علي التكبالي الوقوف بين الراوي والمدعي
يظهر لكل باحث في محركات التواصل الإجتماعي، مهما كانت ثقافته، حتى وإن لم يكن قارئا مدققا يستشف ما بين السطور، حجم الهجوم على القرآن الكريم، والدين الإسلامي المنصور.
لقد أتاحت هذه المواقع العدوة والصديقة، لكل من يفك الحرف، سواء أكان متحاملا، او جاهلا، أو مغرضا، أو باحثا عن الحقيقة، او حتى مؤيدا على عدم دراية وثيقة كي يخوض في بحار عميقة تحتاج إلى فهم وإلمام بالعديد من الجوانب التي تتعلق بالأحداث والحوادث الدقيقة.
أنظرو إلى أولئك الذين يهاجمون الدين الإسلامي مثلا. لقد دأب أولئك على تسفيه الرسول الكريم، والقرآن العظيم بناء على معلومات خاطئة، وتفسيرات واهية وتطاول واضح، وإعلان صادح بكلمات نابية، يأبى المسلم المؤمن بكل الديانات الكتابية أن يواجههم بمثلها في السر أو العلانية، لأن الإسلام بني على ما قبله ولم يجب إلا ما اشتبه بأصله أو ما تطلبه الفهم الإنساني المتطور للعصور الماضية.
“قل آمنا بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من عند ربهم، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون.” هذه الآية وأخرى مثلها تبين أن المعتقد الديني يعتمد على حرية الإنسان وفهمه لمبدأ النبوة، وتسليمه بالوحي، وهي التي خط بها الإسلام نهجه، وأضاء بها دربه .
يعترف المسلمون الواعون بأن الكثير من التغيير قد أصاب التراث الديني، وأنتج أحاديث لا تتماشى مع المنطق والفهم القرآني، ولعل هذا التقديس الذي كان سببه ما وصلنا من إدعاءات بأن “كتاب” رجل لم يزر الجزيرة العربية، ولم يعاصر رسول الإسلام هو أصح الكتب بعد القرآن، والأحاديث الوفيرة التي صدرت من رجل لم يرافق الرسول طويلا أستعملت رواياته كدعاية إعلامية ضد الخصوم، كما نستعمل اليوم الصحف السيارة التي نقول عليها موثوقة، في زمن كانت الحروب اللامقدسة، والصراع على السلطة، والمشاحنات الفكرية والفلسفية على أشدها. وأنا هنا أشير إلى بعض الأحاديث في كتاب البخاري المنقولة عن طريق العنعنة، وإلى الروايات التي تبالغ في إظهار المناقب، رغم أن الكثير منها لا يتماشى مع الظواهر والوقائع، ولا يستسيغها المراقب الذي يعتمد العلم والمنطق السليم، والإلهام الذي وهبنا إياه العلي العليم في قرآن عربي مفهوم. ورغم قول البغاة، مثل كعب الأحبار الذي قال بلسانه أنه وضع ألف حديث، لا زالوا يضعونه في تسلسل العنعنة حتى اليوم، ورغم الحديث المنقول عن الخليفة عمر بن الخطاب والسيدة عائشة رضي الله عنهما لأبي هريرة بأن يكف عن سرد الحديث المجهول، لا زال بعض الملأ يتحدون العلم، ويصرون على ما تواتروه من كلم. فإذا كان هذا الحال في زمن لم تتفاقم فيه الحروب بين الخليفة علي بن ابي طالب ومعاوية، ولم تنقسم فيه الأمة كما انقسمت بعد حادثة التحكيم، فما بالك بالزمن الذي تلاه؟ وانا هنا اقول انه لا أبا هريرة، ولا البخاري قد يكونا مسؤولين عما ورد إلينا كأنه من عندهما، فنحن لا نملك نسخة أصلية لكتاب البخاري ولا إلى ما قاله ابو هريرة، ولعل الشك يراود المتطلع الى الحقيقة، والذي يعلم ان الخبث والدس والتطاول والعبث بالأصل كان دائما موجودا في الطبيعة الإنسانية المريضة. ومن حق المسلم أن يعتقد أن قول بعض العلماء الموثوقين، واعتمادهم للفهم الذي وصلنا كان محاولة للملمة الأمر خوفا على الإسلام، ومداراة لأطياف متعددة انتهجت تفسيرات متشددة، رأينا مثلها في الحروب الدينية المتعاقبة التي خلفت لنا جرحا عميقا أنتج عداء ضاريا بين الأديان، وشرذم الأمة، وزاد الهم والغمة. فخيم علينا التعصب والمعصية والعصيان.
وهذا الخلط في التنقيح، والتأرجح بين السب والمديح، وعدم وزن ما جاءنا بميزان قرآننا هو الذي أنتج لنا الفتاوى الغريبة، والاختلافات المعيبة التي تضعفنا أمام من يرتاب في أمرنا.
ورغم كل ما حدث حافظ الإسلام على نصاعته، وتقدمه، وتحقيق ما قاله الله بأنه سيظهره على الدين كله، الأمر الذي جعل المتشددون في الجانب الآخر يدقون ناقوس الخطر، ويخافون من اقتحام الإسلام لديارهم إعتمادا على إحصاءات علمية دقيقة، وتنبؤات لا تبغي التسليم بالحقيقة، فكانت خزعبلات حرب افغانستان والمعجزات الواهية، وضربات القاعدة وداعش القاضية، وكل التنظيمات المريضة الأخرى والتي إن لم تكن صنيعة أعداء الإسلام، إلا انها خدمت أغراضهم بكفاءة عالية.
نعود الآن إلى ما يقوم به بعض المتشدقين بالتنوير، وادعاءاتهم على الإسلام لإيهام العامة ببطلان آياته، وخطأ تعليماته. فهذا يبتر الآيات ليبطل الصيام، وذاك يدعي المصداقية لينسف التاريخ والذمة، ويجاهر بعدم وجود مدينة إسمها مكة، فكأن كعبتها لم تكن مقصدا للحجاج، ولم يأكل على تخومها جيش أبرهة الطير والعجاج، ولم يلثم ترابها خطوات الرسول صلوات الله عليه، ولا شهدت دار ندوتها صخب سادتها وتحريضهم عليه، وكأن رحابها لم يشهد ولادة علي، وصدق أبي بكر، وحسم عمر، وكرم عثمان، ولم تلن أبوابها بعد الحديبية لجيش الحق الذي هزم الزمكان! والغريب في أمرهم أنهم ينقضون إدعاءاتهم، ويقولون أن النبي الكريم لم يكن أميا، وانه تتلمذ على يدي ورقة بن نوفل في مكة التي ينكرون وجودها! وان الرسول اخذ عن رهبانها ويهودها.
واستمعو معي للهراء الذي يقول بأن محمدا ولد بعد وفاة عبد الله بسنين عديدة، فهو ليس أباه، ولذلك الذي يحاول ان يتصيد أخطاء للرسول معتمدا على آراء أعدائه، دون تحري المنهج العلمي الذي يدعي اتباعه، فيهمل ويسفه ما قاله أصحابه. وهاهو فطحل آخر يقول أن الأمويين كانوا نصرانيين متجاهلا المساجد التي عمرت، والبلدان التي فتحت، والأشعار التي قيلت، والكتب التي ألفت. واستمع للمدعي الآخر الذي يقول ان كل الثرات الإسلامي من صنع العباسيين، وأن التاريخ الذي يتكلم عن عصر ما قبل العصر العباسي كله مزور وبدون سند. فلا بشار ابن برد قال ولا جرير صال، ولا مسلم بن عقبة كان، ولا قطر لموسى بن نصير دان.
إذا كان الأمر كذلك فلم يتفاخر العباسيون بأفعال خصومهم الأمويين والإحتفاظ بثراتهم المجيد؟
قلت في مقدمتي بأن العين الفاحصة تستطيع أن ترى كل هذه الأكاذيب بسهولة، ولكن كيف نعالج امر المشككين، وضعيفي العقيدة، وأنصاف المتعلمين والجهلة. يحزنني ان لا أرى الكثير من المتصدين لهذا الهجوم الوحشي على الإسلام، وعدم تعيين فريق من كل مؤسسة دينية للرد عليهم وتسفيه هراءهم، وهو امر سهل لأن لغة المفسرين الوهميين ليست عميقة، وتتاقضاتهم واضحة، وقلة إلمامهم بالتاريخ المصاحب بادية، وتجاهلهم لأحداث تاريخية مشهودة ناقصة. وهذا يدل على ان توجهاتهم ليست للتوثيق ، بل لاستهداف الإنسان المسلم البسيط، وتشكيكه في دينه الوسيط.
أنبه بأن مقالتي هذه ليس هدفها تسفيه كل ما توارثنا من أحاديث ومقولات، وأنها ليست قادرة على عرض كل ما يحدث وفات، ولم يكن هذا غرضها، ولكنها جاءت لتنبه وتستحث وتعلن للجميع بأنه إذا لم يتغير أسلوب مجابهتنا للأحداث، ومراجعتنا للتراث فإن عصر الدين الإبراهيمي قادم، وسيل النهر السيداوي عارم، وتغيير مناهج الدراسة صادم.
بعد ان تناولنا موضوع علي التكبالي الوقوف بين الراوي والمدعي يمكنك قراءة ايضا
علي عمر التكبالي يكتب.. الوقوف بين الراوي والمدعي
عوض محمد عوض يكتب: لا تخدعكم قبلة الدبيبة!!
يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك