رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. المرجفون دروس من مداهنة الأعداء ومواجهتهم (الجزء الثاني)

في العدد الماضي عددْنا ثمانية دروس مستدلين بآيات قرآنية؛ كجمع الله للمرجفين مع المنافقين ومن في قلوبهم مرض، وأنذرهم، وكشف حقيقتهم في التخويف، ونشر الفتنة، وأضرار وجودهم أثناء القتال، أو الاستماع لهم، وأن الموت ملاقيهم رغم الفرار من المعركة، وأن نصر الله مرهون بالثبات، وبين الندم الذي يصيب المخلفين، وتثمينه لمواقف المؤمنين الصادقين وتطلعهم لإحدى الحسنيين.

اليوم سنزيد معرفة بنتائج السماع للمرجفين، مقابل إرادة المقاومة
كانت دولة الخوارزميين سدا يمنع وصول المغول إلى الدولة العباسية، ولكن الاختلاف الطائفي، دفع العباسيين لمناصرة المغول فقضوا عليهم عام 1256 فوصلوا إلى تخوم الدولة العباسية.
المُستعصم كان مشغولا باللهو وكنز الأموال، والنساء، 1700 بين زوجة وأمة وجارية، مقابل تقليصه للجند، من 100.000 إلى 10.000، حاصر المغول بغداد فقام وزيره المرجف ابن العُلقُمي بتثبيط الهمم، وأن هولاكو يريد المصالحة، فخرج الخليفة في 700 من رجال الدولة وأعيانها فأدخلوا معه 17 رجلاً وذبحوا الباقين وسبوا نساءهم.
استباح المغول بغداد 40 يوما فقتلوا نحو مليون، وأحرقوا معالم المدينة وأماكنها المُقدَّسة، ودار الحكمة وألقوا بالكُتب في نهر دجلة حتى اسودَّ لونه من المداد.
دخل هولاكو قصر الخليفة وسجنه في 16/2/1258، وعندما يجوع يرسل إليه طبقًا فيه ذهب وجواهر، ويسأله إِذَا كنت تعرف أن الذهب لا يؤكل فلماذا لم توزعه على جنودك ليصونوا ملكك من هجماتنا؟
ثُمَّ لف المغول المستعصم في سجَّاد وقتلوه ركلاً بالأرجل، كي لا تسيل دماءه على الأرض فيُصبح له ثأر بين المُسلمين. وقتلوا اثنين من أبنائه وسبوا بناته وجواريه، وبذلك قُضي على الدولة العباسية التي حكمت 525 سنة.
عُين العلقمي حاكمًا صوريًّا لبغداد، لكنه مات في نفس السنة، كمدا من إهانة المغول له وشماتة المسلمين فيه، ثم توغل المغول في بلاد الشام حتى بلغوا مدينة غزة على الحدود المصرية، أرسل هولاكو إلى قُطز يخيَره بأن يرسل الجزية، أو القتال، قطع قطز رؤوس الرسل الأربعة وعلقها في أشهر مواقع القاهرة – امتثالًا لنصيحة مستشاره بيبرس- وقال لأمراء الجند من اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وأدى المفتي العز بن عبدالسلام دورا مهما في التحريض على الجهاد، اتجه قطز إلى غزة، ومنها إلى عين جالوت حيث أثمر الانتصار على المغول عودة الشام إلى السيادة الإسلامية وكسـر أسطورة المغول، ووقف تمددهم لإفريقيا وأوروبا، وإفشال تحالف الصليبين مع المغول ضد المسلمين، وزوال الإمارات الصليبية في بلاد الشام، وامتداد سلطان مصر من الفرات شرقاً إلى برقة غرباً، ومن حلب شمالاً إلى النوبة جنوباً.
مثال ثالث: اتفاق المعتمد ملك إشبيلية، مع ألفونسو قائد الحملة الصليبية، حيث أرسل وزيره ابن عمار سراً، واتفقوا على القيام بهجوم مشترك على طليطلة كانت النتيجة قتل أخيه وسقوط الأندلس.
ومثال رابع قدمت الجزائر مليونا ونصف المليون شهيد وانتصرت رغم المتفرنسين و(الطحاحنة) الوشاة.
وكأمثلة من التاريخ الليبي فتوى المرجف أبو الإسعاد العالم بأن موسوليني ولي أمر المسلمين وأن المجاهدين خوارج، وأباح إفطار البندات في رمضان، كما حاول المرجف الشارف الغرياني أن يثني شيخ الشهداء عن الجهاد فأبى، واستمر يجاهد قرابة ربع قرن رغم قلة الإمكانيات.
كما أن قوة الإرادة حققت النصر وحرّمت خليج سرت على الأمريكيين رغم جبروتهم، بعد مواجهة ارتفع فيها شهداء وسقط فيها غزاة. وفي مرحلة لاحقة رأينا المرجف الكاذب الغرياني يفتي بتكفير من قاد تلك المواجهة ويحلل العدوان الصليبي على بلادنا.
الدروس المستفادة من هذا:
النصر مرهون بقوة الإرادة، فعندما خارت الإرادة أمام المغول أسقطوا الدولة العباسية، بينما استطاع المصريون بقيادة قطز واستشارة بيبرس وبتحريض العز بن عبدالسلام وقف تمدد المغول في أرض المسلمين.
لولا الخلاف السني الشيعي لبقت دولة خوارزم حاجزا بين المغول والدولة العباسية. لكن مناصرة العباسيين للمغول ضد إخوتهم في الدين أضاع الجميع. كما ضاعت الأندلس بنفس التحاف الخاطئ.
بعض العرب اليوم يكررون نفس الأخطاء، متناسين أن فلسطين عند التوراتيين، محطة أولى لمشروعهم من الفرات إلى النيل. بينما المقاومة الفلسطينية خط الدفاع عن بقية الدول العربية والإسلامية، بما فيها المطبعون الذين يحملون مشروعا مناقضا للمقاومة، دفاعاً عن كراسيهم الزائلة.
مصر دائما هي الصخرة التي تتحطم عليها أطماع الغزاة، لأنها تنهل من إرث موغل في التاريخ، وليس مثل الكيانات الاصطناعية الطارئة.
الانغماس في الملذات وكنز الأموال، دون الاتجاه لصناعة القوة، يذكي مطامع الأعداء، وهذا درس يجب أن يستوعبه أصحاب الأبراج الزجاجية والأرصدة المالية، فهي لن تحميهم من غضب عربي فقير أو مسلم غيور، يعتز بكرامته وحقه في الحياة.
التاريخ لا يرحم؛ فيضع المرجفين والمتخاذلين في مزبلة التاريخ، ويخصـــص صفحـــــــــــات مشرقة للأبطال المجاهدين.
(من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.)

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى