الحلقة الـ22 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
في الحلقة الثانية والعشرين من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يتحدث المؤلف عن نسف الله سبحانه كافة الروايات التى نقلت افتراء على الرسول بأن الله أمره بفرض دخول الناس فى الإسلام بالسيف أو بالإكراه افتراء كاذبا على المنهج الإلهي، مستدلا بما ورد في الخطاب الإلهي القرآن الكريم وأن مهمة الرسول تبليغ الناس بالقرآن وبالمنهج الاسلامي ، وحسابهم سيكون فقط عند الله الرحمن الرحيم، ويبين الكاتب أن الله سبحانه وتعالى أعطي الأمان حتى للمشرك، لأنه تعالى منحه الحرية فى الإيمان به أو الشرك، وله حرية الاختيار ، وأن علي المسلم أن يعرض عليه رسالة الإسلام التى جاءت فى آيات القرآن الحكيم،بما فيها تلك القيم النبيلة والتعاليم الاسلامية التي ترتقى بالإنسان وأخلاقياته ،مبينا أنّ المجرمين َالَّذِين يعتدونَ على النّاسِ ويستبيحونَ أرضَهم وينهبون ثرواتِهم ويقتلونَ الأبرياءَ باسمِ الإسلام، هو منهم بريء، وسيكون جزاؤهم جهنمَ وبئسَ المصيرِ.
- اقرأ أيضا: الحلقة الـ17 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع.
إنَّ الخطابَ الإلهي شَمَلَ تشريعاتٍ عِدّة ومِنها تشريعٌ فيما يتعلقُ بالِقتالِ في سبيلِ اللهِ،فقد وضع الله تشريعًا وقاعدة تحدد متى يكون القتال بين الناس بقوله سُبحانَهُ وتعالى:
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190)
وهو الحقُّ المشروعُ لكلِّ الناسِ للدفاع عن النفس والممتلكات وعن الأسرة والاعراض والأوطان وضد التعدّى على حقوق الناس بكل السبل والوسائل التي تردّ الاعتداء أو تعيد الحقوق لأصحابها، وهذا التشريع ليس موجهًا لقوم غير قومٍ أو لأصحابِ ديانةٍ دون أخرى إنّما هو تشريع إلهّي عامٌّ للناس جميعًا.
- هذه الآيةُ الكريمُةُ حدّدتْ بكلِّ وضوحٍ مُقاتلةَ المعتدينَ، والّذينَ جَاءوا للقتالِ أو الاعتداء على أناس مسالمين، ولذا فإنّ كلَّ آيات القتالِ التي جاءتْ في القرآن الكريمِ، والتي تَحُثُّ على القتالِ منضبطة وفق التشريع الإلهي الذي تضمنته الآية المذكورة أعلاه، وما عدا ذلك من آيات متعددة ذُكر فيها القتالُ وكيفية القتال في مواجهة المعتدين إنّما هي تعليمات إلهية تنظم طرقَ القتالِ، و كلّها تندرجُ تحتَ حُكم القاعدةِ الأساسيّةِ في الآيةِ المذكورةِ أعلاهُ وفي حالاتٍ محدّدةٍ تكونَ مقاتلةُ المعتدينَ كما يلي:
- أولًا: في حالةِ نقض ِعهودِ السلامِ بينَ الطرفينْ، واستعداد أحدهما للهجوم المباغت على الطرف المزمع الاعتداء عليه.
- ثانيًا: في حالة ِالاعتداء المباشرِ على الآمنين في القرى والمدن ومواجهة العدوان بكل القدرات المتاحة.
- ثالثًا: في حالةِ التجهيزِ والإعداد لتدريب الجيوش وتسليحها لصد الهجمات من قِبلِ الأعداءِ الذين جاءوا لقِتال ِالـمسلمينَ.
- رابعًا: الاعتداء والغاراتُ المستمرةُ على الآمنين واستباحة أراضيِهم ونَهْب ِثَرَواتِهم وسبْي نِسائِهم واستباحة حرماتهم.
كلُّ تلكَ الحالات ِالمذكورةِ تتفقُ تَمامًا مَع الآية المذكورةِ أعلاهُ، وبالرّغمِ من أن الله أعطى للناس حق الدفاع عن النفس والأوطان، نجده سبحانه رحمة بالناس ولتقليل الخسائر دعا لتشجيع الصلح بينهم للاتفاق على وقف الحرب وتضميد الجراح، وتحقيق السلام بينهم ووضَعَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى القاعدة التالية قوله
﴿وَإِن جَنَحوا لِلسَّلم ِفَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُو َالسَّميعُ العَليمُ﴾(الأنفال آية61).
وذلك ممّا يؤكّدُ مرادَ اللهِ في الآيات المذكورةِ أعلاه، بشأنِ الدفاعِ عَنِ النّفسِ وعَدمِ الاعتداءعلى الغيـرِ وتُؤسّس لِتِلكَ القاعدةِ الآيات التّاليةُ
دعوة الناس لعدم الاقتتال فيما بينهم ليعيشوا جميعا فى أمن وسلام كما يلى :
1) قوله تعالى ﴿وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانَا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورًا﴾(الإسراء 33)
2) قوله تعالى ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمَ وَلَا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكَمْ رَحِيمًا﴾(النساء 29) وقوله تعالى ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسرائيل أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفَسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾(المائدة 32)
إذا كان َالسابقونَ وفقَ قدراتِهم المعرفّيةِ، فاتَهم التدقيقُ والتمحيصُ في مراد ِاللهِ فلم يُفّرقوا في تشريع اللهِ ومرادهِ بأنّه سُبحانَهُ وضَع َقواعدَ تشريعية ًتحكمُ تصرفاتِ الناس على أسسٍ من العَدالةِ والرحمة وتقليل الخسائر في الأرواح، وعندما عجزوا في استجلاءِ تلك المقاصدِ اعتبروا الآيات التى توضح أثناء الحرب طرق القتال وفن التلاحم فى الحروب إنما هي دعوة للقتال وأنها نَسختِ القاعدةَ الرئيسيةَ التي وُضعتْ في حقِّ الدفاعِ عن النفسِ والتي جاءت في قوله تعالى
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل ِاللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190)
ولم يستطيعوا إدراك مقاصد الآيات رحمة بعباده حين تصوروا أن قتال الأبرياء يرضى الله عنهم، ويدخلهم الجنة، فكر مريض ونفوس اختلط فيها الحقد والكراهية والسعار واتبعوا تفاسير وروايات فى خدمة الإجرام وازهاق النفوس البريئة افتروا على الله ورسوله يصفهم الله سبحان بقوله
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) يونس (69)
ان كل ما وَردَ في القرآن الكريم ِمن آيات القتالِ، فهي بين تشريع للدفاع عن النفس وبين طرق القتال وكيفية مواجهة الأعداء وما يتطلبه من الإعداد الجيد من تدريب وتسليح، لردع العدوان والدفاع عن الوطن والنفس والأعراض وعدم الاعتداء كما جاء فى التشريع الإلهي فيما سبق وأصبحت قواعد الحكمٍ عام ٍيتبعه الناس علمًا بأنَّ الآية المذكورةَ تضمنّتْ أمرَ اللهِ بعدمِ الاعتداء على الإطلاقِ على الناس.
فلقد قررت الآية المذكورة ُشروطَ القتال ومبرراته، وقد جاءت بعدها في سور عدة آيات متعدّدة تتحدّث عن القتالِ، تشرحُ فيها طرقًا للقتال أثناءَ المعاركِ الدفاعية، وأيضًا يتعلمُ منها المسلمون إدارةَ القتالِ وأساليبَهُ أثناءَ المعارك وليست أوامر للمسلمين بقتل من لا يؤمن بدينهم على الإطلاق وقد نهى الله سبحانه وهو يخاطب رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99)
وتأكيدًا لذلك فالله سبحانه وتعالى يقول﴿ وَقُل ِالحَقّ ُمِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمهُلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا﴾ (الكهف29)، وكلتا الآيتين تقرران أن الله سبحانه منح الحرية المطلقة للناس حقًّا كفله الله للناس في اختيار العقيدة التي يتعبدون بها دون إكراه أو فرض إضافة إلى ذلك فالله يأمرنا فى حالة الانتصار على المعتدى بالاستجابة لطلبهم الجنوح للسلام بقوله سبحانه
﴿وَإِن جَنَحوا لِلسَّلم ِفَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُو َالسَّميعُ العَليمُ﴾ (الأنفال آية61).
فيجب على المنتصر قبول السَّلام رحمةً بالناس لتقليل الخسائر وحقنًا للدماء كما أنّهُ سبحانه وضع تشريعًا للأسرى وكيفية التعامل معهم فإمّا مَنًّا وإمّا فِداءً كما جاء في قوله سبحانه
﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾(محمد4)
فأعطى مَن لديه أسرى حرية الاختيار بين أن يطلق سراح الأسير تكرمًا وإما أن يتم أخذ الفدية من قومه في سبيل إطلاقه وإعطائه حريته دون أن يمسه الأذى أو التعذيب مراعاة لحقوقه الإنسانية التى وضع الله تشريعاتها للناس جميعا.
تلك القواعد الإنسانية رحمة بالناس أَمَرَ الله الناس باتباعها، ولكنهم للأسف اتخذوا الروايات التي تنفث سموم خطاب الكراهية والقسوة وقد وصفهم الله سبحانه بقوله
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ (البقرة10).
فالله سبحانه لا يريد لعباده القتل، بسبب العقيدة والعبادة فهو سبحانه القاضي وحده على الناس في أمور العقائد، وأعطاهم الحَق للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأراضيهم وأموالهم فلا حروب دينية ولا عدوان إلا على المعتدين الظالمين كما قال تعالى لرسوله
﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾(الغاشية 22 وقوله تعالى (وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ ۗ وَمَا جَعَلْنَٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍۢ) الأنعام (107) وقوله تعالى ﴿مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها﴾(الإسراء15)
ليظل حق الإنسان مقدسًا في اختيار عقيدته وطريق عبادته، فلا وصي عليه من البشر رسول كان أنبي أو أيا من خلقه حسابه مع ربه تأكيدا لقوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم
(وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ) الرعد (40)
بهذه الآية ينسف الله سبحانه كافة الروايات التى نقلت افتراء على الرسول بأن الله أمره بفرض دخول الناس فى الإسلام بالسيف أو بالإكراه افتراء كاذبا على المنهج الإلهي يؤكد سبحانه فى الآية المذكورة أعلاه بأن مهمة الرسول تبليغ الناس بالقرآن وبالمنهج الاسلامي أما فيما يتعلق بحسابهم سيكون فقط عند الله الرحمن الرحيم الذى يدعو عباده بأنه قريب يجيب دعوتهم لما يصلح حالهم فى كل زمان ومكان .
إنّ عدمَ الاعتداء يتضمنُ الامتناعَ عن كلِّ الوسائلِ العدوانيّةِ، التي من شأنها استفزازُ الطرفِ الآخر أو الإضرارِ بمصالحِهِ أو الاستيلاء على أرضه أو التهجّمِ عليه ِبمختلف الوسائل أو نشر الإشاعات لإثارة الفتنة داخل المجتمع الواحد لتهديد الأمن والاستقرار فكلُّ تلك َالحالات ِتؤسسُ مناخًا للاقتتالِ وما تحدثهُ الحروبُ من أضرارٍ وكوارثَ تسيلُ فيها دماءِ الأبرياءِ والأطفالِ والكهولِ، وما يتم حرقهُ من بشر ٍوماشيةٍ وشجرٍ. ذلك َيتعارض مع ما يريدهُ اللهُ لخلقهِ من حياةٍ آمنةٍ مستقرةٍ يتبادلُ فيها الناسُ المنافعَ ويعيشون حياةً كريمةً في رخاء وسلام.
وهؤلاءِ الّذين يقاتلون في سبيلِ اللهِ دفاعًا عن أوطانهم، وعن ْأعراضِهم وأموالِهم، هم وحَدَهُم الَّذِين اختصّهم اللهُ بتكريمهم ويحتَسبُهم عندَهُ شهداء تأكيدًا لقوله تعالى
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمْوَاتًا بَلْ أحْيَاءٌ عِند َرِبهِم ْيُرْزَقُونَ﴾﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُون َبِالَّذِين َلَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خلْفِهِم ْأَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِم ْوَلَا هُم ْيَحْزَنُونَ﴾(آل عمران 169-170).
كلّ آيات القتالِ التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريمِ، لم تكن تعني الأمر بقتل الناس ظلمًا وعدوانًا، ولكنها تعتبر تعليماتٍ قتاليةً دفاعية في مواجهة الأعداء، في حالة الاعتداء على المسالمين وأسلوبًا في طريقة التعامل وقت القتال، فالله سبحانه وضع قاعدة القتال في سبيل الله بقوله تعالى
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْوَلَا تَعْتَدُوا إِنّ َاللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمعْتَدِينَ﴾(البقرة 190).
ومن يريد أن يقاتلَ في سبيل الله ويلتزم بما عاهد الله عليه بالتقيد بمنهـج الله سبحانه وتشريعه فعليه الالتزامُ بأمرِ الله ِفي القتال في سبيله كما ذكرتها الآية أعلاه فى حالة الدفاع فقط وتأكيدًا لتلك التعليمات قالَ تعالى
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة 8-9)
وهذه الآية تضع قاعد تشريعية للمنهج الالهي بعدم قتال الذين لم يبدأوا بالقتال ويحمل المسلمين مسئولية رعايتهم بالبر ومعاملتهم بالحسنى والمحافظة على أمنهم وسلامتهم وحينما نرى بعض المسلمين الذين اتبعوا أولياء الشيطان ورواياتهم المسمومة يقتلون الأبرياء من الإخوة الأقباط فى جمهورية مصر العربية الامنين من اطفال ونساء وكهول فأي دين أولئك يؤمنون ويخالفون آيات الله ويعتدون ويقتلون ويسفكون الدماء فبأي حق يفعلون ومن عينهم نيابة عن الله يقضون على الناس ويحكمون
لقد وضع الله للناس قاعدة للعدل وحدّد لهم دواعي القتال أساسها الدفاع عن الأوطان وحماية الحقوق وردع الظالمين ومن يتوانى عن الدفاع عن دياره وحقوقه ويستسلم للمعتدين خوفًا أو ممالأة أو التعاون معهم بعدما اعتدوا عليه وأخرجوه من دياره ظلمًا وعدوانًا ولم يقاومهم ويردّ عدوانهم فيصبح هو من الظالمين لأنه عصى أمر الله وما جاء في الآية المذكورة أعلاه.
لذلك فالله سبحانَه رحيم ٌبعباده، يريد لهم الخير والسلامة وتقليل الخسائر بيـن الطرفيـن، حينما وضع قاعدة السلام في الآية السابقة كما أنّ الله سبحانه وضع قواعدَ للأسرى وكيفية التعامل معهم على أرقى القيمَ الإنسانية وكيفيّةَ معاملة ِالأسرى بأن يتم إطلاق سراحهم بالفدية أو دون مقابل عند انتهاء الحرب، وهذه القاعدة تفوق وتسبق معاهدة جنيف الدولية بشأن أسرى الحروب .
ويبيّن لنا الخطابُ الإلهي في القرآن الكريم قاعدة أخرى تعزّز قيم الإسلام واحترام حقَوق الإنسان والتعامل معه برفق في حال طلب المساعدة بقوله تعالى
﴿ وَإِن أحَدٌ مِنَ المشُرِكينَ استجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلام َاللَّهِ ثُمَّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾(التوبة6)
حتى المشرك لأن الله منحه الحرية فى الإيمان به أو الشرك فله حرية الاختيار أمر المسلم اذا استجار به فعلى المسلم أن يحميه ويأمنه ليصل الى المكان الذى يتحقق له فيه أمنه وأن يعرض عليه رسالة الاسلام التى جاءت فى آيات القرآن الحكيم تلك القيم النبيلة والتعاليم الاسلامية ترتقى بالإنسان وأخلاقياته .
إنّ المجرمين َالَّذِين يعتدونَ على النّاسِ ويستبيحونَ أرضَهم وينهبون ثرواتِهم ويقتلونَ الأبرياءَ باسمِ الإسلام، والإسلام بريءٌ منهم سيكون جزاؤهم جهنمَ وبئسَ المصيرِ عملًا بقوله تعالى
﴿ الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا﴾﴿أولـئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رِبّهِم وَلِقائِه ِفَحَبِطَت أعمالُهُم فَلا نُقيم ُلَهُم يَومَ القِيامَة ِوَزنًا﴾﴿ذلِكَ جَزاؤُهُم جَهَنَّمُ بِما كَفَروا وَاتَّخَذوا آياتي وَرُسُلي هُزُوًا﴾(الكهف(104-106).
إنَّ وعد الله حق فذلك ما ينتظر الفرق الإجرامية حين ارتكبت جريمتين شنيعتين، إحداهما الافتراء على الله ورسوله بروايات كاذبة لتشويه الإسلام وتوظيفه في خدمة مآربهم الإجرامية وعقابهم عند الله عظيم، وكانوا مستهدفين إبعاد القرآن عن الناس لكي لا يكون المنهج الذى يجب أن يتبع لما فيه خير النا س وما يحققه من أمن واستقرار يدفع المجتمعات الإنسانية وخاصة العربية للتنمية والتطور ويعيش الناس جميعا فى أمن وسلام .
والجريمة الثانية قتل النفس البريئة التي حرم الله، واستباحتهم أموال الناس وأكل أموالهم بالباطل، فقد حذرهم الله بقوله سبحانه مخاطبا رسوله الكريم
(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوٓاْ أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٍۢ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الأنعام (151 )
وقد حذر الله سبحانه الذين يسعون الفساد فى الارض بعذاب عظيم فى الدنيا والآخرة بقوله تعالى
﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة 33).