز، وصاحب أطول مسيرة رياضية في صفوف المنتخب الفرنسي لكرة القدم في التاريخ بما يقارب 18 عاما، واللاعب الوحيد الذي شهد له اللاعب البرازيلي المعروف بـ”بليه”، بالتفوق والتألق الملفت في مجال رياضة كرة القدم، واعتبره أحسن لاعب على الإطلاق بين أبناء جيله، بحيث أهدى له خلال زيارته للمغرب خلال العام 1976، قميصا لنادي سانتوس البرازيلي يحمل رقم 10، تأكيدا لاعتراف “بيليه” بخبرة اللاعب المغربي العربي بن مبارك التي ألهمت الأجيال التي أتت من بعده.
الحاج العربي بن مبارك، الذي وافته المنية وحيدا في منزله بمدينة الدار البيضاء يوم 16 سبتمبر/أيلول 1992، ولم يعثر على جثته إلا بعد مرور ثلاثة أيام، كان ممارسا جيدا لعدة رياضات في الوقت نفسه، فكان يتمرن ضمن فريق الوداد البيضاوي لكرة السلة في الصباح، ثم يعرج على كرة القدم في فترة ما بعد الظهر، كما كان يشارك في سباقات العدو بكل مستوياتها وسباقات ركوب الدراجات، وكان يبرع في ذلك من دون أن يتلقى أي تكوين أو تأطير تقني من أية جهة ما.
مونديال المكسيك 86
حضور المنتخب المغربي اللافت في المونديال ليس بالأمر بالجديد، إذ حضر منتخب أسود الأطلس في ستة نهائيات حتى الآن، وكانوا في كل مرة يجدون أنفسهم يمثلون العرب والأفارقة على السواء بحكم العروض التي يقدمونها عادة على الميدان، وتعتبر مشاركته في مونديال المكسيك عام 1986 من بين أهم هذه المشاركات، حيث قارع كبار المنتخبات وتفوق عليهم، وبلغ ثمن النهائي وسجل في التاريخ كأول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى هذا الدور، ولولا خطأ فني ارتكب على مستوى حائط الصد وتموضع بعض اللاعبين، استغله بذكاء كبير نجم المنتخب الألماني وقتها لوتار ماتيوس، ليسجل هدفا قاتلا على بعد دقيقة واحدة من انتهاء المباراة، لاستمرت وتواصلت حينها رحلة الأسود في هذا المونديال.
في مكسيكو 86، أجبر المنتخب المغربي، الذي كان يضم في أغلب صفوفه لاعبون يمارسون في البطولة المحلية، منتخبين قويين على تقاسم النقط، مسجلا تعادلين ثمينين مع كل من المنتخب الإنجليزي والمنتخب البولوني، اللذين كانا يعجان حينها بالنجوم، فيما استطاع اكتساح المنتخب البرتغالي في مباراة وصفت بالمعركة الحاسمة، بثلاثة أهداف لهدف واحد، ليحتل بذلك الصف الأول في مجموعته، التي كان المتتبعون ينعتونها بـ”مجموعة الموت” ويمر بكل فخر واعتزاز إلى الدور الثاني.
يقول اللاعب الدولي السابق عبدالرزاق خيري بخصوص مباراة المغرب والبرتغال التاريخية “أعتقد أن مباراة المغرب والبرتغال في مكسيكو 86 كانت أحسن مباراة لعبها المنتخب المغربي، وربما أيضا كانت هي المفتاح لباقي البلدان العربية والإفريقية لمقارعة المنتخبات الأخرى، وهو ما حدث بالفعل حيث شاهدنا منتخبات مثل غانا والكاميرون والسنغال وأيضا السعودية تصل لأدوار متقدمة في كأس العالم”، مضيفا في استجواب أجراه معه موقع DW الإلكتروني “لكن للأسف نحن العرب والأفارقة عندما نصل إلى دور الستة عشر أو دور الثمانية نعتقد أننا حققنا كل شيء وبالتالي لا نتمكن من مواصلة التألق وهذا هو الفرق بيننا وبين الأوروبيين، لكن رغم ذلك تبقى المشاركة ممتعة ومشرفة لحد الآن للمنتخب المغربي”.
لقد بصم المغرب في مونديال 1986 على مشاركة مميزة ولافتة شدت أنظار كل العالم حينها، وكسرت جدار مقولة أن هناك منتخبات قوية والمقصود بها منتخبات أوروبا الغربية ومنتخبات أمريكا اللاتينية، ومنتخبات ضعيفة والمقصود بها المنتخبات العربية والإفريقية والآسيوية، وأعلنت أن هذه المنتخبات قادرة على مقارعة الكبار وقادرة أيضا على لعب أدوار طلائعية في كأس العالم.
المربع الذهبي
عندما كان المنتخب المغربي يخوض مباريات الدور الأول من نهائيات كأس العالم قطر 2022، لم يكن أكبر الحالمين يحلم بأن يصل أسود الأطلس إلى أبعد من الدور الثاني، غير أن الذي حصل لم يذهل العرب والأفاقة فقط، ولكن أذهل كل العالم، عندما وجدوا أنفسهم أمام منتخب مغمور يقارع أكبر المنتخبات العالمية ويهزمها ويخرجها من المنافسة، المغرب أقصى المنتخب البلجيكي (الثالث عالميا في نسخة مونديال 2018)، وقبل ذلك أحرج منتخب كرواتيا وصيف بطل العالم في مونديال روسيا، وأجبره على اقتسام النقط، ثم أخرج المنتخب الإسباني بطل العالم في مونديال 2010 من دور الستة عشر، وأخرج أيضا المنتخب البرتغالي من دور الثمانية، بطل أوروبا وأحد المرشحين للفوز بكأس العالم خلال هذا المونديال قطر 2022، وتأهل بالتالي عن جدارة واستحقاق للمربع الذهبي، ليسجل نفسه كأول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى هذا الدور في كأس العالم، ولولا عامل الإصابات والإرهاق والظلم التحكيمي في مباراته ضد المنتخب الفرنسي لبلغ الدور النهائي في المونديال.
فالحكم المكسيكي سيزار أرتورو راموس بالازويلوس بداية لم يكن هو المعين أساسا لإدارة المباراة، وأعلن الإيطالي بييرلويجي كولينا، رئيس لجنة حكام الفيفا في المونديال، عن تعيين الحكم البرازيلي رافاييل كلاوس لإدارة مباراة المغرب وفرنسا، قبل أن يتم تعديل القرار وإبعاد كلاوس، واستبداله بالحكم راموس.
اعتمد هذا الحكم منذ البداية على مقياسين وهو يدير مقابلة نصف النهاية الثانية بين المغرب وفرنسا، فالالتحام العنيف كان يمر بلا مخالفة إذا ذهبت الكرة لفرنسا، بينما يتوقف معه اللعب إذا كانت الكرة بين أرجل اللاعبين المغاربة، وهو ما أزال عاملي الارتباك والخوف بين صفوف اللاعبين الفرنسيين وجعلهم يستحوذون على الكرة وينفذون الهجمات، وتوج هذا الحكم ظلمه ضد المنتخب المغربي عندما غظ الطرف عن ضربتي جزاء واضحتين للاعبين المغاربة، الأولى تظهر جليا في منتصف الشوط الأول عندما اتجه المدافع الفرنسي هرنانديز مندفعا بكل قوة صوب المهاجم المغربي سفيان بوفال الموجود أمامه مباشرة داخل منطقة الجزاء، وصدمه بكل قوة وأسقطه وسقط معه، أثناءها لم يكن الحكم بعيدا، بل شهد الواقعة عن كثب، وبدلا من احتساب ركلة جزاء للمغرب وإنذار هرنانديز، أهدى راموس فرنسا مخالفة وأنذر بوفال، في سابقة هي الأولى من نوعها في بطولة من حجم كأس العالم لكرة القدم، ولو كان منصفا لأحرز المغاربة على الأقل على نتيجة التعادل.
والثانية وقعت في نهاية الشوط نفسه وتظهر بوضوح أيضا وهي، عندما تعمد المدافع الفرنسي إعاقة اللاعب المغربي جواد الياميق، إذ أمسك مدافع فرنسا باللاعب المغربي، وأسقطه أرضا داخل منطقة الجزاء خلال تنفيذ اللاعب حكيم زياش لركلة حرة مغربية، ومجددا، مرت اللعبة بلا مخالفة ولا تدخل لحكام الفار.
وهو ما جعل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تدخل على الخط وتتقدم باحتجاج رسمي ضد الحكم راموس، الذي قاد هذه المباراة.
وجاء في بيان الجامعة نشرته على موقعها الرسمي: “احتجت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (اتحاد الكرة) بقوة على تحكيم مباراة المنتخب المغربي أمام المنتخب الفرنسي، بقيادة سيزار أرتورو راموس بالازويلوس، جاء ذلك في رسالة إلى الهيئة المختصة تضمنت الحالات التحكيمية التي حرمت المنتخب المغربي من ضربتي جزاء واضحتين بشهادة المختصين في التحكيم، ومستغربة في نفس الوقت من عدم تنبيه غرفة الفار لذلك”، مضيفا وتؤكد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أنها “لن تتوانى في الدفاع عن حقوق المنتخب مطالبة بالإنصاف في اتخاد الإجراءات اللازمة بشان الظلم التحكيمي الذي مورس على المنتخب المغربي في مباراته ضد المنتخب الفرنسي، برسم نصف نهاية كأس العالم”.
وعلى الرغم من هذا الظلم التحكيمي، فقد قدم المنتخب المغربي واحدة من أفضل مشاركاته في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، مثل من خلالها العالم العربي وقارته الإفريقية تمثيلا مشرفا، وكان بحق قريبا من التأهل للدور النهائي وتحقيق الهدف، مما يعني أن المغرب سيضع صوب عينيه في مشاركاته القادمة في كأس العالم للمستديرة الفوز بالبطولة والحصول على هذه الكأس العالمية.