رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. دماء الفلسطينيين صححت المفاهيم… فانصاعت الحكومات الغربية لشعوبها

يوم الثأر (7 أكتوبر) توحدت فصائل المقاومة الفلسطينية، وانتفض محور المقاومة في المشرق العربي، فانتهت أسطورة الردع والأمن الصهيوني، وسُنت قاعدة تهجير بتهجير، وفقد الكيان وظيفته للغرب، واستولت المقاومة على كنز من المعلومات الاستخبارية.
طوفان الأقصى نسف أفكار التطبيع، وصفقة القرن، والديانة الجديدة، وإحياء فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي كأجواء حرب الاستنزاف بعد نكسة يونيو.

طوفان الأقصى أيقظ الضمير الإنساني تجاه الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، شعوب الغرب استيقظت لحقيقة أن الصهاينة محتلون لأرض شعب آخر، وأن الصهاينة يتحكمون في الحكومات الغربية ويشكلون عبئا اقتصاديا على دافعي الضرائب الغربيين، تلك حقائق كانت الدعاية الإمبريالية تطمسها لأكثر من قرن، فعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن كادت تندثر.
كان العدو يخطط بصفقة القرن، أن يتم طرد الفلسطينيين من كامل أرضهم، وتتم عملية تطبيع مع الأنظمة العربية، وتعلن يهودية الكيان، وتحل الإبراهيمية كدين جديد في المنطقة، وتنحرف بوصلة العداء العربي من الصهاينة الإنجيليين، إلى الإسلام الشيعي، وتشكيل حلف عسكري بقيادة صهيونية لمواجهة إيران. جند الأعداء لذلك آلة إعلامية وخاصة فقهاء السلاطين لدرجة أن سمعنا معتوها يقول من على منبر رسول الله: “لا بأس أن يأخذ نتنياهو الأرض أفضل من أن يأخذ الخميني العقيدة” متناسيًا أن الشيعة مسلمون بينما الإبراهيمية تخرجنا كليًا من ملة الإسلام، وسمعنا آخرين يحذرون من التمدد الإيراني، بينما التمدد الصهيوني أخطر ومقدمته التمدد الأمريكي الذي يحتل عمليًّا أجزاء كثيرة من الوطن العربي.
خلال الأسبوع الأول من طوفان الأقصى انتشرت في الغرب سردية أن الكيان يواجه داعش الحمساوية الإرهابية، وبناء على ذلك اتخذت الحكومات مواقف حدية لدعم الصهاينة، وشيطنة المقاومة، ولكن دماء الفلسطينيين صححت مفاهيم الشعوب الغربية لقضية فلسطين وحقيقة الكيان الصهيوني، فبدأت الشعوب تستيقظ بفضل صمود وتضحيات الفلسطينيين والإعلام الشعبي الذي فند ادعاءات الإعلام المتصهين، وانفضحت عورة الكيان الصهيوني وحقيقته كنظام فصل عنصري يمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية، فانبرى مفكرون وكتاب رأي، لنصرة القضية الفلسطينية، وسارت مظاهرات عارمة في عواصم أوروبا وأمريكا، مما شكل ضغطا على الحكومات فبدأت تغير من مواقفها، وتميل إلى مساندة الشعب الفلسطيني، لدرجة أن الغليان الشعبي والخوف من فقدان أصوات أنصار فلسطين، أجبر بايدن على إدراج بعض المستوطنين والعسكريين على قوائم العقوبات الأمريكية، وتمت مقاطعة سلع الشركات الداعمة للكيان، كما أصدرت برلمانات قرارات بمقاطعة الكيان.
موقف إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا وبعض دول أمريكا اللاتينية كان رائدًا وواضحا، لكن التغيير الجذري قادته جنوب إفريقيا منطلقة من مقولة بطلها نيلسون مانديلا: “حريتنا ناقصة ما دامت فلسطين محتلة”، فظهرت عقيدة الصهاينة كدولة تمييز عنصر، وارتفعت الآن أصوات لطردها من منظمة الأمم المتحدة، وبدا الحكام الصهاينة مرعوبين من رفع قضايا دولية ضد جرائمهم.
الشعوب المتحضرة والواعية والحرة بدأت تثمن وتدعم موقف اليمن كون مطلبه مبررا بوقف الحرب والحصار على شعب غزة، وينتقدون الدول التي تقصف الشعب اليمني المطالب بوقف الإبادة للشعب الفلسطيني، إنه لشرف لليمنيين المحاصرين الفقراء، كأول شعب في القرن الحالي يهاجم الأسطول الأمريكي، ويهين الجيش الأمريكي ويكسر هيبة الغطرسة الأمريكية.
النصر قد تحقق، مع أن الثمن باهظ من شهداء ارتقوا وبيوت هُدمت وجموع تهجرت، لكن الحرية ثمنها دماء، فالجزائر قدمت مليونا ونصف مليون شهيد ثم انتصرت، وفيتنام قدمت 4 ملايين ثم انتصرت وتوحدت. الفلسطينيون متشبثون بأرضهم كأشجار زيتونهم الأعرق من كيان الصهاينة، طيلة قرن كامل ينجبون أجيالا تقاوم وتعشق الاستشهاد، فحتى لو سحقت الآلة الصهيونية والغربية المقاومة الحالية، فأجيال أيتام الطوفان سيحملون الراية ويواصلون المقاومة، إلى أن يستعيدوا أرض أجدادهم.
المهم الآن ألا يحقق العدو أهدافه، التي أهمها تهجير الفلسطينيين، وإعلان يهودية الدولة، وتدمير الجيش المصري تمهيدا للقضاء على مصر، التي تعرقل تمددهم في المنطقة، مصر لم تخنع للإملاءات ولم تستكن للصعوبات، ولم تطمع بالإغراءات، بل أجهضت مخططات العدو لإشغال جيشها وتشتيت جهودها وجرها إلى حروب جانبية في جوارها أو البحر الأحمر، القيادة المصرية -رغم قيود إسطبل داوود- لم تحرف بوصلتها عن مواجهة العدو التاريخي للوجود العربي والإسلامي، لأن فلسطين مجال حيوي، فوضعت خطوطها الحمراء لتلعب دور الصين في دعم الفيتكونج، كظهير يزيد من قدرة المقاومة على الردع ويقوي موقفها التفاوضي، وفتحت صفحات جديدة مع حماس وحزب الله، واستمرت في بناء مصر القوية.
الواجب القومي والديني يحتم إغاثة الشعب الفلسطيني في القطاع، ولو بالخبز وحليب الأطفال، أما الفواكه المتدفقة على الصهاينة بتسهيل من العرب وتركيا فهي ترف لا يتطلعون إليه. وليقف التنسيق الأمني لتنتفض الضفة، ولتُدعم مصر لأنها حائط الصد أمام المشروع الصهيوني، فلو نجح مخطط خنق مصر اقتصاديًّا، ودمر الصهاينة سياج رفح لإحداث فوضى؛ فستحترق كل المنطقة ويتمدد العدو فتسقط أنظمة عرب آسيا، ويُطرد عرب إفريقيا، فلتسهم ليبيا في حماية ظهر مصر أمنيًا، وتسخر إمكانياتها الاقتصادية لدعم صمود الشعب العربي المصري، فمصر القوية حماية لليبيا الهشة، وإلا سنؤكل يوم يُؤكل الثور الأبيض.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى