رأي

اللواء معز الدين السبكي يكتب.. دور مصر أجهض مخططات التهجير

لطالما كانت مصر في طليعة الدول التي تتبنى مواقف رافضة لتهجير سكان قطاع غزة في النزاعات التي اندلعت على مر السنين بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هذا الموقف ينبع من عدة اعتبارات تاريخية، وسياسية، وإنسانية تجعل من مصر حاميًا رئيسيًا للقضية الفلسطينية، والمصير الإنساني للفلسطينيين في غزة بشكل خاص. مصر، باعتبارها دولة جارة للقطاع، وصاحبة الدور المحوري في القضية الفلسطينية، عملت دائمًا على منع أي محاولات لتغيير الوضع السكاني في غزة أو تهجير سكانها إلى دول أخرى أو حتى إلى مناطق فلسطينية أخرى.

اقرأ أيضا: اللواء معز الدين السبكي يكتب.. تشريعات مصرية

**الالتزام بالحقوق الفلسطينية**

يعد موقف مصر الرافض لتهجير سكان غزة جزءًا من التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمصر تعدّ تهجير سكان غزة خرقًا للحقوق الإنسانية الأساسية للفلسطينيين ويهدد فكرة حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي. مصر ترى أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة تعد جزءًا من سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية وتصفية القضية.

**دور مصر في التهدئة والوساطة**

منذ نشوء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، لعبت مصر دورًا محوريًا في محاولات التوصل إلى حلول سلمية. ورغم أن الحرب على غزة كانت تقود إلى تداعيات إنسانية جسيمة، لم تتوانَ مصر عن القيام بجهود مكثفة للوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ودعت مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة وقف إطلاق النار ومنع التصعيد. إحدى أولويات مصر كانت دائمًا ضمان أن غزة تبقى جزءًا من الأرض الفلسطينية، وأن أي اقتراحات لتهجير السكان إلى دول أخرى أو أماكن أخرى تضر بالقضية الفلسطينية بشكل أساسي.

**رفض التوطين في الدول المجاورة**

مصر كانت دومًا واضحة في رفضها القاطع لفكرة توطين الفلسطينيين، خصوصا سكان غزة، في أراضيها أو في أي دولة عربية أخرى. هذا الموقف يعكس التزام مصر بأن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءًا من وطنهم المستقل في فلسطين. وقد تجسد هذا الموقف في كثير من المناسبات، منها الرفض الكامل لأي مقترحات من بعض القوى الدولية أو الإقليمية التي كانت تهدف إلى إنشاء “حلول مؤقتة” مثل التوطين في دول الجوار.

**الاعتبارات الإنسانية**

بعيدًا عن السياسة، تظل المواقف المصرية الرافضة لتهجير سكان غزة مستندة إلى اعتبارات إنسانية عميقة. فتهجير سكان غزة سيشكل أزمة إنسانية جديدة، وقد يؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان. وبالنظر إلى ما يعانيه سكان غزة من حصار ودمار نتيجة الحروب المتواصلة، فإن التهجير سيجعل معاناتهم أكبر ويعرضهم لظروف قاسية في المخيمات أو في مناطق أخرى لا تتوفر فيها فرص العيش الكريم. مصر، بفضل قربها من غزة، كانت دائمًا صوتًا للمطالبة بتوفير مساعدات إنسانية لسكان القطاع بدلًا من تهجيرهم.

**موقف مصر في مواجهة الضغوط الدولية**

مصر دائما حريصة على الحفاظ على مواقفها المستقلة في قضية غزة، حتى في ظل الضغوطات الدولية والإقليمية. في أكثر من مرة، واجهت القاهرة محاولات من بعض الأطراف الدولية لتغيير مسار القضية الفلسطينية، بما في ذلك الحديث عن مقترحات لتهجير سكان غزة إلى دول أخرى. وبالرغم من الضغوط، رفضت مصر مثل هذه المقترحات، مؤكدة ضرورة إيجاد حل دائم للصراع في إطار احترام حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة.

**الحدود المشتركة مع غزة**

تعد الحدود المشتركة بين مصر وقطاع غزة من العوامل المؤثرة في سياسة مصر تجاه غزة. ففي أوقات الحروب والتهديدات الإسرائيلية للقطاع، كانت مصر دائمًا تلعب دورًا في تيسير نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح، وهو المعبر البري الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي بعيدًا عن الاحتلال الإسرائيلي. من خلال هذا المعبر، كانت مصر تسهم في تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، ورفضت بشكل قاطع أي محاولات لتوسيع سيطرة إسرائيل على المعابر أو التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع.

**موقف مصر من الحلول السياسية**

مصر تواصل تأكيد موقفها الثابت في الدعوة إلى حل سياسي شامل للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. الموقف المصري يرتكز على ضرورة أن يتفاوض الفلسطينيون مع إسرائيل على أساس حلول دائمة تشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. هذا الحل يعد، في نظر القاهرة، السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار المنطقة، ويستثني تمامًا أي سيناريوهات تتضمن تهجير سكان غزة أو أي شكل من أشكال التوطين.

 

**دور مصر في محاربة التطرف والهجرة غير الشرعية**

مصر تدرك أن أي تهجير جماعي من غزة قد يؤدي إلى انتشار الفوضى وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، ما قد يخلق تحديات أمنية هائلة. كما أن المنطقة قد تصبح بيئة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة في حال حدوث نزوح جماعي. لذلك، فإن مصر ترفض التهجير من غزة، لأنه سيعزز الفوضى ويهدد الأمن الإقليمي والعالمي.

مصر، بحكم موقعها الجغرافي والتاريخي، تلعب دورًا محوريًا في التأثير على الأحداث في قطاع غزة. رفضها لتهجير سكان القطاع يعكس التزامًا عميقًا بالقضية الفلسطينية وحفاظًا على هوية الشعب الفلسطيني. الموقف المصري الثابت يعزز من أفق السلام في المنطقة ويؤكد أن الحقوق الفلسطينية لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف من الظروف.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى