د. محمد جبريل العرفي يكتب.. مواجهة المشروع العدمي تتطلب التفريق بين الحاجة للحوار ونوايا الخديعة
عاملان يحكمان نجاح تحقيق الأهداف، هما التنظيم والمشروع، بمعنى نجاح المشروع يتطلب تنظيما، فكثير من المشاريع فشلت لأنها لم تبن على تنظيم فعال لإقامتها، كما أن كثيرا من التنظيمات اندثرت نتيجة غياب المشروع القابل للتحقيق، وكثيرا من التنظيمات تبنت مشاريع وهمية أو عسفية فلم تنجح تلك المشاريع وبالتالي انتهت التنظيمات.
قوة التنظيم تنبع من رسوخ عقيدة أعضائه، أي إيمانهم برؤية التنظيم، يجب الاعتراف بأن ليبيا منذ 2011 وقعت تحت سيطرة قوة منظمة وعندها مشروع، رغم أنها تسعى لتحقيق مشروع عدمي تدميري، ظلامي تكفيري، استغلالي تغريبي.
العوامل المحركة لإقامة أي مشروع، هي المال والسلاح، التنظيم العدمي استولى على المال منذ 2011 وشرع في توظيفه لتحقيق مشروعه، لكنه اصطدم بصخرة صماء تشاركه في ملكية العنصر الثاني للقوة وهو السلاح. ولهذا كل جهود التنظيم العدمي منذ 2013 إلى الآن تنصب في إزاحة هذه الصخرة من أمام مشروعهم، بوسائل مختلفة، منها المسلح العنيف، ومنها الناعم المخادع.
المواجهة المسلحة حققت نتائج ملموسة على الأرض بتطهير ثلاثة أرباع ليبيا من أتباع ذلك المشروع العدمي، لكن التدخل العسكري الأجنبي المباشر أوقف التقدم لتطهير بقية الوطن، أي أن الصراع المسلح هي اللعبة التي تتقن فنونها الصخرة الصماء.
لكن الخطورة تكمن في الأسلوب الناعم المخادع، هذا النهج بدأ من هيئة صياغة الدستور، وعندما تم إفشال تمرير دستورهم، استبدل المسار الدستوري بالصخيرات، وعندما فشل مسار الصخيرات ظهر مسار جنيف، وعندما فشلت جنيف بدأ مسار جديد، يتمثل في حوارات لدحرجة الأزمة وليس حلها، يجري جر القوات المسلحة إلى هذه الحوارات، بحجج ومبررات مختلفة وبطرح مبادرات فاشلة.
نخشى أن يكون الهدف هو إلباس فرو حمل وديع على ظهر ثعلب مخادع، أو قيام القوة العدمية بتقسيم الأدوار، فطرف يحاور ويفاوض، وطرف آخر يتآمر ويعد العدة للحرب، من السهل رصد هاتين الظاهرتين، فالأولى متمثلة في حوارات ولقاءات اجتماعية وسياسية وعسكرية في الداخل والخارج، بينما المجموعة الأخرى تعمل على تكديس الأسلحة وتحشيد المقاتلين، ووضع الخطط لإزاحة الصخرة الصماء.
ما نخشاه أن يؤدي التعويل على الحوارات الخادعة، أن ينجح العدميون في خلق وسط جماهيري يشكك في ضرورة وحتمية المواجهة المسلحة، كما أنه قد يؤدي إلى خلق حالة من الاسترخاء، فتضعف الجهوزية للمواجهة، وتخفض درجات الطوارئ، مما قد يسهل على العدميين عملية الاختراق.
رغم هذه المحاذير فإن هناك جوانب مضيئة وإيجابية ممكن استنتاجها، أولها أن السلطة مفسدة للعقيدة، لأن السلطة تجلب المال، والمال مدعاة للتنافس بين البشر، وهذه ثغرة وجب البحث عنها، لأن كثيرا من العقائديين تخلو عن عقيدتهم مقابل بريق المال، وهذا مرض أصيبت به جماعة الإخوان منذ وصولها إلى السلطة في عاصمتها عام 2012 علاوة على أن بعض قادة المجموعات المسلحة غير عقائديين، ولا يثبتون مع حلفاء دائمين، بل يصطفون مع من يكفل لهم مصالحهم. فبعد عقد من الصراع كثير منهم يسعى لتحقيق أمرين هما، أن يبرأ مما اقترف، وأن يبرد بما نهب، هؤلاء قد يمكن تحييدهم، باللقاءات بهم وطمأنتهم ووعدهم بتحقيق هذين المطلبين.
والإيجابية الثانية تتمثل في أن اللقاء بين الليبيين يؤدي إلى فرز وعزل العقائديين المتطرفين عن الوسط الجماهيري الطيب، فالاجتماع التحضيري للمصالحة كان نموذجا لذلك، حيث هجم أنصار المفتن على قاعة الاجتماع فتصدى لهم بعض من رموز فبراير.
المسار الحواري الناعم قد يفيد لو تم الشروع فيه، وفي الذهن أنه قد يكون مجرد خدعة، وبالتالي وضع الخطط والاستراتيجيات التي ترفع القدرات القتالية، وكأنه لا يوجد حوار، وكذلك تحصين الحاضنة الاجتماعية بتوعيتها بما يجري، ورفع استعدادها لتقبل ومواجهة كل النتائج لكل البدائل. هذه مسؤولية القوة الوطنية التي من واجبها تنظيم نفسها وتجذير الوعي وتقدم الصفوف.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب