الرئيسيةرأي

الدكتور سمير الوصبي يكتب.. الهوية السياسية والاستراتيجية الأمنية 

مشروع الوطن العربي الكبير (حلف وتنمية)

الصراع والخلاف سواء الحالي أم القديم بين الدول والحضارات سببه الهوية السياسية لكل نظام حكم، هذا المعطى الأولى يثير سؤال كيف؟ في ذهن وفكر القارئ، والإجابة عنه لا تكون إلا باستقراء دلالة المفهوم وبسط مكوناته أولا، بعدها سندرك علاقة التلازم بين الهوية السياسية والاستراتيجية الأمنية؛ فدلالة الهوية تعني تعريف الذات بخصائصها ومميزاتها الشخصية، أي ما تتفرد به عن الآخر، وهي ما تسمى هوية الفرد، ما يعني أن التجمعات البشرية تملك هويتها الخاصة والتي تحددها عناصر ثلاثة؛ المرجعية الفكرية (عقيدة الوطن)، العادات والأعراف الناظمة والمنظمة لطرق التعامل والتعايش البشري (القانون)، وموقع ومساحة الدولة وما تختزنه من مقدرات طاقية وثروات طبيعية (البيئة) لها أثرها في تشكيل الهوية السياسية، وعليه تكون الدلالة النهائية للهوية السياسية هي الدفاع السيادي عن المكونات الثلاث: المرجعية الفكرية (عقيدة الوطن)، العادات والأعراف (القانون الإطار)، الثروات والطاقات (المدخرات).

فالوطن هو مساحة وجود جغرافي يحوي ثروات وطاقات هي مدخرات، يهدف القانون الإطار بما يختزن من عادات وأعراف المجتمع إلى ترشيد ثروة الوطن وتوظيفها في بناء نهضة الأمة وازدهار الدولة وتحقيق التنمية المستدامة، تبعا لمرجعية فكرية هي عقيدة الوطن، هذا الثالوث: المرجعية، القانون، الثروة، بتكاملها هي أركان الوطن، والدفاع عنها هو ما يسمى الهوية السياسية، فالسياسة هي تخطيط وتدبير فكري وإجرائي للدفاع عن مصالح الوطن وإثبات وجوده السيادي، والدفاع وحفظ الهوية السياسية يقتضي وضع استراتيجية أمنية للوطن العربي الكبير إثباتا ودفاعا عن هويته السياسية.

الاستراتيجية الأمنية والدفاع عن الهوية السياسية للوطن العربي

ذكرنا سالفا أن الصراع والخلاف بين الدول والأوطان سببه تباين واختلاف الهويات السياسية لكل قطر، فالحرب بين روسيا وأوكرانيا وما أعقبها من خلاف بين المعسكرين الغربي والشرقي، هي إثبات وجود للهوية السياسية لكل معسكر، فعند اختلاف مرجعياتها الفكرية، وحتمية الدفاع عن ثرواتها يتحول إلى نزاع مسلح وعسكري، والمفكر المهتم بوضع الاستراتيجيات الأمنية عليه أن يعي جيدا أن على وطنه الدخول ضمن حلف أمني استراتيجي ذي هوية سياسية توحد رؤى أعضائه، ومن المعلوم أن أوطاننا العربية ليس لها غطاء أمني عبارة عن حلف موحد، بل هي خارج منظومة التحالف ما يعني أنها عرضة للاصطياد والأطماع والتحكم، وما حدث لأوكرانيا من تركها لوحدها تواجه مصيرها وخوضها حربا بالوكالة عن المعسكر الغربي لكفيل ببعث رسائل عاجلة للوطن العربي، وصرخت الثور الأحمر بالحكاية الشعبية عندما قال الأسد له: “إني آكلك لا محال”؛ فقال الثور الأحمر: “دعني أنادي ثلاثة”، فقال الأسد: “افعل”، فنادى الثور الأحمر: “إنما أُكلت يوم أُكِل الثورُ الأبيض”، توضح وتبين واقع حال الوطن العربي؛ فنظرة إلى أوطاننا العربية تكشف بجلاء صرخات الثور الأحمر تتردد، بليبيا وسوريا وو…؛ فمن موقعنا كمركز للدراسات الاستراتيجية الدعوة العاجلة بعد القمة العربية إلى عقد اجتماع طارئ بخلق حلف أمني استراتيجي، وإمكانية التنزيل والتحقق ممكنة بوجود مجلس التعاون الخليجي كنواة لتشكل الأولى، لتنضاف إليه جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية باعتبار الموقع الجغرافي والإرث الفكري والقوة والخبرة الأمنية، ولعل إرهاصات وبوادر التشكل بدأت تلوح بالأفق من خلال قمة “العلمين” والتي تناولت العلاقات الأخوية ومختلف جوانب التعاون المشترك، ودعم الجهود والمساعي التي تهدف إلى ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، والتي ترتكز على دعائم الثقة والاحترام المتبادل؛ بما يحقق تطلعات جميع شعوب المنطقة في التقدم والبناء والتنمية. وركود اتحاد المغرب العربي، سيدفع المغرب إلى خيار استراتيجي تكتلي موحد ذي أبعاد تنموية وأمنية بخلق حلف أمني استراتيجي رؤيته هي تحقيق التكامل في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما ينبئ بعقد قمة مماثلة لقمة “العلمين” ستكون بالمغرب لوضع جدولة زمنية لبحث أزمة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي والتكامل التنموي بين دول مجلس التعاون ومصر والمغرب.

ويشكل رهان أزمة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي المنطلق الأساس الذي يجب العمل عليه لتفعيل الوحدة العربية، وخلق حلف أمني إستراتيجي بين مجموع أوطان القطر العربي، حفاظا على الهوية السياسية ودفاعا عن المصالح المشتركة، فلا بديل لأوطاننا العربية من جعل فكرة الحلف العربي الأمني الاستراتيجي إلى واقع معبر عنه بمؤسسات وهيئات فاعلة تشكل هياكل حلف عربي موحد ينطلق من تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي كبداية لتوحيد المقصد والغاية إلى التكامل الاقتصادي، ومنه إلى الدفاع العسكري المشترك، برؤية حلف يجمع بين الأمن الغذائي والعسكري، لتنسلخ الأوطان العربية من الفرقة والاستيلاب والاستنزاف، ومن أن تكون مسرحا لصراع بين القطبين الغربي أو الشرقي، إلى كيان قطري موحد وقطب فاعل ومؤثر وبوطن عربي كبير ذي سيادة ذاتية، وهو مطلب آني وضروري لحفظ الهوية السياسية من خلال وضع استراتيجية أمنية لمجموع أوطان الأقطار العربية بخلق حلف عربي موحد ينشد الأمن والتنمية معا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى