رأي

د. حمادة شعبان يكتب.. الحوار ونحن

الكاتب مدرس بجامعة الأزهر.. خاص منصة العرب الرقمية

“الحكم على الشيء فرع عن تصوره”، قاعدة فقهية وقانونية مهمة. وهي قبل هذا وذاك قاعدة منطقية، تَعني أننا قبل أن نحكم على شيء إيجابًا أو سلبًا ينبغي علينا أن نتصوره ونعيه جيدًا، وندرسه من كافة جوانبه، ونعرف تفاصيله، إيجابياته وسلبياته، نقاط ضعفه وقوته… وإلا وقعنا في المحظور، ونحينا المنهجية، وانتهجنا العشوائية، ووصلنا إلى نتائج خاطئة قد تجعلنا نذم من حيث نريد المدح، ونفسد من حيث نريد الإصلاح، حتى وإن كانت النوايا حسنة والأهداف مخلصة والسعي للمصلحة دؤوبًا.

إن دعوة الحوار السياسي الشامل التي أطلقها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي هي دعوة لو تعلمون عظيمة، انتهجت منهجية صحيحية، وتطبيقًا عمليًا منطقيًا قطع الطريق على المتربصين بها، وأسكتت في مهدها الروايات المضادة لها. فالمتأملُ في المشهد يجد الدعوة في شهر رمضان المبارك بنفحاته وروحانياته، والمناسبة إفطار الأسرة المصرية بتنوعها وثرائها، المسلم والمسيحي، العسكري والمدني، الرجل والمرأة…، كافة الأطياف السياسية حتى المعارضة للرئيس والمنافسة له في الانتخابات الرئاسية… أعضاء من البرلمان، وأعضاء من الحكومة، وعلماء دين مسلمين ومسيحين… لا مكان لمحسوبية، ولا تميز لأهل أو عشيرة، الكل انصهر في بوتقة واحدة وهي الهوية المصرية، ومصلحة واحدة هي مصلحة مصر، مهد الحضارة والحوار، ومعقل الوسطية والاعتدال، التي ما ضاقت طول تاريخها بقريب أو غريب. إذن فالدعوة إلى الحوار والشراكة لتحديد مسار الأولويات في الفترة المقبلة يُعد الخطوة الأولى والأهم في الطريق إلى الجمهورية الجديدة التي تتطلع إليها جموع الشعب المصري.

ولكن النقطة المهمة هي: هل سنسعي إلى فهم حقيقة هذه الدعوة الرائعة، ونتصورها، ونحكم عليها بتجرد؟ هل سنعتبر الحوار غاية، يتجمع المختلفون ويتحاورون فيما بينهم فقط، أم سنعتبره وسيلة للتطور والرقي والشراكة وبناء الدولة وتطوير المؤسسات وتحقيق تطلعات الشعب الذي يدرك تمامًا قيمة وطنه وهويته الثقافية وامتداده الحضاري؟

إن الخطوات التي اتُخذت حتى الآن تؤكد على أن النوايا صادقة، وأن الحوار سيكون جادًا؛ فجميع فئات المجتمع بأحزابه السياسية ونقاباته وشيوخه وشبابه ستشارك وتجلس على موائد النقاش، والحوار سيشمل كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…. بحرية كاملة، والبرلمان بفرعيه مجلسي النواب والشيوخ سيدرس نتائج هذا الحوار، وأن الشباب ممثلين في أكاديميتهم الوطنية للتأهيل والتدريب هم المسئولون عن تنظيم الجلسات، التي بدأوا بالفعل في تنفيذ خطواتها.

وتتبقى فقط النقطة الأهم وهي انتقال هذه الدعوة من مركز الدولة إلى شعبها ومؤسساتها الصغيرة، والتعامل معها ليس باعتبارها مجرد دعوة خاصة بالسياسيين والمجال السياسي فقط، بل ينبغي اعتبارها توجها ثقافيا عاما، يجب تطبيقه حتى في أصغر مؤسسات المجتمع، وهي الأسرة الصغيرة. لم يعد من اللائق بنا ونحن نعيش في دولة تسعى إلى التجديد والتطوير ويدعو رئيسها إلى الحوار الهادف والبنَاء والحرية أن يكون لدينا مدراء لا يعون قيمة هذه الدعوة التي يزعمون نظريًا الإيمان بها، لكنهم أبعد ما يكونون عنها عمليا، بل كانوا هم أعدائها، ولا يليق حتى بأصغر مؤسسة في بلدنا أن يقرب من يديرها أتباعه من أهله وعشيرته في حين يجلس رئيس الجمهورية أمام العالم وعلى يمينه ويساره “مينا وسارة” المصرييْن الذيْن يمثلان الطبقة الفقيرة من الشعب المصري العظيم، بمثالياتها ومنظومتها الأخلاقية.

لا يليق بأصغر مؤسسة في مجتمعنا أن يديرها من ينزعون ولاء الأفراد وانتمائهم لأنفسهم على حساب المؤسسة في حين يحكي رئيس الجمهورية أنه كان يساعد من يختلف معهم أيدولوجيًا وفكريًا مُضحيًا بمصلحته الخاصة من أجل مصلحة الوطن، لا يليق بأصغر مؤسسة في وطننا العظيم أن تُدار بحكم مرشدٍ يأمر فيطاع حتى وإن خالف القانون وانتهك الأعراف وسار فيها وفقًا لما يحقق مصالحه في حين يدعو رئيس الجمهورية ليل نهار أمام العالم بأثره أن وجوده ليس من أجل مصلحته الشخصية ولا من أجل الكرسي، بل من أجل تنفيذ إرادة شعبه، لا يليق بأصغر مؤسسة في وطننا العظيم أن تُدار من أشخاص يزايدون على مرؤوسيهم ويعتبرون أنفسهم فوق الجميع في حين يخاطب الرئيس شعبه قائلًا “إحنا مش اتنين إحنا واحد”، لا يليق بأصغر مؤسسة في وطننا أن يديرها متنمر يمثل في حد ذاته ضغطًا على العاملين معه لا ملجأ لهم في حين يدعو رئيس الجمهور الشعب ألا يقلق أو يخاف من شيء، لا يليق بأصغر مؤسسة في بلدنا أن يكون السبيل إلى الأمن والأمان فيها هو التقرب إلى المدير وليس الجد والاجتهاد في حين ينادي رئيس الجمهورية بتغليب مصلحة الوطن ويقسم أنه على استعداد للتضحية حتى بقُوته من أجل الوطن.

إن دعوة فخامة الرئيس للحوار هي دعوة مهمة ينبغي التفاعل معها عمليًا على مستوى مؤسسات الدولة وهيئاتها الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى