محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-2)
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث.. خاص منصة العرب الرقمية
ملخص الحلقة الثانية
تجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع القرآن الكريم، هو مشروع تنويري عظيم، أطلقه الشرفاء الحمادي، يهدف إلى إعمال العقل، والعودة إلى كتاب الله -عز وجل- الذي أنزل على الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، بهدف هداية البشر، وهذا الأمر يتطلب جهودا جبارة من مجموعة من المثقفين يسعون بكل قوة إلى رفع الوعي وفضح شيوخ الفتن وتنقية المعتقدات، فشيوخ الفتن يدركون تماما أن ارتفاع الوعي يأكل أفكارهم كما تأكل النار الحطب.
الانحراف عن القرآن دستور المسلمين وتقديس التراث
يظل الحديث موصولا عن كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) للكاتب والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، إذ وقفنا في الحلقة الأولى عند الثوابت الأساسية في طرح الكاتب لفكرته، والتي تهدف للوصول إلى حقيقة الدين الإسلامي من خلال كتاب الله عز وجل النص الوحيد المقدس، وأرجع الكاتب الحالة التي عليها المسلمون اليوم من فرقة وضعف سببها الأول والأخير هو الانحراف عن دستور الإسلام وهو كتاب الله، ومحاولة البعد عنه لحساب النصوص المغلوطة التي تخالف القرآن جملة وتفصيلا، واستطاع الكاتب أن يضع بعض المقارنات بين أحاديث ونصوص تراثية تخالف القرآن في عدد من النماذج والتي أدت في النهاية إلى الحالة التي عليها نحن الآن من فرقة وشتات وانقسام واقتتال وسفك دماء تحت اسم الدين، وطالب الكاتب بإسدال ستارة سوداء على التراث العفن.
مقدِّسو التراث يشيطنون كل فكر مستنير
واليوم أقدم لكم الحلقة الثانية من القراءة التحليلية في فكر الكاتب والمفكر المستنير، قولا وفعلا، علي الشرفاء الحمادي، ولكن من خلال مؤلفه الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو (كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي).. لأن الكاتب قدم للمكتبة العربية عددا كبيرا من المؤلفات التي تدعو إلى الفكر والتدبر في الخطاب الديني، لذلك سيكون حديث اليوم عن مجمل مضمون هذا الكتاب فقط دون غيره من المؤلفات التي سنلقي الضوء عليها لاحقا، إذ سأبدأ من الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى بالحديث عن فصول الكتاب، وكذلك ترتيب الأفكار المطروحة في الكتاب، حتى يستطيع القارئ أن يقف على فكر الكاتب بشكل واضح، بعيدا عن حديث بعض المتطرفين الذين يحاولون شيطنة كل فكر مستنير والنيل من كل من يحاول الاقتراب من تراثهم الذي أصبح له قدسية عند بعض هؤلاء أكثر من كتاب الله، ولذلك فقد ضلوا وأضلوا وتسببوا بشكل مباشر في ما نحن فيه الآن من عداوة وبغضاء وفرقة وسفك دماء.
منهجية الباحث ومرتكزات الكتاب
في كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) وضع الكاتب منهجية محكمة لهذا البحث ومرتكزات أساسية تم البناء عليها، تتلخص في النقاط التالية:
1- التركيز بشكل أساسي على إعمال العقل، وذلك تنفيذ لأوامر الله في النصوص التراثية والتخلص من المخالف للقرآن الكريم أو صحيح الدين، لأن النص المقدس فقط هو القرآن الكريم.
2- استنباط قوانين الحياة من القرآن الكريم والتي في مجملها تدعو إلى (العدل، السلام، الرحمة، عمارة الأرض).
3- الله عز وجل أرسل الرسل بكتب كريمة تهدف في المقام الأول إلى هداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وليس في مجمل أو تفصيل تلك الكتب أي دعوة للعنف أو القتل والتدمير أو الكراهية أو الفرقة.
4- وجه الكاتب من خلال كتابه الدعوة للمثقفين في كل المجالات والتخصصات في العالم الإسلامي بكل طوائفه للبحث عن مخرج حقيقي من الكارثة التي عاشها ويعيشها المسلمون من حروب ومعارك وصراعات على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا حتى اليوم.
5- وضح الكاتب حقيقة الأوضاع في العالم الإسلامي اليوم، إذ لخص المشاهد الواقعية في التالي (تفشي القتل باسم الدين، زرع الخوف، حل الفقر والجوع، تفشت الأمراض بين الناس دون رحمة، أصبحت الفرقة والعداوة والبغضاء والكراهية والتنافر هي الواقع).
6- وضع الكاتب في كتابة روشتة للعلاج تتلخص في (وقفة جادة مسئولة من عقلاء المسلمين في كل مكان دون إقصاء أو تمييز بسبب المذهبية أو الطائفة أو الفرقة أو الحزب)، لأن فكر الكاتب يخاطب المسلمين، كل من يشهد أن لا إله إلا الله، لأن الدين الإسلامي في حقيقته منهج واحد والقرآن واحد، وأن الفرق والمذاهب جاءت من التراث الذي فرق شمل الأمة ونال من الدين، فأصبحنا نكفر بعضنا البعض، الوقفة يتم فيها صياغة خطاب ديني جديد يكون مصدره القرآن الكريم والنصوص التي تتفق معه جملة وتفصيلا فقط، وأن يتم ترك الروايات المخالفة والتراث المدسوس على الإسلام، ففي الخطاب الإلهي كل الرحمة وكل التسامح وكل المعايشة وكل التنمية وكل البناء وكل القواعد الصحيحة في الدين.
7- من ضمن منهجية الكاتب التي كانت واضحة في طرحه، أن العلاج لكل مشاكل المسلمين التي طرأت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والموجات المتتالية من الفتن التي أنهكت الدولة الإسلامية إلى يومنا هذا، يتطلب وقفة جادة وخطابا جادا معتدلا سمحا يدعو للرحمة والسلام والتعايش، ويتضمن كل ما جاء في القرآن الكريم بعيدا عن نصوص التراث التي تدعو إلى القتل والفرقة والتكفير باسم الدين، وبعيدا عن توصيات الذين يظنون أنهم وكلاء الله في الأرض وأوصيائه على الدين ومنهم فقط يؤخذ القول حتى وإن خالف كتاب الله، حتى وإن كانت خزعبلات وأساطير من وحي خيالهم تهدف إلى تقدسيهم، وهذا الأمر للأسف الشديد أصبح واضحا جليا في ظل غياب الوعي.
تغيير الأفكار وتنقية المعتقدات ليس بالأمر اليسير
وفي نهاية الحلقة الثانية والتي تحدثت فيها عن مجمل أفكار الكاتب التي طرحها في كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) والتي تحتاج إلى حملات توعية على مستوى عال، إذ إن تلك الأفكار حتى تظهر للنور سوف تمر بمرحلة كبيرة من التحديات، فتغيير الأفكار وتنقية المعتقدات ليس بالأمر اليسير، فلن يكون الطريق سهلا ميسورا أمام صياغة خطاب ديني دون أن يكون فيه نصوص التراث التي أصبحت اليوم تشكل عبئا ثقيلا على الدين، ونالت تلك الأفكار من الدين ونسبت إليه التطرف والعنف والإرهاب، والدين الحقيقي براء منهم ومن أفكارهم ومناهجهم.
إن تغيير فكر العوام من الناس ليس سهلا ميسورا، في ظل الجهود الظلامية الذين يقوم بها صناع الفتن والذين استطاعوا، أن يغيبوا الوعي لدرجة أن هناك شبابا فتنوا وغيبت عقولهم جملة وتفصيلا، وأصبحوا يقدمون على الموت وإنهاء حياتهم بحزام ناسف يقتل به نفسه والأبرياء، ظنا منه أنه بطل وأن الحور العين في انتظاره في الجنة التي حدثهم عنها قادتهم المجرمون وغيبوا بها عقولهم وأصبحت مضمونة وأمرا واقعا لهم، على الرغم من أن أصحاب الوعي يدركون أن هؤلاء ضلوا وأضلوا، وأن قاتل نفسه والأبرياء مات على غير الإسلام، وأن جهنم في انتظاره، وأن الأبرياء الذين قتلهم سوف يحاجونه يوم القيامة، وأن الإسلام حرم قتل النفس تحت أي مسمي أو هدف.
شيوخ الفتنة يدركون أن الوعي يأكل أفكارهم العفنة
لذلك حتى يتم تغيير هذا الفكر نحتاج إلى مجهود مضاعف، وخاصة أن شيوخ الفتنة يدركون أن رفع الوعي لدى العوام خطر داهم عليهم يأكل أفكارهم العفنة كما تأكل النار الحطب، فكلما ارتفع وعي العوام من الناس تآكلت مصداقية هؤلاء الشيوخ، وهذا واقع، ومعلوم أن أصحاب الفكر المستنير هم أكبر خطر على هؤلاء المجرمين، حتى أن التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في القرن الماضي هي نتاج أفكار هؤلاء المتطرفين الذين استطاعوا أن يضموا إليهم المغيبين من الشباب، والباحث في القوام الرئيسي لأفراد التنظيمات الإرهابية يدرك جيدا أن أغلبهم غير متعلمين، وبعضهم من الفقراء والمعدومين، فهناك من يتخذ التطرف والإرهاب عملا، وهذا لن يقدم على إنهاء حياته، وآخرون تم تغييب عقولهم، وهؤلاء ينفذون كل العمليات الانتحارية، ولا يبالون بحياتهم، فالفقر والجهل هما البيئة الخصبة التي تترعرع فيها التنظيمات الإرهابية، لذلك تجد أن الجماعات الإرهابية مهما ملكت من السلاح والأفراد فهي هشة، وأن منتسبيها لو فكروا قليلا في أفعال قيادتهم الذين يدفعونهم للموت حتى ينعموا هم بالحياة، لأدركوا أنهم مغيبون ومنصوب عليهم باسم الدين.
مشروع تنويري يهدف لتوضيح الحقائق
لذلك أقول إن أفكار الكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي التنويرية تعد مشروعا تنويريا متكاملا يحتاج إلى مجهود جبار، تقوم به مجموعة من المثقفين المؤمنين بأفكار الشرفاء والمدركين للخطر الذي يتعرض له العالم الإسلامي من تغييب للخطاب الإلهي وإحضار الخطاب الذي يدعو إلى التطرف والعنف.. وفي النهاية سأقوم إن شاء الله عز وجل في الحلقات القادمة بعرض مقتطفات من الكتاب والتعليق عليها.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب