الرئيسيةدراساتسياسية

المقاتلون الأجانب في الفترة من 1945 وحتى 2021 «دراسة»

إعداد: الدكتور حمادة شعبان، مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف

أعلن “أبو بكر البغدادي” في 29 يونيه 2014 قيام خلافته المزعومة من على منبر مسجد النوري الكبير. ومنذ ذلك التاريخ سيطر تنظيم داعش على 100 ألف كم في سوريا والعراق، وعاش تحت حكمه 8 مليون شخص، واستقطب 40 ألف مقاتل من أكثر من 100 دولة، في سابقة لم يشهد لها تاريخ التنظيمات الإرهابية مثيلًا من قبل. وبهذه الخطوات غير المسبوقة أثار التنظيم مخاوف المجتمع الدولي، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية مباحثات مكثفة حول الطريقة التي تستطيع من خلالها القضاء عليه. وهنا جاءت فكرة تأسيس “التحالف الدولي ضد داعش” في سبتمبر 2014، والذي أصبح الآن يضم 85 دولة من دول العالم، بهدف إضعاف التنظيم ثم القضاء عليه.

وبدأت الغارات الجوية للتحالف على معاقل التنظيم مع عمليات للقوات العراقية على الأرض انتهت بتحرير الموصل في 9 ديسمبر 2017، ومعها انتهت السيطرة المكانية للتنظيم هناك. وفي 23 مارس 2019 انسحب مقاتلو التنظيم من “الباغوز” السورية آخر معاقلهم في سوريا، ومعها انتهت السيطرة المكانية للتنظيم، الذي تقبل الوضع، وعدل استراتيجياته من تنظيم يريد تأسيس دولة إلى تنظيم مركزي، يتوارى أعضائه في الصحاري والجبال والقرى المهجورة، ويقوم بعمليات ذات طابع فردي تختلف عن عملياته التي قام بها إبان قوته في عامي 2014، 2015.

وبالتوازي مع ظهور داعش بدأ مصطلح “المقاتلون الأجانب” يطفو على السطح من جديد. وهو من المصطلحات المشهورة، عرفته “أكاديمية جنيف لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني” بأنه يطلق على “أشخاص لديهم دوافع أيديولوجية ودينية وعرقية تركوا بلادهم الأصلية أو محل إقامتهم الاعتيادي من أجل الانضمام إلى جماعات مسلحة خارج إطار الدول”.

ولقد اطلق مصطلح “المقاتلون الأجانب” لأول مرة على المحاربين الذين آتوا من بلادهم إلى أفغانستان للمشاركة في الحرب السوفيتية الأفغانية التي دارت رحاها في ثمانينيات القرن الماضي. واعتبارًا من عام 2003 ومع الغزو الأمريكي للعراق تحول “المقاتلون الأجانب” من مصطلح إلى ظاهرة، واستُخدم المصطلح بشكل أوسع من ذي قبل وأطلق على كل المقاتيلين الذين آتوا من الخارج إلى العراق لمحاربة الاحتلال الأمريكي.

ووفقًا للأمم المتحدة فإن مصطلح “المقاتلون الأجانب” ظهر لأول مرة بشكٍل ملحوظ في قرار  مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2170/ 2014)،  ردًا على الأزمات المتصاعدة آنذاك في العراق وسوريا، ودعا القرار كافة الدول لوقف تدفق المقاتلين إلى الدولتين. وبعد اعتماد هذا القرار بشهر واحد أصدر مجلس الأمن القرار رقم (2178/ 2014) ونص على تعريف لمصطلح “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، وجاء على هذا النحو: “هم الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها أو توفير تدريب على أعمال الإرهاب، أو تلقي ذلك التدريب، بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة”.

إطلالة تاريخية: المقاتلون الأجانب في الفترة من 1945: 2010

 تعد الحرب الأهلية الإسبانية التي وقعت بين عامي 1936 و 1939 هي أكبر صراع شارك فيه مقاتلون أجانب في القرن العشرين. حيث شارك في هذه الحرب أكثر من 50 ألف مقاتل من أكثر من 50 دولة.

ولقد استمرت حركة المقاتلين الأجانب بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شارك حوالي 30 ألف مقاتل أجنبي في الصراعات التي نشبت في دول العالم الإسلامي في الفترة من 1945 وحتى 2010 وفقًا للباحث والخبير الأمني التركي “أولاش بهليوان”. وكانت أهم الصراعات التي جذبت مقاتلين أجانب في دول الشرق الأوسط وأفريقيا مثل “الصومال، لبنان، الجزائر، العراق، إريتريا…..”، إضافة إلى “البوسنة، الشيشان، طاجيكستان، كوسوفو، الفلبين”. ولكن تبقى “أفغانستان” هي المحطة الأهم في تاريخ المقاتلين الأجانب، والأكثر تأثيرًا حتى هذه اللحظة، حيث توافد إليها آلاف المقاتلين من جميع أنحاء العالم في ثمانينيات القرن الماضي، وبرزت فيها التيارات الجهادية، ووجدت فرصة للتدريب واكتساب خبرات قتالية، كما وجدت فرصة للتعارف والتحالف والاندماج أيضًا. وكان الحدث الأبرز في “أفغانستان” كما يقول “محمد علوش” هو الزواج الذي عُقد بين فكر تنظيم الجهاد المصري والسلفية الوهابية التقليدية. ومن أشهر الحركات العربية التي شاركت في الحرب ضد السوفيت في “أفغانستان” هي تنظيمات أو ما كان نواة لتنظيمات “القاعدة”، “الجماعة المقاتلة في ليبيا”، “جماعة الجهاد المصرية”، “تجمع مجاهدي تونس”، “تجمع مجاهدي الجزائر”، “تجمع مجاهدي الأردن”، “معسكر خلدون”، “الجماعة الإسلامية في المغرب”… وهي كلها حركات عربية، أي أن مقاتلوها كانوا أجانب من خارج “أفغانستان”.

المقاتلون الأجانب في داعش  

عندما ظهر تنظيم داعش اتخذت مشكلة المقاتلين الأجانب شكلًا مختلفًا، ففي البداية تم تناولها في سياق أشخاص يحاولون الذهاب إلى سوريا والعراق. لكن كانت الحقائق والمعطيات مختلفة، حيث انتشرت فكرة أن معظم الأجانب الذين ينضمون إلى داعش أوربيون وذلك بسبب اهتمام الصحافة الأوروبية بهذا الموضوع، وجعل له أولوية على جدول أعمالها، وهو الأمر الذي ثبت خطأه فيما بعد.

وعند حساب عدد المقاتلين الأجانب وفقًا للفترات الزمنية فإن عددهم قد وصل إلى 450 مقاتلًا في كل عام في الفترة من 1945 وحتى 2010. في حين بلغت هذه النسبة 6000 آلاف مقاتل كل عام في الفترة من 2011 وحتى 2021، وهذا يعني أن عدد المقاتلين الأجانب قد زاد حوالي 13 ضعفًا. ففي فترة الـ 65 عامًا من الحرب العالمية الثانية وحتى 2010 كان عدد المقاتلين الأجانب في العالم حوالي 30 ألف مقاتل، في حين وصل إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط في الفترة من 2014 وحتى 2019 حوالي 40 ألف مقاتل من 110 دولة من أجل الانضمام إلى داعش، وفقًا لما ذكرته الباحثة “ستيفاني فوجيت” في ورشة عمل نظمها “مركز صوفان” عام 2019.

المقاتلون الأجانب داعش

ووفقًا لدراسة قام بها مركز “صوفان” عام 2015 فإنه عند فحص الدول المصدرة للمقاتلين الأجانب والعدد الذي وصل منهم إلى الدول الهدف نجد أن الأماكن التي سيطر عليها داعش في سوريا والعراق كان بها 30 ألف مقاتل، قادمون من جميع أنحاء العالم، وذلك على النحو الآتي:

المنطقة العدد
الشرق الأوسط 8240
شمال إفريقيا 8000
غرب إفريقيا 5000
دول الاتحاد السوفيتي 4700
جنوب شرق آسيا 900
دول البلقان 870
أمريكا الشمالية 280

 

وقد كانت هذه الإحصائية في عام 2015، وهو العام الذي كان داعش فيه أكثر قوة، ويسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي تتجاوز حجم بعض الدول. كما توضح هذه الإحصائية مدى الزيادة الرهيبة في عدد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم مقارنة بفترات سابقة. ويكفي أن ندلل على ذلك بــ “فرنسا” التي تدفق منها 20 مقاتلًا إلى “أفغانستان” في الفترة من 1979 وحتى 2011، في حين كانت “سوريا” وحدها قبلة لـ 700 فرنسي في عام 2014. وفي أبريل من العام سالف الذكر قال “جيل دي كيروشوف” منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي إن أكثر من 2000 مقاتل من 28 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي ذهبوا إلى سوريا. كما ذكر “ألكسندر بورتنيكوف” رئيس الأمن في روسيا الاتحادية أن 800 مقاتل من بلاده يقاتلون في صفوف التنظيمات في سوريا.

أسباب زيادة أعداد المقاتلين الأجانب

إن هذه الزيادة غير المنطقية في عدد المقاتلين الأجانب اعتبارًا من 2011 لها أسباب عديدة منها ما يتعلق بطبيعة العصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مثل زيادة الرحلات السياحة وسهولة القيام بها مقارنة بالماضي، وانتشار الرحلات الجوية مقارنة بالماضي أيضًا، ودعم بعض الدول بصورة مباشرة أو غير مباشرة للتنظيمات الإرهابية واستخدامها لتحقيق أهداف استراتيجية، وانتشار استخدام الإنترنت بسهولة مقارنة بالماضي ومن ثم سهولة نشر الدعاية الداعشية باستخدامه، وانتشار البطالة بين الشباب المتعلم في بعض دول العالم، ووجود بعض المشاكل المتعلقة بالحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل في بعض بلدان العالم وخصوصًا في إفريقيا، وكذلك اختلاف داعش عن غيره من التنظيمات ولا سيما في موضوع إعلان قيام دولة وتعيين خليفتها، واستخدامه لدعاية ومصطلحات تُذكر الناس بعصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم مثل “الخلافة، الهجرة، المهاجرين والأنصار، بيت المال، الجهاد….”، هذا بالإضافة إلى المحتوى العام الموجود في هذه الدعاية، والذي يصيغه التنظيم لأهدافٍ استقطابية بحتة، حيث يظهر للمقاتلين الأجانب وخصوصًا الغربيين صورة توحي بالألفة والروح المعنوية العالية والنشاط والجد، ويمزج هذه الصورة بروح البطولة والتميز والمغامرة التي يهواها الغربيون.

الخلاصة:

         خلاصة القول إن كثرة المقاتلين الأجانب في السنوات العشر الأخيرة له أسباب عديدة من أهمها انتشار وسائل التواصل الحديثة، وقوة الدعاية المتطرفة عليها، وهذا ينبغي أن يكون دافعًا للمجتمعات المختلفة أن تعطي الأولوية للمكافحة الفكرية، وأن تكون مكافحة التطرف مقدمة أو تسير جنبًا إلى جنب مع مكافحة الإرهاب.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى