حصاد السودان في 2023.. حروبٌ دامية وأزماتٌ إنسانية تلاحق السكان
الخرطوم- مركز العرب
عاش السودان أياماً قاسية منذ إبريل 2023، فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، يعيش البلد في أزماتٍ إنسانية متلاحقة، فما بين سقوط ضحايا بالآلاف من المدنيين، ونزوح الملايين من سكان المدن التي اندلعت فيها الحروب، بالإضافة إلى انهيار الوضع الإنساني في البلاد بشكلٍ كامل، وسط تحذيراتٍ أممية من تفاقم الكارثة وانتشار الأمراض والأوبئة بسبب انتشار الجثث في الشوارع.
- اقرأ أيضا: السودان في أسبوع.. البرهان يجدد إلتزامه بالسلام.. ومجلس الأمن يندد بانتشار العنف في البلاد
ملايين اللاجئين
أدت الحرب التي اندلعت في إبريل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى نزوح 7.1 مليون شخصٍ، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، واصفةً إياها بـ”أكبر أزمة نزوح في العالم”.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة (ستيفان دوغاريك)، إن المعارك الأخيرة وسط البلاد أرغمت 300 ألف شخص على الفرار و”هذه العمليات الجديدة ترفع عدد النازحين إلى 7.1 مليوناً”، بينهم 1.5 مليون لجؤوا إلى البلدان المجاورة.
ومنذ اندلاع الحرب فرَّ نحو 500 ألف نازح إلى ولاية الجزيرة، أغلبهم من العاصمة الخرطوم، التي كانت مركزاً للقتال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية..
وقال المكتب الأممي إن مدينة ود مدني، التي تبعد نحو 100 كيلومتر جنوب شرقي الخرطوم، كانت قد استضافت أكثر من 86 ألف نازح.
انتكاسةٌ إنسانية كبيرة
وأعلن برنامج الأغذية العالمي، الأربعاء، وقف المساعدات الغذائية مؤقتاً في بعض مناطق الجزيرة، فيما وصفه “بالانتكاسة الكبيرة” للجهود الإنسانية في الولاية.
وقال برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، إنه قدم المساعدة إلى 800 ألف شخص في الولاية، منهم العديد من الأُسر التي فرت من القتال في الخرطوم.
ودمر الصراع في السودان البلاد، وأدى إلى مقتل ما يصل إلى 9 آلاف شخص حتى أكتوبر، وفقاً للأمم المتحدة، غير أن النشطاء ومنظمات الأطباء يقولون إن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
وأجبر القتال في ود مدني، العديد من منظمات الإغاثة، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على إجلاء موظفيها من المدينة التي كانت مركزاً للعمليات الإنسانية في البلاد.
بلغ عدد الضحايا 1,146 قتيلاً، بالإضافة إلى اثني عشر ألف جريح، وفقاً لوزارة الصحة السودانية.
ملايين المشردين
وتسبب النزاع في تشريد أكثر من 4.3 مليون شخصٍ من بينهم 3.4 مشرد داخلياً، وما يقرب من مليون لاجئ في (إثيوبيا، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، ومصر).
وحرم النزاع ملايين الأشخاص من الحصول على الأغذية والمياه والمأوى والكهرباء والخدمات الأساسية، بما في ذلك التغذية والرعاية الصحية والتعليم.
جمودٌ سياسي
أشار التقرير إلى تدهور الحالة السياسية بشكلٍ ملحوظ، بسبب استمرار القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ 15 إبريل. وقد تركز العنف في مدن الخرطوم وأم درمان وبحري.
وسيطرت قوات الدعم السريع على معظم العاصمة، وعلى دارفور، باستثناء أجزاء من الفاشر ونيالا، بينما ظلت القوات المسلحة تسيطر على الأجزاء الشمالية والشرقية من البلاد، ومعظم المناطق في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وأشار التقرير إلى عدم نجاح المبادرات الدبلوماسية الإقليمية والدولية في وقف القتال، حيث ظل الجانبان عازمين على تحقيق نصرٍ عسكري.
وفي خضم استمرار العنف، تكثفت جهود السلام الدولية والإقليمية لضمان وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية. وشملت أحدث تلك الجهود (مؤتمر قمة الدول المجاورة للسودان)، الذي نظمته مصر في 13 يوليو. وجمع المؤتمر رؤساء دول وحكومات البلدان المجاورة للسودان، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية.
وقد دعا البيان الختامي الطرفين إلى الالتزام بوقفٍ فوري ومستدام لإطلاق النار، واحترام سيادة السودان وسلامته الإقليمية، وأكد ضرورة إنهاء أي تدخلٍ خارجي.
كما واصلت الجهات الفاعلة المدنية السودانية- بما فيها القوى السياسية، وجماعات حقوق المرأة، وشبكات الشباب، ولجان المقاومة، والمجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية- معارضة الحرب والدعوة إلى الحوار. كما ظهرت عدة مبادراتٍ تقودها النساء تدعو إلى وقف إطلاق النار، وتسلط الضوء على الاحتياجات الإنسانية، وتدين العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
قتالٌ واسع في مدنٍ متعددة
تشهد أنحاء واسعة من السودان قتالاً متفرقاً بين الجيش وقوات الدعم السريع.
في دارفور، تصاعد النزاع إلى عنفٍ منهجي قائم على أساسٍ عرقي ضد المدنيين، وزادت حدة التوترات القبلية. وتسبب الصراع في ولايات جنوب دارفور ووسط دارفور وغرب دارفور في مقتل عشرات الأشخاص ونزوح الآلاف.
كما شهدت ولاية شمال كردفان، وعاصمتها الأبيض، تنازعاً بين الطرفين المتقاتلين. وفي ولاية جنوب كردفان، حاولت عناصر من الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، تحقيق تقدمٍ في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
الوضع الإنساني
أفاد التقرير بحدوث تدهورٍ كبير في حالة حقوق الإنسان وحماية المدنيين، فقد ارتفعت الخسائر والإصابات في صفوف المدنيين، لا سيما في الخرطوم ودارفور، وأدى تصاعد العنف في المناطق المكتظة بالسكان إلى وقوع أعدادٍ كبيرة من الإصابات بين المدنيين، وتدميرٍ واسع النطاق للبنية التحتية.
وعلى الصعيد الإنساني، أوضح التقرير أن النزاع أثَّر بصورةٍ كارثية على الحالة الإنسانية. فقد توقفت الأنشطة الإنسانية بسبب انعدام الأمن على نطاقٍ واسع، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب النهب الواسع للأصول المخصصة للعمل الإنساني.
وحتى قبل النزاع، كان ثلث سكان السودان- أي ما يقرب من 16 مليون شخص- بحاجةٍ إلى المساعدات الإنسانية. وقد ارتفع العدد بعد الحرب إلى ما يقرب من 28 مليون شخص، وهي زيادة بنسبة 57%.
وزادت احتياجات التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 بنسبة 47% لتصل إلى 2.6 مليار دولار، ولكن لم يتم الحصول سوى على 25.7 % من هذا المبلغ.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قد حذرت، أمس الخميس، من أن حوالي ثلاثة ملايين طفل في ولاية الجزيرة السودانية، معرضون للخطر نظراً لتصاعد العنف.
كما أشارت إلى نزوح 150 ألف طفلٍ على الأقل في الولاية، وانقطاع المساعدات الإنسانية العاجلة عنهم.
تعليق المساعدات
فيما أعلن برنامج الأغذية العالمي، تعليق المساعدات الغذائية مؤقتاً في أجزاءٍ من ولاية الجزيرة بالسودان، بسبب اتساع نطاق القتال هناك.
يشار إلى أن أزمةً إنسانية رافقت اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل نيسان الماضي، بعد خلافاتٍ حول خططٍ لدمج الدعم السريع في الجيش، في إطار عمليةٍ سياسية مدعومة دولياً كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات.
مفاوضاتٌ جديدة تعلق عليها الآمال
وفي المقابل أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أنه لا يمانع من الجلوس على طاولة مفاوضاتٍ مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للاتفاق على إنهاء الحرب والبدء في فرض حلولٍ سياسية جديدة.
وقالت منظمة “إيغاد” إنها توصلت إلى اتفاقٍ بين طرفي الصراع للجلوس على طاولة حوارٍ بشكلٍ مباشر، إلا أنها لا تزال تجرى مشاوراتٍ حول المكان الذي سيتم فيه اللقاء المرتقب.
ومن جهته أكد البرهان التزامه بالعملية التفاوضية، مشيراً إلى أنه لن يقبل بأي اتفاق سلامٍ فيه مهانةٌ للقوات المسلحة والشعب السوداني.
وشدد البرهان، خلال كلمة له في منطقة البحر الأحمر العسكرية، عزم الجيش القضاء على ما وصفه “بسرطان قوات الدعم السريع”، لافتاً إلى أن القوات المسلحة ستظل متماسكةً وقوية وصمام أمان السودان.
وقال البرهان إن “بعد ما حدث في ود مدني، بولاية الجزيرة، سيتم محاسبة كل متخاذلٍ ومتهاون، ولا مجاملة في ذلك”.
وأضاف: “إننا سننتصر بعزيمة وإصرار القوات المسلحة والشعب السوداني، وسنقاتل لدحر وهزيمة الميليشيا المتمردة وأعوانها من القوى السياسية التي تسعى إلى حكم البلاد عبر أشلاء الشعب السوداني، ونقول لهم لو أردتم حكم السودان فلن يكون إلا عبر الانتخابات”، مضيفاً: “النصر سيكون حليفنا”.
وناشد البرهان الجميع بعدم الالتفات لمروجي الشائعات، التي يطلقها العملاء، وتستهدف التشكيك في القوات المسلحة والشعب السوداني، وبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين.
وأوضح: “نطمئن المواطنين بأن الجيش سيقاتل لآخر جندي حتي ينعم أهل السودان بالأمن والاستقرار، ولن تسقط القوات المسلحة، مبيناً أن كل من تعاون مع المليشيا المتمردة سيدفع ثمن تعاونه”.
وتطرَّق البرهان إلى الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع تجاه المواطنين والأعيان المدنية.
وقال: “نستغرب من حديثها بأنهم سيحمون مواطني المناطق التي احتلوها، وزاد قائلاً: “كيف يستقم ذلك والميليشيا تحتل المنازل وتنهب في نفس الوقت؟!”، منوها إلى أن العالم شهد بفظائع الميليشيا الإرهابية ضد المواطنين وتدمير البنيات التحتية للدولة.
وانتقد البرهان بعض القوى السياسية التي ظلت تطلق الشعارات والأكاذيب التي تستهدف وحدة الصف الوطني والقوات المسلحة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب