اقتصاديةالرئيسيةدراسات

شبح الديون الإفريقية يهدد جهود التنمية في القارة

آليات تمويل عادلة بشروط منصفة دون استغلال للظروف الاقتصادية والسياسية للدول الإفريقية.. هو ما تبحث عنه إفريقيا

رامي زهدي- مركز العرب للدراسات والأبحاث

عبر عقود طويلة تم استغلال القارة الإفريقية بكل مقدراتها وثرواتها لبناء حضارات أمم أخرى، ولم يراع أبدا الإنصاف في التعامل مع القارة الإفريقية.، وعندما احتاجت دول القارة الإفريقية للدعم المالي سواء في شكل منح مباشرة أو غير مباشرة أو قروض ميسرة أو حتى قروض مغلظة الشروط أو استثمارات مباشرة أو غير مباشرة تحقق الصالح للجميع، لم تجد القارة الإفريقية الإنصاف والعدالة من الدول والمؤسسات والجهات المانحة، الجميع مضى في مزيد من الاستغلال لظروف القارة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية، شروط صعبة أو منع أو حجب من الأساس لدعم مالي مستحق لقارة دفعت الأثمان غالية لدعم بناء كل حضارات العالم الحديثة تقريبا.

لم تقف المنظمات المالية الدولية في صف دعم جهود الدول الإفريقية الناشئة التي تواجه ظروفا صعبة من صراعات، حروب، أمراض وأوبئة وتراجع في اقتصاديات هذه الدول لأسباب متعددة منها ما هو بسبب قوى دولية أخرى دون ضلوع مباشر أو غير مباشر لدول القارة في هذه الأزمات.

إفريقيا تواجه العالم منفردة، تمثل القارة دائما انعكاسا لكل أزمات العالم، بينما نجد البنوك الدولية والمؤسسات الدولية تتمسك بإجراءات غير منصفة ضد مصالح الشعوب، تحقيقا لمصالح هذه المؤسسات والدول الراعية لها دون اعتناء أو اعتبار بمصالح الشعوب الإفريقية، التداخل الشديد في السياسات المالية لدول القارة في مقابل منح قروض ببضعة مليارات إنما هو إجراء يمثل سياسة غير شريفة تجاه هذه الدول وبالضبط كما هو الشخص العجوز المرابي في الروايات الإنجليزية والفرنسية القديمة الذي لا يمانع في منح القروض للمحتاجين والمضطرين لكن بإجحاف ورغبة في السيطرة عليهم وعلى مقدراتهم وثرواتهم، يقرض هذا ثم يخطط لتعطله عن السداد ليأخذ بيته أو زوجته أو أولاده أو يسخره لتنفيذ أوامره أيا كانت.. قصص حزينة من واقع حياة قديمة لكنها ليست بعيدة عن الواقع الدولي الآن.

ومنذ خمسينيات القرن الماضي وعبر جهود التحرير والاستقلال الإفريقي وحرية القرار السياسي وما بين عامي 1945 بالتزامن مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1965 تحررت معظم الدول الإفريقية من الاستعمار، وبدأت مراحل جديدة من ميلاد الحرية والاستقلال والعمل مدفوعا بالآمال في مواجهة التحديات، لكن القارة العظيمة والتي تمثل ماضي ومستقبل العالم لم تحرر تماما اقتصاديا بعد، ولم تحظ حتى الآن بوضع اقتصادي تستحقه وتتمناه شعوبها.

وبعد سنوات طويلة ما زالت الآمال مشابهة للبدايات، أهداف إحلال الأمن والسلم وإسكات صوت البنادق، والتخلص من الأمراض والأوبئة ونقص الغذاء وعدم توافر البيئات الآمنة الصحية والماء النظيف والصرف الصحي، وكذلك الأمراض المجتمعية الأخرى من فساد، رشاوى، محسوبية واستغلال النفوذ سواء النفوذ الديني، السياسي، العرقي، أو الوظيفي والمجتمعي، وأيضا أنواع رهيبة من التمييز العنصري والديني كذلك والقبلي والعنف ضد المرأة والطفل والفئات الأكثر احتياجا، والإقصاء السياسي وتهميش دور الآخر، ومحاولات المستعمر الاقتصادي من طمس الهوية الإفريقية وتحويل المجتمعات الإفريقية لمجتمعات استهلاكية نمطية في خدمة منتجات هذه الدول، أيضا الصراعات القبلية والدولية الحدودية، والجريمة والجريمة المنظمة والجريمة عابرة الحدود، وحديثا التغلب على مشكلات التغير المناخي والبيئي، وتحويل أجزاء من القارة لمسارح عمليات للجماعات الإرهابية وصراع النفوذ بين أقطاب الفكر المتطرف، والاتجار بالبشر وعمليات التهريب وانتهاك حقوق البيئات الطبيعية والحيوان في إفريقيا والتعدي الجائر على الطبيعة، ويأتي كل ذلك مغلفا بقدر غير يسير من سوء الإدارة وإسناد الأمور لغير أهلها، كذلك تحدي حتمية احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والاستفاقة الاقتصادية خاصة مع تداعيات خطيرة نتجت عن أوبئة وأمراض داهمت قطاعات جغرافية ممتدة من مساحة القارة التي تقدر بـ 30.2 مليون متر مربع، وعلى رأس ذلك يأتي وباء كورونا، وهو جزء من أوبئة عديدة سابقة اختصت بها القارة الإفريقية وحدها، الوباء الذي هاجم العالم كله وبائيا واقتصاديا في ذات الوقت، وإفريقيا التي بدا أنها أقل تأثرا بالأرقام المعلنة إلا أن تدهور النظام الصحي وغياب البيانات قبل وبعد كورونا وتداعيات اقتصادية خطيرة واجهت الدول الإفريقية جعلتها الأكثر تدهورا بسبب الأزمة، ثم تأتي الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفها من صراعات دولية وأزمات كبرى تهدد الأمن الغذائي والطاقي في القارة الإفريقية، حيث تأثرت بشدة كل خطط التنمية في معظم الدول الإفريقية، وتعطلت كل جهود الإصلاح سواء الاقتصادي، السياسي والمجتمعي، وكذلك الخريطة الإجمالية للتنمية المستدامة 2063 والتي أطلقت في الذكري الـ 50 لمنظمة الوحدة الإفريقية أو الاتحاد الإفريقي في العام 2013.

بالفعل تأثرت الدول الإفريقية اقتصاديا ومجتمعيا بسبب الأزمات المتلاحقة وظهرت مشاكل عجز الموازنات بسبب زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة الأزمة والإنفاق الحكومي خاصة غير المخطط بصفة عامة، بالإضافة لسوء الإدارة في أحيان أخرى، وتوقف حركة السياحة والطيران والنقل والتجارة الخارجية وتأثر التجارة الداخلية كذلك بسبب الأزمة، بالإضافة لتوقف أو تراجع الطلب وانخفاض أسعار المواد الخام والنفط، وهو يمثل المصدر الرئيس للدخل لمعظم الدول الإفريقية.

وعلى الرغم من دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية الشاملة حيز التنفيذ في العام 2019 وهي تعتبر من أكبر الاتفاقيات التجارية في العالم تتضمن ناتجا محليا إجماليا 3.7 تريليون دولار يتوقع مضاعفته إلى 29 تريليون دولار بحلول العام 2050، إلا أن ذلك لم يستطع المساهمة في تجاوز أزمات ربما تؤثر على إفريقيا لعهود قادمة، بالتوازي مع الصراعات المتجددة والمستمرة في معظم نطاقات القارة الجغرافية.

يأتي شبح الديون الإفريقية، وهي قضية دائمة الطرح إلا أن الأمر أصبح ملحا الآن، ومن منظور مختلف في ظل التغيرات الاقتصادية التي تواجه العالم الآن، وأصبح هدف تخصيص حزم من المساعدات المالية لخلق المحفزات الاقتصادية التي تحتاجها الدول الإفريقية ضرورة، والبحث عن ميثاق عادل ومنصف لآليات تمويل تحتاجها القارة الإفريقية بل يحتاج العالم الآن لاستقرار ونمو القارة الإفريقية التي أصبحت الآن جزءا من اقتصاد وأمن العالم أكثر من أي وقت مضى، بمعني أن الرخاء والاستقرار في القارة الإفريقية يعني مزيدا من الاستقرار والرخاء لشعوب العالم أجمع بشكل غير مباشر.

يبلغ إجمالي ديون القارة من 410 إلى حوالي 600 مليار دولار، وتصل نسبة الدين المحلي في بعض الدول الإفريقية إلى 130 ٪، بينما تتجاوز قيم الدين في عدد 24 دولة إفريقية 55 ٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.

والديون في إفريقية مركبة، وتنسب لعدد من الدائنين، 32 ٪ ديونا لصالح صندوق النقد الدولي، و24 ٪ ديونا لصالح دولة الصين، وهو الرقم الأبرز لصالح دولة وحيدة، بقيمة تتجاوز 148 مليار دولار لعدد 49 دولة إفريقية، الصين التي دعمت دولا إفريقية عديدة في ظل مبادرة الحزام والطريق التي تقدر قيمتها بتريليون دولار موجهة معظمها للبنية التحتية والطرق والموانئ في هذه الدول، وكثيرا ما منحت الصين السلاح والمعدات الأمنية لدول إفريقية في مقابل النفط والمواد الخام، قد تأثرت علاقتها الاقتصادية كثيرا مع دول القارة بسبب التراجع الاقتصادي الذي ساهم في مضاعفة الديون وقيم خدمة الدين، كذلك إفريقيا مدينة لنادي باريس بنسبة 10 ٪ من إجمالي ديونها، ثم 16 ٪ للبنك الدولي، و4 ٪ لمؤسسات قطاع خاص، وأخيرا 15 ٪ لمؤسسات أخرى متعددة الأطراف.

بينما ارتفعت نسبة خدمة الديون الإفريقية من 31 ٪ عام 2013 إلى 128 ٪ في 2020، وما زالت في ارتفاع وصولا للعام 2023، وبالتالي جزء كبير من مدخول الدول الإفريقية يخرج لسداد فوائد الديون، حتى إن دولا إفريقية عجزت عن سداد المستحقات، وحدث ذلك في زامبيا في نوفمبر 2020 وكانت الدولة الأولى ولن تكون الأخيرة، عندما عجزت عن سداد 42.5 مليون دولار قيمة سندات دولية.

مما سبق يتضح جزء من حجم أزمة الديون الإفريقية، وضرورة تكاتف العالم لإنقاذ القارة الإفريقية من مصير مظلم، لو لم يع العالم خطورة الموقف على الجميع وأن الثمن الباهظ للأزمات العالمية لن تستطيع إفريقيا منفردة أن تسدده.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى