رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الليبيون والاختيار بين الحوار أو الثورة أو الاندثار!!

الاصطفاف الذي نشأ بفعل ثورة الكرامة في حقيقته بين الليبيين بمختلف مشاربهم وبين أعدائهم، والصراع مستمر عنيف بالسلاح، وناعم بالخديعة.
استشرت ممارسات النهب والعمالة للأجنبي، دون خشية من الله، أو وازع من ضمير، أو خوف من قانون.

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. المرجفون دروس من مداهنة الأعداء ومواجهتهم (الجزء الثاني)

جل مقدرات ليبيا تم نهبها وتهريبها، إيرادات نفط أو مدخرات واستثمارات، تم تخريد المنشآت الصناعية والاقتصادية والاستيلاء عليها، أو تهريب الثروات كالذهب واليورانيوم والنفط ومشتقاته، والعبث بالاستثمارات الخارجية والاستحواذ عليها بسعر التراب.
ولم يتوقف الهدر والنهب عند المدخرات والدخل الحالي، بل تعداه إلى التفريط في دخل المستقبل (النفط والغاز) لصالح الدول والشركات الأجنبية، بالمخالفة للتشريعات السارية، وتمادياً في الانفلات تجري محاولات لتعديل قانون النفط.
استشرى الفساد بتعيينات المحاصصة (الكواشيك) وتغوّل الميليشيات، فأصبحت ليبيا على أعتاب العودة الى حالة فقر 1960.
وفي الجانب السيادي، سلمت ليبيا للاحتلال الغربي المباشر، بفعل عملاء يفرطون في السيادة والمستقبل من أجل البقاء في الكراسي، فباعوا الأرض للأجنبي، ووقعوا اتفاقيات التفريط والإذعان، وشرع المعتوه في التطبيع مع العدو، وحولوا ليبيا إلى مكب للنفايات الضارة.
الصراع سيؤدي إلى تفتيت ليبيا إلى دويلات قزمية، لن تتوقف عند ثلاث أو أربع أو سبع، بل كل قرية أو عشيرة تنشئ دويلة، على عداء أو خصومة أو تنافس مع جاراتها، بوادر ذلك دعوات الانفصال الإثنية والطائفية والجهوية، ليبيا قد تتفتت إثنياً إلى عرب وجبالية وزنوج وأتراك، وكل إثنية إلى قبائل، وقد تتفتت طائفيا إلى مالكية وحنابلة وإباضية وإبراهيميين وملحدين.
باختصار المدخرات الحالية نُهبت والمستقبلية رُهنت، والأرض جار احتلالها، والوطن يتفتت، فالأجيال القادمة مهددة بالفقر والاحتلال والاقتتال، أي الضنك والعبودية والحروب الأهلية.
هذا الوضع المرعب ليس أبدياً، وهذا المصير ليس حتمياً، ممكن وقف هذا القطار، وإنقاذ الوطن واستئناف النهضة وتأمين المستقبل، لكن ذلك لن يتم إلا بالليبيين وحدهم، وبحلول جذرية بعيداً عن التلفيق والتمطيط، وبفعل تضحيات من أبطال للتاريخ، وليس العملاء أو النهابين.
الفرصة الآن سانحة للقيام بحل جذري، لأن جل الليبيين مكتوون بنار النهب، ويعيشون حياة الضنك، والعالم الخارجي مشغول بالصراعات في مناطق أهم، كحماية قاعدة الغرب في منطقتنا، وممرات التجارة الدولية، وصراع الأقطاب بين الاتحاد الروسي وحلف الأطلسي في أوكرانيا، وإرهاصات إلغاء ترتيبات الحرب الأوروبية الثانية، كما أنه في أيدينا عناصر قوة تغل يد الأجنبي من التدخل السلبي في شأننا.
جل من في المشهد لا يرغبون في تغييره لأنهم مستفيدون لأنفسهم (على حساب مستقبل أحفادهم)، فشعارهم “من يذبح الدجاجة التي تبيض ذهباً”، والأجنبي أيضا مستفيد من الوضع ويحرص على استمراره، فليبيا مستباحة له، أرضاً ومقدرات. ولهذا نشاهد تمطيط الوضع بماراثونات لحوارات فاشلة بين أطراف متورمة ومنبوذة، يظن جل الليبيين أن الانتخابات تحل مشكلتهم، بينما هي لا تنتج الأصلح بل الأقوى. الشروط الخمسة للبيئة الملائمة للانتخابات هي: قواعد عادلة لإجرائها، وقوة المحايدة تحميها، وإدارة نزيهة تجريها، وعين حريصة تراقبها، وأخيراً ضمان القبول بنتائجها.
إن لم يستمر خنوع الليبيين للخيار الحالي المؤدي إلى الفقر والاحتلال، بما يعنيانه من ضنك وتفتيت واندثار، فيتبقى أمامهم خياران:
أولهما: سلمي ديموقراطي لحل الأزمة الليبية، وليس لتقاسم السلطة، بأن يجتمع كل الليبيين في مؤتمر تأسيسي تختار الأطراف مندوبيها دون إملاءات من خارجها، ليحدد المؤتمر شكل الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعلمها ورمزها ونشيدها، ويحيل ذلك إلى لجنة فنية لصياغتها في مشروع دستور دائم، ويشكل إدارة مؤقتة للمرحلة تتولى بسط الأمن وتوفير الخدمات وإجراء المصالحة، وتهيئة البيئة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، للعبور بالبلاد إلى المرحلة الدائمة.
وثانيهما: الخيار العنيف، لأن الفساد يولد الغبن فيفجر الثورة، رغم أن الجماهير يجري تخديرها وإلهاؤها بالبحث عن قوت يومها، ولكي لا تصبح ثورة غضب تحرق الأخضر واليابس، فيجب أن تقودها القيادات السياسية الوطنية، وتحميها القوات المسلحة العربية الليبية والأجهزة الأمنية، لبسط الأمن وتفعيل القانون وترسيخ هيبة الدولة. وللتذكير فقد انقضت سنة الفرصة الأخيرة لحماية إرادة الشعب التي تحددت بساحة ثورة الكرامة، هذا الخيار قد يتسبب في ضحايا، لكن الثورة كالعملية الجراحية قد تصطحبها دماء، لكنها ضرورية للشفاء، ولإنقاذ الحياة. الأمل معقود على العقيدة الوطنية لأبناء القوات المسلحة المحترفين بغض النظر عن تبعيتهم التنظيمية الحالية، وعلى كفاءة الأجهزة الأمنية المحترفة، وإدراكها للعدو التاريخي لاستقرار الوطن، أقصد المحترفين والمتشبعين بالعقيدة الوطنية، وليس الدخلاء من المليشياويين أو المافياويين، وذلك رغم عرقلة مشروع القوات المسلحة بعرقلة تمويلها، وحظر تسليحها، وإشغالها، ومحاولات تفكيك حاضنتها، وشيطنتها بتضخيم ممارسات فيران سفينتها، ورغم ظروف الأجهزة الأمنية من الانقسامات والاختراقات وتعدد الولاءات وتعارض المهمات، توجيه الحراك الشعبي من داخله يعتمد على وعي القيادات السياسية الوطنية، وقوة تنظيمها، وتأمينه بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى