الكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. الباحثون عن تجديد الخطاب
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
بعد مرور أربعة عشر قرنًا من الزمن، ادرك اليوم بعض القيادات الاسلامية ضرورة البحث عن الطريق المستقيم لرسالة الاسلام والسلام، بعد ما انتقلت عدوى التشويه المتعمد لرسالة الرحمة والعدل والحرية والسلام فى هذا العصر، وما انتشرت فيه الفتنة والتحريض على القتل وتكفير الناس واستباحت الاوطان وتشريد أهلها وتدمير مدنهم وقراهم، فبداء البحث عن بدائل للخطاب الديني لوقف سفك الدماء، وتحقيق الامن للناس وحماية حقهم فى الوجود والحرية ومنع الاعتداء عليهم ووضع حد للأوصياء على دين الاسلام تحقيقا لحرية العقيدة وتأمين الاستقرار.
- اقرأ أيضا: الحلقة الـ16 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
تلك الدعوة للتجديد دعى اليها سيادة الرئيس المصري منذ خمس سنوات دون ان تجد دعوته لها أي تجاوب من المؤسسات الدينية والسبب ان تعدد الخطاب الديني وتناقضاته مع بعض المرجعيات المذهبية، حيث تتمثل فيما يلي (الخطاب الوهابي/ الخطاب الشافعي/ والخطاب التكفيري/ والخطاب الحنفي/ والخطاب الإخواني/ والخطاب المالكي / والخطاب الحنبلي/ والخطاب الأشعري / والخطاب الاباضي / والخطاب الشيعي)، وتعدده لدى عقائدهم وغيرها من المرجعيات التى لا تعترف ببعضها فى رواياتهم وتشريعاتهم، وامام تعدد الخطاب الديني يحتاج الى معجزة الهية لتجديد الخطاب الديني.
ومن أجل معالجة الإشكالية للمرجعيات الدينية المختلفة والمتناقضة والمتصارعة فى الماضى والحاضر علينا البحث المتجرد والمخلص لمعرفة سبيل إنقاذ رسالة الاسلام مما شابها من تشويه واعتداء ظالم ساهم فيه كثير من المجتهدين السابقين الذين استقل كل منهم بمذهبه ومصادر تشريعه فتفرق المسلمون الى طوائف وجماعات تقاتل بعضها البعض على مدى أربعة عشر قرنًا سقط فى معاركهم مئات الآلاف من المسلمين الابرياء وهدمت المدن والقرى وساد الظلم والقهر والاستبداد والسؤال الملح كيف يتحقق حل تلك الاشكالية من اجل اتباع مرجعية واحدة تعتمد على خطاب واحد؟
لذلك فمن المستحيل توحيد المرجعيات المذكورة اعلاه فالسبيل الوحيد اذا كنا نبحث عن خطاب واحد تتوفر فيه كلما ينفع الناس ويحمى حقهم فى الحياة ويحقق لهم الأمان والاستقرار يدعو الناس للرحمة ويأمرهم بان يحكموا بالعدل ويحرم الاعتداء على الناس ويحرم قتل النفس الا بالحق ويمنح الناس حرية الاختيار فى عقائدهم ويرسم خارطة الطريق لحياتهم يدعوهم للتمسك بالفضيلة والاخلاق الكريمة دون استعلاء على الناس، يأمرهم بنشر السلام والتعاون فيما بينهم يدعوهم لتعمير الارض والاستفادة بالاكتشافات والعلم لاستغلال كنوز الارض لمصلحة الانسان ليتحقق له العيش الكريم يسعى لعبادة الله ويعمل لتأمين رزقه يحمي أسرته ويرعاها، الخطاب الذي ينظم العلاقات الاجتماعية على اساس من الرحمة والعدل يحقق المساواة بين الناس، الغني والفقير، القوي والضعيف، امام العدالة سواء لا ميزة لانسان على غيره إلا العمل الصالح وما ينفع الناس الخطاب واحد من اله واحد يبلغه رسول الله للناس ليدخلوا فى دين الاسلام ورسالة السلام، وضع سبحانه فى كتابه الكريم السبيل لاتباع الطريق المستقيم فى قوله سبحانه (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177)، ولذلك واختصاراً للجهد وتوفيراً للوقت واستعراضًا للقرون التى مرت على المسلمين فى صراع وقتال تفرقوا الى فرق وطوائف ومذاهب كل مذهب له خطاب خاص به يدافع عنه حتى الموت ويعتبره مرجعيته الوحيدة فى عبادته وعقيدته التى أنتجت أمثال داعش والقاعدة والاخوان يقتلون الابرياء ويفسدون فى الارض ويحاربون الله ورسوله.
ولذلك كان الخطاب الالهي فى دعوته للناس واضحا ومحذرا من اتباع غير كتابه الذى انزله على رسوله الكريم فى قوله سبحانه (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2)، تكليف الرسول عليه السلام بتبليغ كتاب الله الكريم للناس جميعًا ويسيروا على هديه، ثم تأتي الآية الثانية امر الله لهم باتباع كتاب الله وحده وعدم اتباع كتب وأقوال واحاديث اخرى حيث يقول سبحانه (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3)، نهــــــــــي صريح للمسلمين بعــــــــدم اتبــاع كتب غير قـــــــــرآنــه حتى لا تتفرق بهم السبل، وذلك ماحدث حينما ابتعدوا عن كتاب الله فتفرقت بهم السبل وانتشرت بينهم الفتن وحل الخلاف بينهم بدلًا من الاتفاق والله يأمرهم بقوله سبحانه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103)، فعصوا أمر الله فأذاقهم التشتت والصراع والتناحر وقتل بعضهم البعض بالرغم من التحذير الالهي بقوله سبحانه (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46)، وحين يخاطب الله رسوله بقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(المائدة: 67)، ليجيبه الرسول حيث يقول الله سبحانه (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30).
اليست هذه الآية إدانة للمسلمين من رسولهم الكريم بانهم هجروا القرآن واتبعوا مارواه الشيطان فضلوا الطريق ونسو االله فانساهم أنفسهم ليجيبه الله سبحانه بقوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 159)، وهذه الآية تؤكد تفرق المسلمين الى شيعا وطوائف وفرق، لانهم تركوا القرآن وهجروه. وتبرأ الرسول من التقصير فى تبليغ الناس بخطاب الله لهم فقد ادى الامانة. ونصح الأمة وأكمل مهمته عليه السلام والله سبحانه أعطى حرية الاختيار للناس فى قوله سبحانه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى (123) وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى (126)) (طه: 123 – 126)، فليختار كل إنسان على مسؤليته الطريق الذى سيحاسب على اساسه يوم القيامة يومها (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) (الشعراء: 88 – 89)