اجتماعيةالرئيسيةدراسات

المستشار محمد  أحمد مسعود يكتب.. التحكيم في العقود الإدارية

الكاتب وكيل عام أول بالنيابة الإدارية وحاصل على دكتوراه في القانون الجنائي

 التحكيم في العقود الإدارية

قبل صدور قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، كان يوجد اختلاف على امكانية اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزعات الناشئة عن العقود الإدارية التي تكون الدولة – اواحد مؤسستها او هيئاتها- طرفا فيها. وقد أستمر ذلك الخلاف حتى بعد صدور القانون.

نلخص فيما بعد موقف القانون المصري من هذه الاشكاليات وذلك حتى تاريخنا هذا. حيث استقرت أخيرا المحاكم على تفسير ضيق للقفرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم والتي تمت إضافتها بموجب الفانون رقم 7 لسنة 1997 وذلك بالسماح للجوء إلى التحكيم في تسوية المنازعات الناشئة من العقود الإدارية بشرط الحصول على الموافقة الصراحية للوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة.

أولاً : ماهية العقد الإداري

وفقاً للقانون المصري فانه من المستقر عليه في القضاء الإداري أن العقد يكون إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً، ومتصلا نشاطه بمرفق عام، ومتضمنا شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص.

خصائص العقد الإداري هي:

  1. أن تكون الإدارة طرفًا في العقد أو أن يكون أحد أطراف يمثل جهة الإدارة،
  2. اتصال العقد بالمرفق العام من حيث إنشاؤه أو تنظيمه أو تسييره،
  3. تضمن العقد شروطاً استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص.

الاتجاه السابق :- عدم جوازيه التحكيم في العقد الإداري

لسنوات عديدة ظل الرأي السائد هو أن التحكيم لا يصلح أن يكون حقلاٌ أو نطاقاٌ للمنازعات الإدارية التي تتسم بطابع خاص يختلف عن العقود الخاصة.

ففي العقود الادارية نرى تمثيلاٌ للمجتمع ككل ويهدف ابرام العقود الإدارة في الأساس تحقيق الصالح العام والمنفعة العامة وذلك على خلاف العقود الخاصة التي تهدف لتحقيق مصالح ذاتية وربح شخصي. وقد لقى هذا الرأي تأييداٌ في الفقه والقضاء والتشريع.

فنصت المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على اختصاص محاكم الدولة دون غيرها في منازعات العقود الإدارية.

واتخذت المحكمة الادارية العليا في بعض من احكامها ذات الاتجاه بإقرارها عدم جوازيه التحكيم فيما يختص العقود الإدارية وذلك استنادا للمادة 172 من الدستور المصري والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة التي تجعل مجلس الدولة الجهة الوحيدة المختصة دون غيرها بنظر هذه المنازعات.

على ذلك رأى بعض الفقهاء أن إبرام الهيئة العامة أو الادارة العامة لشرط التحكيم فيه مساس بسيادة الدولة وبالاختصاص الأصلي للقاضي الإداري، فسيادة الدولة تأبى أن تمثل أمام قاض خاص أو أن يحكمها قانوناٌ أجنبي يمكن الاتفاق على تطبيقه في شرط التحكيم. فالدولة والإدارة لا يمكن الحكم عليها إلا بواسطة تشريعاتها وجهات قضائها الرسمي.

قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994

صدر قانون التحكيم ليحسم الجدال وقد تم الإقرار صراحة على إمكانية الأشخاص العامة إخضاع نزاعاتها للتحكيم أياٌ كان طبيعة العلاقة التعاقدية. ويمكن تفسير ذلك لاعتبارات سياسية ولزيادة نشاط الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة في المجال الاقتصادي والاستثماري.

فنصت المادة الأولى من قانون التحكيم على:

” تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كان طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع”

الجدير بالذكر أنه تمت مقاومة هذه المادة من بعض البرلمانيين وتم اقتراح تعديلها كان ذلك بسبب تذكر الأعضاء لتاريخ مصر المظلم في التحكيم ولكن لم تحظ هذه المقاومة بموافقة الأغلبية.

إلا أن القانون جاء صامتا من حيث أهلية المناط بهم الموافقة على شرط التحكيم في العقود التي تبرم من قبل الأشخاص الاعتبارية العامة التابعة للدولة ليكون الشرط صحيحاٌ وغير قابل للبطلان. وعليه نشاء خلاف أخر في هذا الصدد على ضوابط صحة شرط التحكيم في العقود الإدارية.

خلاف بين القضاء الإداري والقضاء العادي

بالرغم من صدور قانون التحكيم ليقر صحة شرط التحكيم في العقد الإداري، ذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بتاريخ 18 فبراير1997 بعدم جوازيه التحكيم فيما يختص العقود الإدارية وجاء اعتراضها على عدم تحديد صفة المنوط بهم إبرام شرط التحكيم، وأشارت الجمعية أن اكتمال ولاية المتعاقد على شرط التحكيم في العقود الادارية يجب أن تورد بنص تشريعي يحدد ضوابط وقواعد إبرامه ذلك مراعاٌ لخطورته فلا يقوم مطلق الإباحة لأي هيئة عامة أو غير ذلك من أشخاص القانون العام.

إلا ان محكمة الاستئناف ذهبت في خلاف ذلك حيث اقرت شرط ادراج شرط التحكيم في العقود الإدارية وذلك في حكمها بتاريخ 19 مارس 1997.

القانون رقم 9 لسنة 1997

للتوفيق ما بين ذلك الخلاف ورغبةً في حسم هذا الموضوع، صدر تعديل لقانون التحكيم بالقانون رقم 9 لسنة 1997 بإضافة فقرة الثانية إلى المادة الأولى حيث أوردت:

” وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك”.

جاء هذا التعديل الفاصل من المشرع رغباٌ في ألا تتوزع أراء عليه وتلتقي عنده كل الاجتهادات فمن ناحية أقر التشريع صراحاٌ جوازيه

الاتفاق للالتجاء للتحكيم في منازعات العقود الإدارية، ومن ناحية أخري أقر المشرع أن الموافقة على شرط التحكيم مقصورة على الوزير المختص، أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية التي لا تتبع وزيرا.

وقد قيد المشرع أيضا هذا الاختصاص حيث تم حظر التفويض فيه، فلا يباشره إلا من أوكل عليه هذه المهمة إعلاءً لشأنها وتقديراً لخطورتها ذلك لاعتبارات الصالح العام، وباعتبار أن الوزير هو وحده من يمثل الدولة في وزارته.

ماهية موافقة الوزير المختص

ظن البعض ان الخلاف قد حسم، الا انه ثار خلاف أخر على ماهية موافقة الوزير. هل هي موافقة مبدأيه على التعاقد وابرام العقد ام يجب ان تكون الموافقة صريحة على شرط التحكيم ذاته؟

ذهبت الدائرة الثالثة من المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 2005/5/17 في الطعن رقم 3603 لسنة 48 قضائية عليا، إلى أن موافقة الوزير أومن يتولى اختصاصه على اللجوء إلى طريق التحكيم تكفي لتحقيق قصد المشرع من الإجراء الجوهري الذي تطلبه النص المشار إليه، وأنه ليس بلازم أن يوقع أو يوافق بعد ذلك على مشارطة التحكيم.

إلا ان ذهبت الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا أثناء نظرها للطعن رقم 8256 لسنة 56 قضائية عليا، خلافا ذلك. فقد قررت أنه يتعين لقيام وصحة مشارطة التحكيم في منازعات العقود الإدارية يجب تضمن المحرر التي تمت بموجبه موافقة الوزير المختص – أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة –تحديدا لموضوع التحكيم وجميع المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كانت المشارطة باطلة، وبطل تبعا لذلك حكم التحكيم وذلك دون الاكتفاء بموافقته المبدئية على اللجوء إلى التحكيم.

وفي ظل ذلك الخلاف تم إحالة الموضوع إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا والتي تم انشائها بمقتضى المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة والتي تشكل من أحد عشر مستشارًا من مستشاري المحكمة الإدارية العليا للفصل في الخلافات المشابه. فانتهت الهيئة بجلسة 2016/3/5 إلى وجوب توقيع الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على اتفاق (مشارطة) التحكيم دون غناء عن ذلك بموافقتهم المبدئية على الالتجاء إلى التحكيم لفض النزاع المثار، وببطلان اتفاق التحكيم بطلانا مطلقا عند توقيعه من غير من وسد إليهم المشرع اختصاص الموافقة عليه.

ذهبت أيضا محكمة النقض في اتجاه التفسير الضيق للفقرة الثانية من المادة الأولى لقانون التحكيم وذلك في جلسة 12/05/2015 حيث اوجبت موافقة الوزير -أو من ينوبه في المؤسسات التي لا تتبع وزارات- على شرط التحكيم ذاته وعدم كفاية الموافقة المبدئية وعدم الاعتداد بوقائع تدل على مشاركته في ابرام العقد.

الخلاصة

أنه بعد صدور قانون التحكيم يمكننا أخيرا أن نجزم أنه يوجد توافق ما بين القضاء الإداري والقضاء العادي فيما يخص التحكيم في العقود الإدارية في مصر.                                                                                                                                                       وجدير بالذكر أنه بتاريخ 24 أكتوبر 2016، ورد إلى المحكمة الدستورية خطاب من وزير العدل بطلب تفسير نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1997. إلا أن المحكمة الدستورية بتاريخ 06/05/2017 قد أمتنعت عن التفسير المطلوب ذلك لعدم وجد خلاف وسابقة الفصل في الموضوع من قبل دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 2016/3/5 والتي انتهت إلى وجوب توقيع الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على اتفاق (مشارطة) التحكيم دون الاعتداد بموافقتهم المبدئية على الالتجاء إلى التحكيم لفض النزاع المثار.

فعليه يجب على طرفي العقد الإداري التحقق من مواقة الوزير المختص أو من ينوبه في اختصاصاته على شرط التحكيم حاله الاتفاق عليه وذلك تجنبا للمشاكل التي يمكن ان تنشأ في غياب تلك الموافقة.

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى