اجتماعيةدراسات

د. سمير الوصبي يكتب.. فلسفة التربية: مجالات الاشتغال، الخصائص، الأهمية، تطور الأهداف (2)

الكاتب مدير وحدة الدراسات الاجتماعية بمركز العرب.. خاص منصة العرب الرقمية

يكاد يتفق خبراء التفكير الاستراتيجي للنظم والمؤسسات المسؤولة، أن التطور والرقي مرهون بما تحققه التربية الفاعلة من إنتاجية ومردودية سواء أكانت مادية أو معنوية، بل إن مفهوم التنمية المستعمل وظيفيا، والذي هو في الحقيقة مقياس استدلالي على تحقق التربية بمعناها الخاص (وسيلة )، ومعناها العام (غاية)، كما حددنا سلفا في تأصيل المفهوم في جانبه الاصطلاحي؛ فالتربية هي سيرورة زمنية، والتنمية هي وصف حالة الانتقال من مرحلة إلى آخرى، وهي -التربية-  في نفس الوقت هي “عملية”، أي تفاعلية بين عناصر معينة، عند وضعية التواصل التعليمي مثلا، وحتى يكتمل التخطيط المنهجي لمحتوى فلسفة التربية لزم تحديد المجال التي تعمل عليه التربية كموضوع، وهما بطبيعة الحال المجال الانساني(بناء الانسان)، المجال الاجتماعي(اصلاح المجتمع)؛لأن الحديث عن الموضوع أو المجال يحتمل شيئيين إما الكائن الحي أو الجماد، والادراك العقلي يحتم أن يكون الكائن الحي (المتحرك) هو المجال والموضوع وليس الجماد (الساكن)، وهذا يعني من حيث التفسير والبيان ذكر خصائص التربية من حيث التناول التراتبي، على اعتبار أن خواص الشيء كما يقول المناطقة هي ذات وهوية الشيء الذي يختلف أو يشترك مع غيره، وخصائص التربية التي قمنا بجردها عند وضعها، التزمنا عند تقريرها أن تكون دالة على نسق واضح يصف التربية كعملية أي تفاعل بين عنصرين أو ظرفين أو أكثر، وتجلي أهمية التربية هو تحديد للوجهة والتي منها ننطلق لبلورة الأهداف كنتاج نهائي للتربية وتحقق الأهداف هو المؤشر على فاعلية الفعل التربوي.

مجالات الاشتغال: الانسانية والاجتماعية

-المجال الانساني (بناء الانسان):

التربية عموما تعتبر عملية شاملة، تتناول الإنسان من جميع جوانبه العقلية والنفسية والاجتماعية والسلوكية، وطريقة تفكيره و أسلوبه في الحياة، وتعامله مع الآخرين، كذلك تنقلاته الوضعية في البيت والمدرسة والمحلات والتجمعات البشرية، هذا التناول هو ما يسمى بتنمية الوظائف البشرية في مكوناته فصرنا نتحدث عن التربية العقلية، التربية النفسية، والتربية الاجتماعية، التربية السلوكية، والتربية الروحية..

-المجال الاجتماعي(اصلاح المجتمع):

عاش الفرد ضمن تجمعات بشرية، وتعلم الفرد نتيجة ما راكم من خبرات تقنيات التعامل ووسائل التعايش، وسعى بعدها إلى الحفاظ على تراثه وهويتة التي تشكلت كلغة ومعتقد ووطن ..؛ فخلق النظام المعبر عنه بالالتزامات في شكل قوانين وعهود خاصة وعامة، لبلورة أمنه السيادي ليتشكل معنى الوطن بالدود عنه بخلق لحمة التماسك والاصلاح والصلح عند الاختلاف أو الخصومات أو الصراعات.فتكونت التجمعات البشرية عائلات، قبيلة، شعب، حريصة على استحضار التربية كمنهج اجتماعي لتدفعه نحو التطور والازدهار.

خصائص التربية

الخصائص هي ذات الشيء ما يحدد الهوية والتميز والتفرد عن البقية، والتربية كمفهوم هي عملية أي تفاعلية تقع ضمن دائرة التأثير و التأثر بجانبيه السلبي أو الايجابي، لذا سنلحظ تكرار وتوالي كلمة عملية في الخصائص الرئيسة الممتابعة.

عملية تكاملية (بناء انساني): التربية لا تقتصر على جهة معينة، أو فرد واحد توكل له مهمة التربية، وانما هي عملية تفاعل بين جهات عدة وعناصر متعددة، فالأسرة والمدرسة، والمسجد، كجهات، والأب والمدرس، والفقيه، كعناصر كل من موقعه فتتكامل الأدوار بقصد بناء الانسان.يرى جون ديوي أن التربية:  “عملية مستمرة لإعادة بناء الخبرة، بهدف توسيع وتعميق مضمونها الاجتماعي”. أي أن التربية تستمر مع الانسان إلى زمن موته، وأثناء هذه السيرورة تتراكم الخبرات نتيجة التجارب، وأثناء التجربة يتعلم المرء من أخطاءه، ويتحسن سلوكه وهذا هو ما يسمى بالمضمون الاجتماعي.

عملية اجتماعية(تعاقد اجتماعي): جون ديوي حدد منهجا في الدرس التعليمي يبدأ من تحديد الاشكالية، وصياغة الفرضيات و تمحيصها، أي التحقق من صحة الموقف الصحيح المعبر عنه من خلال الفرضية، وهذا تمرين وتدرب لربط المدرسة بالمجتمع لهذا كان يعتبر الفصل مختبر لمناقشة مشاكل المجتمع، وهذا ما عبر عنه هيجل عند تحديد الهدف من التربية بالقول: “هو تحقيق العمل وتشجيع روح الجماعة”.

عملية استمرارية )نسق وجودي): يرى توفيق حداد أن التربية:”عملية مستمرة لايحٌدها زمن معينٌ، وهي تمس كل جوانب حياة الفرد والمجتمع، وهي أساس صلاح البشرية وهي قوة هائلة يمكنها القضاء على أمراض النفس وعيوبها، وأمراض المجتمع وعيوبه، ولذلك فهي كل مؤسسات المجتمع كالأسرة، والمدرسة، والمسجد، ودور الحضانة”.

مثال للتأمل والمناقشة: بستالوتزي شبه التربية الصحيحة بالشجرة المثمرة، التي غرست بجانب مياه جارية.

أهمية التربية: تتحدد أهمية التربية في التوجيه الصحيح، عبر مسلكين اثنيين المحددان بمجالات الاشتغال:

أحدهما: يرتبط ببناء الانسان عن طريق تعليمه معارف،وعند ممارستها تصير مبادئ وقناعاتـ ترجع بالأثر الطيب على النفس؛

والآخر: ذي صلة بالعلاقات الاجتماعية، بتحسينها وتعديل السئ فيها، و ما عبرنا عنه من قناعات ومباديء مرتبط بهذا المسلك الثاني (الاجتماعي)، ومن خلالهما تتضح لنا معالم الأهداف كنتاج تحصيلي للعملية التربوية، وتحقق الأهداف هو المؤشر على فاعلية الفعل التربوي، لنخلص في النهاية إلى أمرين اثنيين يشكلان أهمية التربية هما:

تطوير الشعوب وتحقيق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة قدراتها الذاتية على مواجهة التحديات؛

– ضرورة للتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، وهي عامل هام في إحداث السلم الاجتماعي.

الأهدافالتربوية

لمحة تاريخية عن تطور حركة الأهداف التربوية:

إن الأهداف التربوية كانت دائما موجودة عبر العصور، لارتباطها بالعمل التربوي ولو في أبسط صوره البدائية كتنشئة الآباء للأبناء، من أجل إعدادهم للحياة وما تتطلبه من خصائص مهاريةٌ في شتى مجالات الحياة.

مرحلة  التأسيس: تعتبر أعمال رالف تايلور (1929) أول خطوة هامة في حركة الأهداف التربوية وتصنيفها، فقد وضحها في عبارات سلوكية وتأثر الكثير من المفكرين بهذه الأفكار التربوية، واعتبروا الأهداف أساسا لكل منهج مدرسي أثناء بنائه و التخطيط لتنفيذه. وهذا يعني أنه أثناء التخطيط للتدريس ينبغي تحديد الأهداف أولا، ثم وضع المادة التعليمية، فوضع الخطة، فتحديد الوسائل، فالتنفيذ، ثم التقويم.

مرحلة التقرير: لعل أهم دراسة اتخذت شكلا متميزا في تاريخ حركة الأهداف التربوية، وكان لها أثرها الواضح في تحديد المسار العلمي الموضوعي للأهداف التربوية، وتصنيفها، ومحاولة التحكم فيها علميا، هي ما قام به بلوم وزملاؤه من دراسات في هذا المجال، وما توصلوا إليه من نتائج.

ذلك أنهم حاولا ربط الأهداف التربوية بمكونات الفرد البشري مثلما صنف سابقوهم سلوك البشر في ثلاث مجالات أساسية: الفكر، الانفعال، العمل. وهي أهم الوظائف التي قٌوم بها الكائن البشري، والتي يتوجه الفعل التعليمي إلى إنمائها.

أهداف النظام التربوي: (السياسة التربوية)

الغايات: هي  عبارات فلسفية عامة وواسعة، طموحة، تتسم بالتجرد والمثالية، والتعقيد، بعيدة المدى غير محددة من حيث مدة تطبيقها. إنها تمثل المستوى النظري الذي  ضٌبط التوجهات الكبرى للنظام التربوي اعتمادا على فلسفة وقيم مجتمعنا.

المرامي -المقاصد:  وهي أقل عمومية وتجريدا وأكثر وضوحا وتحديدا من الغايات، لكنها لا تخلو من العمومية والتجريد، وترتبط بالنظام التربوي والتعليمي.

وتظهر على مستوى التسيير التربوي، وهي تعبر عن نوايا المؤسسة التربوية ونظامها التعليم، وتتجلى في أهداف البرامج والمواد التعليمية وأسلاك التعليم، وتعتبر المرامي وسيلة لتحقيق الغايات، كما أنها أكثر تعرضا للإصلاح والتغيير.

وأنها تلك النوايا التي تعلن لآفاق أقصر أمد من الغايات وتبقى نوعية.

وبذلك فالمرامي أقل أمد من الغايات، وأنها عبارات مجزأة وتحليلية للغايات، وترتبط المرامي بالقرارات السياسية والتربوية.

أهداف المجال الدراسي(البناء الصفي)

الأهداف العامة:

إن الهدف العام هو صياغة وتعيين المعطيات العامة للتعلم التي يمكن توقعها من تعليم وحدة تعليمية أو مقرر.

الأهداف العامة تصف مجالات سلوك شخصيةٌ المتعلم: العقلية، النفسية، السلوكية، الوجدانية، الحسحركية، وتتجلى في القدرات والمهارات والتغييرات، التي يراد إحداثها لدى المتعلم. وتٌوجه عمل المدرس بكل وعي إلى تنمية هذه الجوانب خلال فترة تعليمية معينة أو خلال سنة دراسية أو فصل.

الأهداف الخاصة:

وهي ترجمة الأهداف العامة إلى أهداف للدروس، وهي تمثل مجالا لتنفيذ  على المدى القصير والعاجل وعلى مستوى حصة دراسية معينة في مادة ما، حيث يتحصل فيها المتعلم على قدرة أو مهارة ما، عند الانتهاء من تعلم معين.

من خلال عرض مستويات الأهداف التربوية نلاحظ أن الأهداف التربوية تتجه نحو الدقة والتخصص بدءا من الغايات إلى الأهداف التربوية الخاصة فتتفرع الغايات إلى مرامي وتتضمن هذه الأخيرة مجموعة من الأهداف العامة التي تتجزأ إلى أهداف خاصة والتي تحلل إلى أهداف إجرائية تمثل السلوك الذي  سينجزه المتعلم بعد نهاية مقطع أو درس. ويظٌهر هذا السلوك في جانب واحد أو أكثر من جوانب شخصية المتعلم.

أسباب الفشل في تحقيق الأهداف التربوية:

هناك عدة أسباب تعيق الأهداف التربوية، منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي. إن فشل المتمدرس في تحصيل مستوى معين من المعارف بعد فترة تعليمية معينة، قد يعود إلى مجموعة من الأسباب نذكر منها ما يلي:

*أسباب تتعلق بالمتمدرس نفسه، وهذه تكون على ثلاثة أشكال:

-محدودية إمكانياته الذهنية؛ -مشاكل صحية ونفسية؛-ضعف المجهود المبذول.

*أسباب تتعلق بالمدرس، وهي أيضا تكون على ثلاثة أشكال:

-محدودية إمكانياته الذهنية؛-مشاكل صحية ونفسية؛-ضعف المجهود المبذول في إعداد وتقديم دروسه.

*أسباب تتعلق بالتفاعل بين المدرس والمتمدرس، إن سوء التفاعل من بين خصائص المعلم وتلامذته قد يؤدي إلى سوء التوافق الذي ينعكس سلبا على تحصيل التلميذ.

*أسباب تتعلق بالطرق والوسائل المستعملة في تحقيق هذه الأهداف.

*أسباب تتعلق بالأهداف نفسها كأن تكون صعبة جدا فوق مستوى التلميذ أو غامضة أو غير واقعية.

*أسباب تتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات التعليمية.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى