الرئيسيةتقدير موقف

ماذا يحدث في السودان؟ رؤية تحليلية يكتبها محمد فتحي الشريف

الكاتب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات

الملخص

عندما يغيب الوعي تهدم الشعوب ويحل الخراب والدمار، هذا هو ملخص مشهد جديد من مشاهد صراع الأشقاء في الوطن العربي، ومشهد اليوم من السودان الحبيب بين (البرهان وحميدتي) بعد أن بدأ صراع دموي ضمن حلقات مسلسل صراع السلطة والنفوذ العربي الذي لا ينتهي، إنها مشاهد دموية يندى لها الجبين ويدفع ثمنها الشعب السوداني والعربي، دون أسباب منطقية واضحة، إنها حرب ربح فيها المتآمرون جولة جديدة وخسر السودان .

اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. قراءة في المشهد السوداني

التفاصيل

منذ ساعات قليلة وأصبح المشهد في السودان هو المتصدر لنشرات الأخبار في الوطن العربي وإفريقيا والعالم، من خلال حديث متواصل في كل وسائل الإعلام، ولكنه غير واضح المعالم، إذ ظهر الاستقطاب الإعلامي بوضوح في الطرح والتناول، وتبارت القنوات الفضائية في إظهار التوجه والمساندة لطرف على حساب الحقيقة.

السودان مواجهات الجيش الدعم

أحداث مأساوية 

ولذلك وبعد متابعة ومشاهدة الأخبار في مختلف المحطات الإعلامية العربية والدولية على مدار الساعات الماضية، ومن منطلق دور مركز العرب (2030) للأبحاث والدراسات التنويري، كان لابد أن تكون لنا وجهة نظر في الأحداث المأساوية التي تحدث لأشقائنا في السودان، ذلك البلد العظيم الذي يتمتع أهله بالثقافة والفكر، وهو الأمر الذي يحزن الكثير في الوطن العربي.

رؤية غير واضحة

لقد تاه الشارع العربي في فهم ما يدور في (السودان) الشقيق بين هذا وذاك لمعرفة الحقيقة، ولذلك سوف أرصد في تلك السطور معلومات مدققة مصحوبة بتحليل موضوعي لما يدور في السودان بشيء من التحليل والمعالجة وأترك للقارئ الكريم المساحة الكافية للتوافق معنا أو الاختلاف علينا.

في البداية سوف أضع إطارا لطرحي هذا، وهو أن ما أكتبه في تلك المساحة معلومات مؤكدة، وأن تحليلي هو وجهة نظري الشخصية التي يقبلها القارئ أو يختلف معها.

ماذا يحدث في السودان

التركيبة العسكرية في السودان.

حتى نعرف حقيقة ما يدور في داخل السودان فلابد من معرفة التركيبة الحقيقية للمشهد العسكري، وبعدها تتضح الرؤية الحقيقية لنا جميعا.

الفريق الأول: الجيش السوداني 

الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ويبلغ عدد الأفراد المنتسبين للجيش من ضباط وجنود 100)) ألف مقاتل، بالإضافة إلى (50) ألف جندي في الاحتياط، حسب آخر الإحصائيات، ويحتل هذا الجيش وفقا للتصنيف (75) في قائمة أقوى الجيوش في العالم، وفقا لتصنيف موقع (جلوبال فاير باور) المختص بالإحصائيات العسكرية.

هؤلاء الضباط والجنود يملكون الأسلحة التالية (191) طائرة حربية متنوعة، بينها ((45 مقاتلة، (37) طائرة هجومية، و(25) طائرة شحن عسكري، إضافة إلى (12) طائرة تدريب، و(72) مروحية عسكرية، منها ((43 مروحية هجومية و(170) دبابة، ونحو سبعة آلاف مركبة عسكرية مدرعة و((289 مدفعا مقطورا، و(20) مدفعا ذاتي الحركة و(40) راجمة صواريخ وأسطولا بحريا مكونا من (18) وحدة.

الفريق الثاني: الدعم السريع بقيادة (حميدتي)

قوات الدعم السريع تحولت من قوة في الجيش السوداني إلى ميليشيا يقودها محمد حمدان دقلو، ويُلقب بـ حميدتي وعدد قواتهم نحو (80) ألفا، ولهم قواعد في أماكن متفرقة من السودان، ويمتلكون نحو (10) آلاف سيارة رباعية الدفع مصفحة مزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة، شاركت قوات الدعم السريع في عمليات عسكرية عديدة داخل وخارج السودان.

صراع محتدم 

طرفا الصراع هما الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان والطرف الثاني قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، ويظهر في الصورة من بعيد رئيس الوزراء عبدالله آدم حمدوك، وهو رجل اقتصادي تسلم مهام رئيس الوزراء دون إنجازات تحققت.

حقائق غائبة في صراع السودان 

عندما تبحث عن الحقيقة في أوقات الصراع لا تستطيع الحصول عليها، وهذا الأمر أصبح واضحا بشكل كبير في التصريحات الإعلامية بين الطرفين الجيش السوداني والدعم السريع، حتى أن تقارير وكالات الأنباء والمراسلين غير دقيقة، لأن المراسلين والصحفيين في منازلهم وخاصة بعد تحذيرات الجيش للمواطنين الخروج من منازلهم بالإضافة لمنح كل المصالح إجازة مفتوحة وبالتالي التقارير والأخبار تنشر من مصادرها دون التوثيق أو التحقق من صحتها، وهذا أصبح واضحا في الأخبار التي تنشر من الطرفين.

الأوضاع الدبلوماسية في الخرطوم 

فيما يخص البعثات الدبلوماسية في الخرطوم فلقد أعلن السفير الأمريكي أنه في مكان آمن بعد أن غادر مقر السفارة، وهذا يؤكد أن الأوضاع خارج السيطرة والحقائق غائبة.

مشاهد من الصراع 

وإليك بعض المشاهد التي حدثت في الساعات الماضية، وبعدها سوف أضع رؤيتي وتحليلي لما يحدث ومستقبل الصراع في السودان.

(كيف بدأ الصراع؟)

الأسباب الحقيقة وراء هذا الصراع المسلح، أن القوى المدنية في السودان توافقت حول نقل السلطة إلى مدنيين، وهذا الاتفاق ضم شروطا عديدة من بينها هو ضم ميليشيات الدعم السريع بقيادة (حميدتي) إلى قوات الجيش السوداني، وهذا أمر طبيعي، فأي دولة يجب أن يكون جيشها موحدا تحت لواء قيادة واحدة.

السودان الاتفاق النهائي الدعم

الصراع بين البرهان وحميدتي 

هذا الأمر رفض بشكل قاطع من حميدتي، وذلك خلال حديثه لمقربين منه، إذ قال إنه شارك في عزل البشير، وأصبح له منصب كبير وتأثير واضح، فكيف يدمج في قوات الجيش السوداني ويصبح أحد أفرادها وتحت رئاسة البرهان، وهو يملك حسب قوله قوة تعادل قوة الجيش السوداني، قال أنا (100) ألف والجيش (100) ألف، وهنا بدأ الاستعداد للحرب، وطبعا لا يخفى على أحد دور المساندين لحميدتي في تلك الحرب.

حميدتي

الدعم السريع والمعركة

بعد ذلك بدأ (حميدتي) ينشر ميليشياته في الشوارع استعدادا للمعركة مع الجيش السوداني، وبدأ الحرب والصراع بعد تصريحات وتلاسن من الطرفين، كما لعب الإعلام الدور المرسوم له لتأجيج المواقف بنجاح.

تصريحات متضاربة

وبدأت التصريحات الإعلامية المتضاربة ومنها، تأكيد (حميدتي) على سيطرة قواته على عدد من المباني السيادية ومنها مقر قيادة الجيش ومبنى التلفزيون ومطار (مروي) والجيش السوداني ينفي، وهنا تلعب الفيديوهات المزيفة دورا بارزا في توجيه الرأي العام.

أكاذيب وفتن وتزييف

وفي المعارك والحروب لابد وأن تتسيد الأكاذيب المواقف وتشتعل الفتن، ولقد بثت ميليشيات الدعم السريع مشاهد لعدد من المدربين التابعين للجيش المصري عند دخولهم مطار (مروي) في السودان، وتلك الفيديوهات أغضبت الرأي العام في مصر والوطن العربي، فالجنود المصريون في مهمة تدريب مشترك مع أفراد الجيش السوداني، وهم مدربون ليس لديهم أي تسليح رسمي، لأن الجنود المصريين لو كانوا في مهمة قتالية، فلن تستطيع الدعم السريع أو الدعم البطيء أن تنال منهم.

اعتذار حميدتي لمصر 

وبعد الفيديوهات اعتذر (حميدتي) عن هذا الفيديو المسرب، وأكد أن الجنود المصريين بخير، فعدد القوات المصرية المشاركة في التدريبات المشتركة قليل ودون تسليح، وإن تصرف قوات (حميدتي) هو تصرف ميليشيات إجرامية لا تعرف المواجهة الحقيقية، فأغلب منتسبي ميليشيات (حميدتي) ليسوا عسكريين ويفتقدون الكثير من التدريب والتأهيل فهم أشبه بقطاع الطرق، حتى أن القوات المصرية لم تشتبك مع هؤلاء.

السودان أول الخاسرين

تلك هي المشاهد التي حدثت منذ اندلاع المعارك في السودان، وفي تلك الحرب الكل خاسر والشعب السوداني أول من يدفع تكاليف تلك الفاتورة الباهظة.

تحليل الأحداث بموضوعية

حتى نقف على الحقائق لابد وأن نحلل المشاهد السابقة بموضوعية وحيادية حتى يعلم القارئ العربي حقيقة هذا الصراع وخاصة وسط تضليل غير مسبوق من المنابر الإعلامية أحادية الرؤية والتوجه، بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن تلك المعارك والسيناريوهات المتوقعة لانتهاء المعارك.

من الخاسر في تلك الحرب؟

سؤال يردده الجميع من الخاسر في تلك الحرب؟ ومن المنتصر، الخاسر الأول هو السودان والشعب السوداني الذي يدفع فاتورة الصراع الباهظة من دماء أبنائه في المقام الأول، وذلك يتم بأموالهم وأياديهم، فالكل خاسر، وخاصة أن القتال والصراع ليس له أسباب حقيقية سوى البحث عن السلطة.

الأمن القومي العربي والإفريقي

الخاسر الثاني في تلك المعركة الأمن القومي العربي والإفريقي، فالسودان سوف يكون بيئة خصبة لظهور التطرف والإرهاب، والدليل على ذلك البيانات التي خرجت من التنظيمات الإرهابية مثل (داعش والقاعدة) وغيرها بدعوة أنصارها إلى الانخراط في القتال في السودان.

الدول المجاورة للسودان 

الخاسر الثالث دول الجوار سواء المشتركة معها في حدود برية أو بحرية، وهي ليبيا ومصر وإثيوبيا وإريتريا وإفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان والسعودية وكينيا وأوغندا والكونغو.

السودان البرهان انهيار

السيناريوهات المتوقعة

أولا: دخول وسطاء لوقف القتال

لو نظرنا للمشهد المحيط بالسودان لوجدنا أن الوساطات المتوقعة ستكون من دول الجوار في المقام، وتأتي مصر في المقدمة مع جنوب السودان، وهو ما ظهر في الساعات الماضية.

بالنسبة لدخول دول الخليج فهي مشغولة بملف إيران والتوافق مع الخليج الذي ترعاه الصين بالإضافة إلى المصالحة مع سوريا وعودتها إلى مظلة جامعة الدول العربية وزيارة وفد حماس للمملكة العربية السعودية، وخاصة في ظل الرفض الأمريكي الواضح لحضور سوريا القمة العربية في الرياض، وسوف تدعو السعودية الرئيس السوري بشار الأسد للحضور، وهو أمر حتما سيغضب أمريكا، الخلاصة الخليج العربي مشغول بملفات أهم من أحداث السودان.

بالنسبة لمصر فهي لديها ملفات عديدة شائكة، منها ملف عودة العلاقات المصرية التركية، والتي سوف تؤثر حتما في ملفات إقليمية مثل الملف الليبي، وكذلك انشغال مصر بملف سد النهضة وهو الأمر الذي سوف يؤثر عليه الصراع في السودان، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع ذلك سوف تتدخل مصر في محاولة إنهاء الصراع الدائر في الخرطوم، لأن هذا الصراع ستكون له تداعيات كارثية على المنطقة وعلى ملفات عديدة.

الأمر الثاني الذي يجعل مصر في مقدمة الدول المهتمة بالأحداث، هو وجود الجنود المصريين في السودان، وهو أمر يجعل الدولة المصرية تضع هذا الأمر في مقدمة الأولويات.

أضف إلى ذلك انشغال العالم كله بالحرب الروسية الأوكرانية وخاصة الدول الكبرى أمريكا والاتحاد الأوروبي وبذلك يبقي الدور الدولي والخليجي تجاه الأحداث في السودان غير فاعل بالشكل المطلوب.

مصر مع الشعب  والمؤسسات الشرعية 

ويبقي في النهاية السؤال، إذا تدخلت مصر في الملف السوداني مع من تقف؟ المتابع لتاريخ الدول المصرية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم يعلم جيدا أن مصر دائما ما تقف بجانب الشعوب أولا والمؤسسات الرسمية ثانيا التي تمثل تلك الشعوب، وبذلك موقف مصر سيكون مصر مع الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

ثانيا: انتهاء المعارك

أتوقع أن تستمر المعارك في السودان عدة أيام مقبلة، ولكن في النهاية يستطيع الجيش السوداني حسم المعركة لصالحه من خلال عوامل التجهيز وترتيب الصفوف والوقت في صالح الجيش السوداني والبرهان، وسوف يخسر حميدتي الكثير والكثير في حال استمرار المعارك، وفي النهاية سيكون موقف المجتمع الدولي في النهاية مع المنتصر، وهناك سيناريو آخر وهو نجاح الوساطة المصرية مع جنوب السودان في وقف المعارك، ولكن هذا الأمر قد يكون صعبا لكنه حل مطروح وليس مستحيلا.

تحليلات متفرقة

(حميدتي) والبحث عن الشرعية

(حميدتي) يدرك جيدا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي عندما يتم المساس بأمنها وسلامتها، ولن يستطيع أن يستعدي مصر، فهو يدرك أنه الجيش الأكبر والأعظم في الشرق الأوسط والاقتراب منه أو المساس به يكون انتحارا له، ولكنه في الوقت نفسه يريد أن تطلب منه مصر تسليم الجنود حتى يمنح نفسه شرعية في تلك المعركة مع جهات دولية عندما تعترف مصر بكونه قوة في السودان وتطلب منه تسليم الجنود، وهذا لن يحدث.

حميدتي والكيان الصهيوني

حميدتي له علاقات قوية بالكيان الصهيوني، وتحدث في أكثر من مناسبة بأنه يرحب بتلك العلاقات كما أنه جمعه مع مسئولين صهاينة لقاءات عديدة سريعة.

اعتذار حميدتي لمصر 

اعتذار حميدتي عن الفيديوهات التي خرجت للجنود المصريين وأنها نشرت دون علمه وغصبا عنه يؤكد ويدلل أن هناك من يحرك هذا الرجل ومن يقف خلف ذلك، ولكن مصر دولة قوية ولدى مسئوليها ثبات انفعالي وحكمة وتروٍ في اتخاذ القرار المناسب، والكل يعرف قدر مصر والدليل الاعتذار السريع والندم الذي ظهر في حديث حميدتي.

إحصائيات كاذبة

طبعا إحصائيات الوفيات والإصابات من المدنيين غير دقيقة بالمرة، فالأعداد تتجاوز المذكور مرات عديدة.

حميدتي والبرهان روسيا وأمريكا 

حميدتي يرغب في مساندة الروس والبرهان أمريكا، وهذا الأمر ظاهر وواضح في كل الأحاديث السابقة، فالتحليل لكل التصريحات يؤكد ذلك.

لقاءات سرية وأهداف خبيثة 

دلالات سوف تظهر قريبا تؤكد على الهدف من لقاء حميدتي بالمبعوث الأمريكي والبريطاني والنرويجي سرا، وهي أهداف في مجملها خبيثة.

الصراع وسد النهضة

الصراع الأخير سوف يؤثر على السودان في ملف سد النهضة وأيضا مصر، لأن الحلول المتوقعة لملف سد النهضة إذا افترضنا أن الحل قد يكون عسكريا فهذا الصراع سوف يؤثر على تحقيق هذا الهدف بالنسبة لمصر، لأن السودان لابد أن تكون معنا في خندق واحد.

غياب الوعي 

وفي النهاية أقول إن غياب الوعي في الوطن العربي سوف يكلفنا الكثير والكثير، فتلك حرب نشبت فدمرت البشر والحجر دون أسباب منطقية وفي أيام رمضان المبارك يحارب الأخ أخاه وفي النهاية يكسب المتآمرون جولة جديدة ويخسر العرب جولات.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى