دراساتسياسية

دور جماعة الإخوان المسلمين فى الداخل الأمريكي وتأثير تزايد الإهتمام الأمريكى بآسيا على أمن إسرائيل

دور جماعة الإخوان المسلمين

إعداد الدكتورة/ نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

العناصر الرئيسية فى التحليل:

– أولاً: تأثير جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها داخل وخارج الولايات المتحدة على القرار الأمريكى

ثانياً: تقييم مواقف هيئة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” داخل المجتمع الأمريكى 

– ثالثاً: جهود منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير” فى إستقطاب المجتمع الأمريكى 

– رابعاً: التعامل الأمريكى مع التراجع الشعبى لتأييد تيارات الإسلام السياسى

– خامساً: تأثير تزايد الإهتمام الأمريكى بآسيا على أمن إسرائيل

سادساً: مدى إستفادة الصين وروسيا من إبتعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط

– سابعاً: تحليل تداعيات الوجود الأمريكى سياسياً وإقتصادياً فى الشرق الأوسط على المصالح الصينية والروسية                

– ثامناً: إشكاليات لإعاقة توسيع التعاون الصينى الروسى مع دول منطقة الشرق الأوسط

– تاسعاً: تقييم قمة الديمقراطية الأمريكية وغياب دعوة دول المنطقة، وتأثير إختلاف النظرة للديمقراطية بين الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الشرق الاوسط

– تمهيد:

جاءت ثورات “الربيع العربى” فى عام ٢٠١١ لتشكيل دعماً للعلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية مع صناع القرار الأمريكى، فى الوقت الذى كانت مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن فى (الحفاظ على الإستقرار فى مصر لمصلحة أمن “إسرائيل”، لذلك تقاربت أجندة السياسة الأمريكية والإسرائيلية من جماعة الإخوان المسلمين بإعتبارهم جزءاً من المعادلة السياسية فى مصر حينئذ). وهنا، فقد تقاطعت فى ذلك الوقت مصالح قوى دولية وإقليمية مع مصلحة الجماعة، لكن الأمور أخذت مجرى آخر حين أخفق الإخوان فى التعامل سياسياً وإجتماعياً مع إحتياجات المواطنين والشارع المصرى، فضلاً عن إنهيار فلسفة البنى التنظيمية والفكرية التى حكمت الجماعة، بالإضافة لعدم تمكنها من إدارة ملفات الدولة المنهكة، وتحقيق طلبات الثورة التى جاءت بهم إلى سدة الحكم، إضافةً إلى إستعداء جهاز الدولة القديمة وفئات إجتماعية عريضة إحتشدت ضدها لتسقطها فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. فى الوقت الذى شهدت فيه دول المنطقة تغير جذرى فى نمط إدارة علاقاتها وسياستها الخارجية لتحقيق توازن ما بين الشرق، ممثلاً فى روسيا والصين، والغرب ممثلاً فى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين بالأساس.

وفى المقابل، فقد كان لسياسة واشنطن فى (الإنسحاب التدريجى من منطقة الشرق الأوسط لصالح آسيا والصين والتواجد فى عمق مناطق النفوذ الصينى مباشرةً دوراً فى البحث عن مصادر بديلة لتأمين أمن الدولة العبرية)، ومع توتر العلاقات بين الإدارة الأمريكية فى عهد “جو بايدن” ودول المنطقة بشأن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد تضاعفت الفجوة وتوترت العلاقات الأمريكية مع عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط، نظراً لزيادة التدخل الأمريكى فى شؤون المنطقة داخلياً، مما أدى لإستفادة روسيا والصين من تلك الفجوة الكبيرة فى قضايا الديمقراطية ما بين إدارة “بايدن” وحلفاء واشنطن أنفسهم فى الشرق الأوسط. وبناءً عليه قامت الباحثة المصرية بتحليل النقاط الرئيسية التالية:

أولاً: تأثير جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها داخل وخارج الولايات المتحدة على القرار الأمريكى

للإخوان المسلمين تأثير كبير فى الداخل الأمريكى، ولديهم علاقات ممتدة بواشنطن على مدار ٧٠ عاماً. فمن وجهة نظر المؤرخ الأمريكى (وليم إنجدال)، فإن يرى بأن جماعة الإخوان المسلمين هى مجرد أداة ووسيلة تستخدمهم واشنطن لتوظيفهم لمصالحها. خاصةً لما تمتلكه تنظيمات الإخوان دولياً من شبكات ومؤسسات إسلامية دولية تمتلك التأثير على أجزاء معينة من العالم، وتشابكات مع غيرها من الأنظمة السياسية أو أفراد وتنظيمات سياسية أخرى، لذلك فإن لعبة (التوظيف السياسى للإخوان المسلمين) بدأت مع المخابرات المركزية الأمريكية، بما لها من تعاملات مع الإخوان منذ أخرجهم الرئيس المصرى الأسبق “جمال عبد الناصر” من مصر فى فترة الخمسينيات، وكانت لهم علاقات من قبل ذلك مع المخابرات البريطانية، لذلك تحاول المخابرات الأمريكية إستغلال ما لديهم من إمكانيات وتوظيفها سياسياً، بإعتبار أنهم كياناً معروفاً بالنسبة للأمريكان. ولذلك تجد دوماً من يصر فى واشنطن على صعود الإخوان المسلمين، بل وتدعيمهم عند بدء ثورات الربيع العربى، وبالطبع فإن للولايات المتحدة خبرة طويلة فى (توظيف جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وإستثمار وإستغلال شهوتهم للسلطة لصالح الإدارات الأمريكية المتعاقبة).

وبحكم إطلاعى على عدد كبير من دراسات وأبحاث مراكز الفكر الأمريكية، فظهرت هناك تسريبات جديدة تؤكد (إعادة الولايات المتحدة الأمريكية توظيف جماعات الإسلام السياسى والإخوان المسلمين سياسياً لمناهضة ومحاربة الصين الشيوعية وبعدها روسيا فى العالم العربى والإسلامى والشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا). وأعتبر الأمريكيون فى وثائق صادرة عن دوائر الأمن القومى الأمريكية، بأن “جماعة الإخوان المسلمين هى أداة متقدمة ورأس حربة لمحاربة النفوذ والتوغل الصينى الشيوعى بالأساس ثم الروسى فى الدول العربية وبعض من الآسيوية والأفريقية التى ينتشر فيها الإسلام لمجابهة الشيوعية”. فهذا الأمر يرجعنا بالذاكرة إلى الوراء بالضبط، وذلك كما فعل (هتلر) فى حقبة سابقة مع مسلمي بعض الجمهوريات الآسيوية وتوظيفهم سياسياً وقتها لمواجهة روسيا، والشئ المدهش بالنسبة لى أكاديمياً، هو إطلاعى على وثائق نشرت حديثاً تفيد بأن الزعيم النازى “هتلر” قد إلتقى “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ونبه “هتلر” فى مذكراته بأن “حسن البنا” أكثر خطورة من جراء الأيديولوجية الراديكالية العنيفة التى يحملها فكره كمؤسس لجماعة الإخوان المسلمين فى بداياتها الأولى، فيما كان الزعيم النازى “هتلر” على الناحية الأخرى، على إتصال جيد بأحد قيادات التنظيم السياسى فى فلسطين، وهو (أمين الحسينى)، وجميعهم ربطتهم دائرة واحدة من التشدد والتطرف لمساندة أجندة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والغرب لتحقيق مصالحها فى المنطقة، ويمكننا هنا العثور على المزيد من المعلومات لدى الباحث المهتم بشأن الإخوان المسلمين ومساراتهم، وهو الباحث الكندى المعروف “إبن جونسون” وذلك فى مؤلفه الشهير “مسجد فى ميونيخ”.

لذلك، سنجد فى الوقت الراهن بأن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية بتيارات الإسلام السياسى قد بدأت تنمو مرة أخرى مع جماعات الإسلام السياسى والإخوان المسلمين فى المقدمة منهم، كمحاولة لإستخدامهم فى (تغيير خارطة الشرق الأوسط تحت غطاء نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ومعارضة الأنظمة السياسية، ثم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول)، وهى مبررات وذرائع أثبتت التجارب فشلها بالأخص بعد فشل ثورات الربيع العربى المدعومة أمريكياً فى مصر وتونس وليبيا والسودان، وبالتالى ضعف نفوذ جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها داخل المنطقة.

ولكن يكمن (الهدف الجديد للإدارة الأمريكية فى تصعيد الأصوليات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين لم يعد فى واقع الحال هدفه العالم العربى والشرق الأوسط بنوع خاص، بل الهدف الأبعد كان الصين وروسيا، نظراً لحالة التخوف الأمريكى من الصين بوصفها القطب القادم لمنازعة أمريكا سيطرتها على العالم، وروسيا وتحديها للنفوذ الأمريكى وحلف الناتو فى أوكرانيا وآسيا الوسطى ومساعدته ودعمه للصين عبر التحالف معها).

وربما لهذا السبب الذى لم يفهمه الجميع، وحللته بشكل أكاديمى عميق، هو أن تلك المعادلة الجديدة الخاصة بالتقارب الأمريكى مع تيارات الإسلام السياسى والإخوان المسلمين فى المنطقة وإستغلالهم لتحقيق المصالح الأمريكية وتغلغلها داخل الأنظمة العربية، قد حللت لنا السبب الحقيقى وفسرت لنا هذا اللغز الغامض الذى تم الكشف عنه، بشأن (لقاء الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” على اللقاء مع القيادات العليا فى تنظيم داعش فى سوريا)، وذلك كمحاولة مخابراتية من “بوتين”، والمعروف بخلفيته المخابراتية العميقة، بتفكيك هذا (التحالف غير المعلن بين المخابرات المركزية الأمريكية والإدارة الأمريكية وتلك التنظيمات الأصولية والراديكالية الإسلامية)، كما أنها محاولة روسية جيدة من وجهة نظرى لفهم وتحليل المشهد السياسى فى مجمله، وفهم كافة أبعاد اللعبة الأمريكية فى توظيف تلك الجماعات الإرهابية سياسياً، ومساعدتها على الإستيلاء على السلطة السياسية وتصعيدها سياسياً، ومن ثم مساندتها فى عرقلة وتحجيم (سياسة وإستراتيجية الصعود شرقاً ناحية الصين وروسيا)، عبر تلك الخطة الأمريكية الخاصة بتفكيك روسيا الاتحادية والصين عبر العناصر التابعة لتلك الجماعات الإرهابية المتطرفة.

ثانياً: تقييم مواقف هيئة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” داخل المجتمع الأمريكى

يمكن تقييم مواقف (منظمة أو هيئة العلاقات الإسلامية الأمريكية)، والمعروفة بإسم “كير”، بالنظر إلى سمعتها بالخلط بين الأوراق الحقوقية والدفاع عن الحقوق المدنية وحريات المسلمين الأمريكيين والأجانب وما بين تداخلها مع جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتهم وتحركاتهم سياسياً، ولذلك شواهد عديدة منذ تاريخ إنشائها عام ١٩٩٤، حيث ثبت تشابك هيئة “كير” مع العديد من التنظيمات الدولية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن جمع أعضاء مؤسسة “كير” بين عضويتهم فى المؤسسة والعشرات من المنظمات والهيئات الدولية التابعة للنشاط الدولى للإخوان المسلمين، وذلك من خلال شبكة دولية ممتدة تجمع بين قيادات المؤسسة وجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن تبنيها مواقف عدة للدفاع.

فالملاحظ أن (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) يسيطر عليها تنظيم الإخوان المسلمين الدولى منذ تاريخ إنشائها حتى قيام ثورات الربيع العربى، ودفاعها الدائم عن حكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، تونس، السودان، المغرب، ليبيا، وغيرها. فضلاً عن دعم  (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) لنشاط عدد من أبرز رجال الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، من خلال التمويل والأشخاص الذين يتولون إدارتها، وأذرعها الدولية الممتدة بإعتبارها أحد المراكز المهمة للإخوان فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تتشابك مع دول أوروبا كافة فى الدفاع عن أنشطة الجماعة الإخوانية وتأييدها فى توسيع شبكة أعمالها دولياً أو دعمها السابق لهم فى دول ثورات الربيع العربى،  أو تمويل عدد من الأنشطة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين فى الداخل الأمريكى أو الأوروبى والدول العربية ذات الإمتدادت الإخوانية. كما أن معظم قيادات (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) يعدون من أبرز النشطاء السياسيين المعروفين بولائهم لجماعة الإخوان المسلمين.

كما تصدرت (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) أو “هيئة كير” المشهد السياسى الأمريكى فى دول ثورات الربيع العربى، وعلى رأسها الجانب المصرى بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر، وتزعم هيئة “كير” لنشاط عدد من المنظمات الحقوقية التى عارضت ثورة ٣٠ يونيو فى مصر، بل وإنتقدت وقوف المؤسسة العسكرية لإرادة الجماهير المطالبة برحيل حكم الجماعة الإخوانية، وتصاعدت حدة التوتر بين القاهرة وبين قادة (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) بمطالبتها بفتح تحقيق دولى مستقلفى مواجهة الدولة المصرية ومؤسساتها، وذلك للتحقيق فى وقائع (فض إعتصامى رابعة والنهضة) فى مصر أثناء العملية الأمنية المصرية لفض الإعتصام. كما إتضح لاحقاً تنسيق مواقف (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) مع جميع المؤسسات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين فى أوروبا وبريطانيا، حيث لوحظ بأن هنالك تنسيق فى المواقف بين مؤسسة “كير” فى الولايات المتحدة الأمريكية وكافة المؤسسات والجمعيات وأنشطة المنظمات التابعة بشكل مباشر لتنظيم الإخوان المسلمين، فجميع تلك المؤسسات الإخوانية فى أوروبا والعالم على علاقة وثيقة بمنظمة “كير” فى واشنطن، وإتضح كذلك حرص مؤسسة “كير” بشكل دائم على عمل وحشد علاقات بالعديد من الأذرع والمؤسسات الحقوقية والإعلامية أغلبها بتمويل تابع لجماعة الإخوان المسلمين التى باتت محظورة الآن فى مصر وتونس ودول الخليج.

وهنا نجد الإرتباط الوثيق بين (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) وجميع تلك المؤسسات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين دولياً، بتواجد بعض أعضاء (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير”) فى عدد من المؤسسات، ونشاطهم فى منظمات إخوانية أخرى.

– ثالثاً: جهود منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير” فى إستقطاب المجتمع الأمريكى

تشير كافة المؤشرات داخل المجتمع الأمريكى بأن (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير”) تعتبر منظمة متشابكة ومعقدة، وتتفوق على العديد من منظمات العمل المدنى بالداخل الأمريكى، كما بات الحديث عن (شبكة التمويل الهائلة التى تحظى بها هيئة “كير” ووجود أكثر من ٣٥ محامياً أمريكياً فيدرالياً يعملون فعلياً ضمن طاقم عمل هيئة الموظفين التابعة لها)، فضلاً عن تشابك علاقات المؤسسة بشبكة من المراكز الفكرية والمؤسسات الرسمية والحقوقية الأمريكية على المستوى الوطنى فى الداخل، بالإضافة لشبكة علاقاتها الدولية الممتدة المعروفة بها خاصةً بالعاصمة البريطانية لندن، وعلاقتها بأكثر من ٤٠ مؤسسة بريطانية، توجه إليهم أصابع الإتهام والشبهات بعلاقاتهم بجماعة الإخوان المسلمين. كما عرف عن (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية) أو إختصارها المعروفة به دولياً “هيئة كير”، بأنها متجذرة وممتدة فى جميع المؤسسات الأمريكية، بما فيها دوائر صنع القرار الأمريكية، فهى المكان الأول الذى يتواصل معه كافة المسلمين الأمريكيين، خاصةً عندما تواجههم أية أزمات.

  وتعرف فى الولايات المتحدة الأمريكية بأن (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) هى منظمة معقدة من الناحية السياسية والبنيوية، فضلاً عن التساؤلات المستمرة عن مصادر دخلها وتمويلها، خاصةً إذا ما علمنا وفقاً لمبدأ الإفصاح الأمريكى عن مصادر تمويل وميزانية كافة المؤسسات والمنظمات الأمريكية، فإتضح من خلال ذلك الإفصاح عن حجم الدخل والنشاط الخاص التابع ل (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية)، بأن مكتبها الرئيسى فى العاصمة واشنطن، يتم إدارته بميزانية سنوية وصلت لأربع ملايين دولار، ونجد هنا بأن قوة (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) تظهر من خلال تلك الفروع المحلية التابعة له، والمنتشرة فى ٢٠ ولاية أمريكية، تتبع جميعها قواعد ومبادئ عمل وإرشادات المنظمة الأم فى العاصمة واشنطن، وتنشط كافة فروع المنظمة وفرعها الرئيسى فى واشنطن فى جمع التبرعات بالملايين من مصادر مختلفة، بما فيهم شخصيات أمريكية غير مسلمة بالأساس، ولدى (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) نشاطات حقوقية وسياسية وقانونية، وتتمتع بإستقلالية كبيرة داخل المجتمع الأمريكى. كما أطلق العاملين داخل (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) نكتة بأن المنظمة تشبه مطاعم (ماكدونالدز) للوجبات السريعة، وذلك فى إشارة إلى العديد من الأعمال اليومية والمستمرة والمفاجأة للمنظمة.

  ولا يمكننا الحديث عن دور “هيئة كير” بشكل رئيسى داخل المجتمع الأمريكى، بدون الحديث الدائم عن مواجهاته مع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، المعروف بإسم “أف بى آى”، هذا من ناحية. ولكن على الجانب الآخر، عرف (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) بعلاقاتها بالإدارة الأمريكية نفسها والبيت الأبيض فى واشنطن، واللقاءات المشهورة العلنية بين قادة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية داخل البيت الأبيض ذاته مع الرؤساء الأمريكان، ودعوتهم بإستمرار داخل أروقة صنع القرار السياسى الأمريكى. وتشير بداية علاقات المجلس بالرؤساء الأمريكان، منذ أحداث ١١ سبتمبر ٢٠١١ بالأساس، وإضطرار (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) على تمثيل المجتمع الأمريكى المسلم ضمن القيادات المسلمة مع الرئيس الأسبق “جورج دبليو بوش” فى البيت الأبيض، خاصةً مع تزايد العنصرية والخطاب الكاره للمسلمين فى كافة الولايات الأمريكية بعد أحداث سبتمبر المعروفة، ومن هنا، باتت الفرصة سانحة بالنسبة لهيئة “كير” بعقد عدة لقاءات مع الرئيس الأسبق “جورج دبليو بوش” من أجل رسم خطوط واضحة بين المسلمين الأمريكيين المعتدلين، وللتفرقة بينهم وبين المتطرفين الراديكاليين الذين دمروا برجى التجارة العالمى

ولقد واجهت (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) عدة مشاكل وإضطرابات وتقديم شكاوى وبلاغات ضدها للمدعين الاتحاديين، وهيئة التحقيقات الفيدرالية، المعروفة ب (أف بى آى). كما قامت (وزارة العدل الأمريكية) بفتح تحقيق سابق بعلاقات المجلس الخارجية، خاصةً مع الحركة الإسلامية (حماس) فى فلسطين، وتصنيفها إرهابية فى الولايات المتحدة الأمريكية، لإتهامها بتبنى عدد من العمليات الإنتحارية ضد الإسرائيليين. والشئ اللافت للنظر هنا، هو إستبعاد (وزارة العدل الأمريكية) لهيئة “كير” من قائمة إتهام علاقاتها السرية والغامضة أو السرية بحركة حماس الفلسطينية، فى الوقت الذى أدانت فيه (وزارة العدل الأمريكية) ووجهت إتهامات صريحة علنية لأكبر جمعية خيرية إسلامية فى الولايات المتحدة الأمريكية، تعرف ب (جمعية الأرض المقدسة)، أو كما هو معروف عنها فى الداخل الأمريكى، بإسم جمعية (هولى لاند فاونديشن)، بإتهامها بنقل أموال لحركة حماس فى فلسطين. فى حين لم يتم توجيه أى أصابع إتهام إلى هيئة (كير) على الإطلاق، رغم وجود شبهات سابقة تحوم حولها فى هذا الإطار، خاصةً مع تزايد حدة التصريحات الفيدرالية السابقة لنشاط عمل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وعلاقاته الخارجية بحماس.

 وبرغم تبرئة وزارة العدل الأمريكية لهيئة “كير” حول علاقاتها المشبوهة والسرية مع حركة حماس، إلا أن (رابطة مكافحة التشهير الأمريكية)، قد نشرت مذكرة علنية، وصفت فيه (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”)، بأنها لديها أجندة معادية لإسرائيل، وقدمت تفاصيل عن علاقة (كير) بالجماعات المتطرفة. وبعدها نشر النائب العام الأمريكى الأسبق “مايكل موكاسى” مقال علنى، يتهم (مؤسسة كير) بإخفاء التطرف فى داخله وعلاقاته الخارجية بحماس وبالمتطرفين. إلا أن رد مجلس العلاقات الإسلامية جاء بعدم الإكتراث واللامبالاة لذلك.

ويبقى الشئ الأخطر عندى والجدير هنا بالمناقشة والتحليل والدراسة، هو ما تم تسريبه فى عدة تقارير أمريكية، بأن هيئة التحقيقات الفيدرالية “أف بى آى” لديها سياسة رسمية بعدم التعامل مع “هيئة كير” إلا فى قضايا معينة، رغم أن هناك شبهات تحوم حولها فى ملفات أخرى خطيرة، ولكن لم يتم توجيه شئ لها. والأبرز هنا، هو أن كافة الوكالات الفيدرالية الأخرى، بما فيها البيت الأبيض فى الوقت الراهن، باتوا يتعاملون جميعاً مع “كير” علنياً، وينسقون معه سياساتهم المتعلقة بالمسلمين داخل وخارج المجتمع الأمريكى. مع العلم، بأن هناك نقاشات حادة ومستمرة حتى الآن داخل البيت الأبيض الأمريكى حول آلية التعامل مع “هيئة كير” أو تجاهله.

وهنا فقد إشتكى أبرز الأعضاء فى (منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية أو “هيئة كير”) بأن هناك تنصتات فيدرالية عليهم، بسبب كافة تلك التحقيقات السابقة معهم، والمتعلقة بتمويلهم لحركة حماس، ولكن هيئة التحقيقات الفيدرالية “أف بى آى” لم تبت أى قرار أو إتهام فعلى لهم. ومن هنا نفهم مدى القوة والتغلغل والنفوذ التى تتمتع بها منظمة “كير” فى الداخل الأمريكى، ومدى تشابك وقوة علاقاته دولياً وداخلياً.

 

– رابعاً: التعامل الأمريكى مع التراجع الشعبى لتأييد تيارات الإسلام السياسى

قبل الإجابة على هذا التساؤل، لابد من فهم (الإستراتيجية الإخوانية الكبرى)، وهى تلك التى تقوم على دور التنظيم الدولى للإخوان المسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا وحول العالم، من خلال إستراتيجية تقوم على (التغلغل الإخوانى داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقاته المتشعبة على مدار سبعة عقود)، فقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين فى الداخل الأمريكى فى تعزيز وجودهم وجمعياتهم تحت العديد من الستارات والشعارات، وعملت كذلك على إنشاء العديد من الجمعيات الأهلية أو الحقوقية، وأخرى رفعت شعار العمل المدنى فى داخل المجتمع الأمريكى ذاته. وكان الهدف واضحاً فى أعين صانعى وواضعى تلك الإستراتيجية لجماعة الإخوان المسلمين، بهدف التأثير على القرارات السياسية الأمريكية من خلال دوائر النفوذ وصنع القرار الأمريكى، ومساعدة بعض الشخصيات التى تنتمى إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين فى الوصول إلى مناصب عليا وحساسة فى الدائرة السياسية الأمريكية ودعمهم فى ذلك، وتبقى الإستراتيجية الكبرى الأبعد فى فكر التنظيم الدولى للإخوان المسلمين هو (التخطيط المستقبلى للوصول لحكم الولايات المتحدة الأمريكية والتأثير على العالم من خلاله).

وفى إعتقادى الشخصى، فإن (الأيديولوجية البراجماتية لجماعة الإخوان المسلمين) قد تكون هى واحدة من أكثر الأساليب والوسائل التى تتمتع بها جماعة الإخوان المسلمين، وتعطيها القدرة على التحرك بشكل دائم، من خلال قدرتها على (التكيف والمرونة للتغلب على التحديات والتقارب مع الإدارة الأمريكية ودوائر صنع القرار السياسى فى الغرب).

وهنا سنجد أن التراجع الشعبى لجماعة الإخوان المسلمين فى الداخل الأمريكى والغربى بعد فشل ثورات الربيع العربى، سيجعل جماعة الإخوان المسلمين تعيد تنظيم جهودها الدولية عبر مؤسساتها المنتشرة عالمياً، وهنا ستعمل جماعة الإخوان المسلمين على العمل بمرونة وفق (الإستراتيجية الكبرى البعيدة لجماعة الإخوان المسلمين ما بين الأيديولوجية والبراجماتية)، وذلك بمحاولة جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها الدولية بإتباع أساليب ووسائل سياسية مختلفة تتمتع بالمرونة والعملية وفقاً للسياق أو الظروف الجديدة الطارئة التى تدور فيها، والخاصة بالبحث عن أهداف جديدة لجماعة الإخوان المسلمين للتقارب مع الإدارة الأمريكية ودوائر صنع القرار السياسى الأمريكى.

وربما نجد أن نجاح جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها فى (إقناع إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” الديمقراطية بعدم دعوة مصر ودول المنطقة لمؤتمر الديمقراطيات الأمريكية فى ديسمبر ٢٠٢١)، يعد دليلاً على إعادة جماعات وتيارات الإسلام السياسى فى الداخل الأمريكى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون تنظيم أهدافها وترتيب أجندتها نحو العالم العربى والشرق الأوسط بالتقارب مع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس “جو بايدن” وخلق أهداف جديدة ومشتركة نحو المنطقة. لذلك نجد الحرص الدائم لجماعة الإخوان المسلمين على إقناع الغرب بأنها (الناطق المعتدل للإسلام) والذى ينبغى للسلطات فى الغرب وواشنطن أن تصغى إليه، فهذا الإدعاء (يوفر غطاء غربى مهم بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين للعمل فى الشرق الأوسط مقابل توفيرهم خدمات سياسية معينة يحتاجها الغرب والإدارت الأمريكية منهم وقت الحاجة)، وهنا نجد بشكل متزايد بأن (نهج واشنطن تجاه جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسى على نطاق أوسع محكوم بشكل رئيسى من خلال الضرورات السياسية).

 

وعلى الجانب الآخر، فإن (نجاح جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن فى الحصول على مقاعد فى البرلمان الأردنى والحكومة الأردنية، يتيح لجماعة الإخوان المسلمين اللعب بتلك النقطة الخطيرة والهامة)، والمتعلقة بقدرة جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن بالعمل على (ضمان أمن إسرائيل وإتفاقيات السلام الإسرائيلية مع الأردن وبلدان المنطقة). وبناءً عليه، فلازالت هناك العديد من أساليب ووسائل العمل السياسى للقيادات الإخوانية الدولية وللتنظيم الدولى للإخوان المسلمين فى (الإلتفاف على القرارات الأمريكية والغربية للتقارب والإستقطاب والعمل سوياً للتأثير على أمن الشرق الأوسط ووضع الإستراتيجيات لضمان أمن إسرائيل).

وربما كانت أحد (الأهداف الأمريكية والإسرائيلية البعيدة للتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين رغم تراجع شعبيتها بعد فشل ثورات الربيع العربى)، هو أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة فى عدد من دول المنطقة كما هو الحال فى الأردن بالسيطرة على الحكومة والبرلمان، وسيطرة حركة حماس القريبة من الإخوان المسلمين فى فلسطين ذاتها على العديد من القطاعات وزمام الأمور السياسية الرئيسية، سيتيح ذلك لجماعة الإخوان المسلمين فى حال إسترجاع شعبيتها بمساعدة أمريكية فى السيطرة على العديد من القرارات المتعلقة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى الشرق الأوسط، ربما سيكون هو (الحل الوحيد لمشاكل إسرائيل بإعطاء الجنسية للفلسطينين وتوطينهم فى الدول المجاورة لفلسطين وسيناء، وبالتالى تفريغ الضفة الغربية من أهلها الفلسطينين وإلغاء حق العودة، وذلك سيكون هو أكثر أهم مكاسب إسرائيل والإدارت الأمريكية على الإطلاق).

 

مع الوضع فى الإعتبار، بأن الإعتراف الأمريكى والغربى بالإخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم، لكنه (جاء قبولاً بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف جماعة الإخوان المسلمين فى تأجيج وإشعال الفتنة فى العالم العربى والإسلامى، وإحداث الفوضى والإضطراب والصراع الدينى والطائفى بين السنة والشيعة بمساعدة تنظيمات الإخوان المسلمين المنتشرة فى أنحاء العالم العربى)، وذلك بالرغم من تراجع شعبية جماعة الإخوان المسلمين وفشلها شعبياً والإطاحة بهم بعد (ثورة ٣٠ يونيو فى مصر)، ثم لاحقاً فى تونس والسودان وليبيا، فضلاً عن تراجع شعبيتهم ونفوذهم فى الخليج العربى بشكل متزايد، وهنا يمكننا تحليل بأن تخطيط الإخوان المسلمين بالإعتراف الأمريكى الغربى بشرعيتهم، لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعى الإعتراف بهم، نظراً لأن (الوصول إلى دائرة السلطة والنفوذ هو الهدف الأبعد الذى يطمح ورائه الإخوان المسلمين بدون النظر لأية إعتبارات أخرى).

ومن أجل كل هذه الأسباب والمصالح الإستراتيجية البعيدة لجماعة الإخوان المسلمين، يمكننا فهم وتحليل وتفسير (أسباب ودوافع قبول جماعة الإخوان المسلمين فى مصر أيام “محمد مرسى” على الإلتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وفهم أسباب هذا التحول الغريب والمفاجئ فى موقفهم رغم أنهم كانوا يرفضونها أثناء الحملة الإنتخابية الرئاسية لهم).

 

– خامساً: تأثير تزايد الإهتمام الأمريكى بآسيا على أمن إسرائيل

لقد حاولت الإدارة الأمريكية عقد صفقة مع تولى جماعة الإخوان المسلمون حكم مصر للدفاع بالأساس عن (أمن إسرائيل)، بل وساندتهم فى مخططاتهم تجاه السلطة والنفوذ، وظهرت تسريبات فى بعض وسائل الإعلام تؤكد عقد صفقة بقيمة ٨ مليارات دولار بين جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية لضمان نجاح (محمد مرسى) وجماعة الإخوان المسلمين قبل الإطاحة بهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وعند البحث عن أوجه إنفاق الصفقة الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد إتضح بأن المليارات الثمانية التى دفعتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى (محمد مرسى) كانت من أجل بيع أجزاء من سيناء إلى إسرائيل وحليفتها الأمريكية، بما يؤدى إلى ضمان أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية فى مصر والمنطقة مقابل التمكين للإخوان المسلمين من السلطة والحكم.

وربما تلك الصفقة تحديداً بشأن الحفاظ على أمن إسرائيل، كانت هى سبب هذا الدفاع الأمريكى الشديد عن بقاء الإخوان المسلمين ومحاولات إعادة (محمد مرسى) للحكم، كما ظهرت تحليلات أمريكية كى تؤكد بأن الإخوان المسلمين كانوا هم (اللاعب الرئيسى لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير وبدء مشروع الفوضى الخلاقة الذى تبنته وزيرة الخارجية الأمريكية “كونداليزا رايس” فى عهد الرئيس الأسبق “باراك أوباما”)، ووجدتهم الإدارة الأمريكية الرهان الأكثر منطقية بالنسبة لها والأكثر حاجة لتحقيق حلمها التاريخى فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً لأسس أمريكية تضمن بقاء إسرائيل، وتسعى لإدماجها فى دول المنطقة.

وهنا فقد كان صعود الإخوان المسلمين لحكم مصر بمثابة (الضمانة الكاملة لتحكم أمريكا فى مصر والمنطقة من خلال حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين فى مصر أو حزب النهضة فى تونس أو حركة حماس فى غزة أو حزب العدالة والتنمية فى تركيا أو فروع جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن وسوريا وليبيا والسودان والخليج العربى).

ولكن بعد نجاح (ثورة ٣٠ يونيو) فى مصر، وسقوط جماعة الإخوان المسلمين، فقد (فشلت الصفقة الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين لبيع أجزاء من سيناء إلى إسرائيل وواشنطن وتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير مقابل صفقة الثمانية مليارات دولار بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية). فكان مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى كانت تطمح إليه واشنطن يتمثل فى محاولة (إضعاف الجيش المصرى وكافة الجيوش العربية، وإنهاك الدولة المصرية، وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة عاجزة عن حماية نفسها)، وكانت ستتم تلك الخطة فى حالة بقاء جماعة الإخوان المسلمين لعدة سنوات فى الحكم فى مصر. وبسبب (نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر)، فقد تعرضت الإدارة الأمريكية والداخل الأمريكى ذاته لهزات عنيفة، تمثلت فى تساؤلات دافعى الضرائب الأمريكية ومواطنوها وأعضاء من الكونغرس عن مصير المليارات الثمانية التى دفعتها إدارة الرئيس الأسبق “باراك أوباما” للإخوان المسلمين، مما أدى إلى حدوث مشاكل وإضطرابات فى الداخل الأمريكى بسبب نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى مصر، ولعل هذا ما يفسر السبب الحقيقى وراء الدفاع الأمريكى الشديد عن بقاء جماعة الإخوان المسلمين فى الأنظمة السياسية المصرية والعربية.

 

وهنا نجد أنه فى ظل هذه التعقيدات التى تواجهها الإدارة الأمريكية حالياً فى الشرق الأوسط بعد رحيل وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وتونس ودول ثورات الربيع العربى، لذلك فقد إستغلت تركيا الموقف من خلال وضع (خطة تركية بديلة لإعادة إستقطاب تيارات الإسلام السياسى ونجاح عملية التنسيق لإعادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة بإشراف أمريكى – تركى مشترك). وبناءً عليه، تسعى (حكومة أردوغان) إلى إستغلال ضعف الموقف الأمريكى فى الشرق الأوسط والخليج والمنطقة، ومحاولة إقناع البيت الأبيض بأن (تركيا هى الدولة الوحيدة والكيان السياسى العسكرى الذى يستطيع وقف المد التوسعى لروسيا ومن ثم حليفتها الصينية فى العالم العربى والمنطقة).

وفيما يتعلق بمأزق (ملف حقوق الإنسان لنظام أردوغان فى تركيا)، خاصةً مع إعطاء “إدارة الرئيس بايدن” للأولوية القصوى لهذا الملف حتى مع الدول الحليفة لأمريكا، يبدو أن “أردوغان” يسعى لتجاوز هذه العقبة، عبر (الترويج التركى لنظام أردوغان بأن الثقل الإستراتيجى لتركيا يجعلها أكثر الدول تأميناً للمصالح الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية فى إسرائيل ومنطقة غرب آسيا وشرق البحر المتوسط).

 

ولتلك الخطة التركية بعض الشواهد الحقيقية المتمثلة فى (اللعب على إعادة إدماج جماعات الإسلام السياسى والإخوان المسلمين مرة أخرى فى المنطقة بمساعدة أمريكية لضمان أمن إسرائيل)، وتعد أولى تلك البراهين على ذلك الطموح التركى متمثلاً فى (سماح الرئيس “أردوغان” ببقاء وإستمرار “ياسين أقطاى” القريب من قيادات الإخوان المسلمين مستشاراً مقرباً منه)، وذلك ما يعزز الإعتقاد بأن (تركيا ستعمل على أن تكون مجدداً هى الوسيط بين إدارة بايدن وجماعات الإسلام السياسى فى المنطقة لكبح وتقييد النفوذ الصينى والروسى من ناحية، ولضمان أمن إسرائيل من ناحية أخرى).

 

مع الوضع فى الإعتبار، بأن تعيين “ياسين أقطاى” بالأساس كمستشار سياسى مقرب من “أردوغان” جاء بسبب ذلك التخطيط التركى بالأساس للتقارب مع “إدارة الرئيس بايدن” فى الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ ذلك المخطط من جديد، وهو (إعادة إستقطاب قيادات الإخوان المسلمين فى تركيا والإشراف على تقاربهم من الإدارة الأمريكية)، وكما هو معروف فإن “ياسين أقطاى” يعتنق فكر “سيد قطب” القيادى الإخوانى الراحل، كما أنه يجيد اللغة العربية وله علاقات قوية مع كافة تنظيمات الإخوان المسلمين فى تركيا والخارج. وعلى هذا الأساس، فذلك يعد أقرب التحليلات وأكثرها منطقية بالنسبة لى تحليلياً وأكاديمياً، بالتخطيط التركى على إستقطاب السياسة الأمريكية مجدداً لإعادة التعامل مع الإخوان المسلمين لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير مرة أخرى، وللحفاظ على أمن إسرائيل، ويبقى الأهم للإدارة الأمريكية، فإن نفوذ جماعة الإخوان المسلمين فى المنطقة يعد هو (الخطة البديلة لملء الفراغ الأمريكى بعد إنسحابها تدريجياً من المنطقة إلى آسيا على حساب تقييد وتحجيم النفوذ الصينى والروسى بمساعدة جماعات وتيارات الإسلام السياسى المدعومة أمريكياً، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين).

سادساً: مدى إستفادة الصين وروسيا من إبتعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط

تحاول كلاً من روسيا والصين كدولتين تنافسان الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبى على الساحة الدولية إيجاد موطئ قدم فى الشرق الأوسط، كذلك فإن الإستراتيجية الصينية والروسية الجديدة، تتمثل فى (تقييد وتحجيم النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط بسبب التغلغل الأمريكى المباشر فى مناطق النفوذ المباشرة للصين وروسيا فى أوروبا الشرقية ومنطقة الإندو-باسيفيك)، مما إستدعى وضع إستراتيجية مناوئة ومضادة للصين وروسيا للتواجد فى قلب مناطق النفوذ الأمريكى والإسرائيلى فى الشرق الأوسط. ونجد هنا أن الإستفادة من ذلك الصعود الصينى الروسى الجديد فى الشرق الأوسط، قد يكون “حائط صد” لصنع الإستقرار الجيوسياسى فى الشرق الأوسط، وذلك ينقلنا إلى دور الصين وروسيا فى وضع (نظرية ملء الفراغ فى الشرق الأوسط بعد الإنسحاب الأمريكى المتراجع والمتدرج من المنطقة)، مما وضع روسيا والصين فى قلب مناطق الأزمات الشرق الأوسطية ودوائر الصراع فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق (بإستخدام روسيا والصين لحق الفيتو أو النقض فى مجلس الأمن الدولى فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية فى الملف السورى والبرنامج النووى الإيرانى).

وتضمنت إعتبارات (أمن الطاقة للصين بالأساس ثم روسيا عن طريق توطيد العلاقات الصينية والروسية فى الشرق الأوسط، والمرتكزات الإستراتيجية لهما فى الساحة الشرق الأوسطية للدفع نحو عالم متعدد الأقطاب). وذلك يعد فى حد ذاته فى صالح دول المنطقة، بالنظر إلى (سياسة التهميش الإستراتيجى لمصلحة الهيمنة الأمريكية على القرارات الدولية وتأثر العالم العربى والشرق الأوسط سلبياً بتلك القرارات الأمريكية)، لذلك، فقد برزت روسيا والصين كدولتين طموحتين باتتا تنجحان فى إكتساب النفوذ على الصعيدين الإقليمى والدولى، مما أدى إلى (زيادة حدة التوتر والإستقطابات السياسية الدولية بين واشنطن وحلفاؤها فى مواجهة التحالفات الصينية الروسية). وهنا يمكننا التوصل إلى نظرية دولية جديدة، تشير إلى (نهاية العالم ما بعد الحرب الباردة وإستبداله بعالم ما بعد الهيمنة الغربية يؤدى فيه روسيا والصين دوراً ذا أهمية متصاعدة فى العالم، وبالطبع منطقة الشرق الأوسط).

ونجد هنا بأن من أهم أوجه الإستفادة الروسية الصينية فى الشرق الأوسط، تتمثل فى التدخل الروسى ثم الصينى لاحقاً عسكرياً فى سوريا لإنقاذ بشار الأسد فى عام ٢٠١٥، والأخطر من وجهة نظرى، هى (إستضافة سوريا لقاعدة موسكو البحرية الوحيدة فى البحر المتوسط). كذلك محاولة الجانب الروسى من التواجد فى ليبيا، من خلال وجود موسكو كطرف فاعل فى الحرب الأهلية الليبية الدائرة، فضلاً عن (الدعم الروسى لقوات خليفة حفتر بغارات جوية وأسلحة ومتعاقدين عسكريين خاصين وقوات روسية خاصة، ونشر روسيا لمتعاقدين عسكريين خاصين فى السودان لدعم المجلس العسكرى الإنتقالى الذى تولى السلطة عقب الإطاحة بعمر البشير، وإبرام روسيا لإتفاق مع المجلس العسكرى الإنتقالى فى ليبيا لبناء قاعدة بحرية روسية قبالة ساحل السودان فى البحر الأحمر).

كذلك فإن (زيادة مبيعات الأسلحة الروسية الصينية فى الشرق الأوسط)، يعد أحد أبرز نتائج التواجد الصينى الروسى فى المنطقة، فى الوقت الذى يمثل فيه الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية هامة للصين من أجل (مبادرتها الطموحة للحزام والطريق)، كذلك فإن (وجود الصين كأكبر مستهلك لنفط المنطقة، وأكبر شريك تجارى لها، وأكبر مستثمر بها، فضلاً عن السعى الصينى لدمج مبادرتها الطموحة “الحزام والطريق” مع برامج الإصلاح الإقتصادى والتنمية الوطنية التى يتبعها عدد من الدول فى المنطقة، وزيادة مبيعات الأسلحة الصينية إلى المنطقة بصورة كبيرة أيضاً).

كذلك فإن (الإستراتيجية الصينية والروسية للسيطرة على طرق التجارة والنفط بالغة الأهمية فى المنطقة، مثل: قناة السويس أو مضيق هرمز أو شرق البحر المتوسط)، قادراً على حماية المصالح الإقتصادية للصين وإستثماراتها من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهنا فإن (التخوف الأمريكى من أن سيطرة الصين على طرق التجارة بالغة الأهمية فى الشرق الأوسط، سيجعلها مهيمنة على أهم طرق التجارة والنفط فى منطقة أوراسيا الكبرى).

وأخيراً، فإن أحد التخوفات الأخرى هو أن (تلجأ القوى الإقليمية من الخصوم كإيران، أو الشركاء للولايات المتحدة الأمريكية، مثل: إسرائيل والسعودية، بالتقارب مع موسكو وبكين لتكونا القوة الكبرى الراعية لهم إذا ما إنسحبت الولايات المتحدة عن المنطقة)، وهو الأمر الذى يدفع ميزان القوة العالمى للميل أكثر بإتجاه قوى الشرق الذى تمثله إستراتيجياً كلاً من الصين وروسيا.

سابعاً: تحليل تداعيات الوجود الأمريكى سياسياً وإقتصادياً فى الشرق الأوسط على المصالح الصينية والروسية

هناك العديد من التداعيات المحتملة للوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط، بما له من تأثيرات مباشرة على كلاً من الصين وروسيا. وتتمثل هنا أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة فى منطقة الشرق الأوسط، فى (التفاوض بشأن البرنامج النووى الإيرانى)، والتى تهدد أمن إسرائيل وتزعزع الإستقرار فى المنطقة وفقاً للمخاوف الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك فإن من أبرز نتائج التواجد الأمريكى فى الشرق الأوسط هو (إستمرار تأمين إسرائيل وتعزيز إتفاقيات السلام المبرمة بين العرب وإسرائيل، وإنهاء الحروب فى اليمن وليبيا، وتعزيز وضع حقوق الإنسان).

وفى المقابل، فإن هناك إنعكاسات للتواجد الأمريكى على المصالح الصينية والروسية، والتى تتمثل فى: (الضغط الأمريكى المستمر على الشركاء العرب وإسرائيل للحد من علاقاتهم مع روسيا والصين، وسوف يكون هذا واضحاً بوجه خاص فى مجالات الدفاع والأمن، الفضاء الإلكترونى، الذكاء الإصطناعى، الطاقة النووية).

ويتوقع كذلك (تراجع مستوى العلاقات العسكرية) بين الولايات المتحدة الأمريكية والخليج العربى والمنطقة عموماً، والتى تأتى نتيجة لإنخفاض مستوى مبيعات الأسلحة فى عهد الرئيس “جو بايدن”. وهنا ستواجه إدارة الرئيس “بايدن” صراع بين جناحين، هما:

الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطى: والذى يسعى لإنهاء كل مبيعات الأسلحة، وهو الأمر الذى لن يؤثر على الشرق الأوسط فقط، بل أيضاً سيؤثر بالسلب على شركاء آخرين، مثل: (اليابان وتايوان).

الجناح المعتدل فى الحزب الديمقراطى: والذى يمثله الرئيس “جو بايدن” على المستوى الشخصى، والذى يدرك بأنه ليس من المعقول أن يتم إنهاء ووقف أو حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية، بما له من تداعيات سلبية قد تؤدى إلى (حدوث تراجع إقتصادى حاد، وإصابة قطاع المبيعات العسكرية الأمريكية كقطاع بارز وإستراتيجى بالشلل، مما يؤثر سلبياً على الأمن القومى الأمريكى ذاته).

ويواجه الرئيس “جو بايدن” تحديات وتغييرات غير مسبوقة فى السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، خاصةً تلك التى أقرتها “صفقة القرن” وأثارت إنتقادات ليس فقط من الجانب الفلسطينى والعربى، بل أيضاً من الشركاء الأوروبيين، والمتمثلة فى:

(مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مسألة المستوطنات وضم مناطق كبيرة من الضفة إلى إسرائيل، إضافةً إلى ضم مرتفعات الجولان السورية إلى إسرائيل. وقد بدأت أولى الإشارات تظهر من الإدارة الجديدة على الأقل بشأن بقاء السفارة الأمريكية فى القدس)

وتبقى أبرز التداعيات المحتملة الجديدة للتواجد الأمريكى فى الشرق الأوسط، فيتضح فى (الدور الإسرائيلى فى التمركز الجديد للقوات الأمريكية بشمال أفريقيا وشرقها، بعد نقل مقر قوات “أفريكوم” من شتوتغارت الألمانية إلى أفريقيا). كذلك نجاح “إدارة بايدن ووزارة الدفاع “البنتاغون” فى توقيع إتفاقيتى شراكة عسكرية مع كلاً من (المغرب وتونس)، والتى ستمتد لعشر سنوات.

كذلك فإنه تحسب لإدارة الرئيس “جو بايدن” هى نجاحه فى إحداث التقارب بين المملكة المغربية وإسرائيل، وبالتالى (تعزيز نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى منطقة شمال أفريقيا عبر الأراضى المغربية)، مما عزز من (دور المغرب كحليف رئيسى لإدارة الرئيس “جو بايدن” من خارج حلف الناتو، عبر إتفاقيات عسكرية وتجديد معداته ومقتنياته من السلاح الأمريكى، وإعتبار المغرب كشريك أساسى فى مكافحة الإرهاب بالقارة الأفريقية).

وهنا نجد أنه بالرغم من التقارب المغربى- الأمريكى فى عهد “بايدن”، إلا أنه قد ترجم إلى (تراجع وتوتر شديد فى مستوى العلاقات الأمريكية- الجزائرية)، بسبب حصول المغرب على (إعتراف أمريكى رسمى بالسيادة المغربية على أقاليم الصحراء الغربية ذات النزاع الممتد منذ سنوات مع الجزائر، وتأييد الجانب الأمريكى للمبادرة المغربية التى طرحتها بتسوية النزاع مع جبهة البوليساريو على أساس “حكم ذاتى موسع”). وكان لافتاً أن الموقف الأمريكى قد دعم المغرب، من خلال (إعتماد واشنطن لخارطة جديدة للمغرب تضم الأقاليم المتنازع عليها مع الجزائر)، وصدرت هذه الخريطة رسمياً عن السفارة الأمريكية بالمغرب كما إعتمدت فى الموقع الرسمى لحلف الناتو، مما أدى لإثارة غضب الجانب الجزائرى.

وبناءً على ذلك يفهم، بأن التغيير السياسى الجديد لإدارة الرئيس “جو بايدن” فى الشرق الأوسط يتمثل فى (تغيير نمط إدارة الأزمات والقضايا الدولية من “المقاربة الأحادية”، والتى كان يعتمدها الرئيس السابق “ترامب” إلى مقاربة “الشراكة مع الحلفاء”، والتى يعتمدها الرئيس “بايدن” فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربى).

  – ثامناً: إشكاليات لإعاقة توسيع التعاون الصينى الروسى مع دول منطقة الشرق الأوسط

 

تعد أبرز مشكلات توسيع التعاون الصينى الروسى فى الشرق الأوسط، بسبب سياسة الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وإعتبارهما بمثابة تحدى حقيقى لواشنطن. وهنا يمكننا (تفسير الهدف الأبعد وراء التدخل الروسى ثم الصينى اللاحقون فى سوريا فى قلب النظام العالمى الذى تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية والدعوة لعالم متعدد الأقطاب والأطراف الدولية). لذلك فإن التحالف والتنسيق الروسى والصينى فى أنحاء المنطقة الهدف نفسه، هو (تقويض مكانة الولايات المتحدة الأمريكية والتأثير على مناطق نفوذها لعمل توازن إستراتيجى بسبب التدخل الأمريكى فى قلب مناطق النفوذ الصينية والروسية معاً، فضلاً عن تعزيز مركز موسكو فى المنطقة من خلال ردع الغرب والحفاظ على صراع منخفض الحدة).

كذلك فإن الدعم الصينى الروسى للجانب الإيرانى وتوقيع الإتفاقية الإستراتيجية الصينية الإيرانية لمدة ٢٥ عاماً فى مارس ٢٠٢١، قد أدى إلى (زيادة حدة التخوفات الخليجية بشأن الدعم الصينى لإيران)، وهو ما تحاول واشنطن إستغلاله لصالحها. كما أن الإلتزامات الصينية الروسية تجاه الرئيس السورى “بشار الأسد”، ودعمه فى مجلس الأمن بإستخدام حق النقض أو الفيتو فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ربما قد أثار بعض التخوفات فى المنطقة. كما أن (إتفاقيات السلام الإسرائيلية الخليجية)، ولاسيما مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ثم المغرب وغيرها، يعد واحد من أهم التخوفات للصين وروسيا بشأن تزايد النفوذ الأمريكى فى دول الخليج العربى عبر حليفتها الإسرائيلية، مما يهدد مصالحها. وهذا له ما يبرره، بالنظر إلى (متابعتى وتحليلى الشخصى والأكاديمى لدعوة وزير الطاقة الأمريكى لعمل شراكة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل فى قطاع الطاقة والغاز الطبيعى لمواجهة النفوذ والتفوق الروسى فيه). وأخيراً، فمن خلال متابعتى الدقيقة للموقف فأن (الإتفاق الأخير بين إسرائيل والإمارات من أجل إنشاء منطقة تجارة حرة بينهما)، من شأنه  زيادة التواجد الأمريكى إقتصادياً لدعم مصالح حليفتها الإسرائيلية فى المنطقة.

 

ويبقى الأهم هنا، وهو (إحتمال إندلاع أعمال عنف فى سوريا بعد إتمام الإنسحاب الأمريكى منها، فضلاً عن رفض غالبية اللاجئين السوريين للعودة إلى سوريا مع بقاء “بشار الأسد” فى السلطة خوفاً على سلامتهم)، فإن تلك التحديات والإشكاليات ستؤثر حتماً على المصالح الصينية والروسية فى سوريا.

وتبقى إشكالية (إحتمال إندلاع ونشوب حرب بين إسرائيل وإيران فى سوريا، وتأرجح سياسة الولايات المتحدة بين قرار البقاء فى سوريا أو مواصلة العمل مع “قوات سوريا الديمقراطية”، والتى تسيطر على الغالبية العظمى من إحتياطيات النفط والغاز والبنية التحتية الحيوية فى سوريا)، واحدة من أبرز الأزمات التى قد تواجه الصين وروسيا فى مينائى (اللاذقية وطرطوس) على البحر المتوسط، ويؤثر على مصالح روسيا أمنياً وإستراتيجياً ويكلفها بأعباء ضخمة، بالنظر لتواجد قاعدة بحرية روسية فى الداخل السورى.

وعلى الجانب الآخر، تواجه كلاً من الصين وروسيا تحديات حقيقية (تتعلق بسياسة التحالفات والإستقطابات الأمريكية للهيمنة على الشرق الأوسط ومناطق نفوذهما المباشر والمجاور مباشرةً، خاصةً بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لإتفاقية أوكوس النووية الدفاعية الجديدة مع أستراليا وبريطانيا، فضلاً عن “تحالف كواد الرباعى” مع الهند واليابان وأستراليا)، وهو الأمر الذى يشكل تحدياً للجانب الصينى من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه (يشتت الصين ما بين مصالحها فى الشرق الأوسط والدفاع عن إستثماراتها وفقاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية أو الدفاع عن مناطق نفوذها المباشر فى بحر الصين الجنوبى، حيث تحاول بكين منع أى إغلاق مستقبلى محتمل لوصولها إلى ممرات الملاحة والشحن الدولى عن طريق وضع أصول عسكرية وبحرية على جزرها الإصطناعية قبالة ساحلها الجنوبى الغربى).

وهنا نجد أن (تشتيت القوة الصينية ما بين الدفاع عن مصالحها فى الشرق الأوسط ومبادرتها للحزام والطريق أو تركيز قوتها فى المنطقة الآسيوية فى مواجهة التحالفات والإستقطابات الأمريكية)، يعد هو الإشكالية الكبرى بالنسبة للصين، خاصةً مع إجراء الولايات المتحدة الأمريكية لعمليات مستمرة بهدف ضمان حرية الملاحة فى المياه المتنازع عليها بين الصين والمناطق الإقليمية المجاورة، بالإضافة إلى الإستفزاز الأمريكى الدائم لمناطق نفوذ الصين، وعرقلة البناء العسكرى الصينى للدفاع عن مصالحها المباشرة، وتشكيل تحالفات أمريكية فى جنوب شرق آسيا لمواجهة الصين.

وهنا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى (تحجيم التواجد الصينى فى المضائق البحرية الهامة والممرات الملاحية الإستراتيجية الحساسة فى الشرق الأوسط كمضيق هرمز وباب المندب بمساعدة حليفتها الإيرانية، بإتباع إستراتيجية بحرية أمريكية أخرى مضادة ومناوئة للصين بهدف الدعم البحرى الأمريكى لحلفاؤها ومنافسى الصين فى غرب المحيط الهادئ ومضيق تايوان)، ولكن مازالت قدرة الروس على عرض قوة بحرية كبيرة فى هذه المناطق تبقى محدودة. ولدى الروس فعلاً قاعدة بحرية فى (فلاديفوستوك)، لكن اليابان والقوة الجوية الأمريكية تمنعانها من التمتع بوصول جاهز إلى المحيط الهادئ. وفى حين أن فرض حصار على فلاديفوستوك ليس وارداً، فإن أى عمل عسكرى ينبغى أن يأخذ فى الحسبان سيناريو أسوأ الحالات، ويمكن أن تصبح فلاديفوستوك بسهولة فخاً للأسطول الروالروسى.

وبناءاً علبه، فإن سياسة الصين وروسيا للجمع بين (القوة الإقتصادية الصينية والجرأة السياسية الروسية فى الشرق الأوسط)، ربما كان من شأنه أن يساعد البلدان على تحمل الضغوط والتحديات الأمريكية بشكل أفضل خاصةً فى المنطقة.

– تاسعاً: تقييم قمة الديمقراطية الأمريكية وغياب دعوة دول المنطقة، وتأثير إختلاف النظرة للديمقراطية بين الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الشرق الاوسط

هناك العديد من المفارقات المدهشة والتحليلات التى يجب التوقف عندها عند تحليل قمة الديمقراطية الأمريكية، والتى تأتى على رأسها إدراج “المعهد الدولى للديمقراطية ومساعدات الإنتخابات” فى نوفمبر ٢٠٢١ للولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة ضمن قائمة “الديمقراطيات المتراجعة”. ولذلك عدة أسباب، من أبرزها: إنتشار العنصرية داخل المجتمع الأمريكى، والحادثة المشهورة لمقتل المواطن الأمريكى الأسود “جورج فلويد” على يد شرطى أبيض أمام أعين المواطنين، فذلك أيضاً يذكرنا بحالة (الإستقطاب السياسى للحزبين الديمقراطى والجمهورى وإنقسام المجتمع الأمريكى)، وتزايد شكوك الرئيس السابق “ترامب” والمناصرين له حول نتائج الإنتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٠، وهو الأمر الذى أدى إلى إقتحام مناصرى “ترامب” لمبنى الكونغرس الأمريكى، إضافةً إلى رد الفعل الدولى العنيف تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، نظراً لهذا الإنسحاب العشوائى غير المخطط له من أفغانستان، وما تمخض عنه من إنتهاكات لحقوق الإنسان، وتساقط المواطنين الأفغان العالقين بالطائرات فى مطار كابول، بعد سيطرة “حركة طالبان” على الحكم، وحدوث (حالة فراغ سياسى كبير وفوضى داخلية وإقليمية غير مسبوقة فى المنطقة المحيطة بأفغانستان والعالم).

فقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية (أجندة إعادة تأهيل العالم العربى والإسلامى ضمن ما سمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير عبر الإصلاح السياسى والإقتصادى والإجتماعى، من خلال سياسة تدخلية تقوم على التركيز على الأوضاع الداخلية للدول العربية). وبدأ التركيز بوجه خاص على الربط بين التطرف والعنف وبين نقص الحريات السياسية ومستويات التعليم وحقوق الإنسان وتحرير المرأة.  ويمكننا هنا تتبع رصد المراكز البحثية الأمريكية والغربية وتحليلى الشخصى الأكاديمى لمضمون كلمات والخطب السياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة للرؤساء الأمريكان، والخاصة بالشرق الأوسط وموضوعاته وأجندته، وتسويق مفاهيم، مثل: (الإصلاح السياسى، المجتمع المدنى، الحريات، حقوق الإنسان، الديمقراطية، المساواة، تحرير المرأة)… إلخ. ولاشك بأن هذه النتائج تعكس تدخلاً أمريكياً غير مسبوق لإعادة تشكيل المنطقة وفق أسس أمريكية لتمرير (مشروع الشرق الأوسط الكبير والحفاظ على أمن إسرائيل)، والتى كان يلزم معها إعادة رسم وتشكيل المنطقة وفقاً لأسس جديدة، تناسب المصالح الأمريكية فى دول المنطقة، وبالتالى تضمن مصالح حليفتها الإسرائيلية.

وبناءً عليه، فنجد أن هناك إختلافات بين الرؤية الأمريكية لإحداث تغيير ديمقراطى فى منطقة الشرق الأوسط، والتى أساساً لم تكن تلقى توافق عام داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وإنما جاءت تعبيراً عن إتجاه واحد، وهو (ذلك الإتجاه الذى يرى أن غياب الديمقراطية فى المنطقة سيساهم بشكل أساسى فى خلق بيئة ملائمة لتنامى ظواهر التطرف والعنف والإرهاب)، ومن ثم فإن القضاء على هذه الظواهر يتوقف فى جانب كبير منه على نشر الديمقراطية وتعزيزها فى بلدان هذه المنطقة، وهو الإتجاه الذى وجد أنصاره من اليمين المحافظ فى الإدارة الأمريكية.

 

وفى المقابل، فإن هناك إتجاهات أخرى لها وجهة نظر مخالفة للإتجاه السابق، ومن بين هذه الإتجاهات ذلك الإتجاه الذى يرى (أن إجراء إنتخابات فى دول الشرق الأوسط، وخاصةً فى الوطن العربى، سوف تأتى بنظم أكثر رجعية، وأشد معاداة للغرب من النظم الحالية)، ‏وبالتالى يرى هذا الإتجاه أنه لا ينبغى للولايات المتحدة الأمريكية بأن تضغط من أجل تحقيق الديمقراطية فى الوطن العربى والمنطقة، خشية تصاعد أنظمة معادية لإسرائيل ولمصالح واشنطن عند وصولها إلى السلطة.

 

– ويمكننى هنا تقديم نتائج إستطلاع رأى “برنامج إتجاهات السياسة الدولية” فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذى قام بإستطلاع رأى على عينة من المجتمع الأمريكى تجاه (الرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية)، فجاءت النتائج:

١) إن أغلبية أفراد العينة من داخل المجتمع الأمريكى (تعارض نشر الديمقراطية الأمريكية بالقوة العسكرية)، سواء أكان ذلك من الإطاحة بالديكتاتوريين أم من تهديد الدول بإستخدام القوة المسلحة فى حال عدم إنجازها لإصلاحات ديمقراطية (رأى ٦٦% أن أضرار تلك السياسات تفوق منافعها، مقابل ٢١ % رأوا العكس).

٢) أكدت الأغلبية من الحزبين الأساسيين فى الولايات المتحدة الأمريكية،  وهما: (الحزبين الجمهورى والديمقراطى)، بأن بناء الديمقراطية لم يكن سبباً كافياً للحرب على العراق (٧٤%)، كما أن (تجربة العراق جعلت الأمريكيين أقل تأييداً لإستخدام القوة العسكرية لفرض الديمقراطية).

٣) إن معظم أفراد العينة الأمريكيين كانوا (غير مقتنعين بأنه عندما يكون هناك دول ديمقراطية أكثر، فإن العالم سيكون أكثر أمناً)، بينما عبر ٢٦% فقط عن إقتناعهم بتلك الفرضية. وقد إنقسمت الآراء للمواطنين الأمريكيين فيما إذا كانت (الديمقراطية ستسهم فى تقليص الدعم للإرهاب، أو فيما إذا كانت الديمقراطيات أقل إحتمالاً للدخول فى حالة حرب، أو أكثر إحتمالاً لأن تكون صديقة للولايات المتحدة).

4) وهنا نجد بأن (الأغلبية من أفراد المجتمع الأمريكى تعتقد بأن دعم الديمقراطية يجب أن يكون هدفاً فى السياسة الخارجية الأمريكية ولكنها لا تمثل أولوية قصوى). وقد أيدت تطبيق منهج براجماتى والإعتماد على الوسائل الدبلوماسية والتعاونية فى نشر الديمقراطية، ومعارضة (إستخدام الوسائل العقابية كوسيلة للضغط على الدول لتصبح أكثر ديمقراطية).

٥) وكانت المفارقة الكبرى بالنسبة لى أكاديمياً وبحثياً، بأن أغلبية كبيرة من أفراد المجتمع الأمريكى مازالت (تفضل العمل عبر منظمة الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية، وتعتقد أنه يجب أن يكون هدف الأمم المتحدة دعم الديمقراطية فى العالم).

– وفى هذا السياق، يمكننا تقديم إطار عمل إلى الإدارة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية فى الشرق الأوسط، تقوم على الأسس والمؤشرات التالية:

١) وجود نماذج مختلفة للديمقراطية، ومن ثم فإن (العملية الديمقراطية يجب ألا تتبع بالضرورة نموذجاً محدداً)، حيث لا يوجد نموذج واحد يمكن إتباعه.

٢) الإنتخابات فى الشرق الأوسط لا تصنع الديمقراطية وحدها، لذلك فمن المهم أن (تصاحب الإنتخابات تطور المجتمع المدنى).

٣) إن الديمقراطية تحتاج إلى وقت قد يصل إلى عقود بل وأجيال، كما أن نشر الديمقراطية وقيمها فى الشرق الأوسط يحتاج إلى (تعليم ومعرفة، وتحديث إقتصادى، ووسائل إعلام مسؤولة ومستقلة، ودعم لحقوق المرأة).

٤) كما أنه على الرغم من أن الديمقراطية يمكن تشجيعها من الخارج، إلا أنه (من الأفضل بناؤها من الداخل لكى تستمر).

 

ومن هنا، نجد بأن هناك إختلاف النظرة للديمقراطية بين الولايات المتحدة الأمريكية فى الداخل الأمريكى ذاته، وبين بلدان الشرق الأوسط لعدم وجود (نموذج ديمقراطى جاهز أو قالب واحد للديمقراطية يمكن الإعتماد عليه وتقديمه للمنطقة). ويمكننا ملاحظة ذلك والإستدلال عليه، عند معرفة أن (السبب الحقيقى لإنتشار الأعمال الإرهابية فى العراق وأفغانستان هو الرفض للوجود الأمريكى فيها). وإذا ما دفعت الإدارات الأمريكية عملية التحول الديمقراطى فى الدول العربية كما حدث بفشل ثورات الربيع العربى، فهناك إحتمال كبير لأن تصبح (كافة الحكومات المنتخبة وفقاً للرؤية الأمريكية أقل تعاوناً مع الولايات المتحدة الأمريكية من النظم السلطوية فى المنطقة)، مما سيهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية ذاتها، ويعرض الأمن الإسرائيلى لخطر شديد.

بعد ان تناولنا موضوع دور جماعة الإخوان المسلمين يمكنك قراءة ايضا

دور جماعة الإخوان المسلمين فى الداخل الأمريكي وتأثير تزايد الإهتمام الأمريكى بآسيا على أمن إسرائيل

عبد الغني دياب يكتب.. 2022 عام التصدي العربي لجائحة كورونا 

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى