تقدير موقف

رامي زهدي يكتب.. التوتر السوداني الإثيوبي.. حلقة متصلة من عدم الثقة

الكاتب رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز العرب للأبحاث والدراسات

“غياب اليقين دائما في حسن نوايا إثيوبيا تجاه كل جيرانها..” 

“التحالفات مع إثيوبيا.. غالبا تحالفات منقوصة..” 

“هل يتطور التوتر بين السودان وإثيوبيا إلي صراع ومواجهة مسلحة” 

“منذ متى كانت لإثيوبيا علاقات جيدة أو تحالف طويل المدى مع أي من جيران إثيوبيا..؟”

أمام تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي “ديميكي ميكونين” والتي يتهم بها بشكل صريح السودان بفتح أراضيه لمقاتلي جبهة تحرير تيجراي ووصف العلاقات بين البلدين “بغير الجيدة”، بينما اعتبر ان الأمر بمثابة إعلان حرب سوادنية ضد بلاده وذلك ضمن تقرير قدمه لمجلس النواب الإثيوبي، أمام هذه التصريحات الرسمية العلنية لأول مرة بهذا المعني وتقرير النواب الإثيوبي نكون أمام منحدر شديد في العلاقات السودانية الإثيوبية وهي في الأساس وطوال الوقت علاقات ضبابية مغلفة بعدم اليقين وسوء الظن من الطرفين،  وربما نتفق مع وصف العلاقات “بعدم الجيدة” وهو المصطلح الذي استخدمه وزير الخارجية الإثيوبي،  ولكننا نسأله أيضا:  “هل يمكن لمعالي الوزير ان يخبرنا… منذ متي كانت لإثيوبيا علاقات جيدة او تحالف طويل المدي مع أي من جيران إثيوبيا..؟”  

لم تكن أبدا إثيوبيا الجارة التي يؤمن شرها…  دائما هي دولة مثيرة للمشكلات مع الجيران،  ولم تسلم اي دولة في محيطها وابعد قليلا من مشكلات إثيوبيا وبالتأكيد السودان ابرز هذه الدول،  لكن ايضا الصومال،  أرض الصومال،  كينيا،  جنوب السودان،  حتي إريتريا و جيبوتي وفي افضل اوضاع العلاقات بينهما وبين إثيوبيا.. كان دائما التحالف منقوص وباب الشك مفتوح علي مصراعيه. 

أرض الفشقة.. ملف سد النهضة.. هي أهم معاول هدم البناء الضعيف للعلاقات السودانية الإثيوبية، فالنزاع الدائم خاصة من العام 2021 علي أرض الفشقة شديدة الخصوبة وهي في الأصل أرض سودانية وايضا ضبابية ملف سد النهضة و فشل الإدارة الإثيوبية في إقناع مصر والسودان بحسن النوايا في ملف المياه، هي كلها اسباب لتصاعد التوتر بين البلدين،  علي الرغم من المحاولات السودانية المتابينة لكسب ود الجانب الإثيوبي او سياسية الوسطية الإستراتيجية في إدارة ملف السد فيما بين مصر وإثيوبيا،  أملا في تحقيق السودان مكاسب إستراتيجية مع الجانبين المصري والإثيوبي وأيضا خطوات نحو حماية أمنها المائي،  إلا ان النظام الحاكم حاليا في إثيوبيا و إهتزاز الوضع السياسي والأمني في السودان كان دائما فرصة لمزيدا من الإستنفار بين الجانبين،  وقد وصلا الطرفان في العام 2021 الي حافة الصدام العسكري المباشر والكامل، حدث ذلك عندما بسط السودان سيطرته على منطقة الفشقة بداية من نوفمبر 2020 فيما يسميه “إعادة انتشار” لقواته داخل الحدود، بينما في المقابل، تصف إثيوبيا تحركات الجيش السوداني بأنها احتلال لأراض إثيوبية، أثناء انشغال الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقتها في معارك طاحنة ضد متمردي تيجراي،  وهنا نلفت النظر الا ان قوات التيجراي المتحالفة مع قوميات أخري كانت أوشكت أن تهزم القوات النظامية الإثيوبية تماما وتسقط نظامها الحاكم بعد أن طوقت العاصمة أديس أبابا تماما،  لولا تدخل قوي دولية خارجية مقدمة يد العون للنظام التركي بناء علي مصالح مشتركة بين هذه القوي وبين النظام الإثيوبي. 

بينمت و بشأن سد النهضة، مازالت ترفض إثيوبيا اشتراطات السودان ومصر بشأن ملء وتشغيل الخزان، بدعوى أحقيتها في تشييد المشروعات المائية الضرورية، دون الاحتكام للاتفاقيات المبرمة في حقبة الاستعمار، وهو ما تعده الخرطوم والقاهرة محاولة للتحكم في مياه النيل.، علي الرغم من أنه وحتي الأن ومنذ العام 2011 لايمكن وصف مشروع السد بالمشروع الناجح،  إنما هو مشروع “متعثر”  أقرب للفشل من النجاح،  لأنه تجاوز مدته الزمنية،  وتعثر ماليا،  ولم تصل حتي الأن اي من نتائجه المرجوة الي مرحلة اليقين الذي لا خلاف عليه،  غير انه مشروع تسبب في مشكلات عديدة مع دولتي المصب مصر والسودان وإنقسام حاد بين بقية دول حوض النيل،  وتوتر شديد في منطقة من أهم مناطق العالم وهي منطقة القرن الإفريقي وبوادر لإحتمالية أول حرب مائية مباشرة في العالم. 

من جانب آخر،  لا يمكن إغفال التحركات والتجهيزات العسكرية من قبل جبهة تحرير تيجراي للسيطرة على منطقة (الحمرة)، تمهيدا للتحرك صوب العمق الإريتري،  و (الحمرة) نقطة استرتيجية علي مقربة ومؤثرة علي حدود الدول الثلاثة (مثلث التوتر الدائم)  إثيوبيا،  السودان و إريتريا،  حيث تخطط قوات تيجراي لمهاجمة الجيش الإريتري المتحالف مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وتسعي قوي تيجراي لكسر شوكة ذلك التحالف. 

منذ نشوب أزمة الفشقة، تتكرر الاتهامات الإثيوبية للسودان بإيواء وتدريب مقاتلي عناصر جبهة تيجراي، حتي ان الإتهامات والتي توزعها دائما اثيوبيا علي الجميع،  طالت مصر ايضا،  لكن الجديد في الأمر ان الإتهام هذه المرة رسمي وعلي لسان وزير خارجية إثيوبيا،  وبالتالي يجب ويتوقع رد رسمي سوداني. 

رغم كل ما تقدم،  لا يتوقع تطور الأمر لمواجهة عسكرية مباشرة لأسباب ذات صلة بضعف الدعم الحكومي للقوات المسلحة في البلدين والأزمات الإقتصادية والسياسية،  لكن وعلي الرغم من عدم واقعية المواجهة العسكرية، إلا أن إتساع هوة الخلاف والتلاسن بين الدولتين هو أمر مرجح جدا للحدوث،  بمعني (سوف يبقي الحال علي ماهو عليه حتي…)  حتي تتغير الظروف السياسية في اي من الدولتين،  وقتها يصبح إما الموائمة والتفاوض او المواجهة العسكرية المباشرة،  ونتوقع وقتها تفوق كامل للجيش السوداني لأسباب ذات صلة بدعم إستراتيجي وعسكري متوقع من دول أخري وأيضا لأن الجيش السوداني مازال في نقطة تفوق نسبي علي نظيره الإثيوبي رغم الظروف الإقتصادية الصعبة في السودان والتي تقابلها ظروف أكثر صعوبة في إثيوبيا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى