ليلى موسى تكتب.. فوبيا سيفر يطارد السلطات التركية بعد قرن من الزمن
في تاريخ 16 يناير صرح الرئيس التركي أردوغان عقب اجتماع مجلس الوزراء الرئاسي بقوله “لن نتوقف حتى ندمر كل أوكار الإرهابيين التي أقيمت بنوايا خبيثة في سوريا، من تل رفعت إلى عين العرب، ومن الحسكة إلى منبج.. لقد أزعجت العمليات عبر الحدود حسابات أولئك الذين يواصلون تغيير الخرائط على الأجندة، وأولئك الذين يفرضون معاهدة سيفر جديدة على منطقتنا”.
بعد تأسيس الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، بتكاتف أبناء المنطقة وتلاحمهم بكافة مكوناتهم الإثنية والعقائدية بعد نجاحات عظيمة حققوها على الإرهاب، وقدموا نموذجاً يحتذى على مستوى المنطقة لما حققوه من صمود ونجاحات ومكاسب على الرغم من التحديات والعراقيل واستمرارية الأزمة السورية، عادت تركيا التي عملت طوال الأزمة السورية على تمرير أجنداتها، مجدداً بقصف البنى التحتية الخدمية، بحيث تقطع جميع سبل العيش أمام أبناء المنطقة ودفعهم إلى الهجرة، بعد أن فشلت في فرض أجنداتها بالكامل، وإن تمكنت من تحقيق جزئي منها، عبر احتلالها بعض المناطق ومصادرة قرار المعارضة السورية المرتهنة لها، والحفاظ على استمرارية الفوضى وحالة اللااستقرار عبر دعم الإرهاب بكافة السبل.
جميع تدخلاتها في سوريا والعراق التي تسوغها بمبررات وحجج واهية تندرج ضمن إطار استراتيجيتها القائمة على تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج.
بالعودة إلى معاهدة سيفر التي صيغت عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية والتي أشارت إلى ضرورة وجود دولة كردية مستقلة حين ذاك ضمن الحدود السياسية التركية الحديثة بالإضافة إلى ولاية موصل، تلك المعاهدة التي قوبلت بالرفض من قبل الوفد التركي الذي حمل في جعبته خارطة طريق (الميثاق الملي) بموجبها يتم خوض حروب الاستقلال والتحرير.
تلك الخارطة التي رفضت من قبل الحلفاء حين ذاك، ليكون هناك طرح ثالث صيغ بعد تغيير موازين القوى على الأرض على خلفية انتصارات حققتها القوات التركية على اليونانية عرفت باتفاقية لوزان التي بموجبها رسمت حدود تركيا السياسية الحالية على حساب الشعب الكردي وبقية الشعوب بحق تقرير المصير.
لطالما صرحت السلطات التركية بأن تركيا لن تبقَى بحدودها الحالية بذريعة اتفاقية لوزان التي تنتهي صلاحيتها بالتقادم (قرن من الزمن)، وإن تلك الحدود لم تصغ بإرادة تركية.
ولاستعادة الأحلام العثمانية البائدة بحُلَّة أردوغانية جديدة، وفقاً لسياستها البراغماتية سرعان ما عملت على استغلال حالة الفوضى التي اجتاحت المنطقة على خلفية ربيع الشعوب. والاحتمال الأكبر بأن تركيا كدولة وظيفية أوكل إليها العمل على خلق الفوضى عبر دعمها للإسلام السياسي بالأحرى قيادة أردوغان مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.
بالعودة إلى معاهدة سيفر، هل ستتمكن تركيا من تغيير وفرض معادلات جديدة على المنطقة، في ظل الاستراتيجيات والخرائط الجديدة وتصارع المشاريع؟
يبدو واقع تركيا التي تأسست عليه عقب الحرب العالمية الأولى اكتسب مزايا كبيرة على خلفية أهمية موقعها الجيواستراتيجي وهو ما حاولت تركيا استغلاله وفق سياستها البراغماتية عبر فرض الكثير من الأجندات وتحولت إلى رقم صعب في المعادلة الدولية. تبدو الظروف مختلفة في ظل حرب العالمية الثالثة وبالتالي فرص حظوظ تركيا أقل من سابقاتها.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تركيا ستتمتع بنفس الدرجة من الأهمية الجيواستراتيجية الحالية ما بعد الحرب العالمية الثالثة التي نعيشها؟
تبدو حالة التوتر بين تركيا وشريكتها أمريكا بالدرجة الأولى والدول الأوروبية في المرتبة الثانية، فتركيا بحدودها السياسية غير مشمولة بمشروع غاز المتوسط وطريق التجارة العالمية الجديدة، وكذلك في حال انضمام كل من فنلندا والسويد للناتو.
حالة الامتعاض والانزعاج هي التي دفعت أردوغان إلى الحديث مجدداً عن معاهدة سيفر، على الرغم من اختلاف الزمان والجغرافيا وطريقة طرح حل القضية الكردية في سوريا على وجه الخصوص.
حيث إن المكون الكردي في سوريا يسعى إلى حل القضية السورية ضمن القضية السورية الكلية، ويطرح مشروع الإدارة الذاتية كنموذج حل للأزمة السورية. هذا النموذج القائم على اللامركزية (الجغرافية) التعددية ضمن سوريا وطنية اتحادية ديمقراطية بتوافق جميع مكوناتها.
وحتى تتمكن تركيا بقيادة حكومة العدالة والتنمية من الحفاظ على أهمية موقعها الجيواستراتيجي وكسب المزيد من الوقت وعرقلة تنفيذ المشاريع على حسابها وتصدير أزماتها الداخلية وكسب الانتخابات المحلية المقبلة عبر دغدغة مشاعر مواطنيها ستعمل على استمرارية حالة الفوضى واللااستقرار عبر دعم الإرهاب وضرب مشروع الإدارة الذاتية بالتنسيق مع بعض القوى والدول الإقليمية، ليست مصادفة تزامن القصف التركي والإيراني على الأراضي العراقية والسورية.
ويبقى الخيار أمام الشعب السوري لتجاوز الأزمة السورية وقيادة سوريا المستقبلية بقيادة وإرادة سورية خالصة مما يفرض بالضرورة وجود حوار وطني سوري – سوري بعيدا عن الإملاءات الإقليمية والدولية.