محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-3)
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث.. خاص منصة العرب الرقمية
الملخص
ستكون مهمة تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث مهمة شاقة في دائرة ملتهبة، فكل من يحاول الدخول فيها سوف يلاحقه مريدو شيوخ الفتنة باللعنات، ويتم النيل منه ومن عقيدته، فهم يظنون وظنهم السوء أنهم وحدهم من يملكون الحق، وكلامهم وإرهابهم وتكفيرهم للمسلمين هو لب الدين عند هؤلاء الضالين المضلين وأتباعهم المغيبين.
البداية
مشروع تنويري لتنقية وتجديد الخطاب الديني
حددت في المقالين السابقين عددا من النقاط والركائز الأساسية للمشروع التنويري الذي يتبناه المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو مشروع تنويري يهدف لتنقية الخطاب الديني من الشوائب والإسرائيليات التي جعلته ينحرف بشكل واضح عن الخطاب الإلهي، ومن خلال كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) استطاع الباحث أن يضع ركائز مهمة حتى يعلم الناس جميعا الانحراف الواضح والخلاف المبين بين الخطابين، واليوم أستكمل معكم القراءة التحليلية فيما تضمنه الكتاب حتى أضع القارئ الكريم في دائرة الضوء لتوضيح نقاط الخلاف البين الجلي بين الخطابين.
تصور عبقري ومقارنة واقعية للفرق بين الخطابين
لقد أجمل الشرفاء الحمادي النقاط المظلمة في الخطاب الديني الذي يحتاج إلى تنقية وتجديد في عدد من القضايا التي طرحها وناقشها في الكتاب وتأكد فيها انحراف الخطاب الديني عن مقاصد الخطاب الإلهي، إذ تم استغلال نصوص مكذوبة وأساطير منسوبة زورا وبهتانا للرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فوضع تصورا عبقريا ومقارنة واقعية بين ماهية الخطاب الديني بالحالة التي عليها من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وبين الخطاب الإلهي الثابت المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم.
القضايا التي طرحها الكتاب توضح الخلل وتعالج التطرف
لقد كانت المقارنات الواقعية للفرق بين الخطابين دليلا قاطعا على الانحراف الذي أصاب الخطاب الديني، إذ لخص الكاتب الوضع الحالي للخطاب الديني المحشو بالروايات المكذوبة، فشكل دعوة إلى القتل والتكفير والعنف، مستندا في ذلك على الروايات وفتوى شيوخ الفتنة التي كانت سببا مباشرا في إلصاق تهم الإرهاب والتطرف بالمسلمين، زورا وبهتانا، في حين أن الخطاب الإلهي الذي جاء في نصوص القرآن الكريم يدعو إلى التسامح والسلام والرحمة والتدبر، وهو جوهر الدين من خلال رسالة الله -عز وجل- التي جاء بها القرآن إلى الرسول الكريم ليعلمها للناس أجمعين، فذلك الخطاب الإلهي القويم الصحيح تتجلى فيه حقيقة الدين الإسلامي الذي يتعايش في ظله جميع البشر دون حروب أو قتال أو تكفير أو عنصرية.
طرح مستنير ومعالجة جريئة ودعوة للتدبر
لقد استطاع الكاتب أن يناقش المعاناة التي يعانيها المسلمون في كل بقاع الأرض بسبب الخطاب الديني الذي ولد من رحمه كل التنظيمات الإرهابية والمجموعات التكفيرية، فتنظيم داعش الإرهابي يقتل ويضع المسلمين في مقدمة أهدافه، والمتابع للعمليات الإرهابية التي قامت بها تلك التنظيمات خلال القرن الحالي يدرك أن سلاحهم وجه في المقام الأول لصدور المسلمين الموحدين، إذ استهدف التنظيم أبرياء المسلمين من مدنيين وعسكريين، ونسي هؤلاء المجرمون حرمة الدماء ومصير الذي يقتل الأبرياء بمختلف توجهاتهم ودياناتهم، فالإسلام حرم قتل المسلم والمسيحي واليهودي وحتى الكافر الذي لا يقاتل المسلمين، لأن الإسلام الحقيقي رسالة سلام.
الشرفاء الحمادي يدق ناقوس الخطر
حرمة سفك الدماء منصوص عليها في القرآن الكريم، وتحدث عنها الرسول، ولكن هؤلاء المجرمين استندوا إلى نصوص إرهابية دست على الإسلام والمسلمين لتفرق وحدتهم وتنال منهم، وأصبحوا يقدسون تلك النصوص ويفسرون كلام الله بشكل يتفق مع أهوائهم، ومن يخالفهم فهو كافر وخارج عن الملة، وذلك هو ناقوس الخطر الذي دقه الكاتب الشرفاء الحمادي، وحاول في كل أبحاثة أن يوضح للعوام من الناس خطورة هذا الخطاب الدموي على الإسلام والمسلمين.
الانحراف بدأ من 14 قرنا حتى وصل إلى داعش والقاعدة
لقد تطرق الكاتب إلى الخطر الداهم الذي طل برأسه على المسلمين من أربعة عشر قرنا وحتى اليوم، ومنذ أن نشأت الفرق الإسلامية الضالة وحتى اليوم، والتي هدمت الأساس الحقيقي للدين هو السلام والتسامح وحرفت النصوص، فانحرف المسار وظل الانحراف والخلاف يتعمق بمرور الزمن، فظهرت الشيعة والسنة والخوارج والمرجئة، إذ وصل الخلاف إلى القتال والتكفير باسم الدين، ثم تلاها انحرافات أخرى وصولا إلى جماعة الإخوان المتأسلمين والتنظيمات الأخرى مثل القاعدة وداعش.
التطرف نتاج طبيعي للأقوال المكذوبة في الخطاب الديني
لقد استطاع كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، أن يؤصل المشكلة بشكل علمي وعملي، ويوضح الأسباب الحقيقية لهذا المشهد الدموي الحاضر بيننا، فما دس علينا من أقوال كاذبة وأحاديث منسوبة إلى الرسول، هو السبب الأول والأخير لهذا الخطاب الديني الدموي، فأغلب التراث الإسلامي أصابه العطب وعبثت به أيدي المحرفين، وكانت هناك حملات ممنهجة مدفوعة الأجر، تخيف كل من يبحث عن الحقيقة، وتجعل العوام من الناس في حالة من غياب الوعي لصالح تقديس كتب التراث وتقديمها على النص المقدس وهو القرآن الكريم.
مهمة شاقة ودائرة ملتهبة عند مواجهة الضالين
لذلك ستكون مهمة تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث مهمة شاقة في دائرة ملتهبة، فكل من يحاول الدخول فيها سوف يلاحقه مريدو شيوخ الفتنة باللعنات ويتم النيل منه ومن عقيدته، فهم وحدهم من يملكون الحق، وكلامهم وإرهابهم وتكفيرهم للمسلمين هو لب الدين عند هؤلاء الضالين المضلين، إن ترويج الأساطير وتسويق التراث العفن أمر سهل يسير في مجتمعات غاب عنها الوعي وأغلقت قلوبهم وعقولهم عن رؤية الحق، ولكن الإصرار على مواصلة التحدي وكشف تجار الدين يحتاج أولا إلى مجهود شاق وجبار، ويحتاج أيضا إلى عقول مستنيرة تستطيع أن تتحدث بالحجة وتقارع بالدليل والبرهان وتدعو إلى إعمال العقل، وقتها فقط سوف ينكشف هؤلاء المضلون الضالون.
تغييب العقول ووقف التدبر
يحتوي كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي على معنى مهم جدا، هو المجهود المبذول من هؤلاء الضالين الذين حرفوا الخطاب الإلهي في تغييب العقول ووقف دعوة التدبر التي يدعو إليها القرآن في أغلب المناسبات، لأن التدبر وحضور العقل يعرض هؤلاء للخطر، فعندما تتدبر حديثا من أحاديثهم المكذوبة وتناقشهم فيه وتوضح لهم مواطن الخلل والاختلاف مع القرآن الكريم فأنت بذلك تقضي على بقاء أساطيرهم الذين ورثوها عن أجدادهم ومن خلالها نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وقتلوا الشيوخ والرجال والنساء والأطفال باسم الدين، أي دين يدعو إلى قتل الأبرياء دون ذنب أو جريرة؟ أي دين يدعو إلى قتل من يخالفك في الرأي وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو معصوم الدم؟
عندما تدعو العوام إلى التدبر وإعمال العقل (أنت هتكفر ولا أيه)
لقد استطاع كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي أن يلقي حجرا ضخما في المياه الراكدة ليوقظ عقول الباحثين والمفكرين عن الأسباب الحقيقية التي أوصلت المسلمين إلى الوضع الحالي من تشرذم وفتن، فهذا البحث حرك العديد من الكتاب والباحثين وحتى العوام من الناس إلى مراجعة بعض النصوص المكذوبة على الإسلام والتي وصلت عند بعض العوام إلى درجة التقديس، وعندما تناقش أيا من العوام في هذا النص يرد عليك قائلا بالعامية المصرية (أنت هتكفر ولا أيه)، وهذا الرد يأتي من جراء تشبعه بالنصوص المغلوطة وإيمانه العميق بالشيخ الذي سرد عليه تلك النصوص، حتى أنه لم يمنح عقله أن يفكر أو يقارن، بل وصل الاعتقاد إلى تكفير الآخر والنيل منه.
وفي النهاية أقول إن الكاتب استطاع أن يضع استراتيجية حقيقية لمناقشة نصوص التراث وتوضيح الخلل فيها من خلال كتابه، ولكن السير في هذا الطريق الذي يفضح تجار الدين وشيوخ الفتنة أمر ليس بسير، وخاصة في ظل الخطاب الديني الذي ملأ عقول وقلوب العامة، والذي شوه حقيقة الدين، ولقد استطاع هذا الكتاب الذي خرج للنور قبل عدة أعوام أن ينير الطريق ويوقظ عقول العديد من الباحثين في العالم الإسلامي لمراجعة الخطاب الديني بكل تفاصيله، وأن يتم تنقية الخلاف مع القرآن الكريم لصالح النص المقدس وهو القرآن حتى نخرج من دائرة التعصب والعنف والقتل والكراهية والتكفير والاضطهاد إلى دائرة السلام والمحبة والتسامح والوئام وحقن الدماء بين جميع البشر، إنها دعوة مخلصة سوف تكون في المقدمة قريبا، وإن شاء الله تعالى نستكمل في الحلقة المقبلة فصلا جديدا من فصول كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي).
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب