دراساتعسكرية

أثر المجموعات المسلحة على العملية السياسية في ليبيا «دراسة»

الانفلات الأمني في ليبيا أكبر تحديدات العملية الانتقالية

إعداد: عبد الغني  دياب                     

  من جديد فشلت القوى السياسية في ليبيا في الوصول إلى انتخابات جديدة، بعد مرور سبعة سنوات كاملة على آخر انتخابات شهدتها البلاد، لتنتهى الفترة المحددة لحكومة الوحدة الوطنية التي اختيرت بإشراف المجتمع الدولي، ممثلا في البعثة الأممية للدعم في ليبيا، دون الوصول إلى الانتخابات التي كانت محددة في 24 ديسمبر، والتي كان يفترض معها انتهاء المرحلة الانتقالية والانخراط في عملية سياسية جديدة، يكون الشعب الليبي هو صاحب القرار فيها، إلا أن ذلك لم يحدث، لعدة أسباب داخلية وخارجية، أهمها على المستوى الداخلي الدور الذي لعبته المجموعات المسلحة في البلاد، للوصول إلى هذه النقطة، لتعود البلاد إلى مربع صفر من جديد.

ولعبت هذه المجموعات دور رئيسا من بداية الأزمة الليبية، في ترسيخ الانقسام السياسي والمؤسسي في البلاد، بالإضافة إلى قيامها بأعمال عنف انتخابي عرقل قيام مؤسسات البلاد المعنية بالإشراف على الانتخابات من القيام بدورها بشكل كامل.

ولعبت هذه المجموعات دور رئيسا من بداية الأزمة الليبية، في ترسيخ الانقسام السياسي والمؤسسي في البلاد، بالإضافة إلى قيامها بأعمال عنف انتخابي عرقل قيام مؤسسات البلاد المعنية بالإشراف على الانتخابات من القيام بدورها بشكل كامل.

مشكلة الدراسة:الانفلات الأمني في ليبيا

تعرض مسار العملية السياسية في ليبيا للإجهاض أكثر من مرة، بسبب عدد من العوامل الداخلية والخارجية، كان آخرها العملية الانتقالية التي تديرها الأمم المتحدة حتى الآن، والتي كان يفترض أن تنتهي بانتخابات شعبية في ديسمبر 2021، وكان للمجموعات المسلحة دور رئيسي في عدم الوصول إلى الانتخابات، وهو ما تسبب في إطالة فترة المرحلة الانتقالية، وسط مصير مجهول حتى الآن، لذا تحاول الدراسة قياس الدور الذي لعبته المجموعات المسلحة في إدراة العملية السياسية، كفشل إجراء الانتخابات في موعدها.

أهداف الدراسة : الانفلات الأمني في ليبيا

  •  التعرف على أبرز الجماعات الليبية المسلحة، ودورها في عرقلة العملية السياسية.
  • معرفة الدور الذي حاول ملتقى الحوار السياسي لعبه في إدارة المرحلة الانتقالية.
  • استشراف مستقبل العملية السياسية في ليبيا في ظل وجود المجموعات المسلحة.

تحاول هذه الورقة قياس أثر المجموعات المسلحة على العملية السياسية منذ نوفمبر 2020،  (إطلاق ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس) وحتى ديسمبر 2021 (موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية).

ليبيا دولة عربية تقع في شمال أفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1,760,000 كم²، يحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب، النيجر وتشاد، ومن الشرق مصر، ومن الشمال الغربي تونس، ومن الجنوب الغربي الجزائر، ويبلع تعداد سكانها 7 ملايين نسمة.

أولا: العملية الانتقالية في ليبيا

بالإضافة إلى أربعة عمليات انتقالية سابقة شهدتها البلاد، أعلنت المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، في أكتوبر 2020 عن انعقاد ملتقى للحوار الليبي، يضم 75 عضوا من مختلف التوجهات السياسية في البلاد، وعقدت أول جلسة للمتلتقى من 7 إلى 15 نوفمبر 2020 في العاصمة التونسية، وسبق ذلك اجتماع افتراضي عقد عبر الإنترنت في 7 و 8 نوفمبر واستمرت الاجتماعات مباشرة من 9 إلى 15 نوفمبر.

في ختام الملتقى، توافق أعضاء الملتقى على طرح خارطة طريق جديدة لإجراء انتخابات وطنية وشاملة وديمقراطية وذات مصداقية، وذلك في 24 ديسمبر 2021، بالتزامن مع مرور 70 عاماً على إعلان استقلال ليبيا، في عام 1951، بغرض إنهاء المرحلة الانتقالية واختيار طريق جديد للمضي قدماً. (1)

وانتهت الاجتماعات المتكررة لأعضاء الملتقى إلى إعلان قائمة عبد الحميد الدبيبة ومحمد المنفي لقيادة المرحلة الانتقالية في البلاد، حتى الوصول إلى الانتخابات في موعدها، بموجب انتخابات  داخلية أجريت في فبراير2020، بين عدد من القوائم المتنافسة، والتي تكونت من رئيس للمجلس الرئاسي ونائبان، ورئيس حكومة. (2)

في مطلع مارس 2020 أعلن عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث سلم رئيس الحكومة  المكلف بيان تسليم تشكيلته الحكومية إلى مجلس النواب،  التزاما ببنود خارطة الطريق المحددة في الاتفاق السياسي، وأدى الوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في جلسته التي عقدت في مقره بطبرق، وتعهدوا بالعمل وفق الاتفاق السياسي.

وبالمثل أدى المجلس الرئاسي الليبي الجديد، محمد المنفي، ونائبيه، عبد الله اللافي، وموسى الكوني، اليمين أمام المحكمة الدستورية في طرابلس،  تمهيدا لاستلام السلطة من الحكومتين الموجودتين في الشرق والغرب، لإنهاء الانقسام المؤسسي. (3).

ثانيا: تأثير المجموعات المسلحة  على العملية السياسية في ليبيا

قبل الشروع في  بيان الدور الذي لعبته هذه المجموعات في  مسار العملية السياسية، التي ترعاها الأمم المتحدة، يمكن التعرف على بنية هذه المجموعات وتمركزاتها أولا، بالإضافة إلى توجهاتها السياسية، وأماكن نفوذها وأبرز الداعمين لها.

1- خريطة المجموعات المسلحة في ليبيا

تنتشر غالبية المجموعات المسلحة في ليبيا بالمنطقة الغربية، أو ما يعرف بإقليم طرابلس  الكبرى، بعض التقارير تقول إن العاصمة طرابلس وحدها تضم قرابة 35 ميليشيا، منها ” النواصي، الفاروق، حطين، الدرع الوسطى، درع الزاوية، قوة حماية طرابلس، أبو سليم، الردع،  فرسان جنزور، لواء 444، الزنتان والأمازيغ.(4)

وفي المنطقة الشرقية، تنتشر قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة، خليفة حفتر، والذي أعلن مجلس النواب في 2 مارس 2015، عن تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة الليبية، وترقيته إلى رتبة الفريق.(5)

وتنضم إلى صفوف الجيش عددا من الكتائب المسلحة، التي أعلنت الانخراط فيه والقبول، بقيادة حفتر له، ومنها (كتيبة الدروع،  الدروع2، كتيبة17 فبراير،  كتيبة حسن جابر”.(6)

الجماعات المسلحة الوافدة

يوجد في ليبيا عدد كبير من القوات الأجنبية، بعضها يتبع بشكل مباشر لدول أجنبية، والبعض الآخر مرتزقة ومسلحون يقاتلون مقابل المال، أكثرها على الإطلاق المرتزقة السوريين الذين تم تجنيدهم من قبل السلطات التركية، وبدأت في التوافد وقت القتال ما بين قوات الجيش الوطني وقوات المجموعات المسلحة في الغرب وقدر عددها وقتها بحوالي 18 ألف مقاتل، وفق تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، خرجت منهم أعداد كبيرة بعد إعلان وقف إطلاق النار، في أكتوبر 2020، ليبقي حوالي 6 آلاف مقاتل وفق المرصد ذاته، وتتمركز هذه القوات في الغرب الليبي، وتسيطر على بعض المواقع العسكرية، وتتلقى دعما مباشر من تنظيمات الإسلام السياسي في ليبيا، على رأسها، جماعة الإخوان المسلمين.(7)

بالإضافة إلى السوريين تحدث تقرير للأمم المتحدة صدر في أبريل 2021 لأول مرة عن وجود مجموعات روسية  من تشي في كا فاغنر موجودون في ليبيا منذ أكتوبر 2018، وعدد هؤلاء “لا يتجاوز 800 إلى 1200” وتنتشر هذه المجموعات في الشرق والوسط، وتتعاون مع قوات الجيش الوطني الليبي، وخصوصا في عمليات التدريب، وصيانة السلاح، بالإضافة إلى التدريبات الاستخباراتية. (8)

وفي المقابل تتمركز قوات نظامية تركية في قاعدة مصراتة البحرية، وقاعدة الوطية، ومحيط مطار معيتقة في طرابلس، وهذه القوات تقوم بأعمال التدريب للمجموعات المسلحة المنتشرة في المنطقة الغربية، بمعرفة الاستخبارات التركية، وتعمل هذه القوات بإشراف مباشر من قبل وزارة الدفاع التركية، وينظم العسكريون الأتراك بين الحين والآخر زيارات متكررة لهذه المجموعات، ولا تتدخل المجموعات المسلحة الليبية من قريب أو بعيد في عمل هذه القوات (9)

وفقا لتقارير إعلامية عدة، يوجد في ليبيا  مئات المقاتلين الأفارقة أيضا، وهم موزعون بين الشرق، والغرب، لكن غالبيتهم يتمركزون في الجنوب الليبي، وذلك بسبب عدم ضبط الحدود الليبية الجنوبية مع بلدان الجوار (تشاد، النيجر، السودان) ما جعل قوات من هذه الدول تدخل إلى ليبيا، حيث يوجد حوالي 1000 مقاتل ينتمون إلى مجموعة الجنجويد السودانية، والذين دخلوا إلى ليبيا منذ يوليو 2019، ويتمركزة في الشرق والجنوب.

بالإضافة لذلك تتواجد قوات تابعة لحركة العدل والمساواة السودانية، وتتمركز في الجنوب الغربي، وقوات تابعة لتجمع قوات تحرير السودان، إضافة إلى مجموعات تشادية، تنتمي إلى جبهة “التناوب والوفاق”، ومجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية، واتحاد قوى المقاومة. (10)

وإضافة لكل المجموعات السابقة، توجد مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم داعش والقاعدة، وغيره من التنظيمات إلا أنها غبر فاعلة بشكل كبير ولا تؤثر على العملية السياسية في البلاد، كون التنظيمات الأقرب للمجموعات السياسية، والمتحالفة مع المؤسسات الليبية في الشرق والغرب هي الأكثر فاعلية وتأثيرا على الانتخابات.

المشهد الانتخابي في ليبيا
المشهد الانتخابي في ليبيا

تأثير  المجموعات المسلحة على العملية السياسية

يكاد لا يمر يوم إلا وتتعرض أحد المدن الليبية لهجوم أحد المجموعات المسلحة، خصوصا مدن الغرب وبعض مدن الجنوب، وإن كان الشرق يحظى بهدوء نسبي نظرا لانضمام كافة المجموعات المسلحة فيه تحت لواء القيادة العامة للقوات المسلحة، وعدم جنوح هذه القوات إلى ارتكاب أعمال عنف ضد الأهالي، إلا أن ذلك يحدث في الغرب.

والمتتبع للأخبار يجب أن الفترة التي ترصدها الورقة شهدت أحداث عنف متتابعه، يمكن رصدها من خلال بيانات الإدانة الصادرة عن بعثة الأمم المتحدة، خلال الفترة ذاتها والتي أدانت فيها أعمال المجموعات المسلحة، وكان من بينها البيان الصادر في 3 ديسمبر 2020، والتي رفضت فيه الاعتداء الوحشي الذي تعرض له يوم الأطفال أثناء خروجهم من المدرسة في مدينة العجيلات (غرب)، والذي أودى بحياة الطفل مصعب جمعة ضوء بن مسعود البالغ من العمر 16 عاماً وإصابة طفلين آخرين، جميعهم كانوا في زيهم المدرسي. (11)

بعدها بأيام وفي ديسمبر نفسه أدانت البعثة التهديدات الأخيرة التي وجهتها جماعات مسلحة ضد المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط التابعة لها.

وقالت البعثة  إن المؤسسة الوطنية للنفط هي مؤسسة موحدة مستقلة وغير سياسية، ويجب أن تظل كذلك، تعمل لصالح جميع الليبيين.  قد تشكل هذه الأعمال انتهاكًا لقرارات مجلس الأمن الدولي ويمكن أن يتعرض المسؤولون عنها لعقوبات. (12)

ولم يقف الأمر على حد الهجوم العشوائي المسلح لكن تعرض مسؤولين بارزين في حكومة الوحدة الوطنية للاختطاف من قبل المجموعات المسلحة في طرابلس، إذ أدانت البعثة في أغسطس 2021، اختطاف  رضا فرج الفريطيس، مدير مكتب النائب الأول لرئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية، بعدما اختطف من قبل مسلحين مجهولين عقب زيارته لمقر حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.

ولم تكن هذه هي حالة الاختطاف الأولى بل سبقها كثير منهم موظفون حكوميون اختطفوا من قبل المجموعات المسلحة، وبعض القضاء ونشطاء المجتمع المدني، كما أقدمت المجموعات المسلحة على غلق بعض بوابات العبور من وإلى المدن الليبية للضغط على الحكومة لدفع اموال لها، وهو ما رصدته بيانات البعثة التي عبرت مرارا عن بالغ القلق إزاء تعرض الأفراد الذين كان لهم دور في دعم التحول الديمقراطي في ليبيا ومؤسسات الدولة للاستهداف من قبل المسلحين، وهو ما وصفته بانه سيكون له  تداعيات خطيرة على عملية السلام والمصالحة وعلى توحيد المؤسسات الوطنية بشكل كامل. (13)

ووثقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عدداً من حالات الاعتقال والاحتجاز غير القانونيين والاختفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء لمواطنين ومسؤولين وصحفيين وأعضاء في المجتمع المدني ومدافعين عن حقوق الإنسان في العام الماضي. (14)

ليس هذ فحسب بل أدانت البعثة أيضا في 17 أغسطس 2021 إغلاق عناصر مسلحة للفرع الشرقي للنهر الصناعي، والذي وصفته وقتها بأنه  يشكل تهديداً  للأمن المائي لملايين الليبيين وينذر بحدوث أزمة إنسانية.

وقالت البعثة في ذلك الوقت إن أية إعاقة للبنى التحتية الحيوية مثل النهر الصناعي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو أمر مرفوض وينبغي إدانته خاصة عندما يتم استخدامه للابتزاز  بغية الحصول على مكاسب سياسية. وتشكل هذه الأفعال غير المبررة شكلاً من أشكال العقاب الجماعي للمواطنين، ويتعين مقاضاة جميع مرتكبيها بأقصى حد يسمح به القانون. (15)

وانتقلت الأعمال العسكرية لما بين المجموعات المسلحة في الغرب حيث شهدت مدن صبراتة والعجيلات والزاوية وطرابلس اشتباكات بالأسلحة الثقيلة وسط الأحياء السكنية، كان أبرزها الاشتباطات التي وقعت بين قوى عسكرية في طرابلس، بطريق المطار، وفي معسكر التكبالي، والهجوم على مقرات بعض الوزرات والهيئات الرقابية، والفنادق التي تقيم فيها الوفود الحكومية، وهو ما دعا المجلس الرئاسي (القائد الأعلى للجيش الليبي) إلى الدعوة لوقف الاشتباكات في العاصمة طرابلس على الفور.

وأصدر المجلس  أمرا لكل القوات التي اشتركت في الاشتباكات، والتي في حالة اشتباك بالتوقف الفوري، والعودة إلى مقراتها وثكناتها دون تأخير .

محمد المنفي ليبيا

كما أمر المنفي رئيس الأركان العامة للجيش الليبي باتخاذ الإجراءات الفورية حيال آمري تلك القوات التي حصلت بينها الاشتباكات، وممارسة ما يخوله له القانون من صلاحيات تحقق السيطرة على الموقف، وإبلاغ القيادة العليا للجيش بأي إجراء يتم اتخاذه. (16)

ورغم صدور هذه الأوامر لم تتوقف حالة الانفلات الأمني في البلاد بل تعرضت مقرات المفوضية العامة للانتخابات للهجوم من قبل مجموعات مدنية ومسلحين في مدن الزاوية وصبراتة وطرابلس وأم صرمان والعجيلات وغيرها للهجوم من قبل هذه المجموعات ومنع الموظفين التابعين للمفوضية من القيام بدورهم بعد إغلاق المقرات في وجه المرشحين للرئسة لمنعهم من تقديم أوراقهم. (17)

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل توافد العشرات مرارا خلال أيام عمل المفوضية العليا للانتخابات أمام مقرها الرئيسي في طرابلس، في محاولة لعرقلة عملهم، حتى أن البعض أن أعلن الاعتصام داخل المقر، وسط حماية المجموعات المسلحة لمثل هذه الممارسات، وهو ما أدانته البعثات الدبلوماسية في البلاد، والبعثة الأممية.

وفي المقابل حاصرت مجموعة مسلحة مقر محكمة الاستئناف في مدينة سبها (جنوب) لمنع المرشح سيف القذافي من التقدم بطعن على استبعاده من قائمة المرشحين المبدئية، ومع الضغوط سمح لمحاميه بالتقدم بالطعن وحكمت المحكمة لصالحه بالفعل.

وتعقيبا على هذه الأحداث،  عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن متابعتها بقلق بالغ استمرار إغلاق محكمة الاستئناف في مدينة سبها، بالإضافة إلى ورود تقارير حول توجيه تهديدات ضد القضاء.

وذكرت البعثة الأممية -في بيان لها وقتها، أن مجموعة مسلحة -يُزعم أنها تنتمي إلى القوات التي تسيطر على سبها، قامت بعرقلة عمل المحكمة في سبها مجدداً، ومنع القضاة من الحضور شخصياً لأداء الواجبات المنوطة بهم قانوناً؛ مما يعيق وبشكل مباشر العملية الانتخابية.

وأبدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا انزعاجها الشديد إزاء التقارير المتزايدة عن الترهيب والتهديد ضد القضاة والموظفين في السلك القضائي، ولا سيما أولئك الذين يتعاملون مع الشكاوى المتعلقة بالانتخابات، وضد المرشحين أيضاً، في عدد من المناطق في ليبيا، كما أنها تدين بشدة جميع الأعمال التي تخل بنزاهة العملية الانتخابية وتؤدي إلى منع الليبيين من ممارسة حقوقهم الديمقراطية بأمان وكرامة.

وأوضحت البعثة أن جميع الأطراف المنخرطة في عرقلة نظام العدالة سوف تخضع للمسؤولية الجنائية بموجب القانون الليبي وقد تخضع لعقوبات وفقاً لقرارات مجلس الأمن الأممي ذات الصلة، مجددة الدعوة للأطراف والسلطات المعنية باتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لتسهيل عمل النظام القضائي مع الاحترام الكامل لاستقلاليته. (18)

من خلال تتبيع الأحداث التي سبق سردها تبين أن المجموعات المسلحة عملت منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار، وبدء إطلاق عملية سياسية جديدة، على تقويد هذه العملية وعرقلة أي تقدم يحصل فيها، خصوصا على المستويات الكبرى، وعدم المساح إلا بتمرير القرارات التي لن تأتي على نفوذ هذه المجموعات المسلحة، خصوصا في المنطقة الغربية، التي كانت ولا تزال حتى كتابة هذه السطور عرضة للانفلات الأمني الممنهج.

وتظهر العرقلة العلنية لعمل اللجان المتخصصة المعنية بتنفيذ الاتفاق، فحتى الآن لم يتسطيع أفراد الصراع زيارة مناطق بعضهم على الرغم من انتهاء الفترة الانتقالية التي كان يفترض أن تنتهي بالانتخابات في 24 ديسمبر 2021، إلا أن الانتخابات لم تجر، وعطلت في منتصفها، ولم تعلن مفوضية الانتخابات قوائم المرشحين للرئاسة، خوفا من تفجير الأوضاع في ظل التخوف من العودة السريعة للقتال مرة أخرى.

وقبيل انعقاد الانتخابات شهدت المنطقة الغربية تحركات واسعة من قبل المجموعات المسلحة التابعة للمجلس الرئاسي، والأخرى التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، والذين انخرطوا في اشتباكات مسلحة مرارا، وسط تنديد دولي بهذه العرقلة وتوعد بفرض عقوبات على منفذيها.

وهذه الحالة كانت ظاهرة من البداية بعد أن رفض المجموعات المسلحة، فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها، ولولا التدخلات الدولية وتهديد اللجنة العسكرية المشتركة، وهي إحدى لجان العملية الانتقالية المكلفة بتوحيد المؤسسة العسكرية، بإحالة المعرقلين للقضاء، وفرض عقوبات عليهم لم يكن الطريق ليفتح.

ففي 30 أبريل 2021 هددت اللجنة العسكرية بكشف معرقلي فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب والأسباب المؤدية إلى ذلك لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك بحسب البيان الختامي لاجتماعات اللجنة.

وأكدت اللجنة العسكرية في بيان أنها تواصلت مع السلطة التنفيذية لتذليل آخر الصعوبات التي تعيق فتح الطريق، وتم اقتراح حلول مناسبة لهذه الغاية، مشيرة إلى اختيارها القوة العسكرية المشتركة، وتكليفها ببدء تنفيذ المهام المكلفة بها، وتحديد مقر لقيادتها في سرت، على أن تتمركز في المنطقتين المحددتين من قبل اللجنة.(19)

ثالثا: المرتزقة معضلة في مسيرة الاستقرار السياسي

على الرغم من السرد السابق لموقف وتحركات المجموعات المسلحة في المدن الليبية لاسيما في الغرب، الذي يتخذ مكانة أكبر كونه يحتضن العاصمة طرابلس، وفيه مقرات غالبية مؤسسات الحكم، إلا أن الملاحظ أن المجموعات المسلحة المحلية ليس وحدها التي تمثل تحديا في طريق المسار السياسي وتضع العراقيل أمام االحلول السياسية التي يدعمها المجتمع الدولي، فتأتي قضية المرتزقة لتمثل عبء جديد يضاف للأزمة الأمنية في البلاد، كونهم يتمركزون في مناطق حيوية، ويمتلكون أسلحة ومعدات قد تسبب في إفشال العملية السياسية كلها.

وعلى الرغم من جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في محاولات إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والتي توجت في 6 أكتوبر 2021، بوضع خطة كاملة لخروج المرتزقة الاجانب من البلاد، عبر اجتماعات أشرفت عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وذلك بناءً على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 أكتوبر 2020 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. (20)

وتضمنت الخطة الخروج المتزامن لجميع المقاتلين في البلاد بخطة زمنية محددة، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من عقد اللجنة العسكرية لاجتماعات في القاهرة مع دول الجوار الجنوبي (النيجر وتشاد والسودان) في مصر لتنسيق خروج القوات التابعة لهذ البلدان من ليبيا، وهو الاجتماع الذي لقي اشادات وترحيب واسع على المستوى الداخلي والدولي. (21)

ولم تكتف اللجنة العسكرية بذلك بل نظمت زيارة لك من روسيا وتركيا على التوالي للتفاوض مع الدولتين لسحب  المرتزقة التابعين لكل منهم من البلاد بشكل كامل، إلا أن المسعى لم يتحقق حتى الآن، وسط تلاعب كبير وتسويف من الأطراف المسؤولة عن ملف المرتزقة خصوصا الأطراف الدولية.

وبذلك يكون المرتزقة والمجموعات المسلحة من أبرز المعوقات التي تعرقل المسار السياسي في ليبيا على المستوى الداخلي، مع عدم إغفال عنصر التدخل الخارجي المرتبط بهذه المجموعات، والذي غالبا ما يدعم المجوعات المسلحة المحلية والأجانب بالمال والسلاح والعتاد العسكري.

رابعا: مستقبل العملية السياسية في ظل وجود المجموعات المسلحة

 

على الرغم من كثرة الاجتماعات التي شهدتها الأراضي الليبية، على مدار مدة الدراسة، في محاولة للبحث عن حلول جذرية لمشكلة المجموعات المسلحة، من خلال جهود لجنة 5+5 والتي تتمثل في سرعة توحيد المؤسسة العسكرية، وتفكيك الميليشيات المسلحة، وإعادة دمجها، إلا أن جهود كل هذه التحركات لم تؤتي ثمارها على الأرض حتى الآن، وذلك لعدة أسباب هي:

  1. وجود داعيمن على المستوى المحلي والدولي لهذه المجموعات المسلحة.
  2. امتلاك هذه المجموعات المسلحة خصوصا المنتشرة في الغرب والجنوب لترسانة أسلحة كبيرة.
  3. حالة الانقسام السياسي الكبير الذي يوفر بيئة خصبة لتنامي نفوذ هذه الجماعات.
  4. غياب تام لمؤسسات الدولة، المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية، خصوصا وأن رئيس الحكومة احتفظ بمنصب وزير الدفاع ومع ذلك لا تستطيع الحكومة تمرير أمر مخالف لرغبة الميليشيات.

كل هذه العوامل ساعدت بشكل أو بآخر في تنامي ظاهر الميليشيات، وتعزيز فكرة فشل الدولة ومؤسساتها بسبب الصراع الأهلى الذي امتد على مدار أكثر من 10 سنوات ولم ينتهى حتى الآن، بل هو مرشح للتجدد في أي وقت تجد فيه أي مجموع من المسلحين أنها ستفقد نفوذها، لذا فإن هناك عدد من السيناريوهات يجب التعرف عليها لاستشراف مستقبل العملية السياسية التي أجلت من جديد.

خامسا: سيناريوهات العملية السياسية في ليبيا

يمكن استشراف ثلاث سيناريوهات مستقبلية من المتوقع حدوث أي منها خلال الشهور المقبلة، سنرتبها وفقا لاحتمالية حدوثها.

السيناريو الأول

من المتوقع بشكل كبير تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والانخراط في عملية انتقالية جديدة في البلاد، لكن حتى الآن من غير المعلوم من هم أطراف هذه العملية، وإن كان بعضهم بدأت تتحدث عنه التقارير الإعلامية،  ووفق هذا التصور سيكون هناك توافق بين قوى عسكرية تنتمى إلى المنطقة الغربية، مع الكلتة الموجودة في الشرق المتمثلة في الجيش الوطني الليبي، والقيادة العامة، وهذه المجموعات في حال تحالفها ودعمها للسلطة الجديدة التي تحظى بشرعية مجلس النواب، والمجتمع الدولي، ربما تتحرك لفرض سيطرتها على كامل التراب الليبي، وقد يعرقل هذا السيناريو وجود أطراف دولية قد لا ترغب في قيام مثل هذا التحالف، خصوصا تركيا التي ترفض سحب مجموعاتها المسلحة أو مقاتليها الأجانب والمرتزقة التابعين لها، لكن زيادة الضغوط على الاقتصاد التركي في الداخل قد تساهم في تمرير مثل هذا السيناريو.

السيناريو الثاني

يتمثل السيناريو الثاني في التمديد لحكومة الوحدة الوطنية، عدة أشهر، على أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الربع الأول من العام الجديد، بعد إعادة التوافق حول القاعدة الدستورية للانتخابات، لكن ذلك لا يمكن حدوثه في حال أصر الطرف المنتمي للمنطقة الغربية على وضع قوانين تقضي بإقصاء المرشحين المنتمين للمنطقة الشرقية، وخصوصا القائد العام خليفة حفتر، وعقيلة صالح.

السيناريو الثالث

يتمثل السيناريو الثالث في بقاء الوضع كما هو عليه حاليا دون تغيير، مع استصدار قرار من البرلمان بأن حكومة الوحدة الوطنية ستكون حكومة تسيير أعمال، والبدء أولا في الإعداد لدستور جديد للبلاد، ثم يتم دعوة الناخبين للتصويت عليه، ويتم بناء على هذا الدستور إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق القواعد التي يقرها الدستور، وهو مطلب لبعض القوى السياسية الموجودة في الغرب وإن كان يصعب تنفيذه حاليا.

ويرى الباحث أن السيناريو الأول المتمثل في مرحلة انتقالية جديدة، يكون المشرفين عليها أشخاصا جدد غير ممثلين في الحكومة الحالية، خصوصا وأن البعثة الأممية لم تستدع ملتقى الحوار السياسي للانعقاد، على الرغم من الدعوات المتكررة لذلك، وهو ما يعني أن البعثة لا تنوى الاعتماد على الملتقى من جديد في المرحلة المقبلة، خصوصا وأن أعضائه فشلوا مرارا في التوافق حول القواعد القانونية للانتخابات، كما فشلوا أيضا في كافة المشروعات السياسية التي كلفوا بها بسبب الخلافات التي عصفت بالملتقى منذ اليوم الأول لانعقاده في تونس العاصمة.

سادسا: نتائج الدراسة

بعد الاستعراض السابق يمكن القول أن المجموعات المسلحة لعبت دورا رئيسا في عرقلة الانتخابات الليبية، وكانت أحد  الأسباب الرئيسة في فشل العملية الانتقالية الأخيرة التي أطلقتها الأمم المتحدة منتصف 2020، منذ بدء مشاورات الهدنة، ووقف إطلاق النار، إلا أن تمسك المجموعات المسلحة كل بما في يده تسبب في إخفاق العملية السياسية، والبدء في فترة انتقالية سادسة، لم تتضح ملامحها بعد، لكن الأكيد أن طرفاها سيكون أحدهما من الشرق والآخر من الغرب، وثالث من الجنوب، غالبا سيكونوا من المؤثرين داخل المجموعات المسلحة.

ويمكن القول إن فكرة إعادة إدماج المجموعات المسلحة لم تنجح في الغرب، والتي قامت بها حكومة الوفاق المنتهية، فكل المجموعات التي أدمجتها الحكومة قبل حلها من قبل المجتمع الدولي، لا تزال خارج سيطرة الدولة، وتخضع بشكل مباشر لقادتها، ولا تملك الحكومة أي سلطة عليها، هذا الأمر امتد إلى حكومة الوحدة الوطنية الحالية، والمجلس الرئاسي، الذي لا يستطيع هو الآخر تمرير أي قرارات على هذه المجموعات، وبالتالي يستحيل إجراء الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها هذه المجموعات، خصوصا إذا كان المرشح من الطرف المنافس لهذه المجموعات.

على عكس ذلك تماما نجحت فكرة إدماج المجموعات المسلحة في الشرق، حيث أن الجيش الوطني الليبي قبل تكوينه في 2014، كان عبارة عن مجموعات مسلحة متناثرة تجمعت تحت لواء خليفة حفتر لمحاربة المجموعات المتطرفة في الشرق، ونجحت في تحرير كافة مدن الشرق والوجنوب من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، وتنظيم مجلس شورى بنغازي، الذي أعلن إمارته في المنطقة الشرقية.

كذلك من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها لتفكيك هذه المجموعات، هو وجود تحالف مسلح قوى في الداخل، بالإضافة إلى رفع الغطاء والدعم الدولي عن بعض هذه المجموعات الموجودة في الغرب، حتى تتمكن السلطة الجديدة التي يمكن تكليفها بضبط الأمور في 2022، من بسط نفوذها على كافة التراب الليبي.

قائمة المراجع:

1- انطلاق ملتقى الحوار السياسي الليبي، بعثة الأمم  المتحدة للدعم في ليبيا، على الرابط (https://cutt.us/JjpG2)

2-المصري اليوم، فوز «المنفى» و«دبيبة» في انتخابات السلطة الليبية، 5/2/2021، على رابط(https://cutt.us/1bdn9)

3- دويتش فيله، الحكومة الليبية تؤدى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، 15/3/2021، على رابط (https://cutt.us/igYyX)

4-  وليد عبدالهادي العويمر ومصطفى محمد عمر سعد، أثر الجماعات المسلحة على التحول الديمقراطي في ليبيا، جملة دراسات الإنسان والمجتمع، العدد 15، ص 21و13.

5- رئيس البرلمان الليبي يعلن تعيين الفريق خليفة حفتر قائدا للجيش، فرنس 24،نشرت في: 02/03/2015، على رابط (https://cutt.us/Yeu68)

6- وليد عبدالهادي العويمر ومصطفى محمد عمر سعد، مرجع سبق ذكره.

7 – المرصد السوري لحقوق الإنسان، 18 ألف مرتزقة سوري في ليبيا، 18/11/2020، على رابط (https://cutt.us/gCSHd)

8- ليبيا: تقرير للأمم المتحدة يؤكد وجود مرتزقة روس وسوريين لدعم المشير حفتر، فرانس 24، 07/05/2020 ، على رابط (https://cutt.us/zEYFI)

9- مؤتمر صحفي لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار من ليبيا، العربية الحدث، 12/6/2021 على رابط (https://cutt.us/imbpf)

 10 دول تبدي استعدادها لسحب مواطنيها المرتزقة من ليبيا، العين، 2021/11/1، على رابط ( https://cutt.us/CuWye)

11- بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان حول أحداث العجيلات، 3/12/2020، على رابط ( https://cutt.us/MQCUP)

12 – بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان إدانة الاعتداء على مؤسسة النفط، 17/12/2020، رابط (https://cutt.us/1eJDS)

13-  بعثة الأمم المتحدة في لبيا، بيان اختطاف مسؤول حكومي، 10/8/2021، على رابط (https://cutt.us/lIykr)

 14- بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان اختطاف مسؤول حكومي، مرجع سابق

15- بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان الاعتداء على النهر الصناعي، 17/8/2021، على رابط (https://cutt.us/ON5Oa)

16- المجلس الرئاسي، بيان رقم 55، 3/9/2021، طرابلس

17-  فرنس 24، إغلاق مراكز انتخابية غرب ليبيا احتجاجا على ترشح سيف الإسلام القذافي، على رابط (https://cutt.us/e2h7E).

18- بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان حصار محكمة سبها، 2/12/2021، على رابط (https://cutt.us/9HxGJ)

19- اللجنة العسكرية المشتركة، بيان معرقلي فتح الطريق، على رابط (https://cutt.us/moqyT)

20- بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بيان خطة خروج المرتزقة، جنيف، 6/10/2021، رابط (https://cutt.us/8tYH3)

21- بعثة الأمم المتحدة في لبيا، بيان اجتماع لجنة 5+5 في القاهرة، 5/11/2021، على رابط (https://cutt.us/HxEH0)

 

بعد ان تناولنا موضوع الانفلات الأمني في ليبيا يمكنك قراءة ايضا

عبد الغني دياب يكتب.. الليبيون يموتون مرتين 

الدكتور فكري سليم يكتب..  الدستور الإيراني والشؤون الداخلية للدول

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى