د. محمد جبريل العرفي يكتب.. نهبوا ثم هَربوا وتركوا البلاد للتوحش
فلنحلل سلوكيات مصائر أربعة أطراف تشكلت بعد عام 2011. أولهم من عرَّتهم شمس الحقيقة، منذ أن اختلسوا أموال جمعية الدعوة الإسلامية بالهند، وجاؤوا عام 2011 على ظهور صواريخ الناتو، مدعين نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والشفافية والتنمية وأبراج دبي، وكذلك الذين انحرفوا بالدين خدمة للمستعمر ابتداء من خلية القصر بقيادة الزنديق البشتي التي اكتشفت عام 1980 وأثناء محاكمته من قبل لجنة شرعية من المدني الشويرف والطيب النعاس وعبداللطيف الشويرف وآخرين فاعترف بتلقيه أموالًا من سفارة أجنبية وشرائه لقنابل للتخريب، فحكمت تلك اللجنة الشرعية بثبوت كفره.
- اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. دماء الفلسطينيين صححت المفاهيم… فانصاعت الحكومات الغربية لشعوبها
هاتان الفئتان ربطت بينهما مصالح المخابرات الأجنبية، فبعد أن انتهوا من تخريب ليبيا، نهبوا ما وصلت إليه أيديهم ثم هربوا خارج البلاد، يتمتعون بما اختلسوا من أموال الليبيين، ويعيشون مع عائلاتهم في الخارج من رزق الليبيين، متملكين أرصدة وعقارات وشركات واستثمارات، فأين الذين بدأوا بسرقة جمعية الدعوة مثل المقرف وصهد وزيدان وغيرهم؟ وأين الذين استغلوا الوازع الديني لتضليل الشباب مثل بالحاج وخالد الشريف وعبدالوهاب قايد وغيرهم؟ وأين الذين نصبهم ليون مثل السراج؟ هؤلاء جميعا نهبوا الأموال وغادروا البلاد وتركوا الليبيين في معاناتهم، وستلحق بهم نفس العصابة، فهناك من يجهز في قصره بعاصمة أوروبية ليغادر إليه في أي وقت، وحتى رئيس حكومة النكبة الوطنية، بعد أن أدرك أن الخناق قد ضاق عليه، ولم يحمه تزلفه للصهاينة والإمبرياليين بدأ يشد في حقائبه ليلحق بأموال العائلة التي خبأها في البرتغال والكاريبي وغيرها.
هل سمعتم المقرف أو صهد أو بالحاج أو خالد الشريف أو القايد أو السراج أو من جاء بعده، ومن على شاكلتهم يتحدثون في الشأن الليبي طيلة السنوات الأخيرة؟ وهل سمعتموهم يتعاطفون مع هذا الشعب المسحوق والمكتوي بنار الغلاء وتردي الخدمات وقمع الميليشيات؟ هؤلاء يتعاملون الآن مع الحالة الليبية وكأنها تقع في كوكب آخر.
ثانيهم الميليشيات التي تحولت إلى مافيات، والآن بدأت في عمليات تصفية وتقاتل على ما تبقى من المغانم، وتحديدًا في غرب ليبيا، حيث تحدث اصطفافات وتحشيدات واشتباكات قد تحرق ما تبقى من المنطقة، وقد تتخللها حرب طائفية أو أهلية. وصل الاحتقان إلى محاولات لاعتقال أحد قادة الميليشيات العائد من تونس بعد إنهائه صفقة الفندق والعمارات الست، الصراع الآن داخل الميليشيات التابعة اسميًّا للداخلية، بينما المحسوبة على الدفاع في حالة انتظار لتنقض على ما تبقى، أما رئيس حكومة النكبة الوطنية فقد ضاق ذرعا بابتزاز المافيات في ضوء عجزه عن توفير صريرات.
الأثرياء والموظفون الفاسدون، يوظفون الميليشيات لحمايتهم ولتصفية حسابات شخصية باستخدام واجهات مكلفة بتفعيل القانون مثل الرقابة والديوان وهيئة الفساد، ووصل التهور لشرعنة الانفلات بقوة القانون الظالم.
وثالثهم القيادة السياسية الوطنية التي ما فتئت تقرع أجراس التنبيه عن الأخطار المحدقة بالوطن، وتوضح وسائل مواجهة المشروع التدميري الذي يستهدف وجود ليبيا من أساسه، ومحاولات تنظيم وتوحيد الجهود وتصحيح البوصلة تجاه إنقاذ ما تبقى من ليبيا، ومواجهة الأخطار المحدقة بها.
ورابعهم الشعب المرعوب والمقهور اللاهث وراء توفير قوته واليائس من إجلاء الغمة، رغم أن الحل بين يديه ويظهر بين ناظريه، فرغم الحصار المالي المضروب على القوات المسلحة، فالناس في مناطق سيطرتها، تعيش حالة الأمن والطمأنينة، برغم فئران السفينة؛ لم نسمع بعشرة شباب في عمر الزهور تتم تصفيتهم بدم بارد، بسبب التنازع على إيرادات حماية مؤسسة للدولة، ولم نشهد عمليات للخطف والابتزاز. ولم نشاهد قوات تفصل بينها المتاريس في شوارع مدينة، ولم نرى نقاط استيقاف تفصل المناطق إلى دويلات يصعب التنقل بينها، ولم نشاهد رئيس حكومة يتمسح بزنديق متخذًا منه شيخًا وموجهًا ومرجعيةً.
الأمر يتطلب حلًّا جذريًّا وليس تفليقيًّا -كما يجري من حوارات أو ملتقيات، أو حتى انتخابات- فالانتخابات في الوضع القائم ستفاقم الأزمة ولن تسهم في حلها، فلو فرضنا (جدلًا) أنه تقرر إجراء الانتخابات الشهر القادم، فمن ستجعله الميليشيات يرشح أو يقيم دعاية أو ينتخب؟ ومن سيحمي عمليات الفرز؟ وهل سترضى الميليشيات بالنتائج إن لم ينجح أعضاؤها؟ بمعني أنه، إما أن يتشكل مجلس ميليشياوي أو أنها ستنقلب عليه، مثلما فعلت في فجر ليبيا.
الديموقراطية في حالة التوحش مجرد عبث، فلتؤجل الديموقراطية إلى حين القضاء على حالة التوحش، والجهة الوحيدة المؤهلة والقادرة والملزمة بإنهاء حالة التوحش هي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. توجد الآن مكنة تشريعية ومناخ دولي لتمكين القوات المسلحة من القيام بواجبها بالحفاظ على الأمن القومي وفرض احترام إرادة الليبيين، وغل يد الأجنبي من التدخل السلبي في الشأن الليبي، ثم يسار إلى مؤتمر تأسيسي يختار له الليبيون مندوبيهم بحرية دون إقصاء أو تمييز، فيجتمع فيه كل الليبيين ليحددوا شكل دولتهم ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهويتها ورمزها ونشيدها، ويحيل المؤتمر هذه المحددات إلى لجنة فنية لصياغتها في شكل دستور دائم، ويشكل المؤتمر إدارة مؤقتة توفر الخدمات الأساسية للمواطنين وتهيئ البيئة للانتقال إلى المرحلة الدائمة بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ما عدا ذلك هو تكرار لتجارب فاشلة، ومضيعة للوقت واستمرار المعاناة وتعريض البلاد لمخاطر أكثر.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب