رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. مافيات حكومة الظل النفط يغذيها وقيادة الجيش تعرقلها

الحالة الليبية منذ 2011 لم تختلف أو تتحسن بتغير المجالس المنتخبة أو الحكومات المشكلة.

السبب وجود حكومة ظل من المافيات التي تتوحد في الأهداف رغم الاختلافات الظاهرية التي قد تصل إلى درجة التقاتل. ورغم الاختلافات الجهوية، فهي تنتشر في الغرب والشرق والجنوب.

هذه المافيات تشكل ائتلافا رباعيا بين النهابين، وحملة السلاح، وعصابات الجريمة المنظمة، وفقهاء السلاطين. استحوذت على دخل النفط ومدخرات المجنب، ومارست تجارة المدخرات والتهريب. المال تتحكم فيه مافيا أغدقت السلاح على الميليشيات فشكلت بها قوة للإرهاب والابتزاز، وتمويل الجريمة المنظمة من تجارة المخدرات والسلاح والبشر والتهريب وغسيل الأموال، وجندت فقهاء السلاطين لتسويغ أعمالهم، على رأس هؤلاء مفتي الإرهاب.

وبهذا تشكل ائتلاف رباعي يتبادل المصالح، فمهما انتخبت من مجالس أو تشكلت من حكومات فلن يتغير في الأمر شيء، فيتم بأساليب الترويع والتطميع، ترويض أي سلطة تشريعية أو تنفيذية، وهذا خبرناه منذ تشكيل المجلس الانتقالي والحكومة النابعة عنه، فلن ننسى شريعة المسدس الذي أشهر على رأس عبدالجليل. ولن ننسى توابيت المؤتمر الوطني، أو السلطة التي فوق الكيب، أو ملابس زيدان الداخلية، أو هتك عرض دوغة، وصولاً إلى مجلس النواب، ابتداء من حكومة (لا لي) إلى ضحكة الصخيرات وحكومة السراج النابعة منها، وصريرات جنيف وما أنتجت من رئاسي المقاتلة وعائلة النهب.

الانقسام السياسي ولد تقاسم الغنائم والنهب، كل مافيا أصبحت تنهب وتعبث في المنطقة التي اقتطعتها من ليبيا، هذه المافيا في حاجة إلى أدوات تبرر أفعالها وتخدر الجماهير بأكاذيبها، فكانت أبواق الإعلام المأجور والمضلل، من قنوات مرئية ومواقع إلكترونية، وتم شراء ذمم فقهاء السلاطين، الذين تخلوا عن الجهاد ضد الغبن، وتناسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان ظالم»، فلم يصدحوا بمواجهة الظلم، أو أضعف الإيمان يبغضونه بقلوبهم، لكن معظمهم انبرى لتبريره والدفاع عنه، وفي حسن الأحوال سكت عنه، أو إلهاء الناس بقضايا ثانوية منفصلة عن الواقع، مما يهدد بكارثة دينية ستؤدي بعد جيل أو اثنين إلى انقلاب في عقيدة المجتمع والابتعاد عن الأخلاق والشعائر الإسلامية، وبالتالي التفريط في العقيدة. وزادت سطوة المافيات بتوظيفها للسلاح الممول من الأموال الواقعة تحت سلطة محافظ المصرف.

إذن مهما تغيرت الحكومات فلن يتحسن الوضع، بل الأخطر يكمن في أن ينتخب برلمان ميليشياوية مافياوي، وهذا حتما سيحصل لأنه لا يفوز في الانتخابات إلا الأثرياء فقط ودائماً، والآن الثروة في حوزة مافيات النهب والمخدرات والتهريب.
نحن تجاوزنا الحالة العراقية، ونزحف نحو الحالة اللبنانية، حيث تحولت الميليشيات إلى أجسام سياسية استولت على مجلس النواب وحولته إلى كتل ميليشياوية، لبنان الآن مهدد بالاندثار بعد ثلاثين سنة عن اتفاق الطائف لأن الميليشيات استولت على التشريع والرقابة، وبالتالي التنفيذ، فلا تستغربوا إن جرت الانتخابات في الوضع الحالي أن تنج كتلة برلمانية لتجار المخدرات وكتلة مهربي البشر وكتلة الإرهابيين ومهربي الأسلحة، وكتلة التكفير والتفخيخ والظلامية.

هذا الوضع يروق لكل الأجسام السياسية في المشهد الليبي، كما تدعمه الأطراف الأجنبية المتدخلة سلبيا في الشأن الليبي، لأنه يهمها أن تستمر الأرض الليبية مستباحة وثروتها منهوبة، وأن تبقى ليبيا دولة مفككة ضعيفة..
ولهذا نشاهد ماراثونات الحوار الفارغة، واللقاءات الفلكلورية، والمبادرات الفاشلة، والتي في مجملها لن تنتج حلولا جذرية، بل تحافظ على إدارة الأزمة بقصد استمرارها دون حل.

الهدف المخفي لقيادات حكومة الظل أن يتمكن الإرهابيون من حكم ليبيا، ولكن ما يعرقل تنفيذ أهدافهم هو قيادة القوات المسلحة، ولإزاحة هذه الصخرة الصماء، تحاك المؤامرات، وتجهز المفخخات، وتسير المسيرات، ويجند العملاء، ويغرر بالبسطاء، ويحشد الحلفاء، وتجرى الحوارات، وتصاغ المبادرات، وتعقد المؤتمرات.

السؤال الملح: هل من القدر أن تستمر هذه المعاناة التي يحياها الليبيون، أم أنه يمكن وقفها والنهوض بليبيا من جديد؟
ليس أمام القوى الوطنية إلا تجذير الوعي ورص الصفوف لقيادة تيار مدني سلمي، بحماية القوات المسلحة العربية الليبية.
وعلى الليبيين وخصومهم وأعدائهم أن يدركوا، أن حركة التاريخ علمتنا، أن الفساد يراكم الثروة، فتتعمق الفروق، فيتولد الغبن، فتتفجر الثورة، الآن نحن وصلنا إلى مرحلة الغبن، فالثورة أصبحت في الأفق، وقودها الشعب المغبون، ولكن الله يعلم نتائجها.. اللهم فاشهد.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى