رأي

 الدكتورة لمياء عفرة يكتب.. القوة الناعمة في مصر.. أداة لتعزيز المكانة الإقليمية والدولية

القوة الناعمة في مصر تُعد من أبرز العوامل المؤثرة في توجيه الرأي العام، وامتدت أدوارها إلى تحقيق مصالح الدولة وتعزيز مكانتها إقليميًا ودوليًا. مصر كدولة ذات تاريخ عريق وتراث غني، تستخدم قواها الناعمة لتعزيز صورتها ومكانتها عبر أدوات عدة؛ منها الثقافة، والفن، والتعليم، والدبلوماسية الشعبية، والقيم المجتمعية، ما يعكس هويتها وتنوعها الحضاري العريق. وتعود أهمية هذه القوى إلى قدرتها على تحقيق التواصل والتفاعل بين الشعوب بعيدًا عن الوسائل التقليدية.

تمثل الثقافة المصرية جانبًا أساسيًا من هذه القوة الناعمة؛ حيث إن الإرث الثقافي الذي يجمع بين الحضارة الفرعونية والإسلامية والقبطية، أسهم في جعل مصر قبلة للمهتمين بالتاريخ والثقافة من مختلف أنحاء العالم. وتُعد المواقع الأثرية مثل الأهرامات ومعبد الكرنك وقلعة صلاح الدين، رمزًا للتراث المصري، وتجذب ملايين السياح سنويًا، مما يعزز الصورة الإيجابية لمصر ويحقق الترويج السياحي والثقافي. كما يسهم التفاعل مع الثقافات الأخرى، مثل إقامة المهرجانات السينمائية والمعارض الفنية، في نشر الثقافة المصرية وتعزيز التبادل الثقافي.

الفن المصري، بتمثيله في السينما والمسرح والموسيقى، له دورٌ كبير في القوة الناعمة لمصر. عبر عقود، أثرت السينما المصرية في العالم العربي، واعتبرت مصر مركزًا لصناعة الأفلام في المنطقة، مما جعلها “هوليوود الشرق”. الأفلام والأعمال الدرامية المصرية لا تمثل فقط الواقع المصري، بل تقدم صورة عما يعيشه المواطن العربي بشكل عام، ما يسهم في تعزيز التواصل بين الشعوب العربية، وينقل صورة حية عن المجتمع المصري. كما أن الأغاني والموسيقى المصرية تنتشر في العالم العربي، وتُعبِّر عن مشاعر مشتركة بين الناس، مما يسهم في إيجاد لغة مشتركة وأرضية للتفاهم والاتحاد.

التعليم يعدّ أيضًا إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة في مصر. المؤسسات التعليمية المصرية، كالأزهر الشريف والجامعات المصرية، تُعد مرجعًا مهمًا في العالم العربي والإسلامي، حيث تستقطب آلاف الطلاب من مختلف الدول، مما يتيح فرص التبادل العلمي والثقافي، ويعزز الروابط بين مصر ودول العالم. الأزهر الشريف، بمكانته التاريخية كمؤسسة تعليمية إسلامية، يملك تأثيرًا واسعًا في العالم الإسلامي، ويشكل أداة لنشر الإسلام الوسطي والتفاعل مع القضايا الدينية بطرق عقلانية وسلمية، ما يسهم في نشر الفكر المستنير، والحد من الفكر المتطرف.

الدبلوماسية الشعبية كذلك تمثل إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية. فالشعب المصري بكرمه وانفتاحه وترحيبه بالآخرين، يعكس صورة إيجابية عن مصر، ويسهم في تحسين العلاقات مع الشعوب الأخرى. ويأتي في هذا السياق دور البعثات الثقافية المصرية بالخارج، وأدوار الجاليات المصرية في الدول الأخرى، التي تعمل على تمثيل مصر بشكل إيجابي، وتساعد على تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وهذه الدول.

كما تلعب القيم المجتمعية المصرية دورًا في تعزيز القوة الناعمة؛ فالمجتمع المصري يتميز بالقيم الإنسانية والأخلاقية كالكرم والضيافة والتسامح، ما يعكس صورة إيجابية لمصر ويخلق حالة من التعاطف والتقدير. وتنعكس هذه القيم في المواقف الإنسانية والمساعدات التي تقدمها مصر للدول المحتاجة أو المجاورة في أوقات الأزمات، ما يعزز من مصداقية مصر كدولة داعمة للأمن والسلم الإقليمي والدولي.

بناءً على ذلك، تعدّ القوة الناعمة المصرية أداة فعالة في تعزيز صورة الدولة وإقامة علاقات قوية مع الدول الأخرى. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه القوى، مثل التنافس الإقليمي وتحديات العولمة، فإن مصر تتمكن عبر التركيز على نقاط القوة في ثقافتها وتراثها، والاستثمار في التعليم والفن والدبلوماسية الشعبية، من المحافظة على مكانتها كلاعب محوري في الساحتين الإقليمية والدولية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى