الرئيسيةرأي

د. أحمد فؤاد أنور  يكتب.. الدور الإسرائيلي في المشهد الأوكراني

الزيارة "السرية العلنية".. الأسباب والدوافع

تتداخل في المشهد الأوكراني عوامل خارجية كثيرة وحسابات معقدة تتقاطع بعضها مع المخططات الإسرائيلية بشكل أو بآخر، وهي ظاهرة تستحق الرصد والتحليل للوقوف على أبعادها وتداعيتها، خاصة بعد أن تم نزع السرية بسرعة فائقة عن زيارة “سرية” قام بها السبت الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت لموسكو كأول “ممثل للغرب” يزور بوتين بعد عدة اتصالات هاتفية من قادة غربيين أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

بداية يجدر بنا التوضيح أن لتل أبيب موقفا متحفظا يعكس حالة من التوجس والتخوف إزاء غضب الدب الروسي خاصة وقد وضع قدميه بقوة في المياه الدافئة، بل وسيّر مؤخرا ولأول مرة دوريات جوية مشتركة مع المقاتلات السورية بطول حدود الجولان المحتل.. وكأنه يضع قواعد جديدة للعبة التي كان من غير المسموح فيها ولسنوات للجيش السوري بتشغيل رادارات تسعى لمجرد رصد وتعقب الطيران الإسرائيلي المُغير مرارا على أهداف داخل العمق السوري.

وقد عبر عن التخوف الإسرائيلي تملص تل أبيب من التوقيع مع عشرات الدول على عريضة لمجلس الأمن بشأن التدخل الروسي في أوكرانيا وإدانته، تل أبيب لم ترد بالسلب أو الإيجاب على الإلحاح الأمريكي على التوقيع، لكن في النهاية مر الوقت دون أن تنضم إسرائيل للقائمة التي تجاوزت 80 دولة. ثم أتت محطة ذات دلالة حين استبعد وزير الخارجية المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة ورفض أن يلقي كلمة إسرائيل مكتفيا بأن يقوم بالمهمة ضد روسيا نائب المندوب. ويضاف إلى هذا أنه في حين أدانت الخارجية الإسرائيلية العملية الروسية في أوكرانيا تهرب نفتالي بينت من أية إدانة أو حتى توجيه اتهام صريح لروسيا في هذا الصدد.

ويمكن تفسير المواقف الإسرائيلية من خلال الإحالة إلى حقيقة وجود أكثر من مليون إسرائيلي من أصول روسية لديهم وضعية معقدة في إسرائيل، فهم من ناحية يشعرون بالعنصرية في طقوس الدفن وفي الزواج والطلاق، وكذلك تدوين حالتهم في بطاقة الهوية، ومن ناحية أخرى يشعر قطاع عريض منهم بأنهم تسرعوا بالهجرة لإسرائيل مدفوعين بدعاية وأسباب اقتصادية محضة.. ثم سرعان ما تبين أن الحسابات كانت ضيقة وأن الاقتصاد الروسي تحسن، في حين عانى عدد كبير منهم من شظف العيش خاصة وأنهم اضطروا لتقديم تنازلات كثيرة بعد وصولهم لإسرائيل، منها تولي وظائف لا تليق بمؤهلاتهم وخبراتهم. وهذا يعني أن وجود أعداد كبيرة داخل إسرائيل من أصول روسية وملاحظة أن بعضهم عاد بالفعل لروسيا وبعضهم متردد لا يقيم بشكل مستقر ودائم لا في روسيا ولا في إسرائيل يوفر قدرة لكل طرف على التأثير وربما اختراق الجانب الآخر من الداخل، يمثل المهاجرون من أصول روسية 15 % على الأقل من السكان اليهود في إسرائيل، لكن المتدينين يشككون في يهوديتهم.

لعل كل هذا كان في ذهن نفتالي بينت وهو يتجه (سرا) صباح السبت إلى موسكو منتهكا بذلك حرمة قدسية السبت الذي من المحرم فيه السفر والعمل، لكن من المؤكد أنه كان في ذهنه أيضا تحسين مكانته الداخلية والخارجية بالوساطة في أزمة يتابعها العالم في ترقب خشية أن يفضي التصعيد المستمر إلى حرب عالمية ربما تكون نووية. ومن المؤكد أن بوتين في المقابل يعلم بالشق الإلكتروني للحرب وأن تل أبيب يمكنها أن تغض الطرف عن عودة بعض المتخصصين الروس البارزين لموطنهم الأصلي لتجاوز الحصار التقني على روسيا. كما يعلم بوتين أنه يستقبل في الواقع “مبعوثا أمريكيا” وليس إسرائيليا، (قضى بينت سنوات طويلة في الولايات المتحدة ويعرف كواليسها وثقافتها جيدا.. وفي المقابل لا تريد واشنطن أن تورط نفسها في التقاط صور مع بوتين الذي يحرص الإعلام الغربي على تشويهه بضراوة، ويعلم أن شروطه لإنهاء جولات القتال قد تكون مسيئة للشعارات التي ترفعها الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة)، كما يعلم بأن لتل أبيب مهارات في تكنولوجيا المعلومات واستفادة من فوق الطاولة بخبرات شركات أمريكية عملاقة في هذا المجال. الأمر الذي يوفر التفافا على العقوبات الإلكترونية التي كان أبرزها تطبيقات شهيرة للدفع الفوري وحجز القطارات والمترو وما شابه عبر الهواتف الذكية.

أحمد فؤادأنور الدور الإسرائيلي

بدأت القصة تحديدا منذ أسبوع كامل حين تحدث بينت هاتفيا مع بوتين (بعد انتهاء يوم السبت وحلول يوم الأحد)، ويبدو أنه طلب الوساطة “بتكليف” من الغرب، وأن الأخير وافق على تحديد موعد بعد التجهيز للزيارة وبلورة المطالب التي استمع إليها بينت بالفعل في الرحلة المكوكية أمس على مدار ما يقرب من 3 ساعات، ثم غادر إلى ألمانيا حاملا المطالب الروسية ومعظمها علني وواضح.. بشأن نزع سلاح أوكرانيا، وقد تم بالفعل بنسبة كبيرة على الأرض بفعل الهجمات الروسية المستمرة ضد البنية التحتية للجيش الأوكراني، وبشأن التعهد بعدم انضمام أوكرانيا مستقبلا لحلف الناتو وعدم الاكتفاء بتصريحات وتطمينات شفهية شبه يومية من الغرب في هذا الصدد. وهو ما يمهد الأرضية لإنجاح المفاوضات المباشرة بين أوكرانيا وروسيا.. والاكتفاء بجولات القتال التي تمت منذ بدء العمليات، خاصة وأنه تم الاتفاق بشكل مواكب لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي على وقف إطلاق نار لتوفير ممرات آمنة لخروج المدنيين من عدة مدن أوكرانية.

يُشار في هذا الصدد إلى أن حسابات بينت قد تكون نجحت في تعزيز مكانته خارجيا بعد أن استبق الزيارة بتنسيق تفصيلي مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، ومتابعة أوكرانية للتحركات، لكنها من المؤكد واجهت صعوبات داخلية، فبجانب غضبة المتدينين من بينت لتدنيسه حرمة يوم السبت بينما جمهور ناخبيه الرئيسي من قطاع المتدينين.. هاجم يائير نتنياهو بينت بضراوة بدلا من أن يشيد به.. واصفا إياه بالمريض المحتال الذي يبحث ويلهث وراء الإعلام والكاميرات في قضية لا تهم إسرائيل، تاركا الملف الرئيسي وهو قرب توصل إيران لاتفاق مع الغرب بما يهدد مصالح إسرائيل. وعلى نفس المنوال هاجم رئيس الوزراء أكثر من زعيم حزب معارض منهم آرييه درعي زعيم حزب شاس لفشل نفتالي بينت في كبح الارتفاع المتنامي لأسعار السلع الأساسية في إسرائيل، وهو ما يهم الناخب الإسرائيلي في المقام الأول في الوقت الراهن. ولخص عضو الكنيست ميكي زوهار موقف المعارضين للوساطة الإسرائيلية في هذه الأزمة بقوله: المشكلة تكمن في أن بينت لم يضع نفسه موضع تندر وسخرية، بل وضع إسرائيل كلها في هذا الموضع، وهو ما لن يتسنى إصلاحه سوى بعد سنوات.. واصفا الزيارة إلى موسكو بأنها “بلا طائل” لأن بينت تدخل فيما لا يفهم فيه سعيا لكسب شعبية داخلية لم تتحقق.

‏ومن جانبه علق بنيامين نتنياهو عن زيارة بنيت لموسكو قائلا: الحكومة الإسرائيلية الضعيفة تواجه “أسود إيران” بسلوك “الأرانب”.. لماذا لا يُجهزون على المشروع الإيراني الخطير كما فعل بيجين مع القدرات النووية العراقية؟!!

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 


اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى