ميلاد أميرة: دور الأميرة للا سلمى في تنزيل مشروع الرعاية التلطيفية بالمغرب
إعداد: الدكتور سمير الوصبي مدير وحدة الدراسات الاجتماعية بمركز العرب للأبحاث والدراسات.
10ماي هوميلاد سلمى بنّاني أو باللقب الملكي الأميرة لالة سلمى، هي والدة ولي عهد المغرب الأمير الحسن بن محمد والأميرة خديجة بنت محمد السادس. وهي مناسبة نجلي فيها دور المرأة القيادية في مجال العمل الاجتماعي والدور الانساني، ولضبط الفعل الاجتماعي والثورة الانسانية التي قادتها الأميرة بالمملكة المغربية سنتناول بالدراسة والتحليل دورها في تنزيل مشروع الرعاية التلطيفية كبرنامج يندرج ضمن اختصاص الرعاية الاجتماعية.
انبثق مشروع الرعاية التلطيفية -قبل ان يغدو برنامجا – من منظور تحقيق جودة حياة المريض وزاد هذا الاهتمام في السنوات العشرين الأخيرة.
- اقرأ أيضا: الدكتور سمير الوصبي فلسفة التربية (4)
(الرعاية التلطيفية (Palliative Care) (المأخوذة من الكلمة اللاتينية palliare التي تعني التغطية عبارة عن أحد مجالات الرعاية الطبية التي تركز على تخفيف ومنع المعاناة التي يعاني منها المرضى. وبخلاف الرعاية في المأوى، فإن الطب التلطيفي يناسب المرضى في كل مراحل المرض، بما في ذلك أولئك الذين يخضعون للعلاج من الأمراض التي يمكن الشفاء منها وأولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى المرضى الذين يقتربون من نهاية الحياة.
ولهذا الغرض انشأت فرق الرعاية الصحية المخصصة بما يهدف بشكل كامل إلى تحقيق الرعاية التلطيفية: أي فريق الرعاية التلطيفية.
وهم مجموعة من المتدخلين: من الأطباء والصيدلانيين والممرضات ورجال الدين والأخصائيين الاجتماعيين والأطباء النفسيين وغيرهم من محترفي الصحة الموحدين من أجل وضع خطة رعاية لتخفيف المعاناة في كل مجالات حياة المريض. وهذه الطريقة متعددة التخصصات تسمح لفريق الرعاية التلطيفية بالتعامل مع الأمور الجسدية والعاطفية والروحانية والاجتماعية التي تظهر مع تقدم المرض.
فجاءت مبادرة السبق لتنزيل برنامج الرعاية التلطيفية من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى، رئيسة مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، فقد انخرط المغرب ضمن هذه المقاربة الاستراتيجية وتعبأ من خلال مشاركة وزارة الصحة في بلورة مخطط وطني للوقاية ومراقبة السرطان (2010 – 2019).
المحاور الأربع لبرنامج الرعاية التلطيفية: الألم /علاج الاعراض غير المؤلمة/ الرعاية النفسية / الرعاية الروحية.
الألم: بشقيه الجسدي والنفسي تحت اشراف فريق العمل المعني بالرعاية التلطيفية ، قصد التنسيق مع المصالح المعنية لعلاج مرضى السرطان، لتسهيل عملية العلاج.
وعلاج الأعراض: يتم عبر توفير مسكنات الألم ووحدة علاج متنقلة بأطقم طبية متخصصة .
الرعاية النفسية: من خلال شق علاجي نفسي يتكفل به الطب العلاجي النفسي، وهو طبيب مختص في التعامل مع المرضى واللذين يصلون الى اللحظات الأخيرة.
الرعاية الروحية: خلق جسور التواصل الدائم عبر شخص متخصص يوصف بالمحدث الملهم يعقد جلسة دورية مع المرضى واختيار مواضيع متعلقة بالتحفيز الذاتي، ومرشد ديني يصوغ برنامج يخلق توازن النفسي هدفه غرس الثقة والأمل، وطبيب نفسي مصاحب لعلاج حالات الاكتئاب والقلق.
وهكذا تتحدد آلية تنفيذ المشروع لتحقيق الازدواجية بين الاستشفاء الطبي والمعالجة النفسية والمصاحبة الاجتماعية.
الهدف العام للبرنامج: الإسهام في التنمية المرتبطة بمجال الصحة للعناية ومتابعة وعلاج مرضى السرطان خصوصا والأمراض المزمنة على العموم .
لماذا تعتبر الرعاية التلطيفية برنامج يحتاج الى تفعيل وهو ما عملت على تنزيله الأميرة للاسلمى (ذكر الأسباب): إنها الحاجة الإنسانية واحتياج المرضى الغير القادرين على توفير التغطية والمصاحبة المادية والتقنية والرعاية الاجتماعية اللازمة والضرورية والمشاركة في رسم الإستراتيجية الوطنية في تحقيق التنمية سواء المستدامة والمتقدمة واستجابة لخطابات أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس في تنزيل مقررات التنمية الخاص بالمجتمع المدني.
إن تقارير منظمة الصحة العالمية والتي تدعوا إلى توفير الرعاية التلطيفية كأولوية صحية عالمية هامة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة ومع تقدم السكان في العمر، وانتشار الأمراض المزمنة في معظم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ازدادت الحاجة إلى الرعاية التلطيفية بشكل كبير. تقدّر “منظمة الصحة العالمية” أن أكثر من 40 مليون شخص يحتاجون سنويا إلى الرعاية التلطيفية عند نهاية الحياة. يعاني في كل عام أكثر من 150 ألف مغربي من الأمراض المتقدمة، وغالبا غير قابلة للشفاء والمزمنة مثل السرطان،. يعاني أكثر من 62 ألف مغربي مصاب بهذه الأمراض، بينهم 6000 طفل، من أعراض مُنهِكة مثل الألم، وضيق التنفس، والاكتئاب ،الأمراض غير المعدية مثل السرطان، وأمراض القلب، والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي تمثّل السبب في وفاة 75 في المئة من حوالي 260 ألف حالة وفاة سنويا، ومن المرجح أن يرتفع عبء المرض المزمن. من المقدّر أن تتضاعف نسبة الشريحة العمرية التي تتجاوز 65 عاما خلال السنوات الـ 15 المقبلة وهي الفئة الأكثر تضررا من هذه الأمراض. في الفترة نفسها من المتوقع أن تتضاعف حالات السرطان 3 مرات تقريبا..
فقد أضحى تحسين مكافحة السرطان رهانا أساسيا للمغرب، الذي جعل الحد من المرض على رأس الأولويات، من خلال العمل على تقليص عوامل الخطر، وتطبيق استراتيجيات وقائية قائمة على أسس واقعية وتشجيع الفحص المبكر والتكفل بالمرضى
تنزيل هذا المشروع سيفعل ما أدرجته الحكومة من تحقيق أهداف الرعاية التلطيفية المحددة في “الاستراتيجية القطاعية للصحة” 2012-2016 (الاستراتيجية القطاعية) و”استراتيجية الصحة الوطنية في المغرب”، وكذلك في “المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان” 2010 -2019 (المخطط الوطني).
آليات تفعيل برنامج الرعاية التلطيفية في أفق مأسسة الرعاية التلطيفية
“المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان” 2010 -2019 (المخطط الوطني). بفضل هذا المخطط، استطاع المغرب تحقيق تقدم هام في مجال مكافحة السرطان، خاصة على مستوى التكفل بالتشخيص والعلاج من خلال بناء وإعادة تهيئة وتجهيز تسعة مراكز جهوية للأنكولوجيا (الرباط والدار البيضاء والحسيمة وفاس ومراكش وأكادير ووجدة ومكناس وطنجة)، وبناء وتجهيز قطبين للأنكولوجيا-وأمراض النساء بالرباط والدارالبيضاء. كما تم إنشاء وحدتين لأمراض الدم وسرطان الأطفال (بالرباط، والدار البيضاء)، ويجري بناء وتجهيز وحدتين بالمركز الاستشفائي الجامعي بكل من فاس ومراكش، بالإضافة إلى بناء وتجهيز ثلاث مصالح للعلاج الكيميائي للقرب (الدار البيضاء، وبني ملال، والرشيدية والناظور) لخدمات العلاج الكيميائي في المستشفى النهاري، مع الشروع في تجهيز مشروع بتطوان، وتفعيل الرعاية التلطيفية كوحدة متنقلة باقليم وارززات.
ومكن هذا البرنامج من زيادة في ميزانية وزارة الصحة المخصصة للأدوية المضادة للسرطان والتي انتقلت من 11 مليون درهم سنة 2009 إلى أزيد من 100 مليون درهم سنة 2016، فضلا عن ميزانية تخصصها مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان.
وفي ما يتعلق بالوقاية، شجع هذا المخطط بلورة برنامج لمكافحة التدخين (مشروع إعدادية، وثانويات ومقاولات دون تدخين، ومستشفيات دون تدخين، بالإضافة إلى تنظيم قافلات إعلامية بشأن أخطار التدخين ونمط الحياة الصحية)، ووضع دليل وطني للمساعدة على الإقلاع عن التدخين والتكوين في المجال لفائدة 1200 طبيب وإدماج المساعدة للإقلاع عن التدخين ضمن الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات بما في ذلك المستشفيات الجامعية.
وبشأن محور الكشف المبكر، استفادت أكثر من مليون و616 ألف و481 سيدة من فحص سرطان الثدي (أي نسبة مشاركة ب 32,8 في المائة) وتشخيص ألف و238 إصابة بالسرطان سنة 2016 وذلك في إطار برنامج الكشف المبكر لسرطان الثدي الذي يتم تفعيله على مستوى جميع المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة. وعلى مستوى التكفل بسرطان عنق الرحم، استفادت ما يقارب 216 ألف و196 امرأة من الفحص المبكر، وتم تشخيص 99 حالة إصابة بالسرطان سنة 2016 في إطار برنامج فحص سرطان عنق الرحم المدمج في الرعاية الصحية الأولية على مستوى ثماني جهات (الرباط سلا القنيطرة، والدار البيضاء سطات، وفاس مكناس، ودرعة تافيلالت، وبني ملال خريبكة، ومراكش آسفي، وطنجة تطوان-الحسيمة، وسوس ماسة.
وفيما يتعلق بالعلاجات التلطيفية، تجدر الإشارة إلى بلورة استراتيجية للرعاية التلطيفية ودليل للرعاية التلطيفية (قيد الاعتماد)، وإنجاز خمسة مشاريع تجريبية على مستوى خمس جهات ( الرباط، والدار البيضاء، ومراكش، وفاس، والشرق) وتكوين 100 مهني في الصحة في مجال الرعاية التلطيفية والدعم النفسي والاجتماعي. وشكل تخليد 22 نوفمبر يوم وطني لمحاربة مرض السرطان ، فقد أعلن عنه يوما وطنيا لمحاربة السرطان ، منذ سنة 2007 بمبادرة مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان ووزارة الصحة، فكان فرصة لزيادة الوعي بأهمية التشخيص المبكر والنظر إلى الإنجازات التي حققها المغرب في محاربة هذا الداء في أفق مأسسة الرعاية التلطيفية.