“روسيا”
روسيا تبحث من جديد عن تأثير الإتحاد السويفتي القديم المفقود , الذي اختفي وجوده في العالم بنهاية العام 1991 ليدخل العالم في دائرة قطب الغرب الأوحد وتظهر يد الولايات المتحدة الأمريكية القوية ممسكة بكل الموضوعات والملفات في العالم طوال عقد كامل علي الأقل منذ 1991 حتي 2001 وبدء حرب الولايات المتحدة الأمريكية المعلنة ضد الإرهاب في العالم في نقاط محددة في العراق، افغانستان ودول اخري، قبل ان يعود القطب الروسي مرة أخري بالتوازي مع تراجع تدريجي بطئ للمعسكر الغربي، وأدركت روسيا ان اهم مناطق المناورات الإستراتيچية بالنسبة لها وقتها والأن ومستقبلا هي افريقيا , افريقيا التى تمتلك أدوات جيوسياسية واقتصادية قوية يمكن تطويعها لدعم خطط العودة والسيطرة المهموم بها الإتحاد الروسى منذ العام 2006 تقريبا بعد تعضيد اركان الحكم والسياسة فى روسيا، إفريقيا قارة التأثير المرجحة في النظام العالمي الجديد، الذي يبدو انه لن يستطيع اصحاب النظام العالمي المزمع تشيكله هزيمة او محو او تفكيك النظام القديم او القائم على الإطلاق , ولكنهم علي الأقل يمتلكون كل الثقة من قدراتهم علي توسعة النظام الحالي وتعديله ليشمل قوي صاعدة متعددة في العالم الجديد او المتجدد والفرق بين الجديد والمتجدد واضح, فبعض القوى الصاعدة الحالية جديدة تماما على المشهد العالمى بينما قوى اخرى قديمة تجدد وتغير من منهجيتها للتعاطى مع الظروف والمتغيرات الغيرنمطية والغير متوقعة التى أصابت العالم فى أخر 10 أعوام على الأقل, وسوف تكون الكتلة الإفريقية جزء مبهر من هذا النظام خاصة وسط سعي قوي العالم لتواصل ايجابي مع القارة يتم فيه اصلاح عيوب وسقاطات التحالفات السابقة مع القارة واستحداث تحالفات جديدة يتم بنائها من خلال علاقات تشاركية متوازنة متكافئة يحظي جميع اطرافها بالعدالة والندية والإحترام والمنافع المشتركة من خلال استرايچية “رابح رابح” وهى الأن الإستراتيجية الوحيدة التى يقبلها الأفارقة الذين قدموا كثيرا دون مقابل , وواجهوا منفردين كل الظروف الصعبة دون دعم او مساندة حقيقية مخلصة شريفة او بغير هدف مصالح من منظورطرف واحد حتى لو كانت ضد او عكس مصالح الشعوب الإفريقية.
- اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. قراءة في المشهد السوداني
“إفريقيا”
القارة الأهم، الأبرز، الأغني وايضا الأفقر، الأتعس و الأكثر بؤساَ، بعد تقريبا مايقارب ال100 عام من الإستقلال تبحث دول القارة عن حرية تامة، وسيادة كاملة وإرادة حقيقة في ان تختار ما تشاء من شكل ونوع وشخصية التحالفات مع العالم، وان تقطع كل ود يصلها بقوي دولية كبرى مارست عبر عقود سياسيات استعمارية مباشرة وغير مباشرة وغير شريفة علي الإطلاق تجاه القارة واتصالاَ بالسيطرة علي مقدرات ومكتسبات وثروات الشعوب الإفريقية التي تعاني الأزمات في ابسط صور عدم توافر مبادئ وأساسيات الحياة الكريمة البسيطة وتعاني نسب كبيرة من شعوب القارة من الجوع، العطش، المرض، الجهل بينما تنعم دول عديدة في العالم بخيرات وثروات القارة.
“القمة الروسية الإفريقية الأولي في العام 2019 في سوتشي”
القمة الأولى عقدت في مدينة (سوتشي) فى 24 أكتوبر من العام 2019 وكانت تمثل أول إصدار إفريقي روسى فى شكل قمم دولية , حيث تكررت أكثر من مرة وفى أكثر من صورة بين إفريقيا كطرف وبين أطراف دولية أخرى , كان منها (على سبيل المثال دون ترتيب او حصر) القمة الألمانية الإفريقية , البريطانية الإفريقية , قمة الإتحاد الاوروبى وأفريقيا ببروكسل , اليابانية الإفريقية , الصينية الإفريقية, الأمريكية الإفريقية , وقمم فرنسة افريقية لموضوعات محددة مثل دعم المرحلة الإنتقالية فى السودان او قمة أليات التمويل، في وقت لم تكن التشابكات الدولية ودوائر الصراعات فى العالم بهذا التعقيد وبهذه الدرجة من الخطورة , وكانت أزمات القارة غذاء , طاقة , امن وسلم لكن كانت بالتوازى جهود دول عديدة فى القارة فى تحقيق التنمية المستدامة متحركة للأمام حتى ولو بسرعات بطيئة لكن رأس السهم كانت مؤشرة للأمام., وقتها اتفق الجانبان الروسى والإفريقي (ترأس القمة فى ذلك الوقت روسيا ممثلة فى الرئيس الروسى فلادمير بوتن , ومصر ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى حيث كانت مصر رئيس الإتحاد الإفريقي وقتها) في ختام القمة على إقامة منتدى شراكة روسية – إفريقية، لتنسيق تطوير العلاقات الروسية الإفريقية، وجعل قمة روسيا – إفريقيا كهيئة عليا لها تنعقد مرة كل ثلاث سنوات، فضلا عن عقد مشاورات سياسية سنوية بين وزراء خارجية روسيا والدول الإفريقية التي تتولى الرئاسة الحالية والسابقة والمستقبلة للاتحاد الإفريقي في الفترة بين انعقاد القمم.. وقد تم التوقيع على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات في ختام القمة بلغت قيمتها تريليون روبل فى ذلك الوقت.
البيان الختامي للقمة الأولى أكد أهمية التعاون الوثيق في تنفيذ أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتأكد من أن الأمم المتحدة تلعب دورًا نشطًا في الشؤون الدولية، ولا سيما في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتنسيق الجهود لإصلاح الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، وكذلك دعم قدرتها على مواجهة التحديات والتهديدات العالمية القائمة والجديدة.
وشدد البيان الختامي للقمة الأولى على أهمية تعزيز الحوكمة العالمية والنظر في إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مع مراعاة الحقائق الجيوسياسية، بهدف جعله هيئة أكثر تمثيلا من خلال ضمان مشاركة أكبر للدول الإفريقية، مشيرا إلى ضرورة إجراء مشاورات منتظمة بين البعثة الدائمة لروسيا والبعثات الدائمة للدول الإفريقية لدى الأمم المتحدة.
وأفاد بأن القمة الروسية – الإفريقية الأولى أولت اهتماما بمواصلة تعزيز الاتصالات والتنسيق بين روسيا والأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من بين الدول الإفريقية، بهدف تعزيز المصالح المشتركة، فضلا عن تطوير التعاون داخل المنظمات الدولية الأخرى وتقديم أكبر قدر من الدعم المتبادل عند إجراء انتخابات مجالس إدارتها واتخاذ القرارات بشأن القضايا ذات الأهمية الخاصة لروسيا الاتحادية والدول الإفريقية.
وأكد أهمية تعزيز الشراكة والتعاون بين دول “البريكس” والإفريقية، بهدف دعم الآليات الجماعية للحوكمة العالمية في إطار نظام متعدد الأقطاب للعلاقات الدولية، مع قيام الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة بدور هام، فضلا عن تسهيل تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في سياق الثورة الصناعية الرابعة.
كذلك دعم البيان الختامي للقمة الأولى أهمية مكافحة الإرهاب الدولي بجميع أشكاله ومظاهره، وكذلك التطرف والجريمة عبر الدول والحدود والاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، لافتا إلى أن دعم التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف يأتي وقفا للقانون الدولي، وذلك في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
وشددت القمة الأولى على ضرورة تنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والتطرف، بما ذلك تنفيذ البرامج المشتركة لبناء القدرات اللازمة للدول الإفريقية التي تطلب ذلك وتدريب أفراد بعثات حفظ السلام الأفريقية في المؤسسات التعليمية المتخصصة في روسيا، منوها إلى أهمية مواصلة التعاون الوثيق لحل ومنع النزاعات في إفريقيا كجزء من مبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020 التي أطلقها الاتحاد الإفريقي، مشددا على ضرورة أن تستمر مبادرة الحلول الإفريقية الرئيسية للمشاكل الإفريقية كأساس لحل الصراعات.
وأكدت القمة على أهمية تعزيز التعاون في بناء السلام والتنمية بعد انتهاء الصراع في القارة الإفريقية، من خلال برامج بناء القدرات ومشروعات الهياكل الأساسية، مع الترحيب بالدور الذي يمكن أن يلعبه مركز إعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع التابع للاتحاد الإفريقي في هذا الصدد.
البيان الختامي للقمة الأولى أكد أهمية توحيد الجهود لتعزيز التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة وجعل النظام الاقتصادي العالمي أكثر توجهاً نحو المجتمع والعمل على معارضة مظاهر الأحادية والحمائية والتمييز، وكذلك دعم نظام التجارة العالمي القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية، مطالبا بالعمل على توسيع التجارة بين روسيا والدول الإفريقية، بما في ذلك عن طريق زيادة حصة المنتجات الزراعية في عمليات الاستيراد والتصدير وكذلك تشجيع المشاركة النشطة لمجتمع الأعمال في الأحداث، مثل المعارض والمؤتمرات في روسيا والدول الإفريقية والمساهمة في إقامة آليات شراكة جديدة مماثلة بين الجانبين الروسي والإفريقي.
بالإضافة لأهمية تعزيز التعاون في مجال أمن الطاقة، بما في ذلك تنويع مصادر الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة وتنفيذ المشروعات المشتركة في مجال الطاقة النووية ومواصلة تعاون متبادل المنفعة في مجالي الغاز والنفط، و ضرورة الاهتمام بتسهيل التعاون في المشروعات البحثية المشتركة ودعم التعاون الجامعي وتنظيم المؤتمرات والندوات العلمية، والتدريب المشترك، والتعاون في المجال الأكاديمي، وكذلك تعزيز التعاون في مجالات الثقافة والتعليم والتكنولوجيا والرياضة والرعاية الصحية والسياحة ووسائل الإعلام.
وكذلك أهمية دراسة آفاق التعاون لمنع الكوارث الطبيعية والأوبئة والتخفيف من حدتها، ومناقشة سبل تعزيز التعاون في مجالات، مثل المساعدة الإنسانية ومكافحة تغير المناخ والجفاف والتصحر والوقاية من الكوارث الطبيعية والتخفيف من حدتها، وكذلك رصد حالات الطوارئ والتنبؤ بها، و أهمية الجهود للتصدي لتغير المناخ في إفريقيا ونقل التكنولوجيات اللازمة وبناء القدرات وتعزيز قدرات الدول الإفريقية على بناء قدرتها على الصمود والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.
“القمة الروسية الإفريقية الثانية 2023 في سان بطرسبرج”
من 26 الي 29 يوليو من العام 2023، تبدأ اعمال القمة الروسية الإفريقية الأهم والأبرز علي الإطلاق علي مستوي ثنائية العلاقات الروسية الإفريقية بل انها تمثل قمة هرم الصعود المتنامي خلال السنوات الأخيرة في علاقات الإتحاد الروسي مع القارة الإفريقية كدول فرادي وكمشمول القارة بشكل عام بالتوازي مع علاقات استراتيچية مباشرة وثيقة بين روسيا ودول افريقية كبري مؤثرة في محيطها القاري والدولي منها مصر، جنوب افريقيا التي تتشارك عضوية تجمع بريكس مع روسيا، الجزائر، اثيوبيا، ودول أخري،
يفتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس 27 يوليو 2023، القمة الروسية الإفريقية الثانية في مدينة (سانت بطرسبرج)، والتي تعتبر الحدث الرئيسي في العلاقات بين الجانبين في ضوء أنها ستحدد تطور هذه العلاقات في السنوات المقبلة وستسهم في بناء نظام عالمي أكثر عدلاً ومتعدد الأقطاب.
ويرتكز المنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي – الإفريقي الثاني، على دعم (موسكو) لتعزيز السيادة الإفريقية وحماية المصالح السياسية لدول القارة، بما في ذلك توسيع تمثيل الدول الإفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة العشرين.، وسط إيمان كامل مشترك بين طرفي القمة سواء دول القارة الإفريقية او روسيا ان الطرفان معاَ أقوي كثيراَ وأن كلاَ منهما يملك أوجه دعم مباشر وغير مباشر غير محدود للآخر وهو ما يجعل بناء هذه العلاقة بناء وثيق الجذور وإن كان يظل دائما موضع تهديد وإستهداف من القوي الغربية المنافسة للإتحاد الروسي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحتي من المعسكر الشرقي ذاته من قوي مثل الصين، الهند حيث تحرص كلا منهما علي وضعها القوي في القارة الإفريقية ولايشفع لهما عضويتهم جميعا بالإضافة الي روسيا في تجمع بريكس من التنافس فيما بينهم.، وتحدي أخر يهدد عمق البناء الروسي الإفريقي هو تعدد الدول الإفريقية (54 دولة) لايمكن الجزم ابدا بدرجة توافقها العام خاصة وان كل دولة لها امكانيات، قدرات، اهداف ومصالح مختلفة بل ان معظمها له ارتباط وثيق بقوي غربية او شرقية في اطار تنافس قوي مع الإتحاد الروسي، ولا يمكن ابدا إغفال تأثير ودور لدول مثل فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، ألمانيا، بيلچيكا، البرتغال في القارة الإفريقية بالإضافة للصين، الهند، اليابان، إيران وحتي إسرائيل وتركيا أيضا والكتلة الخليجية خاصة الإقتصادية متمثلة في المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والكويت.
وقد سبقت القمة ترتيبات واستعدات للاستعداد لمسار القمة التي يسعى خلالها الطرفان إلى الخروج بأكبر قدر من التوافق في الرؤى والأهداف حيث تمت مجموعة من الزيارات والاتصالات المتبادلة على مستوى القادة والمسؤولين في روسيا ودول أفريقية، من بينها الجولات الأفريقية المتعددة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وسط تمهيد مسبق لمعظم الملفات والقضايا المنتظر المضى قدما فى تناولها أملا فى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق بين جميع الأطراف حول هذه الملفات, ربما ابرزها الملفات السياسية والإقتصادية ومنها ممالاشك فيه ملف “الحبوب الغذائية” , والرؤية تجاه “الحرب الروسية الأوكرانية”.
حيث تسعى روسيا لكسر الحواجز العالمية والعقبات التى صدرت ضدها منذ فبراير 2022 وبداية الحرب الروسية الأوكرانية و وربما تعتقد روسيا ان نطاقا متسعا من الأعمال والأفاق الإقتصادية ممتد داخل القارة الإفريقية قد يكون طوق إنقاذ للإتحاد الروسى الذى تأثر بشدة بسبب الحصار الغربى ضده حتى وان بدا او صرح الروس بغير ذلك , وبالتأكيد تأسيس شراكات جديدة على كافة المستويات ومنها القطاعات الخاصة والمدنية قد يضيف مزيدا من القوة للموقف الروسى فى العالم بينما بالنسبة لإفريقيا سوف يكون عليها تقييم هذه الفرص فى ظل أدوار بديلة لروسيا دائما فى دائرة العرض على الدول الإفريقية, فى وقت تزدهر فيه الجيوسياسية الإفريقية وتخرج قليلا خارج إطار “نحن لمن يدفع” او “من يدفع أكثر أنا معه”.
إفريقيا تمثل بالنسبة للإتحاد الروسى , كتلة سياسية مؤثرة , أصوات داعمة فى المؤسسات الدولية , مساحة جغرافية ممكنة لتنفيذ خطط التمدد الإستراتيجى الروسى سواء الأمنى , العسكرى او الإستخباراتى , بينما تمثل القارة مورد هام للطاقة والمواد الخام , والمواد الأولية للغذاء والدواء والصناعات فى وقت تتسع فيها الأسواق الإفريقية لإستعياب البضائع والمنتجات الروسية , ومنها الألية الصناعية العسكرية الروسية وبرامج التدريب والتنظيم العسكرية , وتمتلك أفريقيا سيطرة على الممرات الأهم فى العالم سواء البحر الأحمر , البحر المتوسط بالإضافة للمحيطات الكبرى والجبال والمضايق المهمة, كما ان ديمغرافية السكان فى القارة الإفريقية التى تمثل فئة الشباب فيه حوالى 70% فى بعض التقديرات بمتوسط اعمار 19-20 عام وهذه الفئة هى مستقبل العالم لأنها الفئة الأقدر على العمل والكسب والإنفاق وقيادة التجمعات والمشاريع الإنمائية فى العالم وبالتالى الشعوب الإفريقية تمثل على مستوى التركيبة السكانية قوة عمل وإنتاج وإستهلاك كامنة مهمة لروسيا وللعالم.
ومن الأمور الهامة ان روسيا شطبت في وقت سابق ديوناً بقيمة 20 مليار دولار لدول من القارة السمراء، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الجلسة العامة للمؤتمر البرلماني الدولي «روسيا وأفريقيا في عالم متعدد الأقطاب» هذا العام، والذي ذكر أن بلاده تعطي الأولوية للتعاون مع دول القارة السمراء وستمضي في ذلك بينما يقدر حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية بنحو 18 مليار دولار في العام 2022، وتعتقد روسيا دائما أن هذا التبادل «يتزايد كل عام» وقبل جائحة كورونا تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين الـ20 مليار دولار في العام 2018. وتؤمن موسكو بأن دول القارة ستصبح أحد المحاور الرائدة في تشكيل النظام العالمي. ويتوافق ذلك مع مساعي روسيا إلى عالم متعدد الأقطاب, وبالنسبة لتقدير حجم الإستثمار الروسى المباشروغير المباشر فإنه يتخطى حاجز ال22 مليار دولار أمريكى فى عموم القارة الإفريقية , ولكن الأرقام ليست هنا مطابقة مع توقعات او امكانيات الطرفان وربما بدت الأرقام الفعلية أقل كثيرا من مستوى النيات الطيبة المعلنة من الطرفين للتعاون المشترك , خاصة واننا نتحدث عن قارة بمساحة 30.38 مليون كم مربع , وعدد سكان 1.4 مليار او يزيد (تقديرات الأرقام والمعلومات الرقمية فى القارة ليست دائما دقيقة).
“موضوعات فوق الطاولة”
استعراض ما تم من تقدم منذ القمة الأولي في العام 2019 والتي عقدت في سوشي ومثلت وقتها بوادر تغيير جوهري في توجه الإتحاد الروسي الإستراتيچي الخارجي، وفي هذه القمة اتفق الجانبان على إقامة منتدى شراكة روسية – إفريقية، لتنسيق تطوير العلاقات الروسية الإفريقية، وجعل قمة روسيا – إفريقيا كهيئة عليا لها تنعقد مرة كل ثلاث سنوات، فضلا عن عقد مشاورات سياسية سنوية بين وزراء خارجية روسيا والدول الإفريقية، كما توقيع عدد من الإتفاقيات الإقتصادية والعسكرية تجاوزت قيمتها وقتها تيرليون روبل روسية, الا ان اربعة أعوام مابين القمة الأولى والثانية تعنى الكثير ويمكن قياس وتقييم عدد من ملفات التعاون التى تم التوافق عليها مابين القمتين وقياس درجات التقدم والتحديات وعوامل الـتأخير , خاصة وان روسيا مازالت الى الأن الأقل فى حجم الإستثمارات المباشرة , التجارة البينية , الدعم ملفات ومشروعات التنمية , المنح والقروض بالنسبة للقارة الإفريقية بالمقارنة بالقوى الأساسية المتنافسة مع الإتحاد الروسى وهى مجموعة دول الإتحاد الأوروبى , الولايات المتحدة الأمريكية والصين التى مازالت متوفقة على الجميع وتسبق الكل بخطوات مؤثرة داخل القارة الإفريقية, وبخلاف التعاون العسكرى , صفقات الأسلحة والذخيرة , البرامج العسكرية المتبادلة , التدريب والمناورات العسكرية المشتركة , بالإضافة لملف الحبوب والغذاء لم تقدم روسيا مايقنع 54 دولة أفريقية وان بدا التعاون الروسى مع بعض الدول الإفريقية اقوى من غيرها الا انه لم يطال عدد غير قليل من الدول خاصة الأصغر والأكثر فقرا.
المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية وتبعات الحرب الإقتصادية والإنسانية على القارة الإفريقية سوف تكون من الموضوعات المحورية فى القمة , وكذلك فرص تمدد تجمع بيركس لتطال العضوية أكثر من دولة أفريقية منها مصر , نيجيريا , السنغال والجزائر وهى دول أبدت إهتماما بالفعل او طلبت رسميا الإنضمام للتجمع , خاصة وان أجتماعات التجمع مخطط لها شهر اغسطس من العام 2023 لمناقشة امور متعددة منها توسيع نطاق التجمع وضم عدة دول تنطبق عليها أحكام تجمع بريكس.
“تحديات ونقاط أقل إيجابية”
– بالتأكيد هناك أطراف عديدة فى العالم تسعى لوضع حد للتمدد الروسى فى إفريقيا , وهذه الأطراف الدولية تمتلك من الأدوات مايمكنها من تعطيل جزئ على الأقل لهذا التمدد بطرق مختلفة منها الضغوط الدولية , العقوبات , استخدام علاقتها المباشرة مع عدد او كل الدول الإفريقية ومحاولة تقديم بدائل حاسمة عن الدور الروسى المرجو.
– الإقتصاد الروسى فى حد ذاته وفى ظل ظروف الحرب الحالية وطول أمد الصراع الدولى يمثل تحديا كبيرا على الإتحاد الروسى لأن إفريقيا بالتأكيد تتنظر منح , قروض , إعفاء من فوائد قروض , ودعم مباشر لملفات الغذاء والطاقة والأزمات الإنسانية , وبدون هذا المنح تظل العلاقات الروسية الإفريقية فى مراحلة النيات الحسنة دون واقع ملموس.
– من دون تقديم تغيير مؤثر لدول القارة , سوف تظل دول القارة فى إطار علاقتها مع بدائل تبدو أكثر ترجيحا لتحل محل الدور الروسى.
– على الإتحاد الروسى استخدام شمولية التعاون لكافة دول القارة ال54 لأن هناك دول لم تدخل حتى الأن فى اى من اطارات العلاقات الروسية الإفريقية التشاركية المرجوة.
– العقوبات والعقبات المتوقعة التى قد تنتهجها الولايات المتحدة الإمريكية وهى المنافس الرئيس للدور الروسى ضد الدول الإفريقية الأكثر دخولا فى إطار التعاون الروسى الإفريقي كنوع من الضغط على هذه الدول وتوجيه إرداتها بما يخدم الإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.
– الدور السياسى السلبى للإتحاد الروسى فى بعض الصراعات والأزمات الإفريقية , إما بالتداخل لدعم طرف ضد أخر أو لعدم التدخل على الإطلاق رغم ما يمكن لروسيا من أدوار مؤثرة ممكنة لدعم جهود إحلال الأمن والسلم فى القارة دون تدخل او توجيه لإرادة الشعوب الإفريقية.
“نتائج مرجوة ومتوقعة”
– تنفيذ حقيقى لخارطة طريق التعاون الروسى الإفريقي والإنتقال من مرحلة “التعهدات الى الإلتزام ثم التنفيذ الفعلى لهذه التعهدات” وهو اطار تحرص مصر دائما على استخدامه وقد استخدم فى قمة الأمم المتحدة للأطراف المناخية عندما اعلنت مصر انه أن الأون لتحول التعهدات الى التنفيذ.
– دخول قوى مؤثر للإتحاد الروسى لحل أزمة الغذاء والحبوب خاصة بعد إنسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب, وربما ايجاد أليات بديلة للإتفاقية تتضمن للدول الإفريقية الإبقاء على أنصبتها من واردات الحبوب بأسعار تنافسية , او شروط ميسرة او إعفاء كامل ومنح لبعض الدول خاصة الدول الأكثر فقرا فى القارة.
– ظهور أدوار أكثر قوة وأكثر تأثيرا للقطاعات الخاصة والمجتمعات المدنية فى روسيا وإفريقيا لتعضيد فرص التعاون والشراكة الإيجابية بين الطرفين.
– تطبيق فعلى لأليات دفع وتبادل تجارى ميسرة بين الطرفين سواء إطلاق التعامل بالعملات الوطنية المحلية , او بالعملة الروسية , او استحداث عملة جديدة او حتى أليات مقايضة وتبادل تتيح للدول الإفريقية التعاطى مع مشكلات النقد والصرف والأنظمة البنكية التى تأثرت بالعقوبات الدولية على روسيا وقد تتأثر أكثر فى المستقبل مما يهدد إعتمادية التبادل التجارى بين الطرفين.
– أليات أكثر حسما وواقعية لدور روسي قوى لدعم دول القارة خاصة فى قضية مواجهة التغيرات المناخية و الأمن الغذائى , والطاقى , والطاقات البديلة , النظيفة والمتجددة.
– دعم روسى حقيقي لملفات ومشروعات التنمية فى القارة.
– توفير غطاء من المزايا التفاضلية للبضائع الإفريقية فى شكلها النهائى للولوج للسوق الروسى الممتد , وكذلك إطلاق تعريفات واضحة لعوامل الإنتاج , والتجارة الرقمية وتجارة الخدمات والشحن المرجحة بين الطرفين.
“مصر والقمة”
فى القمة الأولى كان الحضور المصرى قوى جدا وكانت مصر فى موضع الرئاسة المشتركة للقمة , حيث تشارك الرئيسان بوتين والرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة القمة لأن مصر وقتها كانت رئيس الإتحاد الإفريقيى , بينما فى القمة الثانية ورغم ان مصر ليست على رأس الإتحاد الإفريقي الا انها حاضرة وبقوة , ومنتظر مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى ضمن أكثر من 40 رئيس إفريقيى متوقع حضورهم , حيث وجهت الدعوة ل 54 دولة دون إستثناء , مصر تحضر كالعادة فى كل القمم بأجندة عمل قوية , وواقعية وممنهجة لدعم القارة الإفريقية , بينما تحضر مصر القمة بعدة أدوار , منها أنها رئيس للذراع الإنمائى للإتحاد الإفريقي النيباد , وعضو مؤثر فى الكوميسا , واحد ابرز دول الإتفاقية الشاملة للتجارة الإفريقية الحرة , كما ان مصر احد الدول المشتركة فى المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية.
قضايا الإرهاب , الأمن والسلم , الدعم الإنسانى للقارة , وحل مشكلات الغذاء والطاقة بالإضافة لقضية تراكم الديون ودعم جهود توطيد التجارات البينية بين الدول الإفريقية بعضها البعض وبين إفريقيا والعالم وخاصة الإتحاد الروسى وملف توحيد الجهود لدعم البينات التحتية بالقارة هى موضوعات حاضرة دائمة لدى الإدارة المصرية فى مثل هذه القمم , ودائما يتميز العرض المصرى بالشمولية والواقعية وإدراج فرص الحلول الممكنة والمرجحة جنبا الى جنب مع المشكلات المعروضة.
مصادر:
– موقع الخارجية الروسية.
– جريدة روسيا اليوم.
– موقع الإتحاد الإفريقي.
– كتابات ودراسات سابقة لنفس المحلل السياسى.
– مواقع صحفية مصرية متعددة.
– موقع وزارة الخارجية المصرية والهيئة العامة للإستعلامات.
– بيان السفارة الروسية بالقاهرة حول القمة الروسية الإفريقية الأولى 2019 , والثانية 2023