رأي

محمد أرسلان علي يكتب.. الكرد وشعوب المنطقة ودورهم في حماية المنطقة من التقسيم

الكاتب باحث وسياسي كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من الغليان الشعبي من النظم الحاكمة نتيجة السياسات الخاطئة التي تقوم بها وتقربها السطحي من حل لأزمات التي تعانيها الشعوب بأساليب بدائية بيروقراطية عفا عنها الزمن، وأن هذه الطرق باتت مستهلَكة ومستهلِكة للقوة المجتمعية الكامنة التي تسعى دائما للتغيير على أساس أن المجتمع ظاهرة حيَّة وتجدد ذاتها باستمرار.

المجتمع منذ تشكله يأبى الركود والسكون ويعمل دائمًا على إيجاد طرق عدة للتعبير عن ذاته وإن فُرِضَ عليه التبعية أو اللا مبالاة في فترات محددة أو تم إقصاؤه بالعنف. حينها يقوم المجتمع بحماية ذاته على أساس الدفاع المشروع وينكفئ على نفسه ويقوم بتجميع طاقاته الكامنة. في هذه النقطة بالذات يظهر دور الشخصية التي تعمل على تغيير الواقع نحو الأفضل، وذلك بعد دراستها لجميع العوامل التي أدت بها لما كانت عليه، أو تظهر شخصيات منسوخة الجوهر عن القديم ولكن بشكل وهيئة جديدة توهم نفسها والآخر على أنها البديل لما هو موجود.

الحالة التي نراها في المنطقة، خاصة بعد ما سُمي افتراضيًا “الربيع العربي”، تحول وعلى يد نفس الشخصيات التي ادعت أنها خير من تمثل المرحلة الانتقالية وأنها تسعى لمساعدة الغير، خاصة الدول الغربية والرأسمالية التي لا يهمها أي شيء سوى مصالحها، سعت هذه الشخصيات الممسوخة إلى ترويج نفسها على أنها الحل ولكنها ظلت تراوح في مكانها، لأن الجديد الذي كانت تحتمي خلفه لم يكن سوى ونفسه العقلية القديمة، وبذلك تحول الربيع العربي إلى مستنقع مسخ وآسن سرق كرامة الشعب ودخل المجتمع ثانية في حالة اليأس الخريفي، وهذا ما شاهدناه في ليبيا واليمن وسوريا.

وعلى الطرف الآخر، كانت هناك حالة من اليقظة الكردية التي كانت منذ قرن من الزمن في حالة من السبات والاضطهاد والتقسيم والتشريد نتيجة السياسات التي اتبعتها النظم الحاكمة عليهم تحت مسميات شتى. لاقى الكرد في القرن العشرين جميع أنواع المظالم والقتل والجوع والتهجير من موطنه الذي عاش عليه آلاف السنين، تم تشريده وجعله لاجئا وهو في وطنه نتيجة السياسات القوموية الشوفينية والإقصائية المتبعة من جهة واحدة.

وحاولت بعض من الجهات اللعب على هذا الوتر الكردي تحت مسميات عدة منها “حقهم في تقرير مصيرهم وحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية”، والتي ما هي في النتيجة إلا أدوات في يد القوى الرأسمالية والغربية تستخدمها متى ما أرادت مصالحها ذلك وتخرس عنها حينما تتعرض مصالحها للتهديد.

حاولت وتحاول بعض الأطراف الغربية اللعب على الوتر القوموي الكردي وحقنهم بمشاعر الانفصال والحنين لتشكيل الدولة القومية المستقلة، وأن هذه المحاولات ما زالت مستمرة في دغدغة العاطفة البسيطة للشعب الكردي، وبعدها تقوم نفس هذه الأطراف بتأليب الشعوب على بعضها وافتعال الاقتتال الداخلي فيما بين الشعوب تحت اسم الحفاظ على السيادة الوطنية.

هي نفس اللعبة التي قامت بها الدول الغربية والرأسمالية التي لعبتها على الشعب السوداني، وفي النتيجة تم تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، والآن تعمل نفس هذه القوى على تقسيم الجنوب ثانية وإخراج دارفور وتقسيم المقسم وإعادة دوران رحى الحرب والدمار في بلد هو بالأساس مدمر يبحث عن لقمة العيش وكسرة الخبز في أروقة المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، وهنا تكون الطامة الكبرى واللعبة القذرة التي رسمت ونفذت بأيدي الشعب نفسه والتي ستكون البلاء عليه قبل غيره.

هي نفس اللعبة يريدون لعبها على الكرد في اللعب بعواطفهم القوموية وجعلهم يحلمون بوطنهم القوموي المقدس وزج الكرد في أتون حرب شرسة لا تعرف الرحمة، وبعد ذلك يقسمون المقسم ويشتتون ما هو مشتت بالأصل. أدرك الكرد هذه اللعبة التي ابتدأت بها القوى الغربية الرأسمالية في بداية القرن العشرين ويحاولون تكرارها بنفس الأساليب مع تغيير في الأسماء وتحديثها وفق مصطلحات وتطور العلوم في القرن الحادي والعشرين.

فمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي طرحته القوى الغربية والرأسمالية ما هو إلا مشروع لإنقاذ ذاتهم من حالة التضخم والأزمة الفكرية والبنيوية والمالية التي تعيشها الرأسمالية نتيجة تكديس الإنتاج والبحث عن سوق لتسويقه، وما إشعال الحروب في المنطقة إلا للبحث عن حل لأزمتها الداخلية التي تعيشها تلك القوى.

الدواء الناجع للداء الذي تعانيه شعوب المنطقة هو التكاتف والتلاحم وعدم الانجرار وراء السم الذي دسته القوى الرأسمالية في عسل تشكيل الدولة القوموية على أساس الأقليات والاثنيات والمذاهب. الدور الذي يلعبه الكرد في الوقت الحاضر في محاربتهم القوى الإرهابية المتمثلة في داعش وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى المتشددة منها والمعتدلة، يعتبر مهمًا لجميع شعوب المنطقة لأنهم بنفس الوقت يقضون على هذا السرطان الذي فتك بقيم وأخلاقيات وثقافة المجتمع وحاول بكل ما لديه من أفكار خبيثة أن ينهي التلاحم المجتمعي.

التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا وبعض الدول الإقليمية تحاول نشر ثقافة السيطرة والهيمنة على جميع المنطقة تحت مسمى الإسلام عبر أدواتهم المعروفين، إلا أن الكرد حطموا هذا السيناريو ولقنوا الإرهابيين ومن يدعمهم الكثير من الدروس والعبر وأن أجنداتهم لن ترى النور، فحينما يحارب الكرد تركيا الداعمة للإرهاب، فهذا يعني أن الكرد يحاربون نيابة عن شعوب المنطقة قاطبة، لأن تركيا حاولت ولا تزال أن تفرض نفسها على أنها حامي المنطقة وأن أردوغان هو خليفة المسلمين والسلطان الوحيد في المنطقة.

وما محاولات تركيا في الوقت الحاضر في تدخلها واحتلالها لبعض المناطق في شمالي سوريا والعراق، إلا محاولة يائسة منها لتمرير أجنداتها في تحقيق الحلم العثماني في المنطقة وأنه لا يهمها أبدًا مصلحة الشعب السوري أبدًا، وهي من حاولت وتحاول تقسيم سوريا تحت حجة محاربة الكرد لمنع التقسيم، مع أن الشعب الكردي في سوريا أعلن منذ بداية الأزمة في سوريا أنه ضد التقسيم وأنه يرغب في العيش ضمن سوريا الموحدة الواحدة وأنه لن يرضى بأي شكل من الأشكال بأن تقسم سوريا. هذه هي عقيدة الكرد في سوريا وليس تقربا سياسيا بل هي مبدأ يحاول الكرد بكل قوة الحفاظ عليه ومحاربة كل من تسول له نفسه بالاعتماد على القوى الخارجية لتنفيذ أجنداتها.

الصراع في سوريا لربما كان الانموذج الواضح والبيّن لحقيقة أن كِلا القطبين الروسي ومن يدور في محور وبين الامريكي ومن يسير خلفه، لا يهمهم المجتمعات ولا الشعوب بقدر ما يهمهم النفوذ والسلطة والسيطرة وتحويل النظام العالمي من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب. تصفية الحسابات في أماكن أخرى لا يعني إلا أن الجغرافيا الأساسية تعاني العقم في الحلول التي يريد كل طرف فرضها على الجميع. تركيا وداعش من جهة، النظام وإيران من جهة ثانية، كلٌ له أجنداته وأطماعه السلطوية وكل طرف يستقوي أو يتكئ على قوة دولية لتنفيذ ما يراه مناسباً وفق حساباته القومجية أو الدينوية. السيادة ووحدة الأراضي والدولة، كلها مصطلحات يتم التجارة بها في بازارات النخاسة السياسية للأطراف الإقليمية والدولية على حساب الشعوب. وهذا التناقض ما بدا بكل وضوح في التعامل وفق الأجندات وليس وفق المبادئ. حيث روسيا تتشدق بوحد الأراضي والسيادة في سوريا، ولكنها لا تعترف بهذه الأمور في أوكرانيا. ليخرج علينا الكهنة القومجيون واليساريون والدينيون ليدلوا كلٌ بدلوه وفق اصطفافه. فمنهم مع روسيا في تقسيم أوكرانيا وعودة الشعب في دونباس الى الوطن الام لأنهم من الشعب الروسي، لكنهم ضد تقسيم سوريا والعراق وضد توحد الشعب الكردي في وطنه كردستان. وكذلك منهم مع أوكرانيا لتصدر الفتوى من قوى الهيمنة العالمية الغربية والمسيحية السياسية منها والاسلاموية السياسية واللتان ما هما إلا وجهان لعملة السياسة الواحدة، للتوجه إلى أوكرانيا ومحاربة روسيا.

المصلحة هي الأساس وهي المحدد الشرعي في اقصاء الشعوب في تحديد مصيرها. المصلحة متغلبة على المبادئ في كافة الحروب التي يتم فرضها من قبل الزعماء للحفاظ على سلطتهم من الانهيار أو الضياع. لتبقى المبادئ أسيرة الخطابات والبيانات الرنانة والتي لن تتعدى شاشات التلفزة، والتي تستهدف الشعوب فقط لزيادة تجهيلها وابعادها عن ممارسة حقها في السياسة ورسم مستقبل الوطن.

بات الفكر القومجي المتطرف واليساري الانتهازي لا يختلف كثيراً عن الفكر الديني المتطرف، فكِلاهما بات لهما رجالٌ ينفثون حقداً وكراهية في المجتمع وليزيدوا تقسيمه أكثر على أساس عرقي وأثني وطائفي ومذهبي وايديولوجي عقائدي. المتدين القومجي العلمانوي واليساري الانتهازي الذي لا يقبل بالآخر ويصفه دائماً على أنه عميل وخائن، يحمل نفس عقلية المتدين الديني المتطرف الذي أيضاً لا يقبل بالآخر ويصفه على أنه كافر ومرتد وزنديق ومهرطق. وهنا تكمن المصيبة الكبيرة التي تعاني منها المجتمعات والشعوب، وهي أنهم ابتلوا بالمتدينين والكهنة القومجيون واليساريون والدينويون. وكل منهم يعمل على نشر وفرض آرائه في المجتمع ليحولوه إلى مجتمع متدين قومجياً أو دينياً وبذلك نكون وجهاً لوجه أمام مجتمع قطيع تم تنميطه واختزاله بالعصبوية القومجية والتطرف الديني والعلمانوية الغربية.

محاربة الكرد للعقلية الشوفينية الطورانية التي يحمل لوائها حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية في تركيا وللتنظيمات الإرهابية في سوريا تصب في خانة محاربة الإرهاب أينما كان، وأن الكرد يكملون باقي الدول والشعوب التي تحارب نفس الإرهاب، خاصة في مصر، لأن الطرفين يحاربان نفس الإرهاب والمدعوم من نفس الجهات إن كانت تركيا أو السعودية أو قطر. لهذا يمكننا اعتبار الكرد الآن هم في الخندق الأول لحماية المنطقة من التقسيم ومحاربة الإرهاب، لأن الحفاظ على وحدة سوريا والعراق هي الخطوة الأولى للحفاظ على المنطقة وعلى مصر بالذات.

والكرد مقتنعون بأن عمقهم الاستراتيجي موجود بين شعوب الشرق الأوسط من العرب والكرد والتركمان والأرمن والسريان والآشوريين على أساس بناء نظام جديد يحتضن الكل، وهذا النظام لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الأمة الديمقراطية التي هي البديل الحقيقي لباقي التشكيلات الدينية والقوموية التي لا تحوي في داخلها إلا قومية أو دينا واحدا.

الشرق الأوسط هو الحضن الكبير الذي يجمع كافة شعوبه وبمقدورهم العيش سويا وفق مبدأ وحدة الأضداد والوحدة في التنوع، وليس في أحضان القوى الغربية الرأسمالية التي لا همَّ لها سوى مصالحها.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى