رأي

محمد أرسلان علي يكتب..  أردوغان وبكائيات غربانه في غويران  

الكاتب باحث كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية

محمد أرسلان علي أردوغان وبكائيات غربانه في غويران

إنه التاريخ والقدر حينما يكرر ذاته في شخوص الاستبداديين لينتج سيناريوهات مستنسخة ومسخة عن بعضها البعض، يسيرون على نفس النهج والفكر ويعتبرون أنفسهم من المعصومين والخالدين ولا يمكن لأحد أن يستظل بظلهم. إنها ديدن الحكام الذين اصابهم مس جنون السلطة والعظمة جرَّاء ما تقترفه أيديهم من ظلم ودمار وخراب وتهجير وتغيير ديموغرافي وهندسة المجتمعات وفق أهوائهم العرقية النازية والشوفينية العصبوية النابعة من التعصب القومجي والديني الأعمى. صفحات التاريخ متخمة بهكذا شخوص كانوا يوماً زعماء في قرارة أنفسهم ليتحولوا إلى مجرد نكرات تلفظهم مجتمعاتهم وشعوبهم وتلعنهم بكرة وعشيا.

من ملاحم قادسية صدام وحتى ملاحم غويران أردوغان، تتشابه صرخات الملاحم وكذلك نهاياتها التراجيدية. ومن بينهما لا شيء سوى البكاء على الفشل الذريع الذي يصيبهم. ليس فقط يتشابه المستبدين بوحشيتهم المعهودة، بل حتى أبواقهم الدعائية هي نفسها لا تتغير ومنتشرة على ربوع الجغرافيا التي تحن بأن يحكمها المستبدين. عبيد هكذا ترعرعوا وتم تنشئتهم بأن يكونوا دائما مطيعين خانعين ينفثون الحقد والرياء والكذب أينما حلّوا. هي نفسها العقلية التي كانت تضحك أثناء ملحمة قادسية صدام أرادت أن تضحك ثانية خلال مسرحية ملاحم غويران، لكنه التاريخ له كلمته الأخرى التي لا تهتم بأوهام المستبدين بقدر ما هي تتكئ على حقيقة الشعوب ونضالها من أجل العيش الكريم.

الكرد في كِلا الملحمتين، أراد المستبدين أن يجعلوا من الكرد قرابين وحشيتهم وتوحشهم وحنينهم للماضي الجاهلي. أراد المستبدون تلقين الكرد درساً في الخنوع والذل والاستسلام وألا يفكروا يوماً بأن حلمهم في حياة حرة ووطن مستقل سيكون من نصيبهم

الكرد في كِلا الملحمتين، أراد المستبدين أن يجعلوا من الكرد قرابين وحشيتهم وتوحشهم وحنينهم للماضي الجاهلي. أراد المستبدون تلقين الكرد درساً في الخنوع والذل والاستسلام وألا يفكروا يوماً بأن حلمهم في حياة حرة ووطن مستقل سيكون من نصيبهم. توهموا بتوحشهم ذاك وهذا بأنهم قضوا على الكرد ولن تقوم لهم قائمة. هكذا هم الحكام المستبدين وبيادقهم المأجورة وكذلك أقلامهم المسخة التي تلطم على حظها العاثر في تبعثر أوهامهم الخاوية.

ذهب صدام وسيف ملحمته أطاح بعنقه وبكل من كان يصفق له ولخيباته التي كانت هباءاً منثورا. لكن بنفس الوقت بقي الكرد شامخين بشواهد قبورهم ومناطقهم المحررة تفتخر بكفاحهم ونضالهم وتضحياتهم. بقيت قبور الكرد شامخة في مكانها تحتضن المناضلين الذين أبوا أن يستسلموا، لكن أين هو قبر بطل ملحمة القادسية بعد أن تم نبشه والتمثيل به من أبناء وطنه الذين يحملون نفس العقلية الإلغائية والاقصائية وإن كانت بعمائم سوداء. لربما تكون نهاية من يتباكون الآن على فشل ملحمة غويران شبيهةً نوعاً ما بنهاية غربان القادسية. فلا اردوغان باقٍ ولا بيادقه وأقلامه وحناجره المأجورة باقية.

فكما كان لصدام جحوشه من الكرد الجيدين الذين لم يوفروا جهداً إلا وقاموا بالتشهير بالمقاومين والمناضلين كي يرضى عنهم قائدهم، فكذلك لأردوغان أيضاً جحوشه وعبيده من الكرد الجيدين الذين لم يدخروا جهداً عن قول الرياء والكذب وإثارة الفتنة إلا إرضاءاً لخليفتهم كي يكون راضياً عن سوء أعمالهم.

تحوير المصطلحات كانت دائماً من أفعال المستبدين كي يلعبوا بعقول السذج من القطيع الذي يسير خلفهم. حالة التجهيل التي اصابتهم أعمت بصيرتهم وبوصلتهم عن طريق الوعي والإدراك والفكر. لعمري أن هذه ليست ملاحم بقدر ما هي مآتم لغربان ليس لها علاقة بالحضارة والإنسانية والتاريخ ولا حتى الجغرافيا.

فشل مآتم غويران ما هو إلا فشلاً لخليفتهم الذي كان يتوهم بنجاحهم في الفرار وتحويل الحسكة لموصل جديدة يعيثون فيها فساداً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً وسرقة واغتصاب، كما مآتمهم في سري كانية/رأس العين وكري سبي/تل أبيض وكوباني وكذلك عفرين التي تنتظر فرحة النصر والتحرر من غربان أردوغان المتأسلمين والمستكردين. فشل داعش في الهروب من السجن واحتمائهم بأشبالهم الذين رعوهم على نفس العقلية الوحشية، ما هو إلا دليلاً آخر على فشلهم الذريع حينما يحتمون ويجعلون من أشبالهم دروع كي يبقوا على قيد الحياة. داعش تدرك جيداً أن زمانهم قد ولّى ولم يبقَ لهم أي بصيص أمل في أن يتمددوا ثانية، لكنها رقصة الموت وسكراتها التي يأملون منها أن تبقيهم أحياء ولو لحين.

مسوخٌ لا تمتلك الوعي والفكر المستقبلي لأنها أرادت أن تكون سجينة أفكارها الماضوية العفنة والتي لا مكان لها في عالم التطور الفكري والتكنولوجي المعاصر. تسعى كي تعيش الماضي وهي تلطم حاضرها التعيس نتيجة الكبت التوعوي والفكري الذي نشأوا عليه. أنظمة وحكام لم يكن تحمل همً ومسؤولية بناء الانسان والمجتمع، بقدر ما كانوا يفكرون بالسرقة والفساد. أرادوا أن يكون المجتمع جاهلاً من كافة النواهي لتسهل السيطرة عليهم. وها هم فراخ الأنظمة المستبدة حتى حكامهم وأنظمتهم لا تقبلهم ولا تسعى لإرجاعهم لإعادة تأهيلهم ثانية. الكل يلفظهم ويتبرأ منهم ولا حتى يسأل عنهم، لذلك نراهم يحرقون ويدمرون أوطانهم وبلدانهم ومجتمعاتهم لا لشيء، سوى كي يقولوا للآخر أننا لا زلنا هنا متواجدين. يتدفؤون على أطلال أوطانهم وينتقمون من أنظمتهم بقتل وحرق كل ما يرونه أمامهم من بشر وحجر وشجر.

انتصار قوات سوريا الديمقراطية هو انتصار لفلسفة أخوة الشعوب التي يخشاها كل المستبدين الذين يعيشون على قتل الاختلاف وصهر التنوع لبقاء الفكر الواحد والعلم الواحد والشعب الواحد وفق تعابير أردوغان الفاشي

انتصار قوات سوريا الديمقراطية هو انتصار لفلسفة أخوة الشعوب التي يخشاها كل المستبدين الذين يعيشون على قتل الاختلاف وصهر التنوع لبقاء الفكر الواحد والعلم الواحد والشعب الواحد وفق تعابير أردوغان الفاشي. هذه القوات التي تؤمن بأن شيفرة قوتها ومقاومتها تكمن في إرادتها واصرارها على ألا فرق بين عربي وكردي وآشوري-سرياني وتركماني، إلا بالأخوة الإنسانية والمحبة والعيش المشترك. وأن لهذه الفلسفة المنبثقة من الحقيقة التاريخية والجغرافية والثقافية لشعوب المنطقة من دون تمييز وتفرقة، هي بنفس الوقت تحمل لواء بناء المجتمع والانسان الحر.

لهذا فشلت وستفشل ملحمة غويران أردوغان وغربانه ودواعشه ومستكرديه الجيدين، كما فشلت ملحمة قادسية صدام وجحوشه الجيدين وأزلامه. هو فقط فرق توقيت لا أكثر، لأن الفشل والهزيمة ستحيط بكل مستبد وظالم ومنافق مهما كانت درجة استبداده وظلمه.

انتصرت المرأة الحرة الممتشقة للسلاح الذي بات جزءاً منها لأنها أدركت إن هي لم تدافع عن نفسها ومجتمعها فأن مصيرها سيكون مجهولاً كما كان مصير المرأة في الموصل وشنكال/سنجار أو الرقة ودير الزور. المرأة الحرة التي أدركت أن حريتها تبدأ بأن تقول “لا” لكل ما هو مخالف لحريتها وهويتها ووجودها وماهيتها، إنها الثائرة على الموروث والتراث الجاهلي والمجتمعي البالي، وتقاوم من أجل خلق الحياة الجديدة بروح وانبعاث جديد. هذا ما انتصر في الحسكة وكذلك كان في كوباني. إنها إرادة الحياة الحرة التي تبدأ بشعار “المقاومة حياة”.

بعد ان تناولنا موضوع محمد أرسلان علي أردوغان وبكائيات غربانه في غويران يمكنك قراءة ايضا

علي عمر التكبالي يكتب.. الوقوف بين الراوي والمدعي

عوض محمد عوض يكتب: لا تخدعكم قبلة الدبيبة!!

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى