محمد حسن عامر يكتب.. لماذا يخشى “أردوغان” انتخابات 14 مايو؟
الكاتب مدير وحدة الدراسات التركية بمركز العرب للأبحاث والدراسات
أيام قليلة ويتوجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات توصف بـ”الحاسمة والمصيرية” للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يخشى توحد المعارضة في وجهه، وتأثير كتلة التصويت الكردية، فضلا عن المشكلات الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها الشعب التركي. لكن قبل سرد العوامل التي تثير مخاوف “أردوغان” يجب الأخذ في الاعتبار أن الجزم بخسارة أردوغان الانتخابات الرئاسية أمر قد يكون به قدر من المبالغة، لكن الجزم أيضا بأن معركة الانتخابات هذه المرة محسومة له أمر يتضمن مبالغة كبيرة، لأن شعبية الرئيس التركي ليست كما كانت من قبل، كما أن المعارضة التي يواجهها هذه المرة ليست كتلك التي واجهها من قبل، وبالتالي أصبح هناك احتمالية أكبر لخسارة “أردوغان” هذه الانتخابات لعديد من الأسباب تستعرضها السطور المقبلة.
فقد جاءت أحداث الزلزال الذي ضرب تركيا مؤخرا وأوقع أكثر من 50 ألف قتيل بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لشعبية الرئيس التركي، حيث كشفت الأحداث عن تباطؤ من قبل النظام التركي في التعامل مع عملية إعادة الإعمار، فضلا عن التقصير في احتياطات ما قبل الزلزال، وهذا يعزو إلى أن إحدى الجامعات التركية نشرت دراسة من قبل تؤكد أنه في حال وقوع زلزال في المناطق التي ضربها الزلزال الأخير، فستلحق بها أضرار كبيرة، وهذا أمر يراه المعارضون أنه كان يستوجب أن تقوم الدولة بإعادة النظر في أساسيات بناء هذه المباني واتخاذ ما يلزم حتى تكون الخسائر أقل حين يقع زلزال. كما أن الحكومة اتهمت بالتقصير كذلك عندما أهملت التحذيرات التي أطلقها خبير الزلازل الهولندي الشهير فرانك هوجربيتس والذي تنبأ بوقوع هذا الزلزال المدمر قبلها بفترة كانت كفيلة للمسارعة في نقل سكان تلك المناطق إلى مناطق أكثر أمنا ومن ثم ما كانت الحصيلة لتصل إلى أكثر من 50 ألف قتيلا.
ليس هذا فحسب، بل إن الوضع الاقتصادي التركي ليس في أفضل حال، ولطالما كان الاقتصاد هو الورقة الرئيسية التي راهن عليها الرئيس التركي في الانتخابات السابقة، فمعدلات التضخم تجاوزت 80%، وفقدت الليرة التركية أكثر من ثلث قيمتها في مواجهة الدولار الأمريكي، وما رافق ذلك من ارتفاع في تكلفة المعيشة. ويعود هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل منها تداعيات جائحة كوورنا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وهذه عوامل خارجية لكن هناك من ينتقد تعامل “أردوغان” مع تلك الأزمات اقتصاديا، حيث تمسك بخفض سعر الفائدة في الوقت الذي يقوم فيه العالم كله تقريبا برفع أسعار الفائدة للتماشي مع المشكلات الاقتصادية التي أفرزتها مرحلة مع بعد الحرب في أوكرانيا. والبعض قد يقول إنه حتى لو كان هناك تراجع اقتصادي في تركيا فإنها أفضل من دول كثيرة، لكن الواقع يقول إن الوضع الاقتصادي يهم المواطن التركي ولا يهمه المقارنة بدول أخرى، والوضع حاليا أقل من ذي قبل.
وهناك عامل في غاية الأهمية يجعل الرئيس التركي يخشى سيناريوهات هذه الانتخابات، وهو أن المعارضة تجاوزت كثير من خلافاتها البينية وتوحدت 6 أحزاب سياسية خلف كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري لمنافسة “أردوغان”، وهو رجل لديه ثقل في الشارع التركي، حتى لو خسر من قبل أمام “أردوغان”، فضلا عن أن حزبه سبق وحسم الانتخابات البلدية في أنقرة وإسطنبول، والأخيرة هي التي قال عنها “أردوغان” بنفسه أن من حكمها يحكم تركيا. الأخطر كذلك في معادلة المعارضة المكون الكردي، حيث يشكل الكرد 10% من أصوات الناخبين بأكثر من 6 ملايين صوت، ولهذا توصف بأنها “الكتلة الحرجة” أو “الكتلة الحاسمة” التي يمكنها بشكل كبير تغيير دفة الانتخابات، وهي بالفعل ستفعل ذلك، إذ أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لم يقدم مرشحا رئاسيا، وهو ما يعني على الفور أن صوت الناخب الكردي سيتجه إلى كمال كليجدار أوغلو في انتخابات الرئاسة، كما أن الصوت الكردي كذلك كفيل بحرمان حزب العدالة والتنمية من تحقيق الأغلبية البرلمانية كما حدث من قبل، خصوصا وأن كثير من الكرد سيصوتون انتقاميا ضد “أردوغان” بسبب الانتهاكات الكبيرة التي بات يمارسها ضدهم.
ثم تأتي الأيام الأخيرة التي تسبق الانتخابات وفي جعبتها مفاجأة كبيرة أو “فضيحة كبيرة”، حيث كشف علي يشيلداغ وهو أحد أفراد عائلة يشيلداغ الشهيرة في تركيا والمقربة من أردوغان عن فضيحة فساد جديدة، إذ زعم أن الرئيس التركي تحصل على مليار دولار في صفقة إنشاء وتشغيل مطار أنطاليا بالتعاون مع إحدى عصابات المافيا، حيث حصل على هذا المبلغ مقابل أن يرسو العطاء على شركة بعينها رغم أنه كان عطاء أقل 2 مليار دولار مقارنة بشركة أخرى منافسة سرقت أوراق ملفها الذي تقدمت به لتحصل على العطاء ليتم رفض الملف. وبالتالي فإن كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل الرئيس التركي في حالة من القلق إزاء هذه الانتخابات، ودفعت كثير من المراقبين إلى وصفها بالتاريخية والمصيرية، ربما يفوز بها “أردوغان” لكنه لن يكون فوزا سهلا كما كان الوضع من قبل، بل وستكون انتخابات شاهدة على اقتراب المعارضة خطوة جديدة من الإطاحة بالنظام التركي الحالي.