رأي

محمد أرسلان علي يكتب.. سيناريوهات الانتخابات ومصير تركيا وأردوغان

كل الانظار متجهة لما ستؤول إليه الانتخابات التركية بعد أيام عدة، لِما سيكون لها من تأثيرات على الداخل التركي محلياً وخارجه إقليمياً ودولياً. الرئيس التركي أردوغان الذي دخل عرش التمسك بالسلطة في تركيا منذ العقدين حتى الآن، يسعى أن يغادرها بعد الاحتفال بمئوية تشكل تركيا واستعادة الحدود الضائعة أو المسلوبة منذ الحرب الكونية الأولى، وفق تصور المسؤولين الترك وأردوغان، والوصول بتركيا لحدودها في الميثاق المللي والتي تشمل الشمالين، السوري والعراقي.

اردوغان الذي عمل على تحويل تركيا العلمانية والتي يقودها الجيش، والتي تعتبر إرث مؤسسها مصطفى كمال (أتاتورك)، ولا يمكن لأحد أن يتقرب من تلك المقدسات التي نشأ عليها الشعب التركي، من خلال عقلية الاستعلاء العرق الطوراني على باقي القوميات والشعوب التي كانت تعيش على أرض تركيا عند التأسيس. فكانت المجازر بحق الشعوب الارمنية والكردية واليونانية والرومية وغيرها الكثير، التي عمل على هندسة تركيا من جديد وتقديمها للعالم على أن تركيا هي موطن العرق التركي فقط، وكل ما هو غير تركي، إذا أراد فليذهب حيثما يشاء، أو أن يقبل بهندسة التتريك التي قامت على قدم وساق طيلة مرحلة تشكل تركيا.

مجيء اردوغان كان انقلاباً على المتعارف عليه في علمانية تركيا وتوجهها الغربي ومحاولات انضمامها للنادي الاوروبي، والتي فشلت فيه رغم كل الوعود المقدمة إليها. أردوغان أراد أن يغير من هذه البوصلة ويتجه شرقاً نحو أوراسيا على أساس أن العمق التاريخي والجغرافي لهم يبدأ من منغوليا والصين والدول الناطقة بالتركية على حدودها الشمالية الشرقية، وأطلق عليها اردوغان تحالف “الآمة التركية”. محاولات ومساعي يحاول فيها اردوغان في ايجاد هوية لتركيا التائهة ما بين الشرقية الدينية والغربية العلمانية.

البراغماتية الاردوغانية كانت الأساس في العقد الأخير في تحويل تركيا لبؤرة شد وجذب محلي واقليمي ودولي، وأراد من خلال هذه البراغماتية ايجاد موطئ قدم لتركيا في الساحة الاقليمية والدولية والخروج من المستوى الجواني المحلي. ظاهرة اللعب على كافة الحبال التي برع فيها اردوغان بشكل كبير ومن دون منافس، حيث تركيا العضو في حلف الناتو هي نفسها حليفة روسيا، وتركيا العلمانية باتت محطة لاستقبال وتوزيع المرتزقة والارهابيين الاسلامويين من وإلى الكثير من الدول. مناكفاته لامريكا واستفزازاته لأوروبا بورقة اللاجئين كلها ملفات كان يتم تجميعها ليوم معلوم. حالة الخطاب الشعبوي القومجي والديني كان الأساس الذي ينطلق منه أردوغان في مقارباته وتقرباته من كافة الأمور الشائكة في المنطقة.

احتلال مناطق في شمالي سوريا وشمالي العراق وفي ليبيا وارسال المرتزقة إلى أرمينيا وأوكرانيا والتواجد الاقتصادي أو العسكري أو الأمني في قطر والسودان والصومال وغيرها من الدول، منحت أردوغان حيز كبير كي يلعب في هذه الميادين، إن كان لمخططات واطماع تركية أو تنفيذاً لتوجيهات يتلقاها كحالة وظيفية يقوم بها أو الاثنين معاً. هذا الحيز الكبير اعطى أردوغان ميزات ايجابي استطاع من خلالها ان يفرض نفسه كعامل مؤثر في الأحداث الجارية في المنطقة وأنه لا يمكن حل أي مشكلة بعيداً عن السياسات التركية وبهذا الشكل أراد أن تكون تركيا قوة يحسب لها حساب في المعادلات والاصطفافات الاقليمية والدولية، وبنفس الوقت كانت ميزة سلبية رفعت من حالة عدم الرضى من هذا التغول والانتشار التركي في كل تلك الدول والاماكن، بغض النظر عن الأهداف والنوايا. حيث كانت الشكوك والريبة تلاحق اردوغان في أهدافه ونيته من هذا الانتشار، حتى بات منبوذاً من كثير من الشعوب ودول المنطقة نتيجة أعماله تلك.

المونديال القطري والزلزال وما لحقها من مصطلحات جديدة أراد منها أردوغان الخروج من المستنقع الذي وضع نفسه فيه، وكأنها جاءت من السماء له كهدية وحبل نجاة. فكانت دبلوماسية المونديال التي منحته اللقطة وكذلك دبلوماسية الزلزال التي منحته الكثير من المساعدات والدعوات والسلامات من الخصوم والاعداء.

كان كل ذلك على الصعيد الاقليمي والدولي، ولكن محلياً، يقض الفشل تلوا الفشل مضاجع اردوغان من كافة النواحي، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والمعيشية من جهة. ومن جهة أخرى كانت نقمة الجيش والمنطق العلماني يلاحق اردوغان في كل خطوة يخطوها بعدما عمل على اسلمة تركيا وابعادها عن العلمنة وتحييد الجيش من العمل السياسي بشكل ما. أما القضية الكبرى التي تلاحق اردوغان هي القضية الكردية التي كانت وستبقى هاجس أي حكومة أو رئيس تركي، طالما فكر في حلها بالطرق الأمنية والعسكرية، بعيداً عن الاعتراف بأن ثمة قضية كردية في تركيا ولا يمكن حلها سوى بالحوار والتفاهم وفق اسلوب ديمقراطي، بعيداً عن الاستعلاء والمجازر والقتل والحروب. احتلاله لشمالي سوريا والعراق كان تحت حجة محاربة الكرد، والحقيقة هي احتلال مناطق وضمها لتركيا. استخدامه للأسلحة المحرمة دولياً مثل النابالم والفوسفورية واليورانيوم المنضب والكيمياوية، لم تنتشل اردوغان من مستنقع الفشل والهزيمة تجاه مطالب الكرد في حقهم في العيش الكريم.

في ظِل هذا الكم الهائل من القضايا والمشاكل الشائكة يدخل اردوغان الانتخابات وأمله الوحيد هو النجاح فيها ليكون الزعيم الثاني لباني تركيا بعد أتاتورك. هو خيار واحد فقط لا غير أمام أردوغان وهو الفوز بالانتخابات مهما كان الثمن أو الاسلوب أو الطريقة. لأن عكس ذلك سيكون مصير اردوغان مجهول تماماً. ويمكن رسم سيناريوهات عدة لما ستؤول إليه الانتخابات التي ينظر إليها وينتظرها الكل المعني بالمنطقة.

  • السيناريو الأول: اردوغان وبتحالفه مع حزب الحركة القومية وحزب هدى بار الاسلاموي (حزب الله التركي)، واستثماره للنجاح في اخذ بعض اللقطات والصور (مصر وسوريا وبعض دول الخليج) وتوعده في إعادة علاقات تركيا مع دول الجوار والاقليم وارجاعها لحالة من صفر مشاكل، وكذلك استثمار علاقاته التي تحولت إلى شخصية مع بوتين لمساعدته والفوز في الانتخابات. ولربما إن رأى أردوغان أن هذه العوامل لن تنفعه، يعطي توجيهات مباشرة أو غير مباشرة ببعض التفجيرات او الاغتيالات لشخصيات مهمة يستثمرها اردوغان في الانتخابات او حتى القيام باحتلال مناطق ويحولها لنصر كبير، بعد استثمارها بخطاب شعبوي قومجي ويدني يدغدغ بها عواطف الناخبين. وهذا السيناريو محتمل ولكن نسبته قليلة نوعا ما نتيجة التوازنات التي اختلفت عن الانتخابات التركية السابقة التي استثمرها اردوغان بهذا الاسلوب في عام 2015 والتفجيرات التي حصلت في بعض المناطق واتهام داعش بها والتي منها عمل على إعادة الانتخابات وتثبيت نجاحه فيها.
  • السيناريو الثاني: تحالف احزاب المعارضة الستة وانضمام التحالف الكردي لحزب الشعوب الديمقراطية لهم في تصويتهم لكمال قلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، سيشكل ضغط كبير جداً على اردوغان وهو ما يخشاه بكل معنى الكلمة. ولهذا نراه يتهم قلجدار اوغلو بانه تحالف مع الارهابيين (يقصد حزب الشعوب الديمقراطية طبعاً) وأنه من اصول علوية وكردية، ويعني اردوغان بهذه الاتهامات لقلجدار اوغلو أنه يلعب بالوتر الديني (أنه علوي) وكردي (اصول قلجدار اوغلو من ديرسم الكردية). وهو وتر لطالما كان يلعب عليه اردوغان في كافة الانتخابات التي تحصل في تركيا. وهذا التحالف لربما لن يسمح لاردوغان في النجاح من الجولة الاولى وليعقبها جولات أخرى. وربما تفضي بالنهاية إلى نجاح أردوغان كرئيس لتركيا، ولكنه سيخسر البرلمان نتيجة تحالف المعارضة مع بعضها. وهذا يعني أنه سيكون ثمة أردوغان ولكن مقصوص الجناح وفاقد للكاريزما والسلطة والهيمنة على البرلمان، وهو ما يتمناه الكل من قوى اقليمية ودولية. والذين لا يريدون أن يذهب اردوغان لان الكل يلعب به وفق مصالحه. إن كانت روسيا أو امريكا أو الصين وحتى الدول العربية. يعني أن يبقى رئيس معتوه وفاقد للاحترام والقوة على العرش التركي أفضل من يأتي جديد وقوي.
  • السيناريو الاخير والخطير: هو أن تفضي الانتخابات عن خسارة أردوغان للبرلمان والرئاسة، حينها بكل تأكيد لن يسلم أردوغان مفاتيح القصر البيضاوي الرئاسي الذي بناه كي يحتفل فيه بمرور مائة عام على تشكيل تركيا على الطريقة العثمانية باسلوب السلاطين. لن يترك هذا القصر لمنافسه مهما كان الثمن، وهنا تكمن الخيارات المحدودة أمام أردوغان وهي؛ إما العمل على إعادة الانتخابات بحجج واهية وكثيرة أو القيام بعسكرة المجتمع وهو ما فعله في مسرحية الانقلاب الاخير في 2016.

وفي هذه الحالة سنكون وجهاً لوجه أمام سورنة أو عرقنة أو سودنة تركيا. وهو ما سيحول تركيا لجحيم على الجميع وتشهد حالة التقسيم كما العراق وسورريا وليببيا. خاصة أن اردوغان ومنذ توليه الحكم عمل حساب هذا اليوم وقام بعمل جيش موازي وكذلك شرطة وأمن موازي وكله ملتحي ومتأسلم وسيستثمر بالارهابيين والمرتزقة الذين كان يسمنهم ويرعاهم لمثل هذا اليوم. وينقلب السحر على الساحر. ويتشفى كل من لاقى الظلم من اردوغان لما ستراه هي بنفسها.

الجميع يتمنى الخير للشعب التركي وألا يعيش ما عاشته الشعوب الجارة جراء سياسات أردوغان من قتل وتهجير وتدمير. ولكن التمني شيء وما ستؤول إليه الأحداث شيء آخر. ليبقى الأمل هو سيد الموقف في حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى