الرئيسيةتقدير موقف

رامي زهدي يكتب.. قراءة في المشهد السوداني

الكاتب رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز العرب للأبحاث والدراسات

“الفرص المتتالية الفائتة وصلت بالجميع لطريق مغلق مغلف بالشك وعدم اليقين”

“الصراع المسلح والإقتتال في السودان يدفع ثمنه المواطن السوداني أولا وأخيرا”

“المصالح والأطماع الشخصية لدي البعض أكبر كثيراََ من مكانة ومصلحة الوطن والأمة السودانية”

“وكأنها أمة كتب عليها الشقاء”
السودان… وكأنها أمة كتب عليها الشقاء، هكذا هو حال الأمة السودانية العريقة في وطن عظيم أثر وتأثر عبر سنوات من تاريخ وحاضر ومستقبل العالم، لكن للأسف، تحت ظروف حياتية صعبة افتقدت أدني درجات مبادئي جودة الحياة الكريمة عاش الشعب السوداني تحت الحكم الديني المتطرف أحياناََ وتحت الحكم البشيري المتهالك الذي أغلق كل مجال عام ممكن للشعب السوداني ووصل بالبلاد لعزلة دولية وعقوبات، وبني لنفسه حواجز أمنية وعسكرية تحمي نظامه الذي لم يصمد في النهاية ولو بعد أكثر من ثلاثون عاماََ أمام إرادة شعبية لشعب يرغب ويتوق للحياة وسقط نظام البشير بكل مافيه من فساد وإفساد وإستغلال نفوذ وإقصاء سياسي ومجتمعي، سقط بعد أن فقط نصف السودان جغرافياََ بعد ان إنفصل الجنوب الذي لم يتحمل كم الإقصاء والظلم والتفرقة العنصرية والقبلية ، وتنفس الشعب السوداني لأول مرة هواء حر وسط آمال مشروعة بعودة قوية للسودان القوي، لكن جريمة السابقون كانت أكبر من ذلك حيث لم يترك السابقون اي أمل لقيام مجتمع وطني مدني حزبي قوي، و ترك فجوة عظيمة مابين الشعب وقواته المسلحة من عدم الثقة، وصلت للشعب او معظمه بأن ينادي بمدنية الحكم بغض النظر عن جودة وتمكن ذلك الحكم وكأن الأصل في الهدف التخلص من الحكم العسكري وليس الأمل في حكومة ونظام قوي مخلص ووطني للدولة السودانية بغض النظر عن ماهية هذا النظام كونه مدني او عسكري او مختلط.، زادات الأمور تباعداََ واتسع حجم الإنشقاق السياسي في السودان والمواطن يعاني يوما بعد يوما، الا ان الأمور رغم توقع البعض لم تكن قد وصلت لمرحلة المواجهة المسلحة او الإقتتال، والأن للأسف وصلنا جميعا لما لم نتمناه واصبحت الأمور تقارب مراحل الخروج عن السيطرة.

“مشهد صعب”:
صراع مسلح واقتتال قوي بين قوي شرعية مؤسسية تمثل القوات المسلحة السودانية وهي مؤسسة عريقة ومن أقدم الجيوش في المنطقة وبين جزء متصل منفصل منها يسمي قوات الدعم السريع وهي في الحقيقة عبارة عن مليشات تضم افراد حتي من خارج السودان الي جانب ابناء السودان، كانت هذه القوات من صنيعة الرئيس البشير الذي فتح لهم المجال لتضم هذه القوات اكثر من 100 الف عنصر وعدد كبير من الآليات العسكرية ومستوي متقدم من التدريب والتسليح، ووقتها كان لإنشاء هذه القوة اهداف سياسية وعسكرية ليست كلها في صالح الدولة السودانية، بينما بالتوازي تم اضعاف القوات المسلحة السودانية للدرجة التي جعلت قوي الدعم السريع تعادل علي الأقل 60٪ من حجم وقوة الجيش السوداني لكن دون دمجها داخل المؤسسة العسكرية، عملت القوات المسلحة بالتوازي مع قوات الدعم السريع التي باتت تمتلك صلاحيات وامكانيات تعوق اي خروج لها من دائرة الحكم وسمي مجموع الجيش السوداني وقوات الدعم بإسم المكون العسكري، وعملوا طوال الوقت كفريق ضد او بالتوازي مع مع يسمي قوي الحرية والتغيير والمكون المدني السوداني والنقابات القبائل والعشائر السودانية، لكن كانت الأمور دائما مابين إنشقاقات سياسية ومحاولات للموائمة ومواثيق واتفاقات اطارية وشاملة وتوافق واتفاق علي تقسيم السلطة او خروج الجيش من دائرة الحكم مع ضمانات القوات المسلحة بحماية الديمقراطية وحرية الإرادة الشعبية، الا ان كل هذا لم يتحقق وكانت حجم المصالح الشخصية دائما أكبر من الوطن،

الأن صراع مسلح قوي، لا يعلم أحدنا كيف ومتي ينتهي، والصراع امتد بالفعل لمشاركة قبائل وعشائر وقد يتطور سريعا لمشاركة الشعب في الصراع، ويبدو ان الطرفان يستندان علي دعائم داخلية وخارجية،ولأن الأمور ضبابية والظلام يسود المشهد، يعلن كلا من الطرفين علي انه متقدم في حسم الصراع وان الإنتصار مؤكد له، لكن الشعب الذي كان في الاساس يعاني، الأن يعاني بمئات اضعاف ما سبق من معاناة، الحياة المجتمعية، الإقتصادية والخدمية مجمدة، كل الأنشطة متوقفة، حياة المواطن في خطر وسط تراجع اي معايير لحماية المجتمع المدني او تجنبيهم الصراع، وصل الأمر لنزوح اعداد كبيرة من الأهالي من مناطق الصراعات الي أماكن أكثر سلمية.

ولأن العالم لايتحمل في هذا التوقيت بؤرة صراع بهذا الحجم وفي هذه المنطقة، تحاول قوي دولية واقليمية رآب الصدع، وتحاول مؤسسات المجتمع الدولي والمؤسسات الإقليمية حث الجميع علي الإرتكان لصوت العقل والمنطق وان لايشارك الجميع في هدم الوطن، خاصة وان دولا وشعوباََ عدة في العالم هدمت وسقطت ولم تستطيع لسنوات طويلة ان تنهض مرة أخري.

“أسباب السقوط في منحدر الصراع”:
اسباب عديدة، وصلت بالسودان للمشهد الحالي، منها بالتأكيد النظام السابق وما أفسده في واقع وضمير وحال الأمة السودانية، وقبل النظام السابق صمت الشعب لسنوات طويلة علي هذا النظام، من الأسباب أيضا هوان الوطن السوداني علي قلوب وعقول بعض أبنائه من قبائل وعشائر كانت ومازالت تعلي الإنتماء القبلي او العشائري او الديني فوق الوطن، سوء حال الحياة في السودان عبر سنوات طويلة أفرغت مواطن يعاني في التعليم، الصحة، الإنتقالات، العمل، تدبير الإحتياجات الأساسية وبالتالي مواطن بهذا الوضع لايستطيع ان يشارك بإيجابية في عملية سياسية او إنتخابية مستقرة ونزيهة إن حدثت، كذلك العنصرية والإستعلاء والإقصاء مابين أبناء الوطن الواحد، العمالة لصالح قوي خارجية من أطراف سودانية من المفترض انها تتصدر العمل العام الحزبي والأهلي والنقابي، ولأن السودان دولة ثروات عظيمة تحرص قوي خارجية علي التنافس دائما علي السطو علي مقدرات ومكتسبات السودان وبالتالي من مصلحة هذه القوي التي تمارس سياسية غير شريفة ان يظل السودان دون نهوض ودون انكسار كامل كمريض لايشفي ولا يموت.

“أزمات مرجحة الحدوث”:
مابين أزمات إنسانية عميقة تزيد من جراح الشعب السوداني، وفقد وإهتزاز لقوة وتأثير السودان في محيطها الإفريقي والعربي والإسلامي والمسيحي وكونها دولة من دول الشرق الأوسط الكبير، كذلك نتائج اقتصادية سلبية لأن السودان دولة تمثل مزود رئيس لمواد خام وعوامل انتاج للعالم،

كذلك في حالة زيادة الصراع وتحول السودان الي بؤرة صراع يفتح ذلك باباََ لحالات كبيرة من عدم الإستقرار وغياب الأمن والسلم في شرق القارة الإفريقية وربما في عموم القارة الإفريقية كلها لأن السودان تعتبر مدخل للقارة الإفريقية بالإضافة لتعدد دول الجوار ومنها دول كبيرة في القارة مثل مصر، ليبيا، إثيوبيا بالإضافة الي ارتباط امن السودان بأمن منطقة البحر الأحمر واليمن والخليج العربي.

“فرص أخيرة قبل الإنهيار”:
مازالت الفرص قائمة، لكن يجب ان يعي الجميع خطورة الأمر، في النهاية شرعية القوات المسلحة النظامية ودعم الشعب لها هو المعاير الاساسي في حسم الأمور، ووقوف الشعب خلف الدولة ومؤسسية الدولة هو أمر ضروري لعبور الأزمة ولو مرحلياََ.

كذلك يمكن للدول الصديقة للسودان ان تقدم كثيرا لدعم الحلول الممكنة والتي يفضل لها ان تكون حلول سودانية سودانية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى