دراساتسياسية

ماذا يحدث في السودان ؟ بطالة ..تضخم ..احتجاجات ..انسداد سياسي

رؤية تحليلة يقدمها فريق الباحثيين بمنصة «العرب 2030» الرقمية    

ماذا يحدث في السودان

المعالجات الخاطئة للأزمة تسببت في انهيار الاقتصاد.. والبطالة والتضخم دفعا الشعب للتظاهر

عندما يتفشى الفساد ويفشل القائمون على إدارة الدولة في معالجة الأوضاع الاقتصادية، وذلك لانشغالهم بمصالحهم الشخصية، وخطط التمكين لأنصارهم، وتتفشى في البلاد الوساطة والمحسوبية ويستشري الفساد ويتم إقصاء الكفاءات وتمكين الولاءات، فأنت أمام نموذج موحد لكل حكومات جماعة الإخوان المسلمين في كل الأقطار العربية، فالنهج والفكر والسياسة واحد، وهي محاولة السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسستها بدون خطط اقتصادية أو معالجات سياسية وطنية، هذا ما حدث في مصر وتونس والمغرب، ويحدث الآن في السودان، التي أصيبت بهذا النموذج حتى خرج الشعب في شرق البلاد يطالب القوات المسلحة بالتدخل لإنقاذ البلاد من تلك الحكومة الإخوانية التي جعلت الاقتصاد يتهاوى والأزمات تتفاقم.

ماذا يحدث في السودان أوضاع اقتصادية أدخلت البلاد في نفق مظلم

جراء سياسة الحكومة الإخوانية دخل السودان نفقاً مظلماً جديداً في ضوء التطورات الأخيرة، والتي دفعت القوات المسلحة ومجلس السيادة بالتدخل، وهذا الأمر وضع البلاد أمام أخطر أزمة سياسية واقتصادية وأمنية منذ سقوط نظام عمر البشير.

إن الأزمة الاقتصادية التي صنعتها حكومة حمدوك جعلت مؤسسات التمويل الدولي تتخذ موقفا سلبيا تجاه البلاد وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين.

فالشعب السوداني عاش وضعية صعبة بسبب ارتفاعات الأسعار وزيادة ملحوظة في معدلات البطالة ونقص متكرر للخبز والوقود، وتلك المشاهد كانت الشرارة التي أدت إلى سقوط نظام البشير في أبريل من عام 2019.

ماذا يحدث في السودان معالجات خاطئة من حكومة حمدوك

لقد نفذت الحكومة المقالة عددا من الإجراءات والمعالجات الخاطئة للأزمة الاقتصادية أدت في النهاية إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وخروج الشعب عن بكرة أبيه للمطالبة برحيل هؤلاء الفاشلين الفاسدين، وكان من ضمن المعالجات، انتقال الحكومة إلى سعر صرف قائم على الأسواق، وألغت الدعم للوقود في إطار التوصل إلى اتفاق مع المقرضين، ولكن في أعقاب تلك المعالجات الخاطئة ارتفع التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت 400 في المائة مع استمرار شكاوى معظم الشعب من صعوبة تدبير أمورهم المعيشية في ظل موجات غلاء حادة، فيما ارتفع سعر الدولار في السوق الموازية ليصل حالياً إلى 440 جنيهاً، وهو ما دفع الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي يرأس المرحلة الانتقالية في السودان، الاثنين الماضي، إلى حل مجلس السيادة والحكومة برئاسة عبدالله حمدوك.

ويتوقع خبراء في مجال الاقتصاد، أن السودان على موعد مع أزمة جديدة، لا سيما أن الأحداث الأخيرة ستنعكس سلباً، وبصورة مباشرة على أوضاع الاقتصاد المأزوم. وتأتي تلك التطورات بعد بضعة أشهر من موافقة صندوق النقد الدولي على التفاوض مع السودان على تخفيف أعباء ديون تتجاوز 50 مليار دولار من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، بعد سنوات ظل البلد فيها معزولاً عن النظام الدولي بفعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تم رفعها نهاية العام الماضي.

ماذا يحدث في السودان خطة حمدوك لانهيار الاقتصاد في السودان

بعد إسقاط البشير استبشر السودانيون خيرا مع قيادة جديدة للبلاد، وخاصة بعد أن تم الكشف عن فساد غير مسبوق للبشير وعصابته، إذ تسلم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في 20 أغسطس 2019 مقاليد الأمور، وكان “حمدوك” متخصصاً مخضرماً في الاقتصاد بالأمم المتحدة.

ماذا يحدث في السودان الاقتصاد السوداني نحو الهاوية

تسلم “حمدوك” السودان بديون خارجية تقارب 60 مليار دولار، مع عجز في الموازنة العامة بلغ 3.7 في المائة خلال عام 2019 ونسبة تضخم تقترب من 70 في المائة، وانهيار لسعر العملة وصل معه سعر الدولار إلى 47 جنيهاً سودانياً.

وبحسب الخطة الاقتصادية التي اقترحها “حمدوك” لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية، فإن السودان كان بحاجة ماسة إلى إنهاء عزلته الدولية لرفع العقوبات والديون المتراكمة، ولكن هذا لم يكن كافياً في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. ودخل “حمدوك” في تفاوض مع صندوق النقد والبنك الدولي على قروض بمليارات الدولارات مقابل برنامج إصلاح يشمل رفع الدعم وتحرير سعر الصرف، وتكريس هيمنة الحكومة على قطاع المؤسسات العامة، وتصفية وخصخصة عدد من الشركات المملوكة للحكومة، إلى جانب فرض مزيد من الضرائب.

وبعد مرور أكثر من عامين من سعي رئيس الحكومة حمدوك لإعادة بناء اقتصاد البلاد، يظهر الأداء الاقتصادي للحكومة استمرار تفاقم الأوضاع مع زيادة التضخم إلى معدلات فلكية بلغت 422 في المائة مقابل نحو 70 في المائة في عهد البشير، كما واصلت العملة الانهيار من 47 جنيهاً مقابل الدولار الواحد إلى 441 جنيهاً حالياً، وهذا الرقم لم يسبق تسجيله في تاريخ العملة الوطنية بالسودان، وكان هذه الأداء نتيجة عدم الاستقرار السياسي علاوة على الفيضانات وجائحة كورونا.

الجنية السوداني ينهار ويسجل أعلى تراجع

في مطلع فبراير عام 2021 طبقت الحكومة السودانية “التعويم الجزئي” للجنيه أمام الدولار، ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية يشرف عليها صندوق النقد الدولي، وتم تحريك السعر الرسمي للدولار من 55 إلى 375 جنيهاً في أكبر تخفيض لقيمة العملة الوطنية.

التجار يوقفون البيع للجمهور

لقد أحدث تراجع العملة المحلية في السودان مقابل الدولار ربكة كبيرة بالأسواق، مما دفع شركات منتجات غذائية وتجار إلى إيقاف عمليات البيع للجمهور تماماً، خشية التعرض لخسائر مالية، نتيجة عدم ثبات سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية.

وحاول البنك الدولي تخفيف الأعباء عن الاقتصاد السوداني بإعفائه من 50 مليار دولار من الديون، مكرساً بذلك خروجه من عزلته المالية والسياسية الذي بدأته واشنطن مع انتهاء عهد البشير.

وجاء الإقرار بعد أن وضع صندوق النقد الدولي اللمسات الأخيرة على اتفاق مع 101 بلد مانح يسمح للسودان بتسديد نحو 1.4 مليار دولار من ديونه المتأخرة للمقرض الذي يتخذ من واشنطن مقراً، وهو أمر كان يعرقل حصول الخرطوم على مساعدات جديدة.

الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن السودان

في ديسمبر 2020، شطبت واشنطن السودان من قائمتها السوداء للدول المتهمة بدعم الإرهاب، ما أزال عقبة مهمة كانت تقف في طريق الاستثمار الخارجي، وواصل الرئيس الأمريكي جو بايدن تحسين العلاقات مع الخرطوم منذ توليه السلطة في يناير 2021، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في مارس قرضاً مرحلياً قدره 1.15 مليار دولار لمساعدة السودان على سداد ديونه المتأخرة للبنك الدولي، بعد أن أعلنت حكومة الخرطوم عن سلسلة إصلاحات.

وأفادت وزارة الخزانة بأن الولايات المتحدة تعهدت بالمساهمة بمبلغ يصل إلى 120 مليون دولار كموارد ممنوحة لتخفيف عبء ديون السودان لصندوق النقد الدولي بموجب المرحلة الأولى من مبادرة “الدول الفقيرة المثقلة بالديون”.

الأرقام تؤكد المعالجات الخاطئة لحكومة حمدوك

بيانات البنك الدولي تؤكد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في السودان إلى مستويات 26 مليار دولار في 2020، من 32 مليار دولار في 2019، بانكماش نسبته 19 في المئة على أساس سنوي، وانخفاض أكثر حدة من عام 2016. وأشارت توقعات سابقة لصندوق النقد الدولي إلى نمو الاقتصاد السوداني بنحو 0.9 في المائة في العام الحالي، بعد انكماشه بـ3.6 في المائة عام 2020.

وأدى انخفاض الاحتياطيات الأجنبية من جهة أخرى في كثير من الأحيان إلى نقص الوقود والخبز والأدوية والاحتياجات الأساسية، وشح وتسجيل التضخم أعلى مستوياته على الإطلاق خلال الربع الأول من العام الحالي.

وبحسب صندوق النقد، ارتفعت مستويات التضخم بأكثر من 50 في المائة، الأمر الذي جعل من الصعب استقطاب استثمارات أجنبية في ظل زيادة التضخم، وعدم ثبات سعر الصرف. كما انعكس تراجع قيمة الجنيه وارتفاع معدل التضخم سلباً على أسعار جميع السلع الاستهلاكية والخدمات التي تشهد غلاءً فاحشاً هذه الأيام.

البطالة عامل آخر

كان من أبرز الأسباب التي دفعت الشعب للتظاهر والمطالبة برحيل الحكومة الإخوانية أزمة شبح البطالة الذي وصل إلى معدل نحو 18 في المائة حتى نهاية العام الماضي، وفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة السودانية، ولكن اقتصاديين يتحدثون عن نسب محدثة أعلى، وبخاصة بين فئة الشباب.

إلى ذلك يقول الخبير الاقتصادي المصري الدكتور كريم عادل إن الأزمة الاقتصادية في السودان لم تعالج بشكل صحيح وحكومة حمدوك فشلت في منع تفاقم الأزمة الاقتصادية، بل تسببت بشكل مباشر في قفز معدل التضخم إلى أكثر من 200% والبطالة إلى نحو 66% والديون الخارجية إلى 64 مليار دولار، بحسب تقارير مستقلة.

وأضاف عادل قائلا: لقد سجلت قيمة العملة المحلية تناقصا مستمرا، إذ يجري تداول الدولار الواحد بنحو أكثر من 400 جنيه في السوق الموازي، وسط أزمات خانقة في السلع الأساسية كالخبز والوقود وغاز الطبخ.

وتابع: الأزمة الاقتصادية لها عدة أسباب منها انعدام الإرادة السياسية وضعف الإنتاج والخلل الواضح في السياسات المالية والنقدية ووجود عدد كبير من الشركات العامة خارج مظلة وزارة المالية.

واختتم عادل قائلا: إن المعالجات تتطلب توفر إرادة سياسية قوية وضبط الكتلة النقدية وتقليص الإنفاق الحكومي وتحكم الدولة في صادرات الذهب والسلع الرئيسية والسيطرة الكاملة على مطاحن الدقيق وتوحيد الإيرادات تحت مظلة وزارة المالية وإعادة هيكلة البنك المركزي.

وفي النهاية نخلص إلى أن الأزمة الاقتصادية والمعالجات الخاطئة لحكومة حمدوك هي من سببت الحراك الذي يشهده الشارع السوداني والمطالبة بتدخل الجيش حتى يتم معالجة الأوضاع كافة.

البرهان ما حدث تصحيح مسار وسيتم الإعلان عن حكومة جديدة

إلى ذلك قال قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، إن ما حدث في السودان مؤخرا وحل مجلسي السيادة والحكومة الحاكمين للفترة الانتقالية لا ينبغي اعتباره انقلابا عسكريا بل هو “تصحيح للمسار”.

وأضاف البرهان في تصريح صحفي قائلا: “من يعتبره انقلابا فهو مخطئ، لأننا موجودون في السلطة، وإذا كان هناك انقلاب كنا لنتغير نحن أيضا، ولكن ما حدث تصحيح للمسار والعملية الانتقالية”.

وأوضح البرهان أنه سيتم إعلان اسم رئيس الحكومة السودانية الجديدة وأعضاء مجلس السيادة في غضون أيام.

وحول الانتقادات الدولية لتحركاته الأخيرة، أضاف البرهان إنه توقع مثل هذه الردود إذ “لا يمكن الوثوق بجزء كبير من وسائل الإعلام، ولا يمكن الاعتماد عليها.. ولا تزال العديد من الحقائق مجهولة”.

وأكد البرهان أن الفترة الانتقالية كانت مليئة بالانتهاكات، قائلا: “إذا نظرنا إلى الصورة السياسية والاجتماعية في البلاد، فإن المسار الانتقالي كان مليئا بالانتهاكات”.

وأضاف البرهان: “الأحزاب لم تستطع تشكيل ائتلاف والتوصل إلى إجماع حول أي موضوع، ولم يتمكنوا من الاتفاق على المجلس التشريعي، ومحافظو الأقاليم، لا يمكنهم حتى أن يضموا قوى سياسية”.

وفيما يخص رئيس الوزراء السوداني المعزول عبدالله حمدوك، أوضح البرهان، أن حمدوك “أُخرج من مقر إقامته بسبب التهديد بالاعتداء عليه”. وقال: “في الواقع، بدأت عدة مجموعات بالتجمع في منزله عندما كان هناك، لكن عندما شعرنا أن بعض الإجراءات بدأت، أخذناه بعيدًا عن المنزل، وعاد الآن إلى منزله”.

ويبقى الأمل إذا تم ترتيب المرحلة بشكل جيد

وفي النهاية يبقى المشهد المتردي في السودان حاضرا بقوة، فحكومة حمدوك هي اهتمام لحكومات البشير الإخوانية التي غذت الانقسام السياسي والفرقة وأفرزت مشهدا اقتصاديا غير مسبوق في السودان، ولذلك كان إعلان رئيس المجلس السيادي والقائد العام للجيش الفريق البرهان مسارا انتقاليا جديدا بمشاركة قوى مدنية أخرى غير الحرية والتغيير وحكومة حمدوك، ليبقى الأمل الذي يعول عليه خلاص الشعب السوداني من أزماته.

ورغم أن هذا السيناريو غير مضمون النجاح كما أن بعض السيناريوهات البديلة تحمل مخاطر كبيرة مثل الفوضى والاقتتال الأهلي، إلا أنه سيبقى هناك بعض الأمل إذا أعيد ترتيب المرحلة الانتقالية بشكل جديد ينقذ البلاد من مصائر خطرة.

بعد ان تناولنا موضوع ماذا يحدث في السودان يمكنك قراءة ايضا

الأبعاد السياسية للمبادرة الأمريكية لإنهاء الانقسام السياسى الفلسطينى

متغيرات الاتصال السياسي ونماذجه في التفاعل المؤثر

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى