في ظل الأحداث الساخنة التي يشهدها العالم وخاصة في الحرب الإسرائيلية على فلسطين ودخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث دون حسم فضلا عن سوء العلاقات مع الصين والرغبة في تكوين محور ” كامب ديفيد” بين أمريكا واليابان وكرويا الجنوبية لمجابهة التمدد الصينى هذا بجانب رغبة العالم في إقصاء القطب الأوحد والتحول إلى عالم متعدد الأقطاب تطل علينا الانتخابات التمهيدية في سباق الرئاسة الأمريكية وذلك لانتخاب الرئيس رقم 47 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية هذه الانتخابات التي تؤثر الأزمات الخارجية على عملية التصويت الداخلية في سابقة تعد الأولى من نوعها ويبدو أن السباق الرئاسي المحموم قد ينحصر بين الرئيس السابق ترامب والرئيس الحالي بادين ولكن ثمة أمور تتحرك في الخفاء قد ترجح كفة مرشح عن أخر أو قد تسمح بظهور مرشح ثالث قد يشق طريقه للمكتب البيضاوى .
فقد أشارت تقارير صحافية إلى أن الأميركيين المسلمين والناخبين الشباب يبتعدون عن بايدن بسبب انحيازه لإسرائيل في الحرب ضد غزة كما توجد نسبة مقلقة من الناخبين السود يعترضون أيضاً على تعامل بايدن مع الحرب على غزة فيما ترامب عوائق أخرى تتمثل في القضايا المرفوعة ضده فضلا عما حدث في الكابيتول هذا بجانب ما حققته المرشحة نيكي هيلي بفوزها المعنوى فى الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري في واشنطن العاصمة وهو أول فوز لها في عملية ترشيح الحزب الجمهوري فقد حصلت هيلي على 1274 صوتًا مقابل 676 صوتًا للرئيس السابق دونالد ترامب ويكسر فوز السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة سلسلة من أكثر من ستة انتصارات لترامب منذ منافسات الحزب الجمهوري على الترشيح هذه ليست العقبات الوحيدة في طريق كل من بايدن وترامب على البيت الأبيض فيما لا يزال نحو 70 في المئة من الأميركيين يرفضون كلاً من جو بايدن ودونالد ترمب اللذين بات من المحتم ترشيحهما من الحزبين الديمقراطي والجمهوري حيث تدور كثير من الأسئلة حول ماذا يمكن أن يحصل إذا لم يحصل أي منهما على 270 صوتاً اللازمة للفوز من إجمالي أصوات المجمع الانتخابي (538) خلال نوفمبر المقبل بخاصة أن بعض السياسيين المخضرمين حذروا أخيراً من إمكانية انزلاق الولايات المتحدة إلى أزمة دستورية فما السيناريوهات المتوقعة في هذه الحالة؟
الثلاثاء الكبير وأهميته في الانتخابات الأمريكية:
ولكن دعنا في البداية نعود إلى الثلاثاء الكبير وأهميته في الانتخابات الأمريكية هناك غموض حول أصل الكلمة حيث يقول مركز «بيو للأبحاث» إنها تعود إلى عام 1976 وحينها كان «الثلاثاء الكبير» يشير إلى آخر الانتخابات التمهيدية الكبرى التي كانت تجري في كاليفورنيا، ونيويورك، وواشنطن، وأوهايو. لكن معظم الخبراء يتفقون على أن «الثلاثاء الكبير»، كما نعرفه اليوم، بدأ عام 1988 عندما قررت مجموعة من الديمقراطيين في ولايات جنوب الولايات المتحدة وضع هذا الاسم على العملية التمهيدية الرئاسية بعد فوز الرئيس الجمهوري “رونالد ريغان” قبل أربع سنوات على المرشح الديمقراطي للبيت الأبيض.
وهو يوم الدورة التمهيدية الرئاسية الأميركية الذي يضم أكبر عدد من الولايات المشاركة وفي منافسات الحزب الجمهوري يتنافس 874 مندوباً من أصل 2429 بما في ذلك مندوبو كاليفورنيا وتكساس وهما الولايتان الأكثر كثافة سكانية ويتطلب الأمر ما لا يقل عن 1215 مندوباً لتأمين الترشيح في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرر عقده في يوليو القادم في حين يتم تحديد ما يقرب من ثلث المندوبين الديمقراطيين في الخامس من مارس الجارى من خلال منافسات الترشيح في 14 ولاية من أصل 15 إلى جانب إقليم “ساموا” الأمريكي وفي ألاسكا سيدلي الديمقراطيون بأصواتهم في السادس من أبريل القادم
وبنظرة سريعة على أهمية توزيع عدد المندوبين الجمهوريين في «الثلاثاء الكبير» عبر الولايات المختلفة فيأتى بهذا الشكل: ألاباما (50)، وألاسكا (29) وساموا (9) وأركنساس (40) وكاليفورنيا (169) وكولورادو (37) ومين (20) وماساتشوستس (40) ومينيسوتا (39) ونورث كارولاينا (74) وأوكلاهوما (43) وتينيسي (58) وتكساس (161) ويوتا (40) وفيرمونت (17) وفرجينيا (48).
كما يصوت الأميركيون لاختيار مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب والمجالس التشريعية للولايات إضافة إلى انتخاب المدعين العامين والقضاة وأعضاء مجلس المدينة خلال هذه الانتخابات التمهيدية
استطلاعات الرأي وفرص المرشحين الأوفر حظًا:
دائما عودتنا الانتخابات الأمريكية على مراقبة مؤشرات استطلاع الرأي وذلك لجس نبض الشارع الأمريكى حول المرشحين فقد أفاد استطلاع للرأي لجامعة “هارفارد” بأن ترامب يتفوق على بايدن على المستوى الوطني بفارق 6 نقاط وقال الاستطلاع إن ترامب يوحّد الجمهوريين بقوة أكثر مما يوحد بايدن الديمقراطيين ولا يتعلق الأمر بعمر بايدن المتقدم فقط والذى يناهز الــ 80 عاما فقد أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن هناك رد فعل عنيفاً يلوح في الأفق بالنسبة للرئيس الحالي في انتخابات «الثلاثاء الكبير» إذا اتجهت نصف الولايات المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى التصويت بـ«غير ملتزم» في بطاقة الاقتراع مما يشير إلى اتساع ثورة الناخبين اليساريين التي انطلقت شراراتها في ولاية ميشيغان الأسبوع الماضي بعد حملة شنتها الجالية العربية والمسلمة وقد حصدت الحملة في ولاية ميشيغان 101 ألف صوت تحت خانة «غير ملتزم» وهو ما مثّل خمسة أضعاف التصويت بما جرى في انتخابات تمهيدية سابقة
وينظم الناشطون الذين أطلقوا حملة ميشيغان إلى حث الناخبين على التصويت بـ«غير ملتزم» في ولايات ماساتشوسيتس ومينيسوتا وكولورادو ونورث كارولاينا وتينيسي وفيرمونت ومين وألاباما وكلها ولايات توجد على بطاقة التصويت الخاصة بها عبارة «غير ملتزم» وهو ما يعد نوع من التصويت العقابى لإدارة بايدن عما يحدث من تخبط في السياسية الأمريكية .
منافسون جدد في السباق الرئاسي:
على الرغم من سيطرة الحزبين الرئسين على مجرى الانتخابات الرئاسة إلا ان هناك تيار المستقلين والذى قد يحدث مفاجأة مدوية في حال الاستفادة من الظروف الراهنة و يأتي على رأس المرشحين الآخرين للانتخابات الأميركية سليل عائلة كينيدي الشهيرة روبرت كينيدي جونيور هذا الديمقراطي السابق الذي يخوض السباق كمستقل ويهدد بسحب مجموعة كبيرة لا يمكن التنبؤ بها من الأصوات على رغم أن بعض استطلاعات الرأي أبرزت إمكانية حصوله على 12 في المئة من أصوات الناخبين من كلا الحزبين لكنه تعهد أنه لن ينسحب حتى لو أظهرت استطلاعات الرأي أنه يلعب دور المفسد المحتمل لكل من بايدن أو ترمب.
ويمكن أن يصبح ترشح كينيدي أخطر تحد من طرف ثالث يواجه الحزبين الكبيرين منذ ترشح الملياردير روس بيرو عام 1992 الذي أسهم في خسارة الرئيس الجمهوري جورج أتش بوش (الأب) أمام الديمقراطي بيل كلينتون وربما لا يقل أهمية عن ترشح الملياردير المستقل رالف نادر عام 2000 والذي تسبب في سحب الأصوات من المرشح الديمقراطي آل غور.
بيد أن ظهور حركة “من دون تسميات” التي أسستها “نانسي جاكوبسون” عام 2010 للدفاع عن السياسات الوسطية في المجتمع الأميركي تعد الأكثر تأثيراً نظراً إلى جهود الحركة لأن تكون على ورقة الاقتراع في الولايات الـ50 ومحاولاتها إقناع الناخبين بعدم تكرار انتخابات 2020 لأنهم يستحقون خياراً بديلاً والتى تخطط لإصدار إعلان رسمي حول ما إذا كان سيتم تقديم أسماء مرشحين اثنين بحلول منتصف مارس الجارى أولهما جمهوري لمنصب الرئيس والثاني ديمقراطي لمنصب نائب الرئيس وخلال الفترة الماضية رفضت نيكي هايلي تلويح الحركة لها بأن تترشح على بطاقتها لتنافس كلاً من بايدن وترمب.
وفيما يعد اعترافاً بأهمية الحركة التي أخذ تأثيرها في الاتساع بجذب انتباه الأميركيين حذرت مجموعة من المشرعين السابقين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أن حملة حركة “من دون تسميات” الرئاسية ربما تسبب الفوضى وتخلق “أزمة دستورية” إذا نجحت في الفوز بولاية أو أكثر مما قد يحرم بايدن وترمب من الفوز بالحد الأدنى المطلوب للفوز بالانتخابات الرئاسية وهو 270 من أصوات المجمع الانتخابي (الهيئة الانتخابية) من إجمالي الأصوات وهو 538 من ثم يتم طرح الانتخابات لحسمها في مجلس النواب المنتخب في نوفمبر المقبل ليختار الرئيس في يناير عام 2025 بحسب ما ينص التعديل الـ12 من الدستور الأميركي.
هل الانتخابات الأمريكية قد تسبب في أزمة دستورية:
الأزمة الدستورية قد يكون خيار مستبعد وإذا كان البعض لا يعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث فإن النظر إلى موسم الحملة الانتخابية الرئاسية غريب الأطوار يجعل هذا السيناريو محتملاً بدرجة معقولة في هذه المرحلة وهو ما يشير إليه “دوغلاس ماكينون” المستشار السياسي المحنك في البيت الأبيض للرئيسين رونالد ريغان وجورج أتش بوش
ففي حال عدم تمكن أي من المرشحين من الفوز بـ270 صوتاً من المجمع الانتخابي نتيجة وجود مرشح ثالث فاز بأصوات ولاية أو أكثر أو في حال تعادل كل من بايدن وترمب بـ269 صوتاً لكل منهما وهو أمر من الممكن حسابياً لكنه لم يحدث قبل ذلك من الناحية العملية فإن الأمر يحال على الكونغرس المنتخب حديثاً حيث ينتخب مجلس النواب الرئيس وينتخب مجلس الشيوخ نائب الرئيس وذلك بموجب التعديل الـ12 للدستور الأميركي.
هل من الممكن أن تصير كامالا ديفي هاريس رئيسة أمريكا الــ 47؟
في الوقت الذي ينقسم فيه الجمهوريون والديمقراطيون على أساس حزبي شديد من المعقول الافتراض في البداية على الأقل حيث إن تصوت الغالبية العظمى من الأعضاء على أساس حزبي وإذا نظرنا إلى تشكيلة مجلس النواب منذ أواخر سبتمبر 2023 نجد أن الجمهوريين يتمتعون بفارق 26-22 في وفود مجلس النواب بينما تظل ولايتان وهما مينيسوتا ونورث كارولينا منقسمتين بالتساوي.
ومع ذلك فإن أعضاء الكونغرس الذين سيتم انتخابهم في نوفمبر المقبل 2024 والذين سيشغلون مناصبهم في يناير 2025هم من سيتحملون هذه المسؤولية ويصوتون على اختيار الرئيس مما يجعل تقدير الفائز من الآن مستحيلاً.
وفى حالة عدم التوصل إلى الغالبية في تصويت مجلس النواب وبقيت النتيجة متعادلة 25-25 ينبغي على هذا المجلس الاستمرار في التصويت حتى يتم كسر التعادل كما يحدث في لعبة “كرة التنس” وذلك لحسم الفائز بأى شوط من المباراة وإذا ظل الطريق المسدود قائماً عندما تبدأ الولاية الجديدة للرئيس عند الساعة الـ12 ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة من يوم الـ20 من يناير القادم يصبح نائب الرئيس رئيساً بالنيابة إلى أن ينتخب مجلس النواب رئيساً وتصير كامالا ديفي هاريس النائبة الحالية للرئيس بايدن أول رئيس بهذه الطريقة كما انها سوف تكون أول سيدة ذات البشرة السمراء التي حكم الولايات المتحدة الأمريكية توقع قد يكون غريبا ولكنه محتمل .
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب